; logged out
الرئيسية / صراع واشنطن وطهران وموازين الخليج

العدد 91

صراع واشنطن وطهران وموازين الخليج

الأحد، 01 نيسان/أبريل 2012

إعلان رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي نتانياهو بعد لقائه الرئيس أوباما في مارس المنصرم خلال زيارته لواشنطن منح فرصة جديدة لمساحة زمنية وتأجيل المواجهة مع إيران يبدو للبعض جديداً بعد حراك إعلامي وسياسي مستعر، غير أن التأمل الهادئ في مسار كل دورات هذا الملف وطرحه في الإعلام يعطي مؤشراً آخر يجعل من إدارة هذا الموقف (حرب أو لا حرب) والتوسل الغربي المعلن لإسرائيل قد لا يعطي الحقيقة من ظاهره، وهو ما سنعرض له في هذه الدراسة، وسنحاول فهم أين ستقف حركة الصراع الأصلية؟ وهي هنا بين واشنطن وطهران وليس تل أبيب في الغالب، وكيف ستحكم المشهد والتقاطعات المتداخلة بين الدولتين؟

إن التقاطعات المصلحية التي تحكم الرؤى والتخطيط للدول ذات النفوذ والطموح قد تتغير كما هو الأمر لدى واشنطن وطهران، لكن حسابات هذه الرؤى تُحدّد بمنظور انتهاء المصالح وضمان تغيّرها للمستفيد الجديد مع أحدهما ولكن سيبقى هذا الضمان غير مكتمل وغير مطمئن مادام الطرف المندفع للاستفادة من صراع مزعوم أو حقيقي فاقداً للممانعة الذاتية، ولو كان ذا علاقة تاريخية حميمة مع أمريكا لكنه لا يملك التعاطي والقدرة على تحقيق تفوق لتوازنه بأدوات ومصالح يمتلكها، وهي موازين ذات تأثير كبير في سياق لعبة الأمم الجديدة في الخليج العربي.

تصريح أمريكي سابق

وقبل زيارة نتانياهو كان هناك تصريح من قيادة الجيش الأمريكي بعد رسالة من الرئيس أوباما لإيران، والتي اعترفت بها طهران وأعلنت المصادر الأمريكية أنها كانت جواباً مباشراً لتهديد طهران بإغلاق مضيق هرمز إذا مُنعت الصادرات الإيرانية النفطية من عبوره، أو ضخت دول الخليج ما يلزم لتغطية السوق العالمي من النقص البترولي لحصة إيران، وأشارت المصادر الأمريكية إلى أن أوباما حرص على أن يتبلغ الإيرانيون الرسالة بأن إغلاق المضيق سيعتبر عملاً حربياً يُشرّع الرد عليه وأن الرئيس أوباما عازم على تنفيذ الرد، وتصريح طهران بأن رسالة أوباما ليست ذات أهمية يعزز هذا المعنى، فاستخفاف إيران بالرسالة هو عمل دعائي يقتضي منها إظهار هذا الموقف المستخف إعلامياً، في حين تدرس فعلياً ما يترتب عليها أن تفعله وتتجاوب معه، وما بين ضجيج طهران المعتاد في التصعيد الإعلامي ومنهجية طهران التنفيذية في التعاطي مع الغرب اختلاف كبير لا تعكسه مدافع الإعلام الإيراني، إلا إذا شعر النظام بأن هذه المرحلة باتت تشكل بالفعل قرار الزمن الأخير لإمبراطورية طهران الدينية.

أما تصريح الجيش الأمريكي فكان يقول بأن الجاهزية للضربة العسكرية قائمة في المنطقة عبر قواعدها وأنه لا حاجة لإرسال قوات إضافية وهو ما يُفهم منه في الصيغة الأولى أن قرار الحرب الشاملة غير وارد وهو ما أعلن أوباما التزامه للناخب الأمريكي به، أي الامتناع عن تنفيذ أي حرب شاملة، فما هي رسائل هذا التصريح والرسائل المقابلة وأين زاوية إسرائيل في هذا المفصل؟

تمرد أم تَوَافق

يبرز لنا طرحان في زاوية إسرائيل في مشروع الضربة العسكرية المحدودة لإيران بعد أن استبعدنا كقراءة تحليلية موضوعية خيار الحرب الشاملة للوصول لتحديد توجه واشنطن المفصلي لهذه المواجهة وآثار ذلك على منطقة الخليج العربي، الأول مصحوب بحملة إعلامية ضخمة تُسوّق بصورة كبيرة بين الفينة والأخرى في مراحل التوتر الغربي الإيراني المختلفة تجزم بأن تل أبيب بالفعل ستنفذ الضربة العسكرية من خلالها ولن تنتظر واشنطن وأن البيت الأبيض سيغطي الضربة اضطراراً وخضوعاً للإصرار الإسرائيلي بحجة عزل إيران عن إمكانية الوصول للتخصيب الشامل وتجهيز الرؤوس النووية.

وهذا الصخب الإعلامي متبادل بين أنصار إسرائيل وأنصار إيران العرب كنوع من استدرار التعاطف مع نظام طهران لكسر عزلتها العربية والإسلامية خاصةً بعد مواجهتها الشرسة ضد الثورة السورية، أما هدف الطرف الأول من هذا التصعيد الإعلامي فيبرز من خلال التأمل والمتابعة على أنه يهدف من اللوبي الصهيوني لإبقاء موقف الكيان الإسرائيلي في موقف الحق المشروع للعربدة العسكرية في المنطقة بحيث تَبقى مثل هذه الخيارات تحت الضغط الإعلامي جاهزة ومتوقعة للدعم من واشنطن والرأي العام الغربي حين تحتاج تل أبيب إليها، أمّا من زاوية المفهوم الإعلامي الاستراتيجي للبنتاغون فهي مفيدة لدعم الخيار الثالث مع إيران وهو ما نرجحه هنا وأن المشهد يتوجه نحوه وهو وصول حركة الضغط الأمريكي إلى رضوخ نسبي أو كلي في ملف السلاح النووي الإيراني من قبل نظام طهران.

وقد يُطرح في هذا السياق عبارة الرئيس الأمريكي في خطاب حالة الاتحاد الأخير وهو قوله: لن أستبعد أي خيار من الطاولة لمواجهة التسلح الإيراني – كناية عن بقاء الخيار العسكري مطروحاً أمام البيت الأبيض، ثم أعقب الرئيس أوباما ذلك بقوله: لكن الخيار السلمي مازال قائماً وهو المفضل – وخلاصة قراءة حراك السياسة وتوازنات المنطقة مع القراءة الحذرة لبعض الدراسات الصادرة عن قضية المواجهة تُعطي هذه النتيجة خاصة مع موقف لاريجاني ووزير خارجية النظام الإيراني اللذين فتحا الأبواب مجدداً مع وسيط غربي ومع أنقرة لتسوية هذا الملف تحديداً، وبالتالي الخضوع ليس لصفقة متعادلة لكنها متفوقة لمصلحة واشنطن في هذه المرحلة الضاغطة على طهران فتُبدي فيه الأخيرة تجاوباً كافياً لحلحلة أزمة الملف النووي أو ترحيله.

وقد يرى البعض رجحان هذه الضربة وفقاً لبعض التصريحات الصادرة من شخصيات إسرائيلية وأمريكية وبالعموم بالإمكان بقاء هذا الخيار مطروحاً، غير أن الفرق يبدو بارزاً بين بعض التصريحات التي يُبنى عليها ضجيج إعلامي للتحفيز لمواجهة عسكرية أو إرسال تهديد ضمني لطهران وبين التصريحات ذات العمق السياسي والدلالة الأكبر ومن ذلك تصريح رئيس هيئة الأركان الأمريكية بعد زيارته لتل أبيب من أنه أبلغ الإسرائيليين بوضوح خطورة الإقدام على عمل عسكري مباشر.

وقد يُطرح تساؤل لماذا لا يكون ذلك نوعاً من التضليل الإعلامي وتكون تل أبيب بالفعل مخططة للتنفيذ، والجواب على ذلك ينطلق من أن التوجه الإسرائيلي قلق من تنفيذ الضربة ذاتياً وانعكاس ذلك عليها في هذه الأزمة السياسية التي تفاقمت استراتيجياً بعد هزيمة حرب غزة وتأثيرات الربيع العربي على النظام العربي التي دعمت وضعية حماس في غزة وتصدع خارطة الطريق الإسرائيلية، ولذلك فهي في كل الأحوال لا تريد أن تخلق أجواء مفاجئة جديدة لها وتُصّر على البديل الآخر وهو قيام واشنطن بهذا العمل، وهو ما يؤيده وأشار إليه مراراً رئيس حكومة الكيان الصهويني نتانياهو.

هنا تبدأ الصورة بالاكتمال لتصب في الموقف الأمريكي الذي أشرنا له وسعيه إلى استثمار كل ذلك الحراك بما فيه الضجيج الإعلامي للضربة العسكرية لإرغام طهران على التوافق لرؤية الأمريكيين ولو نسبياً في الملف النووي، في حين يترجح قبول طهران بذلك لكنها سوف تَرُد وفقاً للقراءات الأولى على هذا التنازل بمواجهة مع الخليج العربي ودعم العراق الطائفي ودعم نظام الأسد للمحافظة على مواقعها.

كيف يواجه الخليج التحدي الإيراني

ستركز إيران على بعد آخر حين تتحول الضربة إلى جانب سياسي ردعي مركزي لتعديل ميزان التفاوض والملفات لمصلحة واشنطن، خاصة أنها أبدت تجاوباً كبيراً حيث فتحت المجال الزمني لمراقبي منظمة الطاقة الدولية وفتحت مساراً جديداً مع أنقرة وبون لمفاوضات أوسع مع الغرب.

وهنا سوف تنطلق قوة الردع الإيرانية عبر التركيز على التصعيد في المنطقة وهو ما رأيناه بالفعل في الانقلاب الذي نفذه المالكي على شركائه في العملية السياسية وإثارة البعد الطائفي واستدعاء خطاب الغالبية، رغم أن طهران وقواها في الداخل العراقي كانت تمتدح مشاركة السنة في عملية واشنطن السياسية وتهاجم وتطارد المشروع الوطني العراقي غير الطائفي الذي يقوده الشيخ حارث الضاري وشركاؤه الوطنيون، وهذا التحفيز الإيراني للساحة العراقية يُستخدم كمدارين، الأول حسم التوسع في العراق وتكثيف الهيمنة الإيرانية عليه من خلال قوى طهران السياسية في بغداد، والثاني تسخين المشهد الإقليمي بمواجهات طائفية وحرب أهلية محدودة لتثوير المنطقة في مواجهة تصدع الحالة الإيرانية في المنطقة وردع الأطراف الأخرى عن أي تقدم على ساحتها في العراق أو سوريا أو إيران الداخل.

أما لبنان فإن التكليف الإيراني الكامل لحزب الله ينصبّ على نصرة النظام في دمشق الذي توغّل بالفعل في تورطه في قمع الشعب السوري وإمداد النظام بعناصر أمنية مؤكدة، وبالجملة فإن عين طهران بل وقوتها المادية والمعنوية منصبة بنسبة كبيرة لإسناد نظام الأسد وقمع الثورة السورية بأي وسيلة وبكل طاقة، أما العنصر الثالث في المواجهة الإيرانية للخليج العربي كونه في تقدير الإيرانيين المنطقة الهشة للرد والتصعيد وهو ما تعكسه سلسلة من التصريحات من رجال الدين والسياسيين والعسكريين الإيرانيين في إطلاق تهديدات متلاحقة موجهة لدول الخليج، ومن هذه التهديدات ما يُطلق بصورة عامة ومنها ما يُشير إلى إثارة موجة من المواجهات الداخلية في دول الخليج العربي مع التكثيف للتغطية الإعلامية المركزة على قضايا الصراع والاشتباكات الأمنية وتقديمها على أنها ثورة جماعات على أسس الجغرافيا بتوصيف طائفي.

ومع رصد حالة التداعي مع هذا الخطاب في الداخل الخليجي من بعض العناصر والشخصيات إلا أننا نعتقد أن أكبر خدمة للمشروع الإيراني هو التصعيد على هذه الحالات وتحويلها إلى بؤر مواجهات مسلحة تستدعي توريط عدد أكبر من المواطنين وإعلانها جبهة مواجهة طائفية، والموقف السياسي الراشد هو أن تُحتوى هذه النزعات وتطوّق عبر الحوار والمعالجة الهادئة، ومن يستحق التطبيق القانوني على تورطه وارتباطه فيُحال على قضاء عادل ومستقل، مع الحذر الشديد من توسعة لغة الإعلام والتحريض والتجاوب مع النزعات الطائفية المؤدية لتثوير الحالة الاجتماعية في دول المنطقة، فقد تسعى طهران في أي وقت لإشعالها بوضعية أكبر من القدرة على احتوائها، وحتى لو نُفذت مواجهة أمنية تحسم المشهد وهي لا تحمل بعداً سياسياً فلا يعني ذلك أن خمودها دائم، وهذا الملف في مواجهة التدخل الإيراني القائم يحتاج إلى حذر شديد وعدم تعميم التورط ومعالجة الرد الإعلامي عليها بحكمة.

فرصة الخليج العربي الأخيرة

هنا ستنفرد قضية مركزية لدى دول الخليج العربي كفرصة تاريخية لهزيمة إيران فيها وتحييد قوتها الموجهة للتوسع في النسيج أو الأوطان الخليجية وهي المعركة المفصلية الآن في سوريا، بتحرير سوريا وعودة الحكم العربي عبر الخيار المدني خاصة بعد إعلان إيران رسمياً حربها على الشعب السوري، ففصل الشام عن هيمنة إيران يعني ترنّح ملفها في لبنان وضعف احتلالها للعراق وضرب قدرة توجيه الحراك الخاص للمنظومة الأمنية تجاه الخليج العربي، فكيف إذا كان مع كل ذلك كسب حليف عربي في حكم سوريا المستقبل، ولذلك ورغم الخطوة المهمة في طرد سفراء النظام إلا أن دول المنطقة بحاجة ضرورية عاجلة لدعم استراتيجي مهم للثورة السورية يعتمد على تغطية كل حاجات تركيا من الدعم المادي والسياسي للمنطقة العازلة والدعم والتسليح الفوري للجيش السوري الحر وتفعيل الضغوطات الدولية لتحقيق منافذ عبور للمدنيين وإغاثتهم وتعزيز العقوبات الضاغطة على النظام، وهي أقرب الطرق لهزيمة إيران دون الدخول في بازار دولي خطير أو ضربة عسكرية غير محمودة العواقب وغير مضمونة مع شكوك كبيرة في توجهات المحور الدولي إضافة لاستنزاف المنطقة، هنا سيغتنم الخليج العربي فرصة تاريخية لتحقيق أمنه وأمن الشام والمستقبل العربي..أما إذا ضيعت المبادرة فقد تكون فرصة الزمن الأخير.

مقالات لنفس الكاتب