; logged out
الرئيسية / العلاقات العراقية – الخليجية بعد مرحلة الانسحاب الأمريكي

العدد 89

العلاقات العراقية – الخليجية بعد مرحلة الانسحاب الأمريكي

الأربعاء، 01 شباط/فبراير 2012

تحاول هذه الورقة التعرف إلى أهم النقاط الفارقة التي أفرزتها التجربة السياسية العراقية الوليدة بعد عام 2003، أي بعد الإطاحة بنظام دكتاتوري شمولي على صعيد علاقاته مع دول الجوار ومنها دول مجلس التعاون الخليجي، ولا بد من التذكير بأن الأدبيات السياسية في معظم البلدان العربية سعت إلى إيجاد صورة نمطية عن العراق الجديد إذ باتت تنظر إلى العراق كأنه مترادف مع تجربة سياسية تفضي إلى التمزق والتشرذم حتى غدت صفة التغيير السياسي في المنطقة مقرونة بالخوف من تكرار التجربة العراقية التي أمست كأنها دليل على الفشل أو الإخفاق الذي يرادف التجربة السياسية التي تتخذ الديمقراطية بديلاً عن النظام المركزي والشمولي لا سيما في بلد تتنوع مكوناته وتتعدد قومياته ومذاهبه.

تركت مثل هذه النظرة تأثيراً كبيراً على طبيعة الدور العراقي في المنطقة بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص كما تركت بصماتها على حجم ونوع العلاقات العراقية-الخليجية.

ولابد من تقرير حقيقة تاريخية شكلت الملمح الأساسي لبناء الدولة العراقية منذ بداية عقد العشرينات في القرن الماضي ألا وهي افتئات المشروع السياسي العراقي الذي تشكل بعد احتلال القوات البريطانية للعراق على الإرث السياسي العثماني، والذي قام على حصر المشاركة السياسية في الحكم وحق التعليم والحقوق الاجتماعية الأخرى على فئة محدودة من المكونات المجتمعية العراقية، ولقد بقيت هذه الفئة تسعى إلى احتكار ما ورثته من امتيازات منحت لها في الحقبة العثمانية من دون الالتفات إلى حقيقة الواقع السكاني الموجود في العراق والذي كان سيؤدي مع استمرار نهج الاستئثار إلى مخاطر وخيمة كان من الممكن أن تؤدي بالتجربة الوليدة في العراق إلى مخاطر الانهيار. ولقد أفرزت هذه الحقيقة التاريخية تأثيراً على البناء السياسي في العراق وسمه بطابع عدم الاستقرار إلا في حقب محدودة، ولم يكن حتى في هذه الحالات إلا بمثابة مرجلٍ يغلي بهدوء وببطء سرعان ما ينفجر إذا ما أتيحت له الفرصة.

لقد أمل عدد كبير من العراقيين بأن يتفهم العرب هذه الحقيقة وهي أن اختلال المشاركة السياسية في العراق ولّد جملة من النتائج السلبية على صعيد علاقة العراق مع الجوار الإقليمي، وأفضى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي في الداخل والذي قاد بدوره إلى توتر دائم في علاقات العراق مع الإقليم المجاور كان من محصلتها احتلال الكويت وتدمير ما تبقى من نظام إقليمي عربي.

وسوف نحاول أن نتعرض هنا إلى مواقف دول الخليج العربية من الواقع السياسي العراقي الجديد ومدى تأثرها بالتغيير السياسي الحاصل بعد عام 2003 ومدى تأثير انسحاب القوات الأمريكية بعد دخول اتفاقية الإطار الاستراتيجي حيز التنفيذ بنهاية عام 2011. ولابد من تقرير حقيقة أساسية كانت ولا تزال تزعج معظم القوى السياسية والمجتمعية العراقية ألا وهي نظرة الكثير من دول الجوار الإقليمي للعراق على أنه دولة مكونات وليس دولة مواطنة تتحدد فيه مصالحه الاستراتيجية في ضوء رغبة مكوناته في العيش سوية بظل وطن واحد.

ولعلنا في تتبعنا لموضوع تأثر دول الخليج العربية بالواقع السياسي العراقي سوف نعمل على التركيز على بلدين هما المملكة العربية والسعودية والكويت وذلك لمجاورتهما للعراق وتأثرهما بشكل مباشر بالأوضاع السياسية والأمنية فيه.

لقد مرت العلاقات العراقية-السعودية بحقب من التوتر بعد تأسيس وظهور الدولتين في العصر الحديث في العقد الرابع من القرن العشرين وكانت محصلةً لاختلاف البيتين المالكين في كل من العراق والسعودية على عرش الحجاز، ورغم ذلك فقد شهدت الحقبة التي سبقت احتلال الكويت تعاوناً وطيداً بين الدولتين لا سيما خلال فترة الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، ثم شهدت نكوصاً وتراجعاً خلال عقد التسعينات، ورغم أن السعودية قدمت دعماً لوجستياً للقوات الأمريكية التي اجتاحت العراق وأسقطت نظام صدام حسين في مارس 2003 إلا أنها أعلنت وعلى لسان كبار مسؤوليها رفضها للتدخل العسكري كوسيلة وحيدة لإسقاط النظام العراقي السابق، ولقد بينت في أكثر من مناسبة عن الأولويات التي تخص سياستها الخارجية تجاه العراق بعد عام 2003 وهي منع انزلاق الأوضاع السياسية في العراق إلى حالة من عدم الاستقرار الذي يؤدي إلى خلخلة الأمن الداخلي في السعودية، وعدم هيمنة شيعة العراق على شؤون الحكم بالشكل الذي يقوض دور السنة، وأخيراً السعي لعدم انفراد إيران بدور كبير في العراق بالشكل الذي يؤثر في المصالح الاستراتيجية السعودية. وإذا ما أردنا تبيان الأهداف السعودية على المدى البعيد فسوف نجدها متمثلة بعدم رغبة السعودية في ظهور العراق كقوة مؤثرة وفاعلة في السوق النفطية على الأقل خلال العقد المقبل وضمان عدم ظهور العراق بمظهر القوة الاستراتيجية الكبرى التي تغدو قادرة على تهديد السعودية أو العبث بأمنها أو أمن بقية دول مجلس التعاون. وقد يكون مثل هذا الرأي لدى عدد كبير من العراقيين أو فهموا أن سياسية السعودية تسير بهذا الاتجاه.

لقد سعت السعودية ومن أجل تطبيق وتفعيل استراتيجيتها هذه إلى حث العراقيين على اللجوء إلى آليات المصالحة الوطنية والشراكة بديلاً عن اللجوء إلى أساليب العنف لحل الخلافات السياسية، وعلى هذا الأساس فقد رعت جملة من المؤتمرات الإقليمية التي رمت إلى تحجيم العنف أو تقليصه في الداخل العراقي والحيلولة دون امتداده إلى الداخل السعودي، وتؤشر جملة من الدراسات والتحليلات إلى أن المملكة لا تسعى جاهدة إلى مساعدة الحكومة العراقية وذلك لاعتقادها بأن المشروع السياسي للحكومة القائمة يحمل في طياته سمةً مذهبية، وهو الأمر الذي قد يدعوها لأن تقوم بتقديم دعم مادي لشيوخ القبائل من المسلمين السنة وكذلك قادة المجموعات التي تعرف بالصحوات.

كما أكدت السعودية وعلى لسان كبار قادتها عدم رغبتها في امتداد إشكاليات المشاركة في السلطة داخل العراق إلى خارجه، وبالتالي تأثر الداخل السعودي بحيثيات الصراع العراقي وسعيها لأن يتفق القادة العراقيون على صيغة تكفل تقاسم السلطة بنحوٍ متوازن بحيث يبعد مخاطر العراق واحتمال امتداد آثاره على الأراضي السعودية. والواقع أنه ليس هنالك ما يخيف السعودية لو تفاهم الشركاء العراقيون على صيغة مشتركة يمكن من خلالها استيعاب الخلافات الداخلية وبالشكل الذي يفضي إلى قيام عراق قوي ومسالم وفي الوقت ذاته قادر على أن يكون طرفاً فاعلاً في حل مشكلات المنطقة وأزماتها.

ورغم أن الحكومة السعودية قد قصرت في دعم العملية السياسية في العراق إلا أن ذلك لم يمنع من قيام علاقات دبلوماسية وتجارية نشطة بعد عام 2003، وجرت محاولات حثيثة لإعادة فتح السفارة السعودية في بغداد، لكن مثل هذه الجهود لم تنجح وذلك لتذرع الحكومة السعودية بالمخاطر الأمنية الموجودة في بغداد والتي تعيق البعثة الدبلوماسية السعودية من أداء مهامها بشكلٍ فاعل.

وتجد الحكومة السعودية قدراً كبيراً من الحرج في تعاملها مع الواقع العراقي، ذلك أنها تدرك أن بعض الفصائل المسلحة العراقية تندرج في إطار الجماعات التي تصنف بكونها (إرهابية) في المملكة، وبالتالي فأن احتمال قيام السعودية بدعم هذه الفصائل سوف يعرضها للانتقاد من لدن الولايات المتحدة وكذلك فإن القادة السعوديين يدركون أن تراخي وتراجع سلطة الحكومة العراقية في مقابل توسع نفوذ هذه الجماعات التي تعادي نظام الحكم السعودي سوف يقوضان جهود المملكة الرامية لتحقيق قدر كبير من الاستقرار في هذه المنطقة. كما أن تراخي قبضة الحكومة العراقية يعني فيما يعنيه نشوب النزاع المذهبي الذي سوف يترك آثاره المدمرة على أمن المنطقة، وسوف يغذي عوامل التوتر في أكثر من بلد خليجي، وسوف لن تسلم السعودية نفسها من آثاره. ولقد بينت المملكة وعلى لسان وزير خارجيتها سعود الفيصل أنها تقف على مسافة متساوية من كافة مكونات الشعب العراقي، ولن تكون بمثابة الجهة التي تقدم دعمها لأبناء مذهب معين على حساب المكونات الأخرى. وإذ ترمي السياسة الخارجية السعودية وعلى المدى الطويل إلى تحقيق الاستقرار ونزع فتيل أي أزمة مذهبية محتملة في العراق وبالتالي عودة العراق إلى ممارسة دوره الطبيعي في المنطقة ودعم جهود الإعمار وإعادة البناء فإنها تشعر في الوقت ذاته بأن مثل هذه الأهداف سوف تؤدي إلى بروز مخاطر مستقبلية محتملة لا سيما في حالة بروز نهاية لدور جماعات العنف المسلح في العراق وبالتالي احتمال عودة أعضائها من السعوديين لممارسة عمليات مسلحة داخل الأراضي السعودية. ولا بد من التذكير بأن دور ونوع القيادات العراقية المستقبلية وطبيعة علاقاتها مع دول الجوار ومنها إيران سوف يحجّم أو يضخم المخاوف السعودية من الدور الذي يمكن أن يلعبه العراق في المنطقة.

العلاقات العراقية-الكويتية بعد عام 2003

لم يستطع البلدان الجاران تجاوز الجراح التي ولدها غزو النظام السابق للكويت في 2 أغسطس 1990، ورغم أن القيادة الكويتية استبشرت خيراً بزوال نظام صدام حسين إلا أن هنالك جملة من المخاوف التي تولدت بعد تأسيس النظام الجديد ولا سيما على صعيد هيمنة الأحزاب الإسلامية، واحتمال امتداد آثار الصراع المذهبي في العراقي للكويت، والمطالبة بإلغاء الديون الكويتية المترتبة على العراق، وكان أخيراً وليس آخراً البدء بمشروع ميناء مبارك الكبير والذي يمكن أن يؤدي إلى توتر جديد في العلاقات بين البلدين الجارين. ورغم أن الكويت ضمنت وإلى حد كبير عدم وجود تهديد لأمنها واستقرارها بعد زوال النظام السابق في العراق إلا أنها وكبقية دول مجلس التعاون لديها جملة من الهواجس من اندلاع أعمال توتر مذهبي في العراق وهو احتمال امتداد هذه الأعمال للكويت وتوسع نشاطات الجماعات الإرهابية المسلحة، ويالتالي بقاء الوضع العراقي مشحوناً بحالة من التوتر وأعمال العنف التي لن تبقى محصورة في الداخل العراقي. وتخشى الكويت كما هو الحال مع بقية دول الخليج أن يغدو العراق ملجأً آمناً للجماعات الإرهابية المسلحة بعد انسحاب القوات الأمريكية، ومع عدم وجود جهوزية واستعداد كامل لدى الجيش العراقي الجديد لمواجهة المخاطر المترتبة على وجود جماعات العنف المسلح.

لقد برزت نقطة فارقة وحساسة في العلاقات العراقية-الكويتية هي قضية خروج العراق من طائلة البند السابع وعودته لممارسة دوره السيادي الكامل في الشؤون الخارجية بالشكل الذي كان عليه قبل دخول قوات النظام السابق للكويت في أغسطس 1990، ومن المعروف أصلاً أن هنالك فقرة قد تضمنتها أحد بنود الاتفاقية العراقية-الأمريكية وهي الفقرة (25) ألزمت بموجبها الولايات المتحدة باتخاذ كافة الجهود اللازمة من أجل عودة العراق لممارسة دوره السيادي الكامل ولا سيما على صعيد التصرف بأمواله وودائعه الموجودة في البنوك الأجنبية، وكانت جهود العراق الخاصة بإخراج البلاد من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة قد اصطدمت برغبة الكويت الخاصة في استيفاء الديون العراقية تمهيداً لخروج العراق، أي بمعنى أن هنالك بعض النقاط العالقة التي لم يتم التوصل بشأنها إلى حل مرض بين العراق والكويت ومن دونها لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال إخراج العراق من طائلة الفصل السابع. وفي المقابل فإن القيادة العراقية ترى أن جزءاً من أموال التعويضات الخاصة بالكويت قد تم استيفاؤها وبالتالي فليست هنالك حاجة لاستمرار هذه التعويضات، التي أضحى العراق بحاجةٍ ماسة لها لإعادة الإعمار وتدشين مرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويرى كثير من العراقيين سواء على صعيد النخبة السياسية أو الأكاديمية أن هنالك ضرورة لطي صفحة الماضي الأليمة بين العراق والكويت والبدء بمرحلة جديدة تُمد فيها جسور الثقة المتبادلة تمهيداً لعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين وهي علاقات لا تقتصر بأي حالٍ من الأحوال على الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية، بل تشمل بعداً اجتماعياً كان حصيلة لتداخل صلات النسب والجيرة بين المجتمعين العراقي والكويتي.

ويمكن أن نخلص إلى جملة من النتائج تخص طبيعة العلاقات الموجودة بين العراق وكل من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت وهما عينتان على العلاقة العراقية-الخليجية وهي:

1- هنالك ارتياح لدى دول الخليج العربية من سقوط نظام صدام حسين، ولكن مع ضرورة الحفاظ على الآلية السابقة للحكم في العراق، أو على الأقل إيجاد قاعدة من التوازن لا تتم فيها هيمنة فئة على حساب تهميش الفئات الأخرى.

2- وجود خشية من الاختلال الحاصل في قاعدة وهرم السلطة في العراق الجديد واحتمال تأثيرها على الواقع المجتمعي بتفرعاته المذهبية في بلدان الخليج.

3- السعي لأن تقوم الولايات المتحدة بترتيبات أمنية وسياسية تسبق انسحاب قواتها بشكل كاملٍ عن الأراضي العراقية.

4- ضرورة التنسيق بين الولايات المتحدة ودول الخليج بشأن أمن المنطقة بعد الانسحاب الأمريكي.

5- السعي لعدم امتداد آثار أي صراع مذهبي أو قومي في العراق خارج الحدود العراقية والإعلان عن عدم الرغبة في التدخل في الشأن العراقي الداخلي.

6- الحيلولة دون تداعي قدرات الحكومة العراقية في صد الجماعات المسلحة وعدم وقوع العراق فريسة بيد هذه الجماعات وذلك لأنها ستترك تأثيرات لا يحمد عقباها على أمن الخليج.

7- السعي لإشراك العراق في الترتيبات الإقليمية الخاصة بالأمن الإقليمي في الخليج.

8- السعي لعدم إبقاء المشهد السياسي العراقي مهيمناً عليه من لدن إيران لا سيما بعد توتر العلاقات الخليجية-الإيرانية ووجود بوادر أزمة جديدة بين إيران والغرب قد تلقي بظلالها على المنطقة.

 

مجلة آراء حول الخليج