; logged out
الرئيسية / العلاقات السعودية – المصرية.. الثبات والاستمرارية

العدد 94

العلاقات السعودية – المصرية.. الثبات والاستمرارية

الأحد، 01 تموز/يوليو 2012

في أي نظام إقليمي توجد دول مركزية تتمتع بثقل كبير يجعل لها تأثيراً يتجاوز حدودها القطرية، ومردّ هذه الأهمية غالباً ما يرجع إلى ما تملكه كل دولة من موارد القوة، مثل الإمكانات العسكرية والاقتصادية والأيديولوجية.

يمكن القول إن مصر والسعودية من أهم الدول التي تلعب دوراً محورياً في صنع السياسة الإقليمية مقارنةً بغيرها من دول المنطقة، وينظر إليهما، حتى من قبل الدول الكبرى، على أنهما قوتان رئيسيتان في معالجة الكثير من القضايا والملفات الإقليمية العالقة. وعندما يكون لدولتين هذا الحجم والتأثير فمن الطبيعي أن يكون بينهما تنافس أو تعاون أو خلاف في بعض الحالات.

في النصف الأول من القرن الماضي، كانت الدول العربية في بداية تكوينها السياسي، وكان هناك توافق بين النظامين الملكيين في الرياض والقاهرة، خاصةً في ظل طموح العراق للقيادة الإقليمية وما كان يدور من مخططات للوحدة بين العراق وبلاد الشام تحت الحكم الهاشمي. لكن بعد حدوث الثورة عام 1952 بدأت الأمور تتغير نتيجةً للاختلاف في التوجهات الأيديولوجية بين الدولتين، مع أن هذا لم يمنعهما من التعاون وتنسيق سياستهما الخارجية. لكن المواقف بدأت تتباعد شيئاً فشيئاً مع تزايد هجوم جمال عبدالناصر على الوجود الأجنبي في المنطقة، رغم أن الرياض بقيت معظم عقد الخمسينات على توافق مع مصر، كما في رفضهما جميعاً حلف بغداد عام 1955 ودعم السعودية لمصر في أزمة قناة السويس بعد ذلك بعام. لكن قبول الرياض بمبدأ الرئيس الأمريكي السابق آيزنهاور عام 1957، الموجه ضد التمدد الشيوعي، جعل المواقف بين الدولتين تتباعد تدريجياً، بالإضافة إلى تبلور الصورة السياسية في بلاد الشام والعراق، حيث تكونت أنظمة سياسية جمهورية سلكت أحياناً نهجاً مستقلاً وخاصاً بها.

ومع تزايد ثقل عبدالناصر في العالم العربي وهجومه على الدول المحافظة تزايد (البون) بين الدولتين، ووصل إلى حد القطيعة والنزاع كما في حرب اليمن عام 1962. واستمر التهديد القومي الناصري للأنظمة المحافظة حتى هزيمة 1967 وعقد قمة الخرطوم وما نتج عنها من توافق عربي والتزام الدول النفطية بدعم دول المواجهة. هنا بدأ الثقل السياسي السعودي واضحاً في السياسة العربية، وبعد وفاة عبدالناصر عام 1970 بدأت العلاقات المصرية- السعودية تشهد مزيداً من التحسن، وبدأ يتشكل المثلث السعودي-السوري-المصري، ودعمت المملكة سوريا ومصر، وتجلى ذلك بشكل أكبر في حرب 1973، لكن معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث لم تجد الرياض مناصاً من المضي قدماً مع الموقف العربي المنادي بإخراج مصر من الصف العربي وتعليق عضويتها في جامعة الدول العربية على أثر قرارات القمة العربية التي عقدت في بغداد عام 1978. وهنا بدأ العراق يطمح إلى القيادة الإقليمية، وكان هناك تقارب بين الرياض وبغداد حتّمه واقع الحال السياسي، خاصةً مع قدوم الثورة الإيرانية واندلاع الحرب بين العراق وإيران، وتوتر العلاقات الخليجية - الايرانية. من ناحية أخرى تسبب خروج مصر من الصف العربي في إضعاف النظام الإقليمي العربي وانكشافه، لاسيما أمام إسرائيل والمتمثل في الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. وتدريجياً بدأت الحاجة العربية إلى الدور المصري تزداد وهو ما تم في أواخر الثمانينات، حيث عادت مصر إلى الصف العربي مرة أخرى. ثم أتى غزو العراق للكويت عام 1990، وما أحدثه ذلك من انقسام في الصف العربي، بموجبه زاد مستوى التضامن المصري-السعودي، الأمرالذي تعزز منذ ذلك الوقت، وأصبح التنسيق بين الجانبين إحدى دعامات العمل العربي المشترك، وعاملاً مهماً في معالجة القضايا الإقليمية العالقة.

مصر والسعودية من أهم الدول التي تلعب دوراً محورياً في صنع السياسة الإقليمية

بعض وسائل الإعلام المصرية لعبت دوراً سلبياً في تشويه الدور السعودي تجاه الثورة المصرية

لكن اندلاع الثورات العربية وما نتج عنها من سقوط عدد من الأنظمة العربية قاد إلى عدد من النتائج، لعل أهمها الضبابية التي خيمت على المشهد السياسي الإقليمي، خاصةً في ظل عدم وضوح الرؤية في معظم دول الثورات العربية في ما يتعلق بالأنظمة السياسية المتوقع قيامها على أنقاض الأنظمة السابقة. ومن الجدير بالذكر أن الرياض استقبلت موجة الثورات العربية بحذر كبير لسببين على أقل تقدير: لأنها أطاحت بأنظمة حليفة مثل النظام المصري، وما لذلك من إسقاطات محتملة على نمط التحالفات الإقليمية السائدة، أو لأنها لم تسهم في إيجاد أنظمة مستقرة وواضحة المعالم رغم مضي وقت طويل على سقوط الأنظمة السابقة، وما قد ينتج عن ذلك من بلبلة سياسية.

إن الرياض كان لها موقف حذر تجاه الثورة المصرية ووقفت على الحياد، رغم الصداقة التي تجمع بين الرياض والقاهرة، وأن سقوط النظام المصري يشكل مصدر خطر على التحالف الوثيق بين الرياض والقاهرة. وكان الترقب سيد الموقف مع احترام خيار الشعب المصري في تغيير نظامه السياسي، وكان التعاطف السعودي مع الرئيس حسني مبارك لا يتجاوز الجانب الإنساني، وتماشياً مع القيم والشيم العربية التي تشكل اعتبارات يتم أخذها في الاعتبار في مثل هذه الحالات. وإذا كان من حق الحكومة السعودية تحديد موقفها من الثورة المصرية وفق منظور مصلحتها الوطنية، فإنه لا يجوز لها التدخل في الشأن المصري, لكن ليس هناك ما يثبت من قريب أو بعيد أن الرياض حاولت التأثير على مسيرة التحول السياسي في مصر، بل إن ما تم لا يتجاوز محاولة قراءة الواقع السياسي المتطور والتعامل مع كل الاحتمالات، بالإضافة إلى تقديم العون المادي لمصر لمساعدتها على تجاوز الصعوبات الاقتصادية والمالية الكبيرة والتي تلت الثورة. وتمثل ذلك في حزمة من العون الاقتصادي والمالي بما يقارب 4 مليارات دولار على شكل ودائع وهبات ومشاريع مشتركة.

إلا أن هناك عدداً من الأمور التي شوهت الموقف السعودي تجاه الثورة المصرية، وقادت إلى سوء فهم من قبل بعض الفعاليات السياسية والاجتماعية المصرية، والذي وصل إلى ذروته عندما أقدمت الحكومة السعودية على سحب سفيرها في القاهرة للتشاور في نهاية شهر إبريل الماضي والذي استمر قرابة الأسبوعين، وذلك احتجاجاً على مهاجمة السفارة السعودية من قبل عدد من المتظاهرين المصريين من دون أن يوفر لها الحماية اللازمة التي تنص عليها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961.

إن أهم سببين في الهجوم على الدور السعودي واتهامه بدعم قوى الدفع المضادة للثورة، يتمثلان في حقيقة أن (حالة الشارع) لا تزال تسيطر من حين إلى آخر على المشهد السياسي المصري. فروح التغيير السياسي لا تزال في أوجها، وفي مثل هذه الحالات تتضاءل العقلانية السياسية، وتسود روح الشارع والثورة. كما يمكن الإشارة إلى الانفلات الإعلامي الذي ساد بعد الثورة وضعف الرقابة الإعلامية والتي قد لا تكون عشوائية في بعض الحالات، بل قد تكون مقصودة نتيجة لتوجهات سياسية أو أيديولوجية أو غيرها. والحقيقة أن بعض وسائل الإعلام المصرية لعبت دوراً سلبياً، ليس في قضية الجيزاوي فقط، لكن في تشويه الدور السعودي تجاه الثورة المصرية والدفاع عن الرئيس المصري السابق، وكذلك ما ينشر من تقارير وأخبار صحفية عن دعم سعودي سخي لبعض القوى السياسية المصرية. وأخيراً، فإن بطء ردة الفعل الرسمية من قبل الحكومة المصرية لاحتواء الأزمة التي ولدتها قضية الجيزاوي والهجوم على السفارة السعودية في القاهرة من العوامل التي عجلت بقرار الرياض سحب سفيرها من القاهرة.

إن ما يمكن قوله في النهاية إن العلاقات المصرية - السعودية مبنية على أرضية صلبة من المصالح المتبادلة والأخوة المستمرة، وأن استمرارية تلك العلاقة ضرورة تقتضيها المصالح القومية العربية. ولو أردنا أن نتحدث بلغة الأرقام عن مدى عمق العلاقات التي تجمع الشعبين السعودي والمصري لوجدنا أن ما يقارب من 400 ألف سعودي يقيمون بصفة دائمة في مصر، بينما تستضيف السعودية نحو (2،5) مليون عامل مصري يساهمون في عملية التنمية في السعودية، ويعيلون ملايين الأسر في مصر. كما يزور السعودية أكثر من 600 ألف مصري للحج والعمرة سنوياً، فيما يقدر عدد السياح السعوديون لمصر قبل الثورة بأكثر من 500 ألف سائح سنوياً، وتعتبر الاستثمارات السعودية الأكبر في مصر بما يتجاوز 12 مليار دولار.

 

 

مجلة آراء حول الخليج