; logged out
الرئيسية / مصر وتونس تفقدان ثقة المستثمرين ودور محتمل لدول الخليج

العدد 92

مصر وتونس تفقدان ثقة المستثمرين ودور محتمل لدول الخليج

الثلاثاء، 01 أيار 2012

تشهد دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حراكاً قويّاً في أسواق المال منذ بدء (الربيع العربي)؛ فالمخاطر المالية في أسواق المنطقة أثرت في كل دولة بشكل منفرد. وتقدَّر حتى الآن الخسائر المالية، بحسب مجموعة التفكير السياسية (جيوبوليسيتي)، بـ 56 مليار دولار أمريكي في المنطقة كلها. فقد عرفت بعض الدول تراجعاً حاداً في سعر العملة المحلية، فمثلاً تراجع قيمة الريال في اليمن أدى إلى ارتفاع في أسعار السلع الغذائية ومواد البناء المستوردة مما أعاق معظم مشاريع البناء، وزاد أزمة البطالة القائمة أصلاً سوءاً.

يحلل هذا المقال دولتين، هما مصر وتونس، شهدتا إسقاطاً لنظاميهما في عام 2011 من خلال النظر إلى تحركات سوق الأسهم المحلي (الذي غالباً ما يعكس بشكلٍ جيد المشاعر المحلية في البلد) وانتشار مقايضات المخاطر الائتمانية (ما يعكس المشاعر الخارجية) للتوصل إلى فهم أفضل لحركات السوق، ثم سنتطرق إلى كيفية تأثر هاتين الدولتين، ودور دول مجلس التعاون الخليجي والفرص المتاحة لها نتيجة لذلك.

مع بداية الثورة في تونس في أواخر ديسمبر 2010 وامتدادها في العام التالي، شهد سوق الأسهم في تونس- كما يتبين في الشكل رقم (1)- هبوطاً ملحوظاً في العام التالي في السابع من يناير مترافقاً مع ارتفاعات حادة وقصيرة الأمد في منتصف فبراير حين استقال رئيس الوزراء، وفي منتصف مارس حين تم حل حزب الرئيس زين العابدين بن علي. وابتداءً من يونيو ارتفع المؤشر العام لبورصة تونس تدريجيّاً.

ومع أن سوق الأسهم المحلي ارتفع من جديد، وانعكس الأثر المباشر للأزمة التونسية على الاقتصاد المحلي مع خروج نسبة كبيرة من رأس المال الأجنبي من البلاد والعجز الحالي المتزايد وتراجع قيم الاستيراد والتصدير ونسبة نمو إجمالي ناتج محلي يقارب الصفر لعام 2011 متوقع بحسب توقعات صندوق النقد الدولي، لكن التوقعات على المدى المتوسط إيجابية بعض الشيء مع نسبة نمو لإجمالي الناتج المحلي متوقع أن يبلغ 3.9 و5.2 في المائة للعامين التاليين وزيادة متناسبة في حجم التصدير.

ولدى مقارنة سعر صرف العملة بين الدينار التونسي واليورو ابتداءً من يناير، نلاحظ أن قيمة الأول تراجعت أمام اليورو، مع ارتفاع قصير الأمد من سبتمبر إلى نوفمبر. وبما أن معظم صادرات تونس موجهة للاتحاد الأوروبي، فمن الأفضل للبلاد أن تضمن عدم هبوط الدينار التونسي إلى حد كبير أمام اليورو لأن تكاليف الاستيراد ستتسبب بالتالي بأضرار كبيرة في اقتصاد هش أصلاً.

وبالنظر إلى انتشار مقايضات المخاطر الائتمانية في تونس، فلن يكون من المفاجئ أن نرى ارتفاع سعر التأمين على سندات تونس إثر أنشطة الثورة. لكن في إطار المعايير الدولية، لا تزال هذه الانتشارات متدنية بعض الشيء. ففي مطلع ديسمبر 2011، كان المستثمر بعشرة ملايين دولار يتكلّف 275 ألفاً للتأمين من العجز في تونس، فيما كان يتكلف المستثمر بعشرة ملايين دولار في التاريخ نفسه في مصر 531 ألفاً للتأمين من العجز. لكن نظراً للتعافي السريع بعد الاضطرابات السياسية، بقي تسعير المخاطر مرتفعاً، مشيراً إلى نقص كبير في ثقة المستثمر.

 

أيضاً بالمقارنة بمصر، لا يزال تسعير المخاطر في تونس أدنى بكثير مما يمكن توقعه من بلد شهد ولادة (الربيع العربي). ويبدو أن الوضع الاقتصادي في تونس أكثر جاذبية من الدول المجاورة من وجهة نظر مستثمر، بما أن الإصلاحات السياسية تمت صياغتها بسرعة، ولأن إجمالي الدين القومي والمدخرات القومية في تونس أفضل من مصر مما يشير إلى أساسات سليمة، وتبين أن الأحداث التي جرت في العام الماضي في البلاد أقل فوضى من الأحداث في الدول المجاورة، وينعكس ذلك في تراجع انتشار ديون تونس.

ومع أن هذا الانتشار يتباطأ في نموه إلا أنه لا يزال ينمو على الرغم من التطورات السياسية الإيجابية. فمن المعروف أن المستثمرين الدوليين يتفاعلون بسرعة مع التطورات السياسية الإيجابية، لكنهم يترددون اليوم أمام التحسن في الأوضاع الحالية. إضافة إلى ذلك، شهدت كل من مصر وليبيا أحداثاً سياسية أقل سلاسة مما يشكل عنصراً أساسياً في عدم تحسن انتشار الدين في تونس.

ومع استلام الرئيس ورئيس الوزراء الجديدين مهامهما، مفترضين أنهما سيكملان الانتقال السلس، كان من الممكن التطلع إلى أن انتشار الدين في بداية عام 2012 سيبدأ بالاستقرار ويتراجع، لكن هذا العامل سيتأثر بما ينعكس عليه من تطورات في الجارة مصر التي شهدت صعوبات أكبر في عملية الانتقال.

كما شهد سوق الأسهم المصري هبوطاً حادّاً بقيمة أعلى من الهبوط في سوق الأسهم التونسي، وعلى خلاف الجارة مصر لا يشهد سوق الأسهم الآن أي تحسن. وكان سوق الأسهم المصري تراجع منذ بداية الأحداث بنسبة 40 في المائة، كما أنه كان عرضة لدرجة عالية من التذبذب. ومنذ الأحداث التي بدأت يوم العطلة الوطنية يعتمد البنك المركزي المصري على احتياطياته من العملات الأجنبية لتجنب انهيار الجنيه المصري.

مع بين المستثمرين للجنيه المصري هبطت قيمته بسبب عاملين مهمين: أولاً، المصريون في الخارج الذين يتقاضون أجورهم بالدولار الأمريكي أو بعملة أخرى قيمتها أعلى بالنسبة للجنيه المصري استفادوا أكثر من إرسال الحوالات إلى مصر. ثانياً، أتاحت تدفقات الحوالات المهمة إضافة إلى بيع البنك المركزي للاحتياطي الأجنبي لشراء الجنيه المصري تثبيت هذا الأخير على المدى القريب إلى المتوسط. إلا أن مصر تواجه خطر الوقوع في أزمة عملة على المدى القريب بسبب تراجع احتياطيها من العملات الأجنبية من 36 مليار دولار إلى 20 ملياراً بحلول نهاية العام الماضي والبداية الجديدة لأجل تدفق الحوالات.

ويبدو أن الوضع المالي غير السليم في مصر يعكس عدم الاستقرار السياسي مع إمساك الجيش بقبضة حديدية على عملية صنع القرار في البلاد وعدم قدرته حتى الآن على تلبية متطلبات الشعب. فمنذ بداية العام الماضي كان انتشار مقايضات مخاطر الدين يقف عند 317 نقطة أساس، لكنه انتقل الآن إلى 513 نقطة في أول ديسمبر 2011 بعد تجدد الاحتجاجات وعدم الاستقرار السياسي. ولا شك في أن المستثمرين يضعون الدين المصري في مستوى أعلى من الدول المجاورة مع أنه تبين بحسب مجلة ( فايننشال تايمز) في 25 أكتوبر أن معظم هذا الدين بيد جهات فاعلة محلية، مما يجعله أقل عرضة لموجات البيع بسبب الهلع.

كما ينعكس استمرار أعمال العنف السياسية في مصر في الوقت الحالي من خلال الانتشارات. ولجهة الاقتصاد الكلي يبدو أن الوضع لن يتحسن. كما يبدو في الجدول رقم (2)، أن إجمالي الناتج المحلي شهد انكماشاً بنسبة 76 في المائة من عام 2010 إلى 2011، ويتوقع صندوق النقد الدولي تحسناً بسيطاً جدّاً للعام الحالي. ولا يُتوقع تحسن حجم الصادرات والمدخرات الوطنية وإجمالي الاستثمارات قبل عام 2013 لاسيما في خضم الاضطرابات السياسية التي تعكس صورة غير واعدة للشعب المصري والمستثمرين الدوليين. حتى إن صادرات النفط لا يُتوقع أن ترتفع قبل2013-2014

 

وفي المحصلة نقول إن (الربيع العربي) حركة نشأت بسبب سنوات من القمع السياسية وانعدام المساواة الاجتماعية والاقتصادية، ويملك مجلس التعاون الخليجي في هذا السياق فرصة أساسية، إن لم تكن مسؤولية، لمساعدة الدول التي طالها (الربيع العربي) في عملية الانتقال، علماً أنه حتى الآن المساعدة الموجهة إلى خارج دول مجلس التعاون الخليجي لم تقدم سوى لأنظمة ملكية كالمغرب والأردن. وعلى المدى القصير، تستفيد معظم دول مجلس التعاون من فائض في احتياطياتها بفضل ارتفاع سعر النفط، ويمكن استخدام هذا الفائض لتنظيم رزم هيكلية تركز على إعادة إطلاق عملية النمو (كصناديق التنمية التي قُدمت للمغرب والأردن، لكن على نطاق أوسع). ويمكن أن تركز هذه الرزم على توفير تطبيق فعال لإطار عمل الملكيات الخاصة، وتحفيز القطاع الخاص، ومراقبة الفساد والتسرب عن قرب والتركيز على إيجاد فرص العمل للشباب.

ومن أجل تجنب المزيد من التدهور الاقتصادي الذي قد يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار السياسي، من الضروري توفير برامج المساعدة الاقتصادية الهيكلية من قبل دول مجلس التعاون الخليجي. فبالنسبة للمجلس، فإن استمرار الاضطرابات السياسية قد تكون له عواقب وخيمة، لذا هناك مصلحة خاصة بإعادة إرساء الأمن والاستقرار. إلا أن دول المجلس لا تملك الإمكانات الفنية للإشراف على التطبيق، ورصد كيفية رد الأموال أساسي لنجاح البرامج. كما ينبغي على دول الخليج أن تسعى إلى الحصول على مساندة الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والمصرف الأوروبي للإنشاء والتعمير من أجل دعم البرامج، فمن جهة سيقدم مجلس التعاون الخليجي المساعدة المالية فيما تقدم المؤسسات الأخرى التطبيقات الفنية.

ويجب ألا تخشى دول المجلس من الموجة الديمقراطية التي تجتاح العالم العربي. فالارتدادات الإيجابية على المجلس قد تنتج عن الرزم السياسية الفعالة، وتولد بدورها الاستقرار في المنطقة، وتوفر تنمية عادلة لحلفاء دول المجلس المستقبليين ووزناً أكبر لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا.

 

 

مقالات لنفس الكاتب