; logged out
الرئيسية / الصين والخليج: دور "هادئ" خارج التحالفات

العدد 106

الصين والخليج: دور "هادئ" خارج التحالفات

الأحد، 03 نيسان/أبريل 2016

منذ أربعة عقود، وعقب رحيل قائد الثورة الشيوعية فى الصين ماو تسي تونج عام 1976م، شهدت الساحة الصينية صراعًا على السلطة بين التيار المتشدد والتيار الإصلاحي داخل المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، تم حسمه نهاية عام 1978م، للإصلاحيين بتولي دنج تشاو بينج السلطة ليبدأ مهمة الإصلاح وإعادة ترتيب البيت الصيني من الداخل في مختلف المجالات حيث أطلق مبدأ "دولة واحدة ونظامين"، الذي يقضي بأنه لا مانع من أن يكون توجه الصين الرئيسي اشتراكياً بينما تتمتع بعض أجزائها بالنظام الرأسمالي. ومع مطلع الثمانينات، وتحديدًا في سبتمبر عام 1982م، بدأت الصين اتخاذ خطوات جادة نحو الإصلاح الاقتصادي حيث أقر المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي الأخذ بآليات اقتصاد السوق وحقن النظام الشيوعي القائم على المركزية فى إدارة الاقتصاد بجرعات من الليبرالية ليتحول إلى نظام اشتراكى بآليات رأسمالية. وظهرت المناطق الاقتصادية الخاصة التي نجحت في جذب الاستثمارات الخارجية وتحسين مناخ الاستثمار والنهوض بالمناطق المجاورة. الأمر الذي ساعد الصين على الانطلاق وتحقيق قفزات تنموية ملحوظة أصبحت معها ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الاقتصاد الأمريكى، وأكبر مصدر تجاري فى العالم منذ عام 2005م، والشريك التجاري الأول لحوالى 120 دولة، وأكبر مصدر للاستثمارات المباشرة فى العالم (116 مليار دولار عام 2014م)، وتستأثر بأكبر احتياطي من الذهب والعملات الصعبة (4 تريليون دولار).

وتؤكد الصين أنها مازالت تنتمي إلى العالم النامي لأن التنمية مازالت مستمرة فيها لتحقيق هدفين أساسيين يمثلان معًا "حلم" الصين، وهما: تحقيق مجتمع الرفاهية وزيادة نصيب الفرد من الدخل القومي بحلول عام 2020م، والوصول بالصين لتصبح دولة غنية ديمقراطية حديثة بحلول عام 2049م، أي في الذكرى المئوية لثورة 1949م. وترتبط هذه الرؤية بتنمية وازدهار العالم، فهي ليست تنمية أنانية، على حد تعبير المسؤولين الصينيين، وإنما تقوم على مبدأ "الفوز المشترك" ودعم التنمية في الدول الأخرى، وأن حلم الصين هو حلم العالم. فالصين تؤمن بأنه لا يمكنها تحقيق تنمية حقيقية دون أن يصاحب ذلك تنمية لشركائها من خلال الاعتماد المتبادل، واحترام الخصوصية فى التجربة التنموية لكل دولة وتنوع مسارات التنمية إنطلاقًا من أنه لايمكن فرض نموذج تنموى بعينه على كل الدول. 

وتربط الصين بين نموها الاقتصادى وتحديث وتطوير قدراتها العسكرية حتى تستطيع حماية مكتسباتها وإنجازاتها. وتملك الصين ثالث أضخم ترسانة نووية في العالم، كما إنها تمثل ثاني أكبر إنفاق عسكري عالمياً، وعلى مدى العقد الماضى حدثت طفرة في مستوى التسلح الصيني التقليدي والنووي، وفى تكنولوجيا صناعة الأسلحة بها.

إلا أن الإصلاح الاقتصادي واسع النطاق والطفرة فى القدرات العسكرية، لم يواكبها سوى إصلاح سياسي محدود. ومازالت الدعوة لمزيد من الإصلاحات السياسية مستمرة حيث شهدت الصين فى السنوات الأخيرة تزايد الوعي بين المواطنين بالديمقراطية وحقوقهم السياسية، نتيجة الانفتاح على الثقافات الغربية من خلال وسائل التواصل الاجتماعى والأنترنت، وارتفاع مستوى التعليم وبروز دور الحركات الاجتماعية والتنظيمات غير الرسمية المطالبة بتوسيع هامش الحريات المدنية ومكافحة الفساد. ويتخوف البعض أن يؤثر ذلك على مكاسب الإصلاح الاقتصادي في الصين، وقد عبر رئيس الحكومة الصينية السابق وين جياباو عن ذلك حين أشار إلى أن على بكين إصلاح نظامها السياسي لتتمكن من المحافظة على الإنجازات الاقتصادية التي حققتها البلاد، وأن الصين "قد تخسر الإنجازات التي حققتها من خلال إعادة هيكلة اقتصادها ما لم تقم بإعادة هيكلة نظامها السياسي"، ويقتضي ذلك خلق الظروف التي تكفل إشراف المواطنين وانتقادهم لعمل الحكومة بهدف حل ما أطلق عليه مشكلة "التركيز المفرط للسلطة دون رقابة فعالة."

ورغم أهمية الإصلاح السياسي وما ينطوي عليه ذلك من تحدي التعامل الفعال مع معضلة هيمنة الحزب الشيوعي على الحياة العامة والسياسية، ومع مشكلات الفساد المالي والإداري، فإن ذلك لا يشكل تهديدًا آنيًا على مكتسبات الصين الاقتصادية خاصة وأن البنية الثقافية للمجتمع الصيني تقوم على النظام الأسري والعلاقات السلطوية داخله، والأخلاق بمضمونها الكونفوشي والتي تعد أقوى من القانون، ويعد مفهوم الإذعان والطاعة مفهوم محوري في الثقافة التقليدية الصينية.

وتظل الصين بقدراتها الاقتصادية والعسكرية الكبيرة والمتنامية أحدى القوى الكبرى الفاعلة والمؤثرة في عالم اليوم متعدد القوى. وقد انعكس الصعود الاقتصادي الصيني على عقيدتها العسكرية التي تم تعديلها لتتجاوز مفهوم القوة الإقليمية الذي طالما حكم السياسة الصينية، ليتبنى مبادئ قتالية جديدة تتفق مع وضع القوة العظمى الحديثة، مثل التعريف الموسع للحدود الإستراتيجية، والردع الإستراتيجي، وأخذ زمام المبادرة بتوجيه الضربة الأولى، واكتساب قدرة أكبر على استخدام قوتها خارج حدودها، وتعزيز تحولها الإستراتيجي من قوة برية لتصبح قوة برية وبحرية.

وفي هذا السياق، قامت الصين بإعادة صياغة استراتيجيتها تجاه منطقة الشرق الأوسط على النحو الذي يتواءم مع وضعها كقوة كبرى فاعلة من ناحية، ومع مستجدات الواقع الإقليمي في أعقاب الثورات العربية وتداعياتها من ناحية أخرى. وجاءت زيارة الرئيس الصينى شي جين بينج للمنطقة في يناير الماضي لتؤكد هذا التوجه. وسبق الزيارة إصدار بكين فى 13 يناير وثيقة رسمية تعتبر الأولى من نوعها حول سياسة الصين تجاه الدول العربية، تضمنت التأكيد على عمق التعاون بين الجانبين والآفاق الرحبة التي تتطلع لها الصين في تعاونها مع العالم العربي، وأن تستطيع الدول العربية "ركوب القطار السريع للتنمية الصينية" على النحو الذي يحقق التنمية المشتركة ويخلق مستقبل أكثر إشراقًا مع الدول العربية. وأعادت الوثيقة التأكيد على نهج الصين القائم على عدم التدخل فى الشؤون الداخلية وتسوية النزاعات عبر الحوار.

 وتبرز في هذا الإطار خصوصية دول الخليج العربي بالنسبة للصين، وذلك في ضوء مجموعة من الاعتبارات. أولها، أن دول مجلس التعاون الخليجي هي الأكثر استقرارًا سياسيًا واقتصاديًا في المنطقة، بعد أن تجاوزت تسونامى الثورات العربية، ومن قبلها تداعيات الأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008م. ثانيها، تنامي الدور الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي خاصة المملكة العربية السعودية فى ضوء تطورات الأزمتين اليمنية والسورية، والتأثير السعودي الواضح على السياسة المصرية فى أعقاب ثورة 30 يونيو. هذا إلى جانب التفاهم حول القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية لكليهما حيث تدعم دول الخليج قضية الوحدة الصينية، وتدعم الصين القضايا العربية ومنها القضية الفلسطينية، ويظل التباعد بشأن الأزمة السورية استثناءً لهذا التوجه العام في العلاقات الصينية الخليجية.

ثالثها، العلاقات التاريخية والحضارية العميقة بين الجانبين حيث مثلت المنطقة جوار مباشر للصين فى فترة المد الإسلامى منذ القرن الثامن الميلادي حين وصلت حدود العالم الإسلامي إلى الحدود الغربية للصين. وكان أول مسجد بُني خارج شبه الجزيرة العربية في الصين وبدأ فيه تعليم اللغة العربية. ولا شك أن هذا التقارب الحضاري مثل قاعدة هامة لإطلاق العلاقات بين الجانبين ومحدد أساسي لتوجهات الصين تجاه المنطقة، يعزز هذا عدم وجود ماضي استعماري للصين في المنطقة، بل إنها كانت من الدول التي عانت من الاستعمار. ومن ثم فإن خبرة التعاون والتواصل والتفاهم بين الجانبين أعمق من الخبرة الصراعية أو التنافسية التي تكاد تنعدم في علاقات الصين بالمنطقة.

رابعها، المصالح الحيوية للصين فى منطقة الخليج العربى، والمتمثلة فى النفط والأسواق التجارية والاستثمارات. فحاجة الصين إلى إمدادات آمنة للطاقة تتزايد لتغذية صعودها الاقتصادي السريع، وهي ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم منذ عام 2003م، بعد الولايات المتحدة، وتستورد أكثر من نصف وارداتها النفطية من منطقة الخليج، وتعتبر المملكة العربية السعودية هى أكبر مصدر للنفط الخام إلى الصين حيث تمدها بما يقرب من 50 مليون طن من النفط الخام وفق تقديرات عام 2014م. ومن المتوقع أن تكون الصين بحلول عام 2030م، أكبر سوق للصادرات النفطية الخليجية، متجاوزة الولايات المتحدة الأمريكية واليابان. وتعد الصين سوق ضخمة ليس فقط لصادرات دول الخليج من النفط الخام، وإنما أيضًا من المنتجات البتروكيماوية والصناعات المعدنية، وهما القطاعان اللذان تتوسع دول الخليج فيهما بشكل كبير في ظل استراتيجية طويلة المدى لتنويع اقتصاداتها. ووفقًا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإن واردات الصين من النفط سترتفع الى 8.7 مليون برميل يوميًا بحلول العام 2020م، فى حين تنخفض واردات الولايات المتحدة النفطية إلى 6.8 مليون برميل.

كما تزداد أهمية دول الخليج في ضوء سعي الصين إلى تنويع أسواق منتجاتها، نتيجة انخفاض القدرة الشرائية في الأسواق التقليدية لتلك المنتجات، والتضييق عليها لأسباب مختلفة في الأسواق الأمريكية والأوروبية. وتعد الصين ثامن أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي وقد قفز التبادل التجارى بين الجانبين من 9 مليارات دولار عام 2001م، إلى 151 مليار دولار عام 2012م، منها 90 مليار صادرات خليجية، و60 مليار صادرات صينية.

يضاف إلى ذلك أهمية الاستثمارات المشتركة إذ تبلغ قيمة الاستثمارات الخليجية الصينية حوالي 50 مليار دولار. ويكتسب التعاون في مجال النفط والصناعات البتروكيماوية أهمية واضحة لدى الجانبين، وهناك تعاون متزايد بين شركة "سابك" السعودية وغيرها من المؤسسات والشركات الخليجية العاملة في مجال البتروكيماويات والصناعات المعدنية والشركات الصينية. وهناك مشروعات عملاقة في هذا المجال منها مشروع إقامة مصفاة للنفط في جنوبي الصين باستثمارت مشتركة قدرها تسعة مليارات دولار، تم الاتفاق عليه في يناير 2012م، بين مؤسسة البترول الكويتية وشركة الصين للبترول والكيماويات "سينوبك"، ومشروع إنشاء معمل لتكرير النفط في مدينة تايتشو بمقاطعة تشجيانج الصينية بالتعاون بين شركة قطر للبترول الدولية وشركة النفط الوطنية الصينية (CNPC) وشركة شل الأمريكية، تم توقيع الاتفاق الإطاري له عام 2011.

على صعيد آخر، يكتسب التعاون العسكري الصيني الخليجي أهمية خاصة في ضوء سعي الصين إلى تنشيط صادراتها من الأسلحة. ويرجع هذا التعاون بجذوره إلى السبعينيات حين تبنت الصين سياسة الانفتاح من ناحية، واتجه عدد من الدول العربية إلى تنويع مصادر تسليحها من ناحية أخرى، ومنها المملكة العربية السعودية وصفقتها الشهيرة لشراء صواريخ باليستية أرض/ أرض متوسطة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية من الصين. وذلك رغم الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة لإثناء الصين عن إتمام هذه الصفقة بدعوى عدم الإخلال بالتوازن في المنطقة.

 

فى ضوء ما تقدم يمكن بلورة محورين أساسيين لرؤية الصين بشأن مستقبل علاقاتها مع دول الخليج. المحور الأول اقتصادي، ويمثل عصب العلاقات بين الجانبين وذلك من خلال توثيق التعاون الصيني الخليجي وإقامة منطقة للتجارة الحرة بين الجانبين، وإشراك دول الخليج في مشروع "الحزام والطريق" الذي أعلنه الرئيس الصيني شي جين بينج في سبتمبر 2013م، وتعتبر منطقة الخليج حلقة وصل لا غنى عنها لنجاح المشروع. وتسعى الصين من ورائه إلى مواجهة استراتيجية "الارتكاز على آسيا" التي أعلنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ويسعى من خلالها إلى التوجه شرقاً وتطويق الصين.ويتضمن المشروع ربط الصين بأوروبا من خلال الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري عبر ثلاثة خطوط رئيسية يمر أولها بآسيا الوسطى وروسيا، ويمتد الثاني من الصين إلى منطقة الخليج والبحر الأبيض المتوسط مروراً بآسيا الوسطى وغربي آسيا، ويبدأ الثالث من الصين ويمر بجنوب شرقي آسيا وجنوب آسيا والمحيط الهندي. إلى جانب طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين ويشمل خطين رئيسين يبدأ الأول من الموانئ الساحلية الصينية ويصل إلى المحيط الهندي مروراً ببحر الصين الجنوبي وانتهاءً بسواحل أوروبا، ويربط الثاني الموانئ الساحلية الصينية بجنوب المحيط الهادئ.

وتشمل مبادرة "الحزام والطريق" أكثر من 60 دولة في قارات العالم القديم، آسيا وأوروبا وإفريقيا، يبلغ إجمالي عدد سكانها 4.4 مليار نسمة، أي ما يعادل 63% من سكان العالم ويبلغ حجم اقتصاداتها 21 تريليون دولار، أي 29% من الاقتصاد العالمي الحالي.وتعد المبادرة إحياءً لطريق الحرير القديم الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وكان عبارة عن مجموعة طرق مترابطة تسلكها القوافل، بهدف نقل البضائع التجارية بين الصين وآسيا الوسطى وبلاد الفرس والعرب وآسيا الصغرى وأوروبا. وخلال زيارة الرئيس الصيني للمملكة العربية السعودية في يناير الماضي تم توقيع 14 اتفاقية بين البلدين أبرزها تلك الخاصة بانضمام المملكة لمشروع "الحزام والطريق".

المحور الثاني، سياسي استراتيجي، ويتضمن بعدين أساسيين. أولهما، تعزيز الحوار الاستراتيجي الصيني الخليجي، وتفعيل الأطر المعنية بهذا حيث تم الارتقاء بالعلاقات بين الصين وثلاثة من دول الخليج، السعودية والإمارات وقطر، إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وقامت الصين ومجلس التعاون الخليجي باستحداث آلية للحوار الاستراتيجي الصيني الخليجي، تم في إطارها إجراء ثلاث جولات للمحادثات كانت أخرها في يناير 2014م.

ويبرز في هذا السياق أهمية تعميق التعاون الصيني الخليجي في مجال مكافحة الإرهاب. فتصاعد الإرهاب في المنطقة يؤرق الصين ويهدد ليس فقط مصالحها ولكن أمنها القومي بالنظر إلى تزايد أعداد المنضمين إلى صفوف داعش من أبناء إقليم سينكيانج الصيني ذو الأغلبية المسلمة، وتورطهم في أعمال إرهابية داخل الصين. ومن المعروف أن هناك جالية إسلامية هامة فى الصين تتجاوز 25 مليون مسلم يمثلون 2% من السكان، ويتركزون في إقليم سينكيانج وإقليم ننشيا والتبت، عدد منهم ذوي أصول عربية، كما يوجد بها أكثر من 7000 مسجد منها 70 مسجد في بكين وحدها. ومن ثم فهي، كغيرها من الدول داخل وخارج المنطقة، تستشعر الخطر الداعشي على أمنها القومي. ويفسر هذا الدعم السياسي والدبلوماسي الذي تبديه بكين للضربات الروسية في سوريا بالنظر لتحول الأخيرة إلى حاضنة للعديد من التنظيمات الارهابية وفي مقدمتها داعش، وكذلك دعمها لمحاولات التسوية السلمية باعتبارها خطوة هامة لحصار تنظيم داعش والقضاء عليه.

ثانيها، لعب دور الوسيط في حل بعض القضايا والنزاعات الشرق أوسطية، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الصين التي ظلت لقرون ممتدة عملاق قابع في إقليمه يأبى ممارسة أي دور سياسي خارج مجاله الحيوي ومحيطه الإقليمي. فقد أصبحت الصين من القوى المعنية بأمن واستقرار المنطقة وذلك في ضوء تجاوز مصالحها مجرد ضمان تدفقات النفط إليها. وفي هذا الإطار استضافت بكين في ديسمبر الماضي اجتماعًا ضم مسؤولين من النظام السوري والمعارضة بهدف دعم التوصل لحل سياسي للأزمة، واستعادة الاستقرار في المنطقة.وعقب التوتر فى العلاقات السعودية الإيرانية على خلفية الحرب في اليمن، وقيام المملكة بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران إثر مهاجمة السفارة والقنصلية السعوديتين بها، قام نائب وزير الخارجية الصيني جانج مينج بزيارة استمرت يومين لكلا البلدين، فى محاولة لحثهما على "التهدئة وضبط النفس" في علاقاتيهما. كما كان ذلك أحد الموضوعات التي تم بحثها خلال زيارة الرئيس الصيني للرياض في يناير الماضي. ومن المعروف أن إيران تعد شريك استراتيجى هام للصين، وهناك تعاون بينهما في مجالات استراتيجية عدة منها المجال النووي. كما تعد إيران مصدر هام للنفط للصين، وتحتل إيران المرتبة الثالثة بين مستوردي السلاح الصيني، وهي عضو مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون الأمني التي تأسست بمبادرة من الصين وتضم إلى جانبها كل من روسيا وأربعة من دول آسيا الوسطى، والهند وباكستان، ومن المتوقع أن تحصل إيران على العضوية الكاملة للمنظمة بعد رفع العقوبات الدولية عنها.

وتؤكد الصين دوماً على إنها خارج أي تحالفات في المنطقة وحريصة على بناء شراكات جادة ومتوازنة مع الدول العربية وغير العربية بها. فالقيادة الصينية تدرك جيدًا أن الشرق الأوسط ساحة تنافس رئيسية للفاعلين الدوليين والإقليميين، ولا تريد أن تزج بنفسها فى أتُون صراعات إقليمية ودولية مستعرة، ومن ثم فهي تتلمس خطواتها وتحاول تحقيق مصالحها دون الإخلال بعلاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف، ودون أن تتورط في مواجهة مع طرف دولي أو إقليمي. الأمر الذي يؤكد ميلاد دور "هادئ" ومتوازن للصين في قضايا المنطقة.   

لقد انطلقت الصين في "قطار سريع" نحو التنمية والرفاهة، وتسعى لأن يضم قطارها الدول العربية وخاصة دول الخليج التي تمثل محور ارتكاز اقتصادي واستراتيجي هام في الاستراتيجية الصينية العالمية.

مجلة آراء حول الخليج