; logged out
الرئيسية / قطر..من التاريخ إلى العصرنة

العدد 102

قطر..من التاريخ إلى العصرنة

الأحد، 29 تشرين2/نوفمبر 2015

تحتفل دولة قطر الشقيقة في الثامن عشر من ديسمبر كل عام باليوم الوطني في تقليد راسخ منذ عام 1878م، ففي ذلك اليوم من القرن التاسع عشر الميلادي أسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني ـ رحمه الله ـ الدولة القطرية الحديثة، وأرسى دعائم الوئام والألفة بين أبناء الشعب القطري، وهذا ما رواه الرحالة البريطاني وليم بلجريف الذي زار قطر في عام 1862م، وقال إنه عندما التقى الشيخ جاسم لاحظ أن الرجال الذين كانوا يلتفون حوله يحيطونه برابط متين من الألفة رغم تنوع قبائلهم.

ثم تطورت قطر في العصر الحديث وخطت خطوات مهمة على طريق النهضة والعصرنة، فبالرغم من كونها من بين الدول الخليجية الصغيرة من حيث تعداد السكان والمساحة، إلا أنها أصبحت تحتل موقعاً مرموقاً على المستوى الإقليمي والعالمي، وبعد أن كان الاقتصاد القطري يعتمد على الغوص واستخراج اللؤلؤ، انتقل للاعتماد على صادرات النفط والغاز، حيث عززت قطر مكانتها كمصدر عملاق للغاز الطبيعي المسال بإنتاجها 77 مليون طن متري سنوياً مع احتياطات نفطية مؤكدة تصل إلى 25.7 مليار برميل، ومن ثم أصبحت واحدة من أغنى دول العالم من حيث معدل دخل الفرد.

وواكب ذلك تطورات مهمة في النظام السياسي للبلاد وقد بدأ ذلك مع إقرار القانون الأساسي عام 1970م، ثم اعتماد الدستور الدائم لقطر عام 2005م، وما تبع ذلك مثل الاستفتاء على الدستور وتنظيم الانتخابات المحلية والمهنية، ولعل من أهم ضمانات للاستقرار في دولة قطر وجود عائلة آل ثاني على سدة الحكم وقيادة الأمير للبلاد في إطار توافق سياسي ومجتمعي وإصلاح وتطور يخدم الدولة والشعب القطري ويساهم في استقرار منطقة الخليج برمتها، خاصة في ظل منظومة مجلس التعاون وما قدمه المجس لشعوب ودول الخليج ، وما يمكن أن يقدمه في المستقبل خاصة في ظل السعي الخليجي الحثيث للتحول من منظومة التعاون إلى منظومة " الاتحاد".

وبين هذا وذاك شهد الاقتصاد القطري أداءً قويا خلال السنوات الأخيرة، ففي العام الماضي 2014م، بلغت نسبة النمو في الاقتصاد القطري 4.2% وحققت الموازنة العامة للدولة فائضاً بلغ نحو 123.5 مليار ريال قطري بنسبة 16% من الناتج الإجمالي المحلي، فيما حقق ميزان المدفوعات فائضا بلغ حوالي 200 مليار ريال، ووصل إجمالي الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي نحو 771 مليار ريال ، وساهم القطاع النفطي بنسبة 50.5% ، فيما شهد القطاع غير النفطي نمواً خلال العام الماضي بنسبة 13.08 % ليحقق نحو 44.1 مليار ريال ليصل إجمالي رصيد هذا القطاع 381.6 مليار ريال، وتشير بيانات مصرف قطر المركزي أن موجودات المصرف خلال العام الماضي بلغت 21.53 مليار ريال

وعلى صعيد السياسة الخارجية الدولية والإقليمية لدولة قطر اضطلعت الدوحة بدور مهم في دعم سياسة دول مجلس التعاون الخليجي وبما يحافظ على استقرار المنطقة وهي رئيسة القمة الخليجية في دورتها الحالية التي ستنتهي في نهاية ديسمبر الجاري، وتساند قطر توجه دول المجلس نحو المزيد من التلاحم والوحدة لتكون دول مجلس التعاون منظومة قوية متحدة، ترسي أسس الإسلام والاستقرار والأمن في المنطقة ومن ثم في الشرق الأوسط والعالم.

وقد نهج أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني منذ توليه الحكم في شهر يونيو 2013م، نهج والده الشيخ حمد آل ثاني فأولى اهتماماً كبيراً لقضايا دول مجلس التعاون الخليجي والقضايا العربية، وكذلك ركز على الشأن الداخلي من خلال ترتيب البيت القطري، فبعد أن تولى الشيخ تميم السلطة أولى اهتماماً كبيراً للشأن الداخلي، وتجسد ذلك عندما أعلنت الحكومة القطرية في مايو من العام الماضي عن مشروع قانون العمل الجديد الذي تضمن حزمة من الإجراءات التي تصب في مصلحة العامل، وفي إطار سياسة الشيخ تميم لترتيب الوضع الداخلي أصدر أمراً أميرياً في نوفمبر 2014م، بتعيين أخيه الشيخ عبد الله بن حمد آل ثاني، نائباً له وجاء ذلك في إطار رؤية للدولة بإعطاء فرصة للشباب في إدارة دفة الحكم.

وعلى صعيد السياسة الخارجية انتهجت دولة قطر سياسة تعتمد على أدوات القوة الناعمة مثل الإعلام والتعليم، والثقافة، والرياضة، والاقتصاد، والمساعدات الإنسانية، وغيرها ، وارتكزت في ذلك على عدة مرتكزات منها: التحالفات والتنسيق مع القوى الكبرى المؤثرة على الساحة الإقليمية والعالمية، وكذلك العمل وفقاً لاستراتيجية تشكيل صورة ذهنية ناصعة عن الدولة القطرية والشعب القطري، واتباع سياسة حُسن الجوار مع الدول المجودة في الإقليم، في إطار سياسة عامة لدولة قطر ترتكز على تثبيت السلم والأمن الإقليميين، انطلاقاً من الستور القطري الذي ينص في مادته السابعة على " السياسة الخارجية للدولة تقوم على مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليين" لذلك تتبع الدوحة سياسة تشجيع فض الخلافات الدولية بالطرق السلمية دون اللجوء إلى العنف واستخدام القوة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتعاون مع المنظمات الأممية والدول المحبة للسلام، مع احترام رغبة الشعوب في تقرير مصيرها وتحديد مستقبلها وفقاً لما تراه هذه الشعوب.    

لقد وظفت قطر أدوات الدبلوماسية في التفاعل بين طرفي المعادلة السياسية في الداخل والخارج، فإذ اهتمت الدوحة بالبناء الداخلي واستكمال عناصر التطور وملاحقة ركب التطور العالمي ، تفاعلت مع قضايا المنطقة وأزماتها خاصة بعد أحداث ما يسمى بثورات الربيع العربي، إضافة إلى قضايا الأمة الكبرى وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وانتهج صانع القرار السياسي القطري في تنفيذ ذلك سياسة منفتحة ومتوازنة تعتمد على خطاب واضح وشفاف دون إقصاء أو استبعاد أي أطياف المشهد، مع استقلال القرار السياسي، لذلك كانت أهم سمات السياسة الخارجية القطرية في العقد الأول من القرن الميلادي الحالي، هي سياسة "الوساطة" لحل الخلافات الدولية والإقليمية وقد نجحت الدوحة في تحقيق مصالحات مهمة خاصة بين أطراف متعددة في المنطقة العربية، ولم تقف الدوحة عند "الوساطة" بل تجاوزتها إلى مبدأ الدبلوماسية الوقائية أو الاستباقية ما جعل صانع القرار السياسي في الدوحة يتحرك في هامش إقليمي ودولي ساعد على نزع فتيل أزمات عصية ظلت تراوح لسنوات قبل حسمها.

مجلة آراء حول الخليج