array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 98

تأثير الفوضى الأمنية في سوريا على الأمن العربي والجوار

السبت، 01 آب/أغسطس 2015

مقدمة:
في علم الفيزياء وهو علم متشعب وخطير ، يقول لنا الباحثون أن الأشياء الصلبة تتفتت إلى قطع أصغر بأسرع مما تتفتت الأشياء الرخوة أو المرنة ، وإذا نقلنا هذا القول إلى علم السياسة و إدارة الدول ، فإن الدول التي تتخذ من المركزية الصلبة و الشمولية بواسطة القمع سلاحا لها للسيطرة والبقاء في السلطة ، فإنها الأقرب إلى أن تتفتت في أول صدمة كبرى تواجهها. في تاريخ الإنسانية الحديث نجد الكثير من الأمثلة على المستوى الدولي وعلى المستوى الإقليمي. مثلا الاتحاد السوفيتي كامبراطورية واسعة ،اتخذت فيها السياسة مركزية شمولية معتمدة على المخابرات و القمع، وفي أول فرصة تفتتت تلك الامبراطورية بعوامل من داخلها وخارجها، ولم يكن حكم إيران إبان مرحلة الشاه إلا حكما ( صلبا) بالمعنى السياسي، فاعتمد على الاجهزة السرية وكتم الأصوات وملاحقة المختلفين ليس في إيران بل في العالم ، أيا كانت درجة اختلافهم ، فنتج عن ذلك ما نعرف الآن من تفتت ومن ثم سقوط ذلك الحكم، وليس بحكم معمر القذافي في ليبيا بخارج عن هذا السياق أو حكم صدام حسين في العراق ، الذي تهاوى في أيام قليلة، دون أن يجد له نصيرا حتى من داخله . تلك طبيعة لصيقة بالأنظمة (الصلبة) .الانظمة السياسية التي تعكف على سحق أي رأى يخالف توجهاتها، حتى يخشى الناس بعضهم بعضا، وبالتالي تسقط المشكلات في السرية ،ويعتقد الحاكم أن هناك رضى في الوقت الذي تتفاقم مشاعر عدم الرضى لدى قطاع واسع من الشعب ،وعندما تأتي الصدمة لا يستطيع أحد التصرف المضاد، ولا يجد النظام له نصيرا ، لان الجميع يريد التخلص من ذلك النظام الذي كمم الأفواه حتى من كان يظهر تأييده!.
سوريا ليست بعيدة عن تلك الأمثلة السابقة، فقد بني نظام الأسد (الأب أولا ثم الابن) نظاما مركزيا شموليا، اعتمد على عدد من الأجهزة، جلها مخابراتية، ومعظمها قائم على قيادات من طائفته (العلوية) تقوم على رصد أنفاس الناس، و تراقب بعضها بعضا في نفس الوقت، ولم يألو جهدا في تهميش المعارضين، أينما كانوا، ومطاردة كل من تسول له نفسه أن يبدى رأيا وحتى تصفية الآخرين على طريقة ( آل كابوني) ، حتى أصبح الجميع إما ( امعه) يسير كقطيع الخرفان كاتما رأيه، أو نصيرا مزيفا للنظام ،اتقاء المحاسبة الفظة. أو الاختفاء القسري خلف الشمس، حتى غدت سجون النظام الأسدي في سوريا تكتظ بالمعارضين والمشكوك في ولائهم، ثم تحول الأمر ألى تفريغ السجون من (ضيوفها) عن طريق تصفية هؤلاء الضيوف واختفاء أي أثر لهم يذكر.


بعد أربع سنوات من التفتت:
هكذا دخلت سوريا إلى فضاء ما عرف اليوم بـ ( الربيع العربي) في حال من الإنكار المتزايد لمطالبات الشعب بحقه في الحرية والحياة، وتحت شعار الدكتاتورية المفضل و القائل ( إما أن نحكمكم أو نقتلكم) غرق المشهد السوري في حمام الدم، فقام النظام بمواجهة المطالبات الشعبية بقوة الرصاص والنار ، محققا نظرية تقول إن أي نظام يفرز معارضة على شاكلته الأمر الذي أجبر مجموعات مختلفة من الشعب السوري على حمل السلاح من أجل مواجهة العنف بالعنف ، وبسبب ضعف النظام العربي ،وتردد النظام الدولي وتشابك المصالح المختلفةـ، غرقت سوريا في حرب أهلية و انبثقت جماعات مسلحة مختلفة المشارب، منها من رفع الشعار الديني ( سواء المعتدل أو المتشدد) ومنها من رفع شعار الوطنية ، إلا أن كل تلك الجماعات لم تستطع أن تحسم، وفي الفراغ الحاصل ،جذبت تلك الفجوة المتوسعة في سوريا العديد من (المجاهدين)! إلى الساحة، فبدأ تدفق المحاربين من الخارج سواء لنصرة وتدعيم النظام ،كما فعل حزب الله اللبناني و جماعات شيعية أخرى من العراق، أو تدخل دول كما فعلت إيران وأيضا روسيا، كل بالطريقة التي وجدتها مناسبة لتحقيق أرباح سياسية أو أيدلوجية، من جهة أخرى أصبحت سوريا بعد أن تفتت القشرة الصلبية، مكانا لجذب كل ( الغاضبين) و ( المغامرين) و (المؤدلجين) من خارج الجغرافيا السورية\ العراقية ، فجاء إلى ساحة القتال خليجيون وتونسيون و مغاربة و جزائريون، و أخرون من دول غربية مثل بريطانيا وفرنسا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية. وبدأت الساحة السورية تفرز تنظيمات، لعل أخطرها هو تنظيم ( داعش) الذي أعلن قيام (الدولة الإسلامية)! كما قام بأعمال إجرامية شنيعة استنكرها العالم من القتل والحرق واستباحة المحرمات. وتعج الساحة السورية اليوم بعدد كبير من التنظيمات صغيرها وكبيرها، لا يعرف على وجه الدقة طريقة تمويلها أو أهدافها النهائية.
بعض التحليلات ترى أن القشرة الصلبة للنظام السوري، مع قرب تفتتها، هي التي أفرزت في وقت ما بعض تلك الجماعات التي سميت نفسها في البداية (قوات مليشيات النظام) أي (الشبيحة) بالمعنى السوري الدارج، ثم تحولت إلى قوى محاربة، تميل الى هذا الطرف أو ذلك. في هذه الساحة من الفوضى استيقظ عدد من القوى العرقية أو الاثنية أو المذهبية، التي تشكل بعض فسيفساء المجتمع السوري ، مثل الاكراد ، الذين انقسموا بين مؤيد للمعارضة ومؤيد للنظام ،وبعضهم أراد أن يكون للمكون الكردي \ السوري استقلالا في مناطقهم، فحمل الجميع السلاح، كما قامت مجموعات أخرى مثل الدروز والعلويين و المسيحيين ،كل بما يستطيع للدفاع عما يعتقد أنه حقوق له لم تنصفه دولة الأسد !

مستقبل الاضطراب الأمني السوري على الإقليم
مع وجود كل هذه القوى المختلفة على الأرض السورية و تفتت الإقليم السوري إلى مناطق نفوذ وتدخل خارجي ، تشعر كل دول الإقليم في الجوار وجوار الجوار بالقلق من نتائج ( فشل الدولة السورية) فالجار التركي يرى أن استمرار هذا الوضع يؤثر سلبا على الأمن الوطني التركي من جانبين، الأول انهيار الدولة السورية بكاملها وما سببه ويسببه من تدفق هائل للاجئين الى الحدود الجنوبية لتركيا ، والثاني هو احتمال قيام ( كيان كردي) شمال سوريا \ عراقي، يؤثر سلبا في موقف الأكراد في تركيا نفسها، التي خاضت ولا زالت صراعا طويلا مع المكون الكردي الداخلي في تركيا ، الذي يعطي له الاضطراب الأمني وغياب الدولة في الجوار، فرصا مواتية للتنظيم والحشد، من جهة أخرى فإن حجم العلويين في تركيا لا يستهان به، ولهم صلات مع علويي سوريا، واستمرار الصراع ، قد يؤدي إلى تصفيات فئوية، تشكل ضربا من الاضطراب في الداخل التركي، فتركيا الدولة الجارة معنية بما يحدث في سوريا، وقد تقوم بالتدخل المباشر، بعد سنوات من التدخل غير المباشر.
في الجور اللبناني ومع التدخل النشط والعسكري لحزب الله اللبناني، بتعليمات من طهران، في الشأن السوري الداخلي أولا أفرز خلافا عميقا مع المكون السني اللبناني وبعض المسيحيين و الدروز ، هذه القوى ترى في هذا التدخل، أولا جر لبنان ألى ما لا يطيق كدولة، وثانيا أنه تدخل ( شيعي) لمناصرة ( شيعي آخر ) ضد أغلبية سنية سورية تربطها الكثير من الوشائج مع سنة لبنان، من جهة أخرى. وبعد تكبد حزب الله الكثير من الضحايا، بدأت أصوات شيعية لبنانية تنفر من تدخل حزب الله وتعلن خلافها معه، وذلك تطور آخر في الساحة اللبنانية يعني أن الاضطراب في سوريا يؤثر سلبا على السلم الاجتماعي اللبناني ، خاصة اذا اضفنا العدد الضخم من اللاجئين السوريين الذين تدفقوا ألى لبنان ( وكثير منهم سنة) مما يؤرق المكون المسيحي أولا ومن ثم الشعي، واحتمال أن يبقى معظم هؤلاء في لبنان لسنوات،كما أنه سوف يؤثر في الديمغرافيا اللبنانية لغلبة ما للمكون السني !
مع تورط إيران في الحرب الأهلية الطويلة ،وضعف الدولة السورية تحت ضربات التمزق الهائلة، فإن إيران تجد نفسها أكثر وأكثر متورطة في ( المستنقع) السوري ، كانت في البداية تتدخل بالسلاح والمال، ثم اضطرت، أمام تراجع قوة الدولة السورية الحربية، أن تتدخل بالرجال، وتم بالفعل الإعلان عن قتل قيادات عسكرية معروفة في الساحة السورية، مما خلق شيئا من البلبلة في قطاع الطبقة الوسطى الايرانية، التي ترى أن تورط بلادها في تلك الساحة لا مبرر ولا ضرورة له، خاصة بعد الاستنزاف المالي و السياسيي الكبير الذي تدفعه إيران في أكثر من منطقة ملتهبة في الجوار. وتتأثر الجارة الأردنية بهذا الاضطراب من جهتين ، تدفق ضخم للاجئين السوريين ، مما يثقل كاهل الدولة الأدرنية ،والثاني إشاعة شيئ من القلق في النسيج الأدرني أن ذلك الخلل العظيم ، يمكن أن يسمع في الداخل الأردني . نخلص من هذا إلى أن الجوار الإقليمي المباشر يتأثر بعمق بما يجري في سوريا وأيضا في العراق ، مما يعرض بجدية الأمن والسلم في هذا الجوار.

تأثير الإضطرب السوري على الخليج
تتهم أوساط إيرانية وسورية دول الخليج بتمويل ودعم بعض الجماعات المحاربة في سوريا،وهو إدعاء تنقصة الأدلة ، إلا أن دول الخليج في معظمها مؤيدة للمعارضة السورية المعتدلة، وقد دعمتها سياسيا في أكثر من وقت و على أكثر من منبر، لأنها ترى أن القتل الممنهج للشعب السوري ،وتشريد ملايين من أبنائه، عمل مناف للقيم الإنسانية والإسلامية والعربية ،وإنه شعب مهضوم الحقوق الأولية ويحتاج إلى مساعدة، هذا الموقف يدفع كل من إيران ( بمساعدة عراقية وسورية) على محاولة تصدير الإضطراب إلى دول الخليج ، من خلال العمل على خلخلة الصف الخليجي سياسيا أولا و ثانيا التطلع إلى مساعدة من بعض المكونات الخليجية الطائفية على خلق خلل أمني ،كما يحدث بوضوح في البحرين.
على طرف آخر تدفق بعض الشباب الخليجي، على عكس ما تريد دوله، مدفوعا بغضب على ما يحدث من قتل في سوريا و العراق وتصفيات للمكون السني، إلى ساحات القتال لمناصرة هذا الفريق أو ذلك من المقاومين ، خاصة أصحاب الرايات (الإسلامية) ، وقد أصدرت بعض دول الخليج تشريعات تمنع الانخراط في القتال لمواطنيها،تحت أي شعار أو في أية ساحة،كما فعلت المملكة العربية السعودية. إلا أن تلك التشريعات لم يستجاب إليها . على المستوى الشعبي أصبح هناك تعاطفا بين بعض الجماعات في الداخل الخليجي ، كان دافعها شعور عميق برفض القتل العشوائي الذي تقوم به السلطة السورية ومناصروها ،بعضه يتم تحت كراهية طائفية، فكان ذلك جاذبا للتدفق في المساعدات العينية و أيضا في الإلتحاق بجبهات القتال . من هنا فإن بعض التبرعات الشعبية الخارجة عن القانون تجمع لبعض تلك الجماعات المحاربة، كما تتسلل عناصر شبابية لجبهات القتال ، على عكس ما تريد دولهم هؤلاء ( المجاهدون) في المستقبل سوف يشكلون خطرا داهما على الأمن في دول الخليج ،كما أن الاحتقان الطائفي، قد أفرز بعض المظاهر والأعمال السلبية المفزعة للأمن والاستقرار الخليجي نتيجة ما يحدث مباشرة في الساحتين السورية و العراقية ، كمثل تفجير مسجد في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية في بلدة القديح \ محافظة القطيف، أو محاولة تفجير مسجد آخر في حي العنود في الدمام مع سقوط قتلى ،أو تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت ( الجمعة 26 يونيو 2015 ) مع سقوط ثمانية وعشرون قتيلا وجرح أكثر من مئتين من المصلين من الطائفة الشيعية في الكويت.
مثل هذه الأعمال المستنكرة هي إفرازات سلبية للصراع في كل من سوريا و العراق بشكل مباشر ، كما أن من الإفرزات محاولات إيرانية بغطاء عراقي للقيام بالتفجيرات و أعمال عنف في البحرين أعلن عنها مؤخرا ( 18 مايو 2015) وهي جزء من سلسلة من المحاولات لإشاعة الإضطراب،. وسوف تستمر إفرازات الإضطراب الأمني في العراق وسوريا ،بالتأثير على دول الخليج من جانبين ، الأول تدفق بعض الشباب الخليجي إلى ساحات القتال مأخوذين بحماس تحت غطاء ديني \ مذهبي كردة فعل ، و مطعمين بمقولات دينية خارجة عن سياقها من جهة ،وبمحاولات مضادة للتدريب شباب خليجيون من حزب الطائفة الشيعية من قبل أي من أحزاب الله ( العراقي أو اللبناني) لإشاعة إضطراب مشابه في الشكل ومختلف في المضمون في بعض دول الخليج. وليس سرا أن ماكينة حزب الله اللبناني ، قد بدأت منذ مدة ،بعمليات تحشيد وتعبئة، زادت في الفترة الأخيرة وخاصة بعد تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت، إلى درجة الإعلان على اليوتيوب من أحد الأبواق الإعلامية أن على (الكويت أن تنحاز لسوريا وإيران )!!! في تدخل سافر في شأن داخلي كويتي .

التعصب المذهبي في المنطقة يطلق تعصب مذهبي آخر ، مساو له في المقدار و مضاد له في الاتجاه، وتحويل الصراع السياسي، الذي هو حقيقة، إلى صراع مذهبي ، لأنه تحت تلك الراية يسهل الحشد والتجنيد، وتلعب وسائل الاتصال الاجتماعي الحديث دورا مسهلا للتجنيد و التجنيد المضاد،وخلق بيئة تقبل تلك الأفكار . لم تعد المعركة في سوريا هي مجرد معركة للمطالبة بالحريات،كما أنها ليست مجرد حرب أهلية ، هي في الواقع ( صراع استراتيجي) يسمع في كل المنطقة من العراق حتى اليمن ،مرورا بدول الإقليم قاطبة، أنه صراع يمكن توصيفه بين ( دول متوسطة القوة) لها مظاهر ديمغرافية و أيضا اقتصادية. نرى من التقارير الدولية أن بلاد مثل ( العراق \ إيران\ اليمن \سوريا) هي بلاد وضعها الاقتصادي ( متدني) بل إن بعض التقارير توصلها إلى حدود ( الفقر) كما أنها دول تصنف أنها من الدول ( الفاشلة)، يمن جانب آخر نرى ظاهرة معاكسة، هي أن هذه الدول من أكبر الدول في المنطقة يشتمل مكونها الديمغرافي على قطاع الشباب لذلك فإن ظاهرة الارهاب تجد لها بيئة حاضنة ودوافع ايديولجية، حتى ارتفعت حوادث الارهاب بين 2010 إلى 2013 حوالي ثلاث مرات كما أن أكثر المناطق دموية هي ( العراق \ سوريا\ اليمن ) ومعظم من ارتكبها هم ( مسلمون يقتلون مسلمين)حتى غدت مفردة ( المسلم \ القادم السلام تعني عكسها) الملفت أن هذا الإضطراب هو كحلقة محيطة بدول الخليج ، كما أن وجود بعض شباب الخليج في تلك الساحات أمر ينذر بخطر مقيم في المستقبل ، مثله تماما تجنيد شباب من طوائف أخرى خليجية لأعمال ( إرهابية) مضادة لمجتمعاتها. أصل المشكلة في السياسة و فرعها المغذي في الثقافة ، الحلول الأمنية مؤقته ومسكنة لا غير . ولن نستطيع حل مشكلة الارهاب ( بمعناه العميق ) إلا من خلال حل المشكلة السياسية إما حربا أو بالدلوماسية، لأنها تحمل معادلة صعبة من جهة ورغبة في التوسع ( الإيراني) ومن جهة ثانية و( تردد في المواجهة الثقافية\ وإقامة الدولة المدنية، بكل ما تتطلبه تلك الإقامة من رغبة ورؤية وقدرة ).

مقالات لنفس الكاتب