; logged out
الرئيسية / سياسة المحاور الجيوبولتيكية والاتحاد الخليجي في القرن 21: دراسة مستقبلية

العدد 89

سياسة المحاور الجيوبولتيكية والاتحاد الخليجي في القرن 21: دراسة مستقبلية

الأربعاء، 01 شباط/فبراير 2012

يبدو أن التطورات المعاصرة في الشرق الأوسط، أثبتت أن التغيير هو سمة أساسية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة في المنطقة نتيجة للتحولات الاستراتيجية التي مرت بها المنطقة ما بعد الحرب الباردة، فمنطقة الشرق الأوسط مرت بثلاثة أطوار ما بعد الحرب الباردة تتمثل، بطور التحول والتوسع أولاً، وطور التثبيت والاندفاع ثانياً، وطور السيطرة والتشكيل ثالثاً، والطور الرابع هو الصورة التي ستصل بها فاعليات الاستراتيجيات الدولية والإقليمية لرسم الخطوط الأخيرة للمنطقة من أجل أن تكون من الفواعل العالمية وذات قدرة تماثلية في إدارة وتشارك مع شؤون المجتمع الدولية من حيث الإدارة والتشكيل لإدارة الغاية العالمية في استمرارية الحياة البشرية نتيجة سمو قيمة التعاون على قيمة الصراع أو التنافس بصورة أدق.

من هنا فإننا نفترض فرضية مفادها أن الاتحاد الخليجي هو النواة الحقيقية لبناء محور جيوبولتيكي قادر على الانطلاق من خلال ثلاثة أطوار زمنية في الاندماج والتحول للوصول إلى أنموذج اتحادي أوسع قادر على إدارة الشرق الأوسط الجديد.

أولاً: سياسة المحاور

تدور في الأفق اليوم ثلاث رؤى تندمج لإنتاج صورة المحاور الجيوبولتيكية في المنطقة تتمثل في المحور الخليجي + الأنظمة الملكية المحافظة أولاً، والمحور الإيراني ثانياً، والمحور التركي – المصري ثالثاً.

أ- المحور الخليجي ويضم كلاً من دول الخليج الست (مجلس التعاون الخليجي) بالإضافة إلى المملكة الأردنية الهاشمية ومملكة المغرب، وهذا المحور يضم دول الاعتدال المحافظة على مجموعة من القيم والأساسيات في التعامل وواضحة في الأطر الاستراتيجية تجاه إدارة المنطقة نحو الاستقرار من دون إثارة تحديات حقيقية قد تهدد الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط.

ب- المحور الإيراني ويضم كلاً من الجمهورية الإسلامية في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وهذا المحور يضم دولاً محافظة ومتحولة نحو نظام ديمقراطي ودولاً متغيرة من حيث الاستقرار أو النظام السياسي، وترتكز دول المحور على رؤية متباينة من حيث التعامل مع الأمن الإقليمي وخصوصاً العراق الذي يحاول أن ينأى بنفسه نظرياً عن المشكلات والتحديات الإقليمية وفقاً لما كتب في الدستور العراقي 2005، إلا أن التأثير الإقليمي ما زال لا يحقق هذا الطموح مما أدخل العراق في بعض القضايا الخاصة بالأمن الإقليمي، وتعاني كذلك الجمهورية الإسلامية في إيران من تحد خارجي مرير قد يصل إلى النهاية العسكرية واستخدام الضربة المبعثرة والتي قد تنهي آمال المشروع النووي وتحدث تحولاً واضطراباً داخل إيران. وبالمقابل نلاحظ أن النظام في سوريا مازال مستمراً في إدارة الأزمة لكن نهايتها غير واضحة حتى الآن، فما زالت القرارات الدولية غير ثابتة تجاه الموقف النهائي من الوضع في سوريا على الرغم من التحرك العربي في مبادرة عربية لإدارة الموقف الإنساني بالإضافة إلى مشروع العراق للوساطة، كما أن لبنان ما زالت تجربة النظام السياسي ما بعد رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري فيه تعاني من التحول والتغير وعدم القدرة على إدارة التحديات الداخلية أو مواكبة التحولات الخارجية، والانطلاق نحو نقطة جديدة من إدارة السلطة السياسية.

إضافة إلى أن اليمن ما بعد مرحلة الاضطرابات السياسية والمبادرة الخليجية لتحول السلطة، لم تتضح صورة وشكل النظام السياسي فيه من أجل تحديد البقاء في إطار هذا المحور أو محاولة التقدم للانتقال والاندماج في محور جديد.

وبالتالي هذا المحور هو محور مؤثر من حيث التأثير والتأثر في الأمن الإقليمي للشرق الأوسط لما له من امتداد ليس في التأثير الداخلي للإقليم والمنطقة بل للتأثير العالمي نتيجة للتفاعل (سلبياً أو إيجابياً) مع الاستراتيجيات الدولية في المنطقة والعالم.

ج- المحور التركي – المصري، ويتمثل هذا المحور في الدولة التركية المعاصرة ما بعد إدارة حزب التنمية والعدالة والتحول نحو بناء دور العثمنة الجديدة والعمل من خلال تصفير المشكلات لانطلاق دور جديد لتركيا في الشرق الأوسط، وعلى مدى السنوات الثماني الماضية حاولت تركيا الإشعار عن دورها الإقليمي والتحول في الأداء من الاندماج المرن إلى الاندماج الهادف في إدارة وتقاسم أعباء التحديات الإقليمية بالإضافة إلى وظيفتها كعضو فعال في حلف الناتو وجزء ثانوي في التحالف الدولي في أفغانستان وإدارة الأمن والسلم والتنمية في أفغانستان، كما أن لها دوراً مؤثراً في إدارة الأزمة في سوريا من خلال التأكيد على البعد الإنساني في إدارتها للأزمة.

أما جمهورية مصر العربية ما بعد الثورة على النظام المصري السابق، فإنها ما زالت متحولة ومتغيرة في تجربتها السياسية لبناء أنموذج جديد للسلطة لم تتسم ملامحه بعد، لكنه لا يخرج عن سلطة الإسلام السياسي – سلطة المؤسسة العسكرية، وبذلك سينتظر الشرق الأوسط مصر ما بعد الانتخابات وبرنامج الدولة الخارجية وسياستها الإقليمية والدولية والتي على أثرها سيتم تحديد فاعلية أو حدة التأثير للمحور التركي – المصري في إدارة شؤون الشرق الأوسط وبناء التفاعلات الإقليمية.

ولذلك نجد أنه على الرغم من الفاعلية التركية في إدارة الشؤون الشرق أوسطية إلا أنها ما بعد ثورة (الربيع العربي) قد تحولت للاندماج والانتقال نحو محور المغرب العربي خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى كل من تونس ومصر وليبيا، وهي بذلك تعلن عن التوجهات الإقليمية لتركيا في الشرق الأوسط، لكن هذا المحور وكما قلنا سابقاً ينتظر تمكين بناء أنموذج السلطة في مصر والتي على ما يبدو تتماثل مع تجربة تركيا في إدارة الحكم والسلطة ما بعد فوز العدالة والتنمية منذ عام 2002.

إضافة إلى أن هذا المحور جداً متفاعل مع الاستراتيجيات الدولية في الشرق الأوسط عبر اندماجه في تحالفات وتفاعلات ومبادرات دولية.

الأمن والاستقرار في منطقة الخليج لا يمكن أن يتأمنا دون تضافر جهود دول المجلس مجتمعة
ثمة تخوف من تطورات إقليمية قد تكون إيران مصدرها في ظل تنامي قدراتها العسكرية
الاتحاد الخليجي هو نواة التحول نحو التفاعل الإقليمي لإدارة منطقة الشرق الأوسط الكبير

ثانياً: الاتحاد الخليجي

دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دول مجلس التعاون الخليجي خلال افتتاح القمة العادية الثانية والثلاثين للمجلس في 19/12/2011 إلى تجاوز مرحلة التعاون الخليجي إلى الاتحاد الخليجي في (كيان واحد) خصوصاً أن التحديات الاستراتيجية باتت في (أمنها واستقرارها)، وذلك من خلال القول (لقد علمنا التاريخ والتجارب ألا نقف عند واقعنا ونقول اكتفينا ومن يفعل ذلك سيجد نفسه في آخر القافلة ويواجه الضياع وهذا أمر لا نقبله جميعاً لأوطاننا واستقرارنا وأمننا، لذلك أطلب منكم أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد)، وبقراءة استراتيجية لأبعاد المشروع الاستراتيجي لفكرة الاتحاد يتبين:

* أن هنالك تخوفاً على الأمن والاستقرار في منطقة الخليج الذي لا يمكن أن يتأمن من دون تضافر جهود دول المجلس مجتمعة.

* أن هنالك تخوفاً من تطورات إقليمية قد تكون إيران مصدرها في ظل تنامي قدراتها العسكرية.

* أن هنالك تخوفاً من أن تضيع مساع عمرها 30 سنة وأن تكون النهاية انفلات مجلس التعاون من أية روابط خاصة أن ما تحقق ليس على مستوى الطموحات.

* أن هنالك تخوفاً من انفلات الوضع العربي ومن احتمال عدم قدرة دول الخليج على صيانة أمنها وأمانها في حال كانت متفرقة ومتباعدة.

* أن هنالك تخوفاً من تصاعد حدة الصراعات والنزاعات الدولية ومن عودة أجواء حرب باردة جديدة بعد أن تبين أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد القوة القادرة على إدارة نظام دولي أحادي الجانب، حيث تبرز مطامح وتطلعات لقوى أخرى مثل روسيا، والصين التي استيقظ فيها التنين الذي كان نائماً، وهناك أيضاً قوى ناشئة مثل الهند والبرازيل وغيرهما.

ومن خلال رؤية استراتيجية دقيقة فإن فكرة الاتحاد الخليجي، لا تعني على الإطلاق أن تخسر أية دولة خليجية هويتها الوطنية وتراثها وتاريخها - لنتذكر فكرة الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال - ولا أن تتنازل عن طاقاتها وإمكاناتها وثرواتها لأي من الأطراف، ولا أن تفقد استقلاليتها وسيادتها، بل الاتحاد الخليجي هو أسمى درجة من درجات التعاون الذي يكفل تأطير جهود كامل الأعضاء في بوتقة واحدة فيجعل من ست دول خليجية قوة اقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية متضامنة ومتعاونة.

ثالثاً: سيناريو المستقبل

من خلال ما تقدم سنحاول بناء صورة المحور المؤثر في الشرق الأوسط والذي سيعمل على بناء صورة تركيبية لمحور جيوبولتيكي مؤثر في الشرق الأوسط يجمع بين الرؤية الذاتية لإدارة المنطقة عبر مقاصة الأهداف الوطنية للدولة مع الأهداف الكلية للدول داخل المحور وبين الرؤية الخارجية بدلالة المصالح الدولية والمتمثلة (في حقول النفط والغاز، الممرات البحرية، القواعد العسكرية).

1- محور الخليج والملكيات الدستورية والعراق

وهذا المحور يتمثل في نشوء الاتحاد الخليجي مع انضمام كل من المغرب والأردن إلى الاتحاد وطبعاً وفق سنوات التحول والتغير في الحصول على العضوية التامة، ومن ثم دعوة العراق للانضمام إلى هذا الاتحاد الخليجي الذي تجمعه الجغرافيا والتاريخ أولاً، بالإضافة إلى أنه قوة اقتصادية مؤثرة في المنطقة لما يمتلكه من مؤثرات في القوة المقبلة للشرق الأوسط، وهذا ما سيجعل مركب القوة الاستراتيجية لهذه القوى المنظوية في الاتحاد الخليجي – العربي قادرة على إدارة الإقليم من حيث الاستراتيجيات والسياسات وأنماط الإدارة المتكاملة من حيث كل مؤهلات القدرة الاستراتيجية لبناء الأمن والسلام الإقليمي، وسيحتاج هذا المحور للعمل فيه 4 سنوات.

2- محور الخليج الجديد – العثمنة الإسلامية

وهذا المحور هو الطور الثاني من تطور الوعي الاستراتيجي لمرحلة الاندفاع والاندماج والتطور في المحور الجيوبولتيكي الأول إلى المحور الجيوبولتيكي الثاني، وبالتالي محاولة الاندماج والانفتاح على المركب الاستراتيجي الذي يجمع القوة الاستراتيجية من حيث الكم والنوع، وسيحتاج هذا المحور إلى 8 سنوات من أجل الوصول إلى غايته.

3- محور الشرق الأوسط الجديد

وهذا المحور سيشمل الانتقال للطور الثالث من أطوار الاندماج والتثبيت والإدارة لمنطقة الشرق الأوسط، عبر تأهيل كل من إيران وسوريا ولبنان واليمن من أجل إدارة تركيبية للشرق الأوسط الجديد قادرة على التعامل من الأمن والسلم والاستقرار الاستراتيجي بصورة خلاقة وفاعلة، وهذا المحور سيحتاج 10 سنوات من أجل الوصول إليه.

وفي الختام نصل إلى نتيجة مفادها أن المنطقة سائرة نحو مرحلة متقدمة من التحول والاندفاع نحو تغير معالم الشرق الأوسط التقليدي الذي ظل حبيساً للرؤية الأمريكية (New middle east) المغايرة للمشروع البريطاني في إدارة الشرق الأوسط التقليدي (Traditional middle east) نحو أفق جديد للشرق الأوسط الكبير (Big middle east)، وهذا ما يحتاج إلى 10 سنوات للانتقال نحو مرحلة متقدمة من السياسات الإقليمية في المنطقة. وبالتالي سيكون الاتحاد الخليجي هو نواة التحول والاندفاع والتغير نحو بناء مركب التفاعل الإقليمي لإدارة منطقة الشرق الأوسط الكبير.

مقالات لنفس الكاتب