; logged out
الرئيسية / التغيرات المناخية وأثرها في مشكلة الموارد المائية بدول الخليج

العدد 90

التغيرات المناخية وأثرها في مشكلة الموارد المائية بدول الخليج

الخميس، 01 آذار/مارس 2012

كانت التغيرات في المناخ سبباً في ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى ما نسبته 60 درجة مئوية، خلال القرن العشرين (الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، 2001)، والتوقعات تفيد بأن هذه الزيادة سوف ترتفع بحدود 4,1 إلى 8,5 درجة مئوية عام 2100م، معتمدةً بذلك على مستوى الاحتراق الذي ينجم عن الوقود المستخرج من الأرض، وأكثـر هذه الزيادة في الارتفاع سيكون بسبب زيادة كتل الغازات المركّزة والتي تنطلق من البيوت الزجاجية (الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، 2007).

إضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة المتوقع ما بين 1 إلى 5,2 درجة مئوية خلال عام 2030م، فمن المتوقّع أنّ مليارات البشر وخاصّةً في الدول النامية سيواجهون تغيرات في نزول مياه الأمطار ونقصاً حاداً في المياه والجفاف والفيضانات. وستؤثر هذه الأحداث في زيادة إفساد الأرض وفقدان الحياة عليها. وستؤثر تغيرات المناخ أيضاً في فصول النمو وإنتاج المحاصيل النباتية والثروة الحيوانية وأمن الطاقة.

وبذلك تكون هذه التغيرات في المناخ ذات تأثيرٍ مباشر على المجتمعات غير الحصينة، ولكن هذا التأثير سواءً كان موجوداً أم غير موجود فلا تزال هناك تحديات أكثر قسوة ذات صلة بالأمن الغذائي والصحّة والفقر.

إنّ تغيرات المناخ الحساسة هي بمثابة قضايا بيئية مهمة وتشكّل تهديدات جدّية للشعوب الفقيرة وغير الحصينة على امتداد العالم وتجلب المخاطر الكبيرة مثل نقص الطعام وانعدام الأمن والأمراض، جاعلةً السكان في مخاطر واسعة من حيث الصحّة وسبل العيش وبهذه الحالة تكون المجاعة في العالم قد ارتفعت لتشمل أكثر بكثير من مليار إنسان.

ومن الضروري أنْ يكون تغير المناخ دافعاً آخر لإدارة الأرض والبيئة وتقديم الطرق للوصول إلى القوانين ذات الصلة بنصوص (اتفاقية مكافحة التصحّر وإحصاءاتها... إلخ) وتعزيز سبل الحياة وإدامة الإنتاج لمواجهة الجوع، أمّا بخصوص منطقتنا والشرق الأدنى الذي يتكوّن من 32 بلداً في وسط وغرب آسيا وشمال إفريقيا، فيبلغ عدد سكان هذه المنطقة (حسب تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو) نُشِرَ عام 2005)، أكثر من 720 مليون شخص موزعين بشكل متفاوت بين بلدٍ وآخر، كما هو الحال في بعض الأقطار التي يبلغ عدد نفوس أحدها حوالي نصف مليون نسمة بينما يبلغ عدد نفوس دول أخرى أكثر من 170 مليون نسمة.

وتعتبر منطقة الشرق الأدنى أكثر مناطق العالم نقصاً في المياه، ففي تقرير آخر لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو) نُشِرَ عام 2007 ذكر أنّ مستوى المياه للشخص الواحد عام 2005 بلغ 1،700 م3، مقارنة بالنسبة العالمية لحاجة الفرد من المياه وهي حوالي 8،500 م3، أمّا في منطقتنا فكميات المياه للفرد قليلة وتتراوح ما بين 8 م3 إلى ما يقارب 7000م3 للفرد الواحد في بعض الحالات.

وتعاني منطقة الخليج العربي نقصاً في الموارد المائية، ويؤدي النقص في المياه المتوفرة إلى العجز الزراعي الذي يعرف بانخفاض وفرة التربة الرطبة تحت المستوى المطلوب للمحصول خلال كل مرحلة نمو مختلفة مؤدية إلى نتيجة إنماء ضعيفة في المحاصيل الزراعية.

وتبدأ نتائج الجفاف الهيدرلوجي حين تبدأ النواقص في الترسّبات بخفض مصادر المياه الموجودة فوق الأرض والمياه الجوفية أيضاً. ويحدث هذا حين يكون هناك نقصٌ في مصادر المياه وخاصة الأمطار في ظروف اعتيادية أو في حالة نضوب المياه الجوفية.

وتكون تأثيرات المناخ على المستويين الاقتصادي والاجتماعي مباشرة على النشاطات الإنسانية في مجالاتها المختلفة بفعل انخفاض معدلات هطول الأمطار والثلوج وما يتصل بها من وفرة المياه. وهذا واضح في المستوى المدروس للظروف المحيطة وخلال مرحلة زمنية واسعة.

لا تزال هناك تحديات عالمية أكثر قسوة في ما يتعلق بالأمن الغذائي والصحّة والفقر
يجب التعامل مع الجفاف بخطة عمل طويلة الأمد وليس حالة طارئة
العالم العربي لا يحظى إلا بحوالي 0.5 في المائة من الموارد المائية العذبة المتجددة في العالم
تعد دول الخليج العربية من أكثر الدول العربية تأثراً بمشكلة ندرة المياه

التأثيرات المحتملة لتغيّر المناخ على الجفاف في الشرق الأدنى

لقد أدّى الجفاف الواسع نتيجة التغيرات المناخية في الشرق الأدنى بداية القرن الحادي والعشرين إلى آثارٍ مباشرةٍ على المواطنين وخاصّةً في حياتهم المعيشية والبيئية.

تذكر التقارير العلمية أنّ عام 2100م سيكون معدّل التكلفة 5,2 في المائة في المناطق المتأثرة بالتغير المناخي العالي كبعض الأجزاء من الشرق الأدنى وخاصّة الشرق الأوسط، بينما يكون معدّل التكلفة على إفريقيا والشرق الأوسط ما نسبته 5,3 في المائة متأثّرةً بالتغير المناخي.

ومن أجل درء خطر التغيرات المناخية والحد من خطورتها وآثارها السلبية على منطقة الخليج العربى والمنطقة بصورة خاصّة وأحوال القاطنين فيها من السكان، يجب القيام بسلسلة من الإجراءات الأساسية التي تساعد على الحد من نتائجها، وأهمها:

* الانتقال من التعامل مع الجفاف كحالة طارئة إلى خطة عمل طويلة الأمد والقيام بأعمال دائمة لتخفيف التأثيرات المضادة لهذه الظاهرة. ففي بعض البلدان المحدّدة يتوجب العمل على تبني عمل إداري وفني جاد في تطوير استراتيجيات وطنية لتسكين وتخفيف العجز ويأتي ذلك من خلال وضع برنامج عمل بيئي عالمي متطور كمواجهة أحداث المناخ العنيفة مثل الفيضانات والجفاف مثلاً، وتمكين المجتمعات من التقليل من المخاطر التي ترافق هذه الأحداث.

* المساعدة أيضاً على إقامة المشاريع التي تخص التغيرات المناخية والبيئية وتقوية الحكومات وجهود الجاهزية بمساعدة المنظمات العالمية والأمم المتحدة وبرنامج البيئة والتربية التابعة لها والمراكز العربية لدراسات المناطق والأراضي الجافة.

* قيام منظمات مثل الصندوق الدولي للتنمية الزراعية والبنك الدولي والصناديق العربية والاتحاد الأوروبي بدعم برامج معالجات وتخفيف تأثير الجفاف خاصة بالنشاط الوطني للدول التي تعاني منه، وذلك من خلال تجهيز المساعدات الغذائية لها وتزويد هذه البلدان بالخبرة والدراسات الخاصة بتأهيل المشاريع وإدارتها، إضافة إلى بعثات الخبراء ومجالات أخرى لتبادل المعلومات وتطوير الكفاءات لتطوير برامج التعاون المشتركة والنشاطات المفصلية والتي تؤدي إلى انسجام الخطط المرسومة في مواجهة الجفاف وتخفيفه بين الدول المتجاورة.

* إقامة الخطوط الدالّة لإسناد الدول في الاستعداد لبرامج عمل وطنية لتطوير فرص دعم مالي جديدة وتجهيز الخدمات التدريبية للكوادر الوطنية من أجل بناء القدرات الجاهزية لمواجهة الجفاف والأزمات المناخية.

* تجهيز وتدريب القدرات الوطنية على شبكة (Network) والمكننة في ما يخص الجفاف والتصحّر والتغيرات المناخية.

* تأسيس نظام إنذار مبكّر للفيضانات والكوارث المحتملة والجفاف والتصحّر، مثل العناصر الأساسية لخطط تخفيف آثار الجفاف والجاهزية لمواجهة هذه الأحداث.

* لفْت الانتباه الى أحجام المخاطر الناجمة عن هذه الأحداث في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وذلك من خلال هيكلة خطط الاستعداد.

* شمول كافة قطاعات المجتمع بما فيها المنظمات غير الحكومية والمرأة والشباب لإقامة حملات توعية وتثقيف للوقوف بوجه الأزمات الناجمة عن التغير المناخي مع التعريف بدور كل قطاع من المجتمع.

* توفير التسهيلات من أجل السماح بإيجاد قدرة ميكانيكية وفنية بإمكانها التعامل مع الحدث في المقاطعة أو الإقليم أو على المستويات الوطنية.

* تقديم الدعم لنقل التكنولوجيا والبحث ذي الصلة بنشاطات تخفيف الجفاف وتأثيراته المناخية في ما يتعلق مثلاً بالتربية الحيوانية والأمراض والتكنولوجيا الحياتية، بناء القدرات، وتطوير المصادر البشرية.

وتشير التوقعات السياسية إلى أن حروب القرن المقبل ستكون على المياه في ضوء تزايد الحاجة المائية ونقص الموارد منها، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى نشوب الصراعات والخلافات حول مصادر المياه؛ باعتبار أن الماء من أهم الموارد على وجه الأرض؛ نظراً إلى أنه المطلب الأساسي لتحقيق أي تنمية على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي، بالإضافة إلى أنه عنصر أساسي لاستمرار حياة الكائنات الحية بأكملها، الأمر الذي يتوقع معه حدوث خلافات وصراعات حول مصادر المياه، وأن العالم العربي على الرغم من أنه يشغل 10 في المائة من مساحة العالم ويمثل سكانه نسبة 5 في المائة من إجمالي السكان في العالم إلا أنه لا يحظى إلا بحوالي 0.5 في المائة من الموارد المائية العذبة المتجددة في العالم، وتعد دول الخليج العربية من أكثر الدول العربية تأثراً بمشكلة ندرة المياه، وذلك بالنظر إلى أن الخليج منطقة صحراوية جافة وفقيرة بمواردها المائية، حيث لا يتعدى نصيبها من الموارد المائية السطحية المتاحة في الوطن العربي الـ 4.4 في المائة في حين أنها تستخدم 12.3 في المائة من إجمالي المساحة الزراعية العربية.

وتتمثل أهم مظاهر الأزمة المائية في الخليج في النقاط التالية:

1- شح الموارد والارتفاع السريع للطلب على المياه لمختلف الأغراض، حيث تقع دول الخليج العربية كافة (باستثناء عمان) في مجموعة البلدان ذات الموارد المائية المحدودة أي تحت خط الفقر المائي في ظل ارتفاع الطلب على المياه.

2- غياب التخطيط الوطني الشامل للمياه، وهو ما يمثل ضغطاً على المياه الجوفية الخليجية.

3- عدم تبني نظم الإدارة المتكاملة لموارد المياه.

4- ضعف التشريعات والأطر التنظيمية.

5- تشتت جهود الجهات المسؤولة عن إنتاج وتوزيع المياه وتداخل مسؤولياتها، الأمر الذي نتج عنه سوء استخدام للموارد المائية واستنزافها متمثل في زيادة ضخ المياه الجوفية واستنزافها مع التوسع المكلف في إنشاء محطات التحلية؛ ما أدى إلى عجز كبير في تغطية خدمات المياه والصرف الصحي واستنزاف كبير للتكوينات الحاملة للمياه وآثار سلبية على البيئة والارتفاع الهائل للاستثمارات المالية المطلوبة لمشاريع المياه اللازمة لسد الاحتياجات المتنامية.

6- عدم اتباع السياسات المستدامة للتعامل مع أزمة المياه والاعتماد على الحلول الوقتية.

7- الاعتماد على موارد غير تقليدية للمياه تتمثل في الاعتماد على المياه السطحية ومياه الأمطار في فصل الشتاء والمياه الجوفية.

 

وتسعى دول الخليج إلى إدارة الأزمة المائية فيها من خلال خطوات عدة تتمثل في الآتي:

1- التوسع في إنتاج المياه الجوفية.

2- التوسع في إنشاء محطات تحلية حيث تنتج دول الخليج الآن يومياً 8.3 مليون متر مكعب من المياه المحلاة أي 62.4 في المائة من الإنتاج العالمي للمياه المحلاة إلا أن اعتماد الدول على هذا الأمر يتفاوت من دولة إلى أخرى، فتأتي الإمارات في المقدمة بنسبة 64.5 في المائة من احتياجاتها، تليها الكويت بنسبة 63.24 في المائة وقطر بنسبة 49.5 في المائة، ثم البحرين بنسبة 19 في المائة.

3- التوسع في معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها.

4- عقد العديد من اللقاءات التي تبحث في إيجاد حلول لمشكلة ندرة المياه الخليجية، وتسعى مثل هذه اللقاءات إلى تحقيق أهداف عدة تتمثل في الآتي:

1- تقييم الأوضاع الحالية لإدارة الموارد المائية في دول المجلس وتحديد أهم مشكلاتها ومعوقاتها.

2- تحديد القضايا ذات الأولوية والتحديات التي تواجه دول المجلس لتحقيق تنمية مستدامة لموارد المياه.

3- تبادل الخبرات والتشاور حول الأساليب والتقنيات الحديثة في مجالات السياسات المائية الشاملة، واستراتيجيات الإدارة المتكاملة للموارد المالية ومتطلبات تطويرها وتنفيذها في مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والصحية.

4- استعراض الطرق والخبرات المتوافرة في مجال الطلب وترشيد استخدام المياه والمحافظة عليها وحمايتها في القطاعات المستخدمة للمياه في دول المجلس.

5- تشجيع الدراسات التطبيقية التي تعالج مشكلات المياه وتوفير الحلول الملائمة لدول المجلس تقنياً واقتصادياً واجتماعياً وبيئياً.

6- إيجاد ملتقى للمناقشة العلمية المفتوحة وبناء القدرات البشرية في مجال تنمية وإدارة الموارد المائية المتكاملة بدول مجلس التعاون.

 

ويمكن في هذا المجال عرض أهم التوصيات التي توصلت إليها الأبحاث والندوات المنعقدة بشأن أزمة المياه في الخليج في التالي:

1- الأخذ بمبادئ التنمية المستدامة والإدارة المتكاملة عند إعداد وصياغة ومراجعة الخطط والسياسات المائية.

2- إيجاد بيئة مؤاتية تشجع القطاع الخاص على الإسهام مع القطاع الحكومي في الاستثمار بتقديم خدمات المياه والصرف الصحي، بما في ذلك وضع الضوابط القانونية والتشريعية اللازمة واعتماد سياسة واضحة تبين الدور المنشود من القطاع الخاص وسياسة التعرفة بالشكل الذي يحافظ على حقوق الدولة والمواطن والمستثمر.

3- الاهتمام بتطوير الكفاءات الوطنية والقدرات المؤسسة في قطاع المياه.

4- تفعيل دور مستخدمي المياه وإشراكهم في القرارات المتعلقة بقضايا المياه.

5- العمل على التوازن بين الأمن المائي والأمن الغذائي على أسس مستدامة.

6- تكثيف عمليات الكشف وإصلاح التسربات في شبكات مياه الشرب والصرف الصحي.

7- استمرار حملات التوعية بضرورة ترشيد استهلاك المياه.

8- العمل على استصدار الأنظمة والمواصفات التي من شأنها التقليل من استهلاك المياه في المنشآت العامة والخاصة.

9- تشجيع العمل الخيري لدعم برامج ترشيد المياه خاصة في المنشآت العامة.

10- الاستفادة من نتائج الدراسات البيئية المتعلقة بنشاطات التحلية.

11- توطين تقنية التحلية في جوانبها الصناعية، بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على الكوادر الوطنية.

12- إيجاد آلية للتنسيق وتبادل المعلومات والخبرات بين قطاعات التحلية.

13- دعم دراسات البحث والتطوير لرفع الكفاءة الإنتاجية وتقليل التكلفة لمحطات التحلية.

14- التوسع في استخدام المياه المعالجة في أغراض الري وغيره من الاستخدامات الملائمة.

15- التأكيد على ضرورة استخدام التقنيات الحديثة في تقدير الاحتياجات المائية والكميات المستهلكة لري المحاصيل الزراعية.

16- ضرورة مراعاة القيمة الاقتصادية للمياه في القطاع الزراعي.

مقالات لنفس الكاتب