; logged out
الرئيسية / مستقبل العلاقات التركية – العراقية انعكاسها على دول الخليج والمنطقة العربية

العدد 105

مستقبل العلاقات التركية – العراقية انعكاسها على دول الخليج والمنطقة العربية

الأحد، 06 آذار/مارس 2016

    تمر العلاقات الدولية بمراحل مختلفة بين التعاون والتنافس والصراع بحسب ما تتأثر به من متغيرات داخلية وخارجية وترتكز عليه من عوامل تتحدد وفقها طبيعة هذه العلاقات بين السلب والإيجاب، وهذا الأمر ينطبق على العلاقات التركية -العراقية وما تمر به من مراحل مختلفة.

     تتأثر العلاقات التركية – العراقية بمجموعة من العوامل يُشكل بعضها محفزات للتطور الإيجابي والآخر كان كابحاً أو سبباً في توترها، كما أن هذه العلاقات ليست بمعزل عن التأثر والتأثير في محيطها الخليجي والعربي والإقليمي حاضراً ومستقبلاً، الأمر الذي يستوجب التطرق إليه في فقرات عدة تتمثل بطبيعة العلاقات التركية – العراقية ومحددات هذهِ العلاقات، وانعكاسها على دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة العربية ومن ثم وضع مشاهد مستقبلية للعلاقات التركية – العراقية.

طبيعة العلاقات التركية – العراقية

    توصف العلاقات التركية – العراقية بأنها ذات طبيعة متقلبة لما مرت بهِ من مدٍ وجزرٍ عبر مراحلها المختلفة فمرحلة تشهد تعاون وأخرى فتور وغيرها توتر ثم تعود للوئام مرة أخرى وهكذا ، فإذا عدنا الى ما بعد إعلان تأسيس الدولتين العراقية 1921 م، والتركية 1923 م، سنجد أن عقد العشرينات شهدت فيه العلاقات بين الدولتين مشاكل عدة منها عدم حسم قضية الحدود المشتركة بينهما ومطالبة تركيا بولاية الموصل ومزاعمها بأحقيتها بها، إلا أن هذه المشاكل سرعان ما تم تجاوزها في مرحلة توافق منذ بداية عقد الثلاثينات إلى انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م، ومنذ عام 1946 م، إلى عام 1958 م، تأثرت العلاقات التركية – العراقية بالمتغيرات الإقليمية والدولية التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط والعالم ومنها الانقسام الدولي الذي خلفته أجواء الحرب الباردة وانضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" وتأسيس حلف بين تركيا والعراق عام 1952م، ليكون نواة حلف بغداد الذي انضمت إليه بريطانيا وإيران وباكستان، وانتهت هذهِ المرحلة عقب تغيير نظام الحكم في العراق عام 1958م، وما تبعه من إعلان تركيا نيتها التدخل العسكري في العراق لإعادة النظام الملكي ثم تراجعت، وما لحقه من اصطفاف العراق إلى جانب الاتحاد السوفيتي بحيث مرت العلاقات التركية - العراقية بمرحلة توتر في هذهِ الحقبة([1]) .

     بيد أن العلاقات التركية – العراقية سرعان ما دخلت في مرحلة تعاون في عقدي السبعينات والثمانينات بعد تقلص عوامل الاختلاف التي شهدتها المرحلة السابقة وفي ظل وجود حوافز للتعاون تحسنت هذهِ العلاقات وبشكل خاص في الثمانينيات إبان الحرب العراقية – الإيرانية. ثم انتكست علاقات الدولتين أثناء وبعد حرب الخليج الثانية 1991م، واشتراك تركيا فيها ضد العراق([2])، عقبه نوع من الانفتاح الاقتصادي التركي على العراق لا سيما في نهاية عقد التسعينات وانفتاح سياسي تمثل برفض تركي لشن أي حرب على العراق في مطلع العقد المنصرم .

    وتُعد مرحلة ما بعد عام 2003م، أكثر المراحل تقلباً في العلاقات التركية – العراقية، حدثت فيها تغيرات سياسية داخل الدولتين عند وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا نهاية عام 2002م، وتغير النظام السياسي في العراق في 9 أبريل/نيسان 2003م، وما لحقها من تطورات ، وبالرغم من حصول بعض مواقف الاختلاف بين تركيا والعراق إلا أن العلاقات بينهما شهدت تحسناً ملموساً بلغ ذروته بالاتفاق على تأسيس المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي عام 2008 م، وتوقيع ما يزيد على 40 مذكرة تفاهم في أكتوبر/ تشرين الأول 2009 م، في الجوانب الأمنية والاقتصادية والطاقة وغيرها([3]) ، عقب هذه المرحلة حصل توتر في العلاقات التركية – العراقية لا سيما في الجانب السياسي عندما اتهمت الحكومة العراقية السابقة برئاسة نوري المالكي تركيا بالتدخل في الشؤون الداخلية للعراق وكذلك بسبب علاقة تركيا مع إقليم كردستان وبالمقابل اتهمت الحكومة التركية حكومة المالكي بالطائفية وإقصاء وتهميش عدد من مكونات المجتمع العراقي([4]) . واستمر التوتر الى العام 2014م، عند وصول حكومة عراقية جديدة إلى الحكم وفي ظل توجه متبادل لترميم العلاقات الثنائية بين الدولتين وتبادل الزيارات الرسمية وتوجه لتطوير العلاقات في مجالات الطاقة والاقتصاد والأمن وبخاصة عرض الحكومة التركية لتقديم مساعدات عسكرية في مجالات التسليح والتدريب وتبادل المعلومات الاستخباراتية([5]) . وكالمعتاد لن تصمد علاقة الود بين تركيا والعراق حينما توترت العلاقات بينهما نهاية عام 2015 م، على إثر دخول قوات تركيا إلى معسكر بعشيقة في محافظة نينوى شمال العراق، المعسكر الذي تذهب تركيا إلى أن تأسيسه جاء بموافقة الحكومة العراقية المركزية والفصائل المحلية ومهمة القوات التركية هي تدريب قوات العرب والتركمان والأكراد من أهل الموصل من أجل المشاركة في تحرير مدينة الموصل من "تنظيم الدولة – داعش"([6]) ، وهو ما عدته الحكومة العراقية تدخلاً وعدواناً تركيًا على سيادة العراق وهذا الأمر كان سبباً للتوتر بين تركيا والعراق لازال قائماً.

    محددات العلاقات التركية – العراقية

      هنالك مجموعة من المحددات تؤثر في مسار العلاقات التركية – العراقية منها بشكل إيجابي ومنها بشكل سلبي وآخر يحمل التأثيرين معاً، لعل أهمها:

1-         القضية الكردية، شكلت هذهِ القضية محوراً رئيساً في العلاقات التركية – العراقية منذ إعلان تأسيس الدولتين، وتمحورت حولها سياستهما داخلياً وخارجياً على مدى عقود طويلة([7])، وعدت عاملاً محفزاً لتطوير هذهِ العلاقات في مواجهة هذهِ القضية التي تمس أمن ووحدة ليس تركيا والعراق فحسب بل إيران وسوريا أيضاً، وهي قضية ذات حدين، الأول إيجابي عندما تتوافق الدول الأربع على ضرورة معالجتها وفقاً لمصالح هذهِ الدول ودون المساس بحقوق أبناء القومية الكردية، والثاني سلبي عندما تستغل احدى الدول القضية الكردية كورقة ضغط على دولة ما أو الدول المجاورة الأخرى .

    وما حصل بين تركيا والعراق هو توافق حول القضية الكردية إلى عقد التسعينيات الذي جاء بالفارق بعد خروج شمال العراق عن سيطرة الحكومة المركزية وتحول تركيا إلى ملجأ للحركات والأحزاب الكردية المعارضة، وجاء التحول الأكثر أهمية عند الغزو الأمريكي للعراق لتطفح على سطح العراق أعقد معضلات ومشكلات القضية الكردية حيال تركيا، وصار المحور المعلن لسياسة تركيا تجاه العراق هو أن لا ينفصل أكراد العراق عن الحكومة المركزية لما يسببه هذا الأمر من تأجيج لمشاعر أكراد تركيا نحو الاستقلال([8]) .

    وبحكم تحولات السياسة التركية والبراغماتية التي تنتهجها حكومة العدالة والتنمية أصبحت تتعامل مع القضية الكردية بشكل مجزأ وليس بشكلها الكامل بحيث تعاملها مع ملف كردستان العراق يختلف عن معالجتها لملف حزب العمال الكردستاني ولكل من هذين الملفين أثره على العلاقات التركية – العراقية.

-     علاقة تركيا مع إقليم كردستان العراق، بالرغم من الرفض التركي لقيام إقليم أو إدارة ذاتية للأكراد لعقود طويلة إلا أن التحولات الداخلية والإقليمية أسقطت هذا الرفض التركي وبدأ التحول الكبير في تعامل تركيا مع إقليم كردستان العراق منذ عام 2008م، وبدأ الاتصال الرسمي بين المسؤولين الأتراك والزعامات الكردية العراقية الذي أسس لعلاقة رسمية بين تركيا وكردستان العراق على مختلف الصعد وفي مقدمتها الاقتصادية وحقل الطاقة، وفتحت تركيا قنصليتها في أربيل عام 2011([9])م. ليتم إبرام العديد من الاتفاقيات في مجال الطاقة والاستثمار والتبادل التجاري حتى عُد إقليم كردستان من أهم شركاء تركيا التجاريين([10])، وهذا الانفتاح لم يأت من فراغ بقدر ما كان مشفوعاً بعدة أسباب أهمها: السعي التركي للاستفادة من الصعود التركي في العراق ونفوذهم في صوغ المشهد السياسي العراقي، محاولة تركيا الاستفادة من أكراد العراق في مواجهة وتحجيم حزب العمال الكردستاني المتواجد في المناطق الحدودية مع العراق وإيران، فضلاً عن الرغبة المتبادلة في تأمين المصالح الاقتصادية([11]) .

    بيد أن هذهِ العلاقة بين تركيا وإقليم كردستان أثرت سلباً على العلاقات التركية – العراقية في ظل الخلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم من جهة، ومن جهة ثانية لا يمكن عد الاتفاق بين تركيا واقليم كردستان لا سيما في مجال مد أنابيب النفط من الإقليم بصورة مستقلة ومن دون إشراك الحكومة العراقية في العملية خياراً واقعياً وقانونياً، إذ تقتضي المصالح الاستراتيجية للدولتين أن تتعامل تركيا مع العراق كوحدة واحدة. يضاف إلى ذلك أن علاقة تركيا بإقليم كردستان قد جرى تصويرها في إطار سياسة المحاور الإقليمية وبخاصة محوري إيران وتركيا([12]).

-     ملف حزب العمال الكردستاني، تشكل قضية وجود حزب العمال الكردستاني المناهض لتركيا في بعض مناطق شمال العراق، محوراً أساسياً في ترتيبات الأمن المشترك بين تركيا والعراق، يضاف إليها انعكاس التداعيات الأمنية والسياسات التي تشهدها الساحة العراقية على المشهدين السياسي والأمني التركيين، الأمر الذي يؤثر في التعاطي التركي مع ملفات العراق المختلفة، إذ تتعامل الخطط العسكرية التركية مع المناطق التي يقطنها الأكراد في شمال العراق وفي شرق تركيا على أنها ساحة عمليات واحدة تحتوي على عناصر حزب العمال الكردستاني الذي يجب على تركيا مواجهتهم([13])، وغالباً ما يتيح انعدام الاستقرار في العراق الفرصة لعناصر حزب العمال التواجد على الأراضي العراقية، ما أدى إلى أن تتعامل تركيا مع الأمر بوسيلتين: الأولى هي محاولة منع أي مجموعة متمردة كردية تركية مثل حزب العمال من إيجاد موطئ قدم على الأراضي العراقية، والوسيلة الثانية هي التعاون مع الحكومة العراقية بغية تهيئة الوسائل اللازمة لمكافحة عناصر حزب العمال في العراق([14]) .

2-  ورقة الأقلية التركمانية، وتُعد قضية شائكة بالنسبة لتركيا في علاقتها مع العراق، وترى تركيا بأن التركمان في العراق جزءاً من الأمة التركية المنتشرة من أواسط آسيا إلى أقصى غربها، وأن مدينة كركوك تشكل خطاً أحمراً إذا ما أقدم أكراد العراق على المطالبة بضمها إلى إقليم كردستان([15]. وقضية التركمان حديثة نسبياً على تركيا التي بدأت بطرحها في التسعينيات لاستغلالها بالضغط على الأكراد من جهة والحكومة العراقية من جهة أخرى، وترغب أن يكون للأقلية التركمانية تأثير في السياسة العراقية والإمساك بزمام الأمور في كركوك الغنية بالنفط، إلا أن التركمان في العراق مختلفون مذهبياً بين السنة والشيعة ومنهم مؤيد لتركيا والآخر معارض لها([16]).

3-  العوامل الاقتصادية، وتؤدي دوراً مهماً متعدد الأبعاد في العلاقات التركية – العراقية، وتمثل حاجة متبادلة بين الدولتين، فبالنسبة للعراق تشكل تركيا مدخلاً حيوياً لوارداته التجارية، ومصدراً لمختلف أنواع السلع والبضائع لأسواقه من جهة، ومنفذاً مهماً لتصدير نفطه عبر أنابيب النفط التي تمر عبر الأراضي التركية إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط ومن ثم إلى الأسواق العالمية من جهة أخرى. أما بالنسبة لتركيا فإنها تدرك أهمية تواجدها في الساحة العراقية التي تتطلب المزيد من الشركات للعمل في مجالي الإعمار والاستثمار وحاجة الأسواق العراقية المستهلكة للسلع والبضائع، وتعمل مئات الشركات التركية في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والتصنيع والإعمار والزراعة في العراق([17]).

4-  مشكلة المياه، لعقود عديدة بقيَّ ملف المياه مفتوحاً في العلاقات التركية – العراقية، وبالرغم من وجود مفاوضات ثنائية حول مياه دجلة والفرات وأخذت طابعاً دورياً إلا أنها لم تتوصل إلى حل مناسب يرضي الطرفين، وبقيت مشكلة المياه قائمة وتزداد تعقيداً بتقادم الزمن، وكانت ذروتها عند تأسيس تركيا لمشروع جنوب شرق الأناضول (GAP) الذي أقيم على منابع نهري دجلة والفرات وأنشأت 21 سداً وعدداً من محطات توليد الكهرباء. ويتمثل جوهر المشكلة بمسعى تركيا لفرض سيطرتها على مياه النهرين بدعوى مبدأ السيادة المطلقة لها، سيادة دولة المنبع على مجاريها المائية ونزع صفة النهر الدولي عن الأنهر المشتركة، وتصفها بأنها أنهار عابرة للحدود، وهو أمر منافي للواقع وهذهِ الرؤية والمشاريع التركية تؤثر بشكل سلبي على حصة العراق المائية وتهدد أمنه الغذائي([18]).

5-     المحدد الأمريكي، تتشاطر تركيا والولايات المتحدة الأمريكية العديد من الأهداف الأساسية في العراق، وبشكل خاص مسألة الحفاظ على وحدة العراق أو لا يتفتت إلى دويلات على أساس عرقي أو طائفي ويأملان بوجود عراق ديمقراطي مستقر، وكلتاهما تحبذان وجود حكومة مركزية قوية قادرة على تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، كما لا يرغب الطرفان بوجود أي شكل من أشكال الدولة الدينية الأصولية في العراق([19]). ومن هنا وبحكم علاقة وتأثير الولايات المتحدة الأمريكية بالعراق وتحالفها مع تركيا فقد ساهمت الولايات المتحدة بتحفيز الدولتين على تعزيز العلاقات وغالباً ما تستخدم نفوذها للحد من تفاقم أي مشكلة بين العراق وتركيا.

6-     المحدد الإيراني، لإيران علاقات وثيقة مع العراق وتمارس دوراً نافذاً على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والدينية والاجتماعية ولها تأثير على توجهات العراق الخارجية وعلاقات العراق الدولية، وإذا أضيف إلى ذلك مسألة التنافس الإيراني – التركي فعندئذ تتضح مسألة التأثير الإيراني على العلاقات التركية – العراقية، الأمر الذي تدركه تركيا جيداً مثلما تدرك وجود محور إقليمي على حدودها الجنوبية ويشمل إيران والعراق وسوريا([20]).

7-  تأثيرات الأزمة السورية، يُشكل تباين موقف كل من العراق وتركيا إزاء الثورة السورية كابحاً في مسار العلاقات التركية – العراقية حينما اصطف العراق إلى جانب نظام الأسد وساندت تركيا قوى المعارضة السورية بشقيها السياسي والمسلح ودعم كل منها الطرف الذي وقف إلى جانبه، فكانت هذهِ الأزمة بما حملته من ملفات معقدة وتداعيات وتأثيرات اقليمية ودولية عاملاً سلبياً في العلاقات بين تركيا والعراق([21]).

انعكاس العلاقات التركية-العراقية على دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة العربية

    للعراق أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لدول الخليج العربي بخاصة والدول العربية بعامة وعلى مختلف أشكال العلاقة والمكانة التي يكون عليها سواء بعلاقات تعاونية أم اختلاف وتوتر، وفي الحالتين لا يمكن تجاهل العراق وما يمر به لما لذلك من تأثير على مصالح وأمن المنطقة بشكل عام. وكذلك تركيا لها مكانتها في المنطقة وتمتلك العديد من عوامل التقارب والالتقاء مع الدول العربية وتقترب بشكل كبير من القضايا التي تهم المنطقة، ومن هنا يتضح مدى تأثير العلاقات التركية – العراقية في أشكالها المختلفة على دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة العربية.

     شكلت مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م، وما أفرزته من تداعيات سلبية على التوازنات الداخلية للعراق والتوازنات الاقليمية في المنطقة عاملاً أدى بدول الخليج العربية وعدد من الدول العربية إلى التقارب مع تركيا كجزء من الاستقطابات الإقليمية في المنطقة، وهذا التقارب مدفوعاً بتقارب الرؤية الخليجية مع الرؤية التركية ووجود مصالح مشتركة بشأن تحقيق الاستقرار الإقليمي والحفاظ على وحدة العراق وسلامة أراضيه([22]) .

      وفي ظل أوضاع العراق الراهنة صاغت دول الخليج العربي اعتقادها بأن الأوضاع في العراق أصبحت تمثل مصدر عدم استقرار للمنطقة، ومن الممكن أن يُشكل العراق مرتكزاً لإيران تؤثر من خلاله على دول المنطقة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن العراق في ظل سيطرة تنظيم داعش على أجزاء من أراضيه يُشكل قاعدة للإرهاب يهدد دول المنطقة ما لم يتم مواجهة هذا الإرهاب. ومن هنا تأتي الحاجة الخليجية والعربية والاقليمية لمكافحة الإرهاب، وضرورة التأكيد على أهمية حل الأزمات السياسية في العراق المتمثلة بإعادة بناء المؤسسات السياسية العراقية، وتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية والشاملة، كون الأوضاع الراهنة وتداعياتها ستشمل دول الجوار العربي والاقليمي([23]).

    الرؤية الخليجية هذهِ لا تختلف عن الرؤية التركية الأمر الذي بلور اعتقاد تركي – خليجي مشترك بأن هنالك قواسم مشتركة ونقاط التقاء بين الدول العربية وتركيا تُحفز على التعاون والتنسيق في البعد الاستراتيجي المتمثل باحتواء النفوذ الإيراني الذي قد لا يتوقف بشكل طوعي، يضاف إلى ذلك أن هنالك مصالح مشتركة في السيطرة على الأوضاع في العراق الذي يحاذي تركيا من الجنوب ودول مجلس التعاون الخليجي من الشمال والدول العربية من الشرق على اعتبار أن تنامي التأثير الإيراني في العراق وتزايد نشاط الجماعات الإرهابية يمثل اختلالاً في التوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط ، مما يؤثر سلباً على الدول العربية وتركيا معاً([24]) .

    وتجسدت الرؤية المشتركة والرغبة بالتنسيق على أرض الواقع بمبادرة دول مجلس التعاون الخليجي إلى تفعيل آليات تحرك إقليمي ودولي في مواجهة الإرهاب من جهة، والتحالف الرباعي الذي يضم كلًا من روسيا وإيران والعراق وسوريا من جهة أخرى وإن كان بشكل غير معلن، وكان من أبرز هذهِ الآليات وأحدثها: التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنت عن تشكيله المملكة العربية السعودية في الرياض في 15 كانون الأول 2015م، ويضم التحالف 34 دولة وفي مقدمتها تركيا وله مركز عمليات مشترك مقره الرياض([25])، ومؤخراً تناقلت تقارير عن وجود قوات مشتركة خليجية - تركية في جنوب تركيا وقد تكون مهمتها التدخل في سوريا أو حتى العراق للمشاركة في تحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش .

المشاهد المستقبلية للعلاقات التركية – العراقية

   يمكن طرح ثلاثة مشاهد لتوقع ما ستكون عليه العلاقات التركية - العراقية مستقبلاً في ظل مجموعة من المعطيات تؤثر في هذهِ العلاقات سلباً وإيجاباً :

أولاً: مشهد التطور، ويتوقع تحقق مجموعة من المتغيرات ستساهم في تطور العلاقات التركية– العراقية، أهمها:

1-     ستدفع الحاجة المتبادلة لكل من تركيا والعراق ولا سيما في مجال الأمن إلى تطوير العلاقات التركية العراقية كون هذا المجال يشكل حاجة ماسة لكل منهما تجاه الآخر. لا سيما في ظل الأزمة الأمنية العراقية ومواجهة الإرهاب وتوجه تركيا لمواجهة حزب العمال الكردستاني الذي تعده تركيا منظمة إرهابية.

2-     تشكل العوامل الاقتصادية دافعاً في مسار التطور الإيجابي للعلاقات التركية العراقية اذ يُعد العراق من أهم مستوردي البضائع التركية وهنالك مئات الشركات التركية في العراق، كما تُمثل تركيا أهم منفذ لتصدير النفط العراقي، ومن هنا يتوقع أن يتم تفعيل المجالات الاقتصادية المتبادلة([26]).

3-     تفعيل اتفاقية المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين العراق وتركيا وما يمثله ذلك من تطور للعلاقات الثنائية بين الدولتين.

4-     تفعيل التعاون الاستخباراتي والمعلوماتي بين الدولتين([27]) .

5-     انتهاج الحكومة العراقية لسياسة متوازنة مع الدول الاقليمية وعدم الميل صوب إيران على حساب تركيا.

6-     حصول ضغط أمريكي على كل من تركيا والعراق لقيام علاقات متوازنة بين الطرفين كون الولايات المتحدة الأمريكية طرف مؤثر على العراق وحليف تركيا وتسعى لتطوير علاقة حلفائها.

ثانياً: مشهد استمرار الوضع الراهن، يفترض هذا المشهد استمرار العلاقات التركية – العراقية على ما هي عليه في الوقت الراهن في المستقبل دون تراجع أو تطور، وهذا المشهد يبدو ضعيفاً في ظل تطورات وأحداث متسارعة تشهدها منطقة الشرق الأوسط قد تعصف بالمنطقة وتحدث تحولات كبيرة في وقت قصير.

ثالثاً: مشهد التراجع، يفترض هذا المشهد تراجع العلاقات التركية -العراقية في حال تحقق عدد من المعطيات، أهمها:

1-     ازدياد شدة التباين في مواقف تركيا والعراق إزاء العديد من القضايا الداخلية والاقليمية المشتركة الأمر الذي يتسبب بتدهور العلاقات بين الدولتين([28]).

2-     لإيران نفوذ في الساحة العراقية وهي دولة منافسة لتركيا وهذا النفوذ له دور في التأثير على طبيعة العلاقات العراقية – التركية فإذا تراجعت العلاقات الإيرانية -التركية يمكن أن تتراجع على إثرها العلاقات التركية – العراقية([29]) .

3-     تشكل علاقة تركيا مع إقليم كردستان عاملًا مؤثرًا في مسار العلاقات بين تركيا والعراق فيما  لو بقيت الخلافات مستمرة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم من جهة، والتعامل التركي مع حكومة الإقليم خارج رضا وموافقة الحكومة الاتحادية العراقية من جهة أخرى([30]).

4-     تؤثر الاستقطابات الاقليمية التي تشهدها المنطقة سلباً على العلاقات التركية – العراقية وتفرض عليها التراجع في حال استمرار انضمام العراق إلى التحالف الرباعي واستمرار انضمام تركيا إلى التحالف الإسلامي كون كل تحالف منها موجه بالضد من الآخر.

5-     تدخل تركيا في العراق بحجة محاربة الإرهاب أو دعم أطراف معينة على حساب أخرى دون موافقة الحكومة العراقية، لا سيما في ظل وجود قوات تركية في معسكر بعشيقة قرب مدينة الموصل.

    وقد يكون هذا المشهد في ظل المعطيات الراهنة أكثر تحققاً على المدى القريب إذا استمرت عوامله بالبقاء.

   خلاصة القول إن العلاقات التركية – العراقية تضم في جنباتها قضايا معقدة جعلتها تصطبغ بالتقلب والتغير في التقدم والتراجع لعقود طويلة، وبالرغم مما تمر به هذهِ العلاقات من انتكاسات إلا أنه من الضروري بالنسبة للدولتين تجاوز خلافاتهما لتحسين العلاقات الثنائية لما يحققه التوافق والتلاؤم من مصالح مهمة لكلا الطرفين.

      كما أن لهذه العلاقات انعكاسات وتأثيرات على دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة العربية برمتها ولا يمكن لطرف ما أن يتجاهل الآخر.

     وقد تشهد العلاقات التركية – العراقية تحولات عديدة مستقبلاً في ظل تسارع الأحداث والتطورات التيتشهدها منطقة الشرق الأوسط ربما تزيد من توترها أو تكون دوافع إيجابية لتطورها بشكل فاعل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كلية العلوم السياسية – جامعة تكريت

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 الهوامش 

 

[1] - للمزيد يُنظر : خضير عباس النداوي ، الدور التركي المحتمل في العراق بعد الانسحاب الأمريكي ، مجلة آراء حول الخليج ، العدد 89 ، (جدة : مركز الخليج للأبحاث ، 2012) ، ص 62 – 63 .

[2] - للمزيد يُنظر : شادي ارغوفنتش ، الأمن التركي والشرق الأوسط ، مجلة الدراسات الفلسطينية ، العدد 26 ، المجلد 7 ، (بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، ربيع 1996) ، ص2 – ص4 .

[3] - يُنظر : سونر ﭽاغاﭘتاي وتايلر إيفانز ، علاقات تركيا المتغيرة مع العراق ... تعزيز العلاقات مع كردستان يؤدي الى ضعفها مع بغداد ، متاح على الرابط :

 http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/turkeys-changing-relations-with-iraq-kurdistan-up-baghdad-down  (24/1/2016)

 

[4] - يُنظر : المصدر نفسه .

[5] - يُنظر : باسل الحاج جاسم ، العلاقات العراقية - التركية تدخل مرحلة جديدة على وقع ازدهار موقع كردستان ، صحيفة الحياة ، 18 كانون الثاني 2015 .

[6] - نور الدين المنصوري ، "داود أوغلو" : قواتنا في العراق تتولى مهمة تدريب العرب والأكراد والتركمان ، متاح على الرابط : (24/1/2016)  http://www.thenewkhalij.net/ar/node/28097

[7] - صبحي ناظم توفيق ، رؤية مستقبلية في العلاقات العراقية - التركية ، متاح على الرابط :

http://www.bizturkmeniz.com/ar/index.php?page=article&id=10449(24/1/2016)

[8] - المصدر نفسه .

[9]- زينب ماهر السيد مرسي ، العلاقات التركية – العراقية "دراسة لحالة الأكراد" ، متاح على الرابط :

http://democraticac.de/?p=18020  (24/1/2016)

[10] - للمزيد يُنظر :- عمر تشبينار وغنل تول ، تركيا والكرد : من المأزق الى الفرصة ، ترجمة مسلم عبد طلاس ، متاح على الرابط :          (24/1/2016) http://www.medaratkurd.com/?p=816

[11] - احمد عدلي ، العلاقات بين تركيا وكردستان العراق ، متاح على الرابط :

http://ncmes.org/ar/publications/middle-east-strategy-bulletin/211  (25/1/2016)

[12]- عبدالحكيم خسرو جوزل ، قضايا الطاقة السياسية على محور أنقرة – أربيل – بغداد ، تحليل سياسات ، (الدوحة : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، يناير 2014 ) ، ص 10-11 .

[13]- واثق محمد براك السعدون ، مستقبل العلاقات العراقية - التركية في المجال الأمني ، متاح على الرابط :

http://regionalstudiescenter.uomosul.edu.iq/news_details.php?details=244(25/1/2016)

[14] - هنري ج. باركي ، تركيا والعراق .. اخطار (وامكانيات) الجوار ، (واشنطن : معهد السلام الأمريكي ، تموز 2005) ، ص3 .

[15] - صبحي ناظم توفيق ، مصدر سبق ذكره .

[16] - هنري ج. باركي ، مصدر سبق ذكره ، ص 5 .

[17] - يُنظر : مثنى العبيدي، بين الاقتصاد والإرهاب : أبعاد ودوافع الانفراج في العلاقات التركية – العراقية ، متاح على الرابط :                                     (25/1/2016)    http://goo.gl/Ug3aIQ

[18] - قاسم حسين الربيعي ، العلاقات العراقية - التركية ... وآفاقها المستقبلية ، متاح على الرابط :

http://www.alnahrain.iq/?p=2104(25/1/2016)  

[19] - هنري ج. باركي ، مصدر سبق ذكره ، ص 13 .

[20] - يُنظر : باسل الحاج جاسم ، مصدر سبق ذكره .

[21] - يُنظر : واثق محمد براك السعدون ، مصدر سبق ذكره .

[22] - سامية بيبرس ، الحوار الاستراتيجي التركي – الخليجي ومستقبل أمن منطقة الخليج ، مجلة شؤون عربية، العدد ١٦٢ ، (القاهرة : الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ، 2015) ، ص 157 .

[23] - مفيد الزيدي ، مستقبل العلاقات الخليجية – العراقية على ضوء المؤثر الإيراني ، مجلة آراء حول الخليج ، العدد 100 ، (جدة : مركز الخليج للأبحاث ، 2012) ، ص 56 .

[24] - عبدالعزيز عثمان بن صقر ، دول الخليج وتركيا .. مصالح وتحديات مشتركة ، متاح على الرابط :

http://www.alarabiya.net/ar/politics/2015/11/15/%D8%AF%D9%88%D9%84%C2%AD%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC%C2%AD%D9%88%D8%25%E2%80%A6   (25/1/2016)

[25] - يُنظر : محمد بدري عيد ، أمن الخليج في عام 2015 : الادراك والخطاب والسلوك السياسي ، (الدوحة مركز الجزيرة للدراسات ، كانون الأول 2015) ، ص 7 .

[26] - يُنظر : مثنى العبيدي ، مصدر سبق ذكره .

[27] - قاسم حسين الربيعي ، مصدر سبق ذكره .

[28] - خضير عباس النداوي ، مصدر سبق ذكره ، ص 65 .

[29] - علي حسين باكير ، العراق في حسابات تركيا الاستراتيجية والتوجهات المستقبلية ، متاح على الرابط :

http://studies.aljazeera.net/reports/2015/01/201511895950841529.htm(24/1/2016)

[30] - يُنظر : سونر ﭽاغاﭘتاي وتايلر إيفانز ، مصدر سبق ذكره .

مجلة آراء حول الخليج