; logged out
الرئيسية / دول الخليج في مواجهة تجاوزات إيران

العدد 99

دول الخليج في مواجهة تجاوزات إيران

الثلاثاء، 01 أيلول/سبتمبر 2015

دول مجلس التعاون الخليجي كانت ومازالت تحترم الشعب الإيراني، وتتعامل مع إيران من خلال الرؤية للدولة المسلمة الجارة، لذلك أيدت دول المجلس الحل السلمي للبرنامج النووي الإيراني منذ بداية الأزمة، ورفضت الحل العسكري الذي كان يستهدف هذا البرنامج، وكانت دول الخليج ترحب دومًاومن حيث المبدأ بأن تكون إيران جزءًا من المجتمع الدولي بعد أن ظلت لعقود تعاني من عدم الثقة وضعف المصداقية، وكانت دول الخليج تؤيددائما الحل السلمي لأزمة البرنامج النووي وفقاً للضوابط الدولية التي تقرها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن دول الخليج كانت تنظر بعين الاستحسان إلى كل بادرة انفراج كانت تلوح في أفق السياسة الإيرانية لذلك كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز  ـ يرحمه الله ـ أول من قدم التهنئة للرئيس حسن روحاني بعد فوزه بساعات قليلة بالرئاسة الإيرانية، إلا أن إيران كانت دائما تسيء التعامل مع المبادرات والمواقف الخليجية، ومنها على سبيل المثال تباطؤ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في زيارة المملكة، بل أخذ يضع الشروط ما أدى إلى عدم إتمامها.

 وكان رد طهران يأتي دائماً عبر رسائل مغايرة وتحمل إشارات لا تتضمن نية التعامل مع دول مجلس التعاون بود أو في إطار حسن الجوار، ثم ازدادت وتيرة هذه الرسائل عندما بدأت طهران تحاول التدخل في شؤون دول المنطقة ومنها مملكة البحرين، ومن قبل التدخل السافر في الشأن العراقي، والانحياز غير المبرر لرئيس النظام السوري بشار الأسد ضد الشعب السوري في سابقة لم تحدث من قبل حيث تنحاز دولة إلى نظام فاشي  ورئيس طاغيةضد شعبه بهذا الشكل السافر الفاضح، ثم سعت طهران إلى تكرار التجربة في اليمن حيث أرادت فرض ميليشيات طائفية مسلحة عبر الانقلاب لحكم اليمن من خلال الانقلاب الذي قادته ميليشيات الحوثي/ علي عبدالله صالح المدعومة ضد الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً وإقليميا ومن داخل اليمن نفسه، بل تفاخرت إيران بأنها تحكم أو تسيطر على أربع عواصم عربية، حيث خرجت تصريحات من طهران تتطاول على دول المنطقة العربية ودول الخليج، ونصب النظام الإيراني نفسه الناصح والواعظ والمتشفي وكأن شغله الشاغل منطقة الخليج والدول العربية، وفي ذلك مغالطة تاريخية كبرى ومحاولة انتقامية من المنطقة، مستغلة إيران ما حدث في المنطقة العربية جراء ما يُطلق عليه ثورات الربيع العربي، وكذلك استغلت حالة الوفاق الغامضة مع واشنطن والتي مازالت محل تساؤل وعلامات استفهام كثيرة، وإن كانت المستجدات قد حملت بعضاً من الإجابة عليها في الوقت الحاضر وسوف يحمل المستقبل القريب الإجابة على بعضها الأخر.

 إيران ومن خلال سياستها العدائية لدول مجلس التعاون الخليجي، وعبر محاولاتها التسلل إلى الشأن العربي بإثارة المذهبية والطائفية المقيتة تارة، ومن خلال التعامل مع التنظيمات السرية والميليشيات المسلحة تارة أخرى، أو دعم جماعات إرهابية مسلحة لزعزعة الاستقرار الإقليمي، تقدم نفسها إلى الغرب على إنها رجل الإطفاء في المنطقة، ويبدو أنها نسيت أو تناست عن عمد حقيقة الجغرافيا السياسية، والبعد التاريخي وأسس الجوار التي كانت ومازالت قائمة بين ضفتي الخليج، أي بين العرب والفرس، وربما أساءت طهران فهم سياسة طول النفس الخليجية وفهمتها بالخطأ على إنها شيء آخر، وأرادت أن تتجاهل إيران حقيقة أنها الدولة الهشة الأولى في المنطقة نظراً للفسيفساء غير المتجانس الذي يتكون منه المجتمع الإيراني، أو ربما أرادت أن تصدق أنها الدولة المحصنة ضد التقسيم والتفتيت في حين أنها الدولة الوحيدة المهيأة لهذا السيناريو نظراً للتركيبة الطائفية والعرقية والمذهبية والدينية والقومية الهشة التي يتسم بها المجتمع الإيراني والذي تحكمه سياسة قبضة حديدية فجة ولذلك فإن هذهالفسيفساء معرضة للانهيار أسرع مما تتصور إيران أو الغرب.

إيران لن تستمر إلى الأبد تتلقى الدعم الروسي والصيني، وفي قناعتنا أن دعم موسكو لطهران طيلة السنوات السابقة كان لأسباب تكتيكية وفي إطار التنافس الروسي ــ الأمريكي، لكن المعروف أن روسا لن تسمح  على المدى البعيد لإيران أن تهدد حدودها أو تعكر صفو استقرار منطقة بحر قزوين، وهذا الوضع ينطبق على السياسة الصينية وبقية الدول التي كانت داعمة للموقف الإيراني خلال أزمة الملف النووي وكانت طهران تعتمد عليها في التسليح العسكري والدعم السياسي حيث بدأت تتغير أطراف المعادلة في الوقت الحاضر وسوف تزداد تغيراً في المستقبل لأسباب كثيرة، لذلك على إيران أن تتعامل مع المتغيرات بذكاء وأن تتخلى عن العنجهية والغرور غير المبرر.

ولقد جاء الموقف السعودي بوضح كامل، ودون لبس أو التفاف للتعامل مع إيران وسياستها في المنطقة، ولقد عبر وزير خارجية المملكة عادل الجبير بدقة وبما يعكس جوهر سياسة المملكة التي لا تعرف المنطقة الرمادية، وطالب طهران صراحة باستخدام الاتفاق النووي مع القوى الكبرى لتحسن اقتصادها وليس لمواصلة مغامراتها في المنطقة، بل كانت تصريحاته واضحة عندما قال " إذا حاولت إيران أن تسبب مشكلات في المنطقة فنحن سنواجهها بحزم، واستطرد أن كل دول المنطقة تريد أن ترى حلاً سلميا للبرنامج النووي الإيراني الذي يقوم على نظام تفتيش قوي ومستمر للتأكد من أن إيران لا تنتهك بنوده، وحول تدخل طهران في الشأن العربي والخليجي قال الجبير " إن مشكلة إيران هي تدخلها في شأن دول المنطقة وأعمال الشغب التي تقوم بها وعلى رأسها دعم الإرهاب وانها تمثل القلق لدول الخليج، وهذا الموضوع يجب مواجهته بحزم".

 وهذه المواقف والتصريحات الرسمية التي يساندها الموقف الشعبي في السعودية ودول مجلس التعاون تحمل رسائل واضحة وجلية لإيران مفادها أن دول الخليج والمنطقة العربية ليست أرضاً فضاءً أمام طهران، وأن هذه الدول لن تترك إيران تعيث فساداً كما تريد الأخيرة، وأن هذه الدول وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام جرائم إيران المتكررة ، وأن السعودية ستقف بالمرصاد للمحاولات الإيرانية الضارة بالمنطقة، وعليه يجب أن تعي طهران الدرس، وتتفهم مواقف وسياسات المملكة العربية السعودية التي أرسى دعائمها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ  بقوة ووضوح وهي سياسة لا تقبل المساومة  على مقدرات وأمن واستقرار المملكة ومنطقة الخليج، ولا تعرف الحلول الوسط، وعلى طهران أن تتخلى عن هوايتها القديمة وهي التدخل في الشأن الخليجي، ومحاولات العبث بالأمن العربي، وتخرج من سوريا  وتترك هذه الدولة لشعبها، وتكف عن محاولات تصدير أزماتها وطائفيتها المقيتة إلى اليمن والعراق ولبنان وإلا ستجد نفسها مفككة من الداخل ومحاصرة من الخارج و في عزلة إقليمية أشد إيلاماً من العزلة الدولية والحصار الاقتصادي.

مقالات لنفس الكاتب