; logged out
الرئيسية / الرباط أرست شراكة متعددة المسارات والأهداف مع دول مجلس التعاون الخليجي العلاقات الخليجية – المغربية: انطلاقة متناغمة نحو إفريقيا جنوب الصحراء

العدد 107

الرباط أرست شراكة متعددة المسارات والأهداف مع دول مجلس التعاون الخليجي العلاقات الخليجية – المغربية: انطلاقة متناغمة نحو إفريقيا جنوب الصحراء

الإثنين، 09 أيار 2016

بقدر ما تندر المتغيرات في علاقات المغرب بدول مجلس التعاون الخليجي، والتي عادة ما تفرضها بعض المستجدات الدولية، بقدر ما تكثر الثوابت نتيجة تجذر الروابط التاريخية بين الجانبين واشتراكهما في عدد من القواسم، لكن المتميز أكثر أن مخاض المتغيرات غالبًا ما يصب في اتجاه تكريس الثوابت، وتوسيع مجال الرؤية وتعميق التفكير لخوض تجارب للتعاون بأساليبومرجعيات وسقف أهداف، يستجيب لمستجدات الظرفية على المستويين الإقليمي والدولي.

ولعل من أهم القواسم الثابتة في علاقات المغرب بدول مجلس التعاون الخليجي تتمثل في :"دعم القضايا العربية والإسلامية" و"عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير"، و"الالتزام بالشرعية الدولية"، إلا أن أهم متغير استجد في هذه العلاقات كان في مايو 2011م، وانتهى إلى تعميق ما هو مترسخ برؤية أوسع، هو دعوة المجلس للمغرب والأردن للانضمام إلى عضويته، والتي انتهت في حالة المغرب إلى بناء شراكة استراتيجية خاصة تتوجت في نوفمبر 2012م، بالتوقيع في المنامة على خطة عمل عن الفترة (2012-2017م)، شملت مجالات متعددة بآليات تقارب آليات الشراكة المتقدمة التي تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي.

وكانت الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس في أكتوبر 2012م، لكل من السعودية، وقطر، والكويت، والإمارات، وضعت المحددات الأساسية لهذه الشراكة الاستراتيجية، وأظهرت أن وضع آليات للتعاون والشراكة الاستراتيجية مع المجلس، لن يكون أقل خدمة لمصالح الطرفين من انضمام المغرب إلى المجموعة، خاصة في ظل حفاظه على الانتصار للانتماء الإقليمي ضمن اتحاد دول المغرب العربي كثابت استراتيجي، وارتباطاته بالمنطقة المتوسطية وبإفريقيا وأيضًا علاقاته المتميزة بأوروبا والولايات المتحدة ([1])

أولاً: أبعاد الشراكة الاستراتيجية الخليجية -المغربية

ظل المغرب تاريخيًا فاعلاً رئيسيًا في العلاقات الدولية، وشكل موقعه الجغرافي، ورصيده الثقافي عاملين في هذا الحضور، واستطاع أن يتغلب على الكثير من التحديات التي فرضتها التحولات الدولية، وهي تقدم نفسها نموذجًا للدولة المستقرة، في محيط إقليمي مضطرب، كما عملت على تنويع الشركاء الدوليين والإقليميين ([2])

وليس من الغريب أن يستثمر المغرب الأزمة الاقتصادية التي هزت العالم عام 2008م، وأثرت بشكل كبير في فرنسا، وزادت من تحجيم نفوذها بإفريقيا  ثم مع موجة الربيع العربي  ليعزز علاقاته بالدول الخليجية التي تنظر إليه كحليف تقليدي ينتمي إلى طبيعة نظمها السياسية، ومدخلاً جيوستراتيجياً نحو أفريقيا، وبخاصة السعودية، فقد كانت العلاقة بين البلدين تاريخية، وقطعت في عهد الملك فهد بن عبد العزيز شوطًا في غاية الأهمية، ويمكن القول أن اتفاقية التعاون الاقتصادي والتقني الموقعة عام 1976م، واللجنة العليا المشتركة بين البلدين كانت أحد أقدم آليات التعاون البيني وتطوره ، وهو ما يفسر دعم السعودية ودول الخليج للمغرب، كما دعمت جهود المغرب العسكرية لمنع تسلل الانفصالي، وذلك من خلال الإسهام في تمويل بناء أكبر جدار عازل بالألغام في الجنوب المغربي. فقد بذل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز جهدًا كبيرًا لتحقيق مصالحة مغربية جزائرية عام 1984م، في لقاء مدينة وجدة المغربية، بل نجح ـ يرحمه الله ـ في جمع انفصالي البوليساريو في لقاء نادر بوفد مغربي بمكة المكرمة.

 كما أن الإمارات والبحرين تربطهما بالمغرب علاقات متينة، بل أضيف إلى التعاون التقليدي في الجانب العسكري والأمني – الجانب الاقتصادي والتجاري، والديني والثقافي، فقد شارك المغرب في حرب الخليج عام 1991م، كما يشارك التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" منذ عام 2014م.

كما أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي ينظر إلى المغرب ضمن محاولة لبناء تحالفات قادرة على التعامل مع الوضع العربي والدولي الجديد، مستحضرة قدراته في الجانب العسكري، ومن جانبه ينظر المغرب إلى دول الخليج ضمن استراتيجية الأوسع لتحقيق رؤيته الرامية لتنويع الشركاء الدوليين، ليكرس دوره على أنه قطب إقليمي له امتدادات دولية خاصة في إفريقيا، وعدها فرصة للتحول إلى شريك استراتيجي للمجلس، واستجلاب دعم مالي لتخفيض انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية عليه، وفى الوقت نفسه توثيق علاقاته وتحالفاته العسكرية بين الطرف الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية التي تعد المغرب حليفًا استراتيجيًا خارج الحلف الأطلسي منذ عام 2004م([3])

ويرجع المغرب هذا "التحالف"، إلى طبيعة رؤية الطرفين، حيث أكد وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار في 25 نوفمبر2014م، بالدوحة، في افتتاح المؤتمر الوزاري الرابع المشترك بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووزيري خارجية المغرب والأردن أن "تناغم المواقف السياسية للمغرب ولدول مجلس التعاون الخليجي إزاء القضايا الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى وقوف دول الخليج إلى جانب المغرب في قضاياه الوطنية، وعلى رأسها الدفاع عن أقاليمه الصحراوية وما يبديه المغرب دومًا من تضامن فعلي وموصول مع أشقائه في الخليج، ليشكل أساسًا قويًا وصلبًا لمواصلة الجهود لترسيخ الشراكة الاستراتيجية، وإيلاء المزيد من الاهتمام للتعاون في المجالات ذات الأولويات للجانيين".

ومن هنا يمكن فهم الشراكة الاستراتيجية في بعدها التضامني، مما يعزز العمل المشترك المتعلق بالتهديد أو الخطر الإرهابي والانتقال إلى تبنى الطرفين لمقاربة استباقية خاصة بالحق المشروع في الدفاع عن النفس.

ثانيًا: تطورات العلاقات الاقتصادية الخليجية - المغربية

يبدو أن المغرب حقق جزءًا من الهدف القريب المدى، المتمثل في المساعدات المالية الخليجية، والتي بلغت حوالى 5 مليارات ونصف المليار منذ عام 2012م، كما أنه يحظى بصفة الشريك الاستراتيجي، وحسب مؤشر "بلومبور" فإن المغرب جاء في المركز الحادي والعشرون بين الدول النامية التي حققت أكبر نمو في مجال الاستثمارات الأجنبية عام 2014م، متقدمًا على كل من روسيا (الرتبة 22)، والهند (المركز 24)، حيث أن هنالك قفزة مهمة حققها المغرب في المجال الاستثماري كمنطقة تعرف درجة من الاستقرار السياسي، كما احتل المغرب في تصنيف البنك الدولي حول مناخ الأعمال لعام 2015م، المركز الحادي والسبعون عالميًّا، بسبب كتلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث جذب المغرب 5.3 مليارات دولار من تلك الاستثمارات عام 2014 م، حسب تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.([4])

وقد عرف المغرب تدفقًا متواصلاً للاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ اتباع سياسة الخصخصة، إذ ارتفعت عام 2011م، بنسبة 50,4%، وارتفعت حصّة دول مجلس التعاون الخليجي في الاستثمارات الخارجية المباشرة في المغرب إلى 27% خلال عام2011م، وتكشف الاستثمارات السعودية والإماراتية عن ديناميكيتها، حيث ارتفعت على التوالي بالنسبة للاستثمارات السعودية بنسبة 173%، وبنسبة 71% للاستثمارات الإماراتية، وشكلت الاستثمارات الخليجية نسبة مهمة للغاية في المغرب عام 2013، حيث (بلغت 6.2 مليار درهم، نحو 710 مليون دولار)، بنسبة قدرها 15.7% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية.

من جهة أخرى وضع المغرب خطة منذ عام 2012م، يسعى من خلالها إلى جذب استثمارات خليجية بقيمة 120 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة، وأوضح وزير التشغيل المغربي أن "هذه الاستثمارات ستضخ من قبل دول الخليج العربي"، مما سينقل فرص العمل من 30 ألفا إلى 90 ألف فرصة عمل"، وسيجعل من المغرب ثاني دولة إفريقية مستقبلة للاستثمارات بعد جنوب إفريقيا.

كما شهدحجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي والمغرب، نموًا ملحوظًا بزيادة قدرها 235%، حيث انتقل من 997 مليون دولار في عام 2003م، إلى 3.343.194 مليار دولار في عام 2014م، شكلت صادرات دول الخليج منها حوالي 3,222,735 مليار دولار، حيث تأتى صادرات دول مجلس التعاون مجتمعة في المرتبة "الرابعة بعد إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة في لائحة الدول المصدرة للمغرب.

كما شكلت واردات المغرب من الطاقة ما نسبته 65.5% من دول الخليج، وأن صادراته نحو دول الخليج لم تتجاوز 209,459 مليون دولار عام 2014م، فيما بلغت تحويلات المغاربة المقيمين في دول الخليج المرتبة الثانية بعد المهاجرين بأوروبا، بنسبة بلغت نحو 15%، وبشكل عام، ورغم التقدم المهم الذى عرفته الاستثمارات والتبادلات التجارية بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي، فإن مستواها لا يزال ضعيفًا، ولا يعكس طبيعة العلاقة السياسية، لذلك عمد الطرفان إلى استحداث "لجنة مشتركة" عام 2016م، سميت "الفريق المغربي الخليجي" لتسهيل الاستثمارات.

 

ونشير إلى أن هناك جملة من العوائق تحد من تطوير التجارة، أهمها ما يخص النقل البحري والجوي والوسائل اللوجستية المتعلقة بهما، وكذا تأشيرة المرور الخاصة برجال الأعمال، ولتجاوز هذه الصعوبة اقترح الطرف الخليجي "تشجيع المشاركة في المعارض، وتنظيم تظاهرات للترويج، وإبرام الاتفاقيات، وتمويل الدراسات حول الفرص التجارية، وإلغاء التأشيرة بالنسبة لرجال الأعمال".

ولتذليل هذه الصعوبات وقع المغرب والسعودية في 4 يونيو 2014م، اتفاقية للتجارة الحرة تلغى الرسوم الجمركية بين البلدين والضرائب على منتجاتهما، كما أقر الاتفاق كذلك، توفير ربط بحري مباشر بين البلدين، يتم من خلالها خلق خط بحرى مباشر يربط ميناءي "جبل طارق" و"جدة"، كما وقع المغرب وقطر في 23 يوليو 2014م، اتفاقية الدعم المالي، وقد خصصت بموجبها قطر هبة مالية قدرها 1.25 مليار دولار، لدعم مشاريع تنموية اقتصادية واجتماعية بالمغرب، وكان ملك المغرب محمد السادس، والأمير تميم بن حمد آل ثاني قد وقعا مذكرة تفاهم تهم المنح في هذا المجال في ديسمبر 2013م.

 

ثالثًا: أبعاد التعاون الأمني والعسكري بين دول الخليج والمغرب

في إطار التعاون الاستراتيجي تسعى دول الخليج إلى إشراك المغرب في تكوين قوات مشتركة تابعة لمجلس التعاون الخليجي، ووفق تقارير معهد الدراسات الاستراتيجية العسكرية البريطاني 2014م، يتبوأ المغرب المرتبة الثانية عربيًا بعد القوات المسلحة المصرية من حيث عدد الجنود والضباط، وتبوؤه قدراته التكنولوجية المرتبة الثالثة إفريقيًا بعد جنوب إفريقيا ومصر.

ويعود التعاون المغربي الخليجي في المجال العسكري إلى عقود ماضية، أسهمت خلالها القوات المسلحة المغربية في تكوين وتدريب قوات دول خليجية عديدة، كالقوات المسلحة السعودية، والإماراتية، والبحرينية، وسلطنة عُمان، كما تربط المغرب مع هذه الدول اتفاقيات تعاون عسكرية، وآخر اتفاقية وقعها المغرب عام 2014م، كانت مع قطر وسلطنة عمان.

كما أسهم طيارون مغاربة في منتصف تسعينيات القرن الماضي في تدريب طيارين خليجيين، وما يزال عدد من الضباط الساميين المغاربة يشرفون على التكوين في كليات حربية خليجية.

كما أرسل المغرب عام 2014م، فريقًا عسكريًا للتدخل السريع إلى المملكة العربية السعودية، وبحسب تصريحات رسمية مغربية فإن الكومندو المغربي يضم حوالى100 فرد لتدريب وحدات عسكرية سعودية على مواجهة "داعش".

كما أعربت الرباط، بمرسوم رسمي من الديوان الملكي، عن تضامنها الكامل والمطلق مع السعودية، في سعيها للدفاع عن وحدة أراضيها، والتصدّي لأي محاولة لتهديد السلم والأمن في المنطقة برمتها، ودعمها للخطوات التي بادر الملك سلمان بن عبد العزيز إلى اتخاذها لنصرة الشرعية في اليمن، وهنا يمكن تفسير موقف المغرب المساند لعاصفة الحزم والداعم لها فعليًّا عبر مشاركة طائراته في الضربات الجوية تحت قيادة السعودية من خلال عناصر متنوعة تميّز علاقة المغرب مع دول الخليج عمومًا، وخاصة السعودية، ويمكن إجمال هذه العناصر فيما يلي:

أولاً: التطابق في الرؤى السياسية: لقد كان التطابق في الرؤى السياسية بين دول الخليج والمغرب من أهم أسباب دعوة دول مجلس التعاون المغرب - إلى جانب الأردن - للانضمام إلى المجلس في عام 2011، لأنّ تصوراتها إلى القضايا الدولية الإقليمية غالبًا ما تكون متشابهة إلى حد التطابق، وقد لاحظنا ذلك بعد ما وجدت هذه الدول عند الانقلاب الحوثي في اليمن.

ثانيًا: إطار الاتفاقيات : إضافة إلى معاهدة الدفاع العربي المشترك ومقتضيات ميثاق جامعة الدول العربية، هناك أيضًا تقدُّم في علاقات المغرب العسكرية والأمنية مع دول الخليج، لاسيما السعودية والإمارات، كما أن للمغرب علاقات أمنية وعسكرية وطيدة مع دولة الإمارات ففي عام 2006م، عقد المغرب اتفاقًا عسكريًّا متعدد الأبعاد مع الإمارات شمل تبادل المعلومات والعمليات المشتركة، وقد شهد التعاون العسكري والأمني بينهما تقدمًا كبيرًا في عام 2014م، من خلال إبرام اتفاقيات متنوعة في هذا المجال، وقد تجسد هذا التعاون عمليًّا من خلال مشاركة طائرات مغربية إلى جانب دولة الإمارات في الضربات التي تشنها هذه الأخيرة ضد تنظيم داعش في العراق.

ثالثًا: الحيوية الجديدة في الدبلوماسية المغربية: وتظهر في سعي المغرب لتنويع شركائه وتعزيز حضوره الإقليمي في كلٍّ من إفريقيا جنوب الصحراء والعالم العربي.([5])

 رابعًا: المرونة في اتخاذ القرار العسكري: لا يزال الشأن العسكري في المغرب مجالًا محفوظًا للملك وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، مما يجعل عملية اتخاذ القرار العسكري تتسم بالمرونة.

خامسًا: الوضع الداخلي في المغرب: حظيت المشاركة المغربية في عاصفة الحزم بتأييد صريح أو ضمني من كل الأحزاب الممثلة في البرلمان، ويفسِّر هذا التأييد العام للحرب ضد الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح.

رابعًا: العلاقات الخليجية – المغربية في إطار الحرب على الإرهاب

يبدو المغرب البلد الأقل تأثرًا بانتشار تنظيم الدولة في شمال إفريقيا، لكن مع اكتشاف خلايا للتنظيم بين وقت وآخر يدل على أنه ليس في منأى عن هذا الخطر، وأن المحاولات الرامية لكسب حاضنة اجتماعية في الأوساط الشعبية لن تتوقف بالرغم من الضربات الأمنية.([6])

وطوّر المغرب في إطار حربه الاستباقية على الخطر الإرهابي دينامية هامة مع شركاء من مختلف الدول الأفريقية والعربية وأيضًا دول العالم، في تقاسم المعلومات الاستخباراتية والتعاون العسكري، من ذلك توطيد الرباط لعلاقاتها مع دول الخليج في إطار الحرب على داعش، خاصة.([7])

وقد أظهر الكشف عن خلية مؤلَّفة من 13 مغربيًّا بالإضافة لعُنصر آخر مقيم في مدريد أن شغلهم الأساسي يتمثل في ترويج فكر تنظيم الدولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ([8]) وبلغ العدد الإجمالي للشبكات التي تم ضبطها في المغرب 27 شبكة إرهابية من بينها 14 شبكة في 2014م([9])وثماني شبكات في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2015م، وكان هدف تلك الشبكات الإرهابية يتمثل في خوض "صراع عابر للحدود من أجل إقامة إمارة مغاربية على غرار الموصل والرقة".([10])

هذا التهديد فرض على المغرب توسيع الشراكة الإقليمية، فبحسب دراسة صادرة عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، للباحثة فيش ساكثيفل، عن العلاقات بين المغرب ودول الخليج العربي والتعاون الشامل بينهما في إطار الحرب على الإرهاب([11])

خامسًا: إفريقيا في إطار التعاون الخليجي – المغربي المستقبلي

تمثل إفريقيا منطقة استراتيجية بالنسبة للاستثمارات والصراعات الدولية، ويبدو أن الاعتبارات الاستراتيجية عامل أساسي في بناء الرؤية الجديدة للسياسة الخارجية المغربية تجاه القارة السمراء، تماشيًا مع التحولات الدولية، وإفرازات الموجة الأولى "للربيع العربي"، فإن المغرب أصبح ينظر إلى العلاقات (جنوب-جنوب)، مجالاً رحبًا لتدعيم التنمية، بشكل يجعل من اندماجها قوة في المحيط الدولي ([12])

ضمن الاستراتيجية المغربية الجديدة، دعا ملك المغرب في الدورة الـ25 للقمة العربية التي انعقدت في الكويت عام 2014م، إلى تطوير العلاقات مع إفريقيا، حيث أكد أنه "إذا كان العمل العربي قد ارتكز في السابق على تعزيز العلاقات السياسية بين دولنا، فقد تأكد اليوم أن اعتماد التعاون مع دول الجنوب، على أساس الفعالية والمردودية والمصداقية، يعد من أنجح السبل لتحقيق ما نتطلع إليه من نمو اقتصادي، وتنمية مستدامة، سواء في بعدها الإنساني، أو في جانبها الاستثماري والاقتصادي، وفى هذا الإطار، ندعو إلى استثمار الروابط التاريخية والروحية والإنسانية التي تجمع العالم العربي بالدول الإفريقية جنوب الصحراء، من أجل علاقات التعاون الاقتصادي مع تكتلاتها الإقليمية، حيث تحرص المغرب على وضع تجربته ورصيد علاقاته المتميزة مع هذه الدول، من أجل بلورة شراكات تضامنية فاعلة معها".([13])

ولم تكن دول مجلس التعاون خارج هذا السياق الدولي الحادث في القارة السمراء، فالسعودية لها استثمارات ضخمة بإثيوبيا في زراعة القمح وإنتاج الماشية، وكانت السعودية قد وقعت حوالى 16 اتفاقية تخص الزراعة، استغلت بموجبها 1.713.357 هكتار في إثيوبيا وحدها إضافة إلى مساحات أخرى في السنغال، والسودان، وجنوب السودان، ومصر، ومالي، وموريتانيا، وزامبيا، والنيجر،([14]) بينما استثمرت الإمارات حوالى 1.882.739 هكتار في كل من السودان والمغرب والجزائر ومصر وناميبيا وتنزانيا، أما قطر فقد استثمرت في السودان وغانا ودول أخرى حوالى 642.630 هكتار، وفى عام 2011م، منحت إثيوبيا للسعودية 10.000 كيلو متر مربع لزراعتها.([15])

وكانت غرفة تجارة وصناعة دبى أنجزت دراسة استكشافية حول إمكانيات إفريقيا والاستثمارات الخليجية فها، واستنتجت أن حجم الاستثمار الخليجي في قطاع البنية التحتية بالقارة السمراء بلغ 30 مليار دولار، بينها 15 مليار دولار استثمارات مباشرة، و15 مليار دولار مساعدات وقروض ومنح، خلال الفترة ما بين 2004 – 2014م، واستحوذ شمال إفريقيا على 65%، بينما تركزت النسبة المتبقية على دول إسلامية أخرى، مثل جيبوتي والسنغال والسودان، حيث وقع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية اتفاقًا منح بموجبه 50 مليون دولار للسودان لتطوير مشاريع صحية وتعليمية في شرق جمهورية السودان.([16])

أما ميدان الاتصالات فقد حظى منذ عام 2005م، باهتمام متزايد من الشركات الخليجية، بمبادرة من شركة زين الكويتية، و"اتصالات" الإماراتية، ولتعزيز تنافسيتها في السوق الإفريقية أقرت الدراسة المشار إليها سابقًا إلى أن "الشركات الخليجية تحتاج إلى شريك، كما فعلت "اتصالات" في صفقة المغرب، أو الاستفادة من خبرتها في خدمات المشتركين من ذوى الدخل المحدود في بلدانها، ولاسيما الجاليات الإفريقية والآسيوية الكبيرة في منطقة الخليج".

أخيرًا، استطاع المغرب في السنوات الأخيرة أن يطور سياسته الخارجية، وأن يستثمر مجموعة التحولات الإقليمية والدولية لتعزيز دوره المحوري في العلاقات الدولية، وعلى الرغم من أنه لا ينتمى لمنظمة الوحدة الإفريقية إلا أنه استطاع الحفاظ على دوره المحوري في الساحل والصحراء وغرب إفريقيا، كما دخل في شراكة من نوع جديد مع دول الخليج العربي، وتحول إلى دولة منافسة لفرنسا في مجالها "المحفوظ" بإفريقيا، وهذا ما يعزز من فرص نجاح استراتيجيته الجديدة، ليصبح قطبًا إقليميًا له شركات متعددة، دوليا وقاربًا وإقليميًا.

كما أنه لن يكون لمؤشري الثابت والمتغير في علاقات المغرب ببلدان الخليج العربي من فاعلية، ليس فقط كوسيلة لقراءة هذه العلاقات، وإنما كمحركات أساسية لديناميتها، إذا لم يتم استحضارها في مسار مراكمة التجارب بين الجانبين في اتجاه بناء علاقات تعاون وطيدة متنوعة ومثمرة أكثر للجانبين وتمتلك كل أسباب النجاح لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.

 

[1] - عادل متيق، العلاقات المغربية-العربية بين الهاجسين الاقتصادي والسياسي، ماروك برس،  29 نوفمبر 2012

[2]- د. يحيى اليحياوي، التوجهات الإفريقية "الجديدة" للمغرب، مركز الجزيرة للدراسات، 29 يونيو 2015.

[3] - د.محمد الزهراوي، المغرب والخليج العربي .. بين تداخل المصالح والتباس العلاقات، موقع هسبريس، 14 يناير 2016.

[4]- UNCTAD, 2013, Policy Issues in International Trade and Commodities.

[5] - 6 دوافع وراء مشاركة المغرب في عملية "عاصفة الحزم"، موقع دوت مصر، 29 مارس 2015.

[6]- توقيف 13 مغربيًّا منتمين لـ"داعش"، البيان الإماراتية، جريدة البيان، 26 أغسطس 2015.

[7] - حسن السوسي، رد الخطر الإرهابي في ليبيا يمر عبر الاستفادة من النموذج المغربي، صحيفة العرب، 8 يونيو 2015.

[8]- المغرب وإسبانيا تفككان خلية لداعش، الراية القطرية، 26 أغسطس 2015.

[9]- داعش يعتمد خطة جديدة في استقطاب وتجنيد الشباب المغربي، صحيفة العرب، 15 أكتوبر 2015.

[10]- Maroc, les nouvelles filières de Daesh, Jeune Afrique, 20 février 2015.

[11] - ڤيش سكثيفيل، المغرب يوثّق علاقاته مع دول الخليج ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، لكن يهمل تهديد الجهاديين العائدين، معهد واشنطن، 13 نوفمبر 2014.

[12]- يحيى اليحياوي، التوجهات الإفريقية "الجديدة" للمغرب، مركز الجزيرة للدراسات، 29 يونيو 2015.

[13]- الملك يدعو إلى نبذ الفرقة والخلاف من أجل "تكتل عربي فاعل"، موقع هسبريس، 25 مارس 2014.

[14] - سعوديون يشرعون في تصفية استثماراتهم في إثيوبيا، العربية نت، 8 ديسمبر 2015.

[15] - فتحي التريكي، سعودي ستار: تستثمر 100 مليون دولار في مجال الزراعة في أثيوبيا، الخليج الجديد، 5 ديسمبر 2014.

[16] - 22.8   مليار دولار تجارة الدولة مع أفريقيا، البيان، 1 أكتوبر 2014.

مجلة آراء حول الخليج