; logged out
الرئيسية / مجلس التعاون الخليجي .. بين النجاح والتطوير

العدد 108

مجلس التعاون الخليجي .. بين النجاح والتطوير

الإثنين، 06 حزيران/يونيو 2016

إذ تحتفل دول الخليج العربية بمرور 35 عامًا على تأسيس منظومة مجلس التعاون الخليجي والذي يعد المظلة الإقليمية الوحيدة والفاعلة التي حققت التعاون بين ست دول خليجية عربية، فإن تأسيس هذا المجلس واستمراره رغم التحديات التي مرت بها المنطقة يعد في حد ذاته من أهم الإنجازات غير المسبوقة في المنطقة التي لم تعتاد على صمود التجارب التكاملية أو الوحدوية، وهذا مرده أن مجلس التعاون الخليجي يحمل في فكره وممارساته  بذور استمراره ومقومات بقائه وقدرته على تخطي التحديات سواء الداخلية، أو الإقليمية التي مرت بها منطقة الخليج العربي خاصة والشرق الأوسط عامة خلال السنوات الخمس والثلاثين الفائتة وهي كثيرة ومعقدة ومتلاحقة.

وفي قناعتنا أن مقومات نجاح مجلس التعاون واستمراريته تكمن في تركيز الدول الأعضاء على القضايا الرئيسية، وعدم السماح للقضايا الهامشية أن تقفز وتعترض المسيرة، والتركيز على الأهداف السامية العليا، مع الابتعاد عن الشعارات والأيدلوجيات الفضفاضة.

وإذا كان مجلس التعاون الخليجي يتكئ على مقومات كثيرة منها التواصل الجغرافي، وعدم وجود حواجز طبيعية أو مائية، والتماثل في أنظمة الحكم، والاقتصاد، والقربى بين السكان، واللغة والدين وغير ذلك، فهو يتجه بثبات نحو مصالح جماعية متطابقة ومنها وحدة المصير، والتحديات المشتركة التي تمس المصالح الحيوية بل سيادة واستقرار كل دول المجلس. وبالفعل نجحت هذه الدول في التعامل مع هذه التحديات  على مدى أكثر من ثلث قرن دون السماح للتباينات في وجهة النظر أن تؤثر على المسيرة الجماعية أو القضايا الاستراتيجية،  ولا سيما التباينات في السياسة الخارجية تجاه بعض القضايا الدولية والإقليمية، حيث نجح المجلس في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، أو في سياستها الخارجية مع احترام وجهات النظر كافة.

إضافة إلى أن مجلس التعاون الخليجي حقق نتائج إيجابية لا يمكن إغفالها حتى وإن كانت دون الطموح، ويجب عدم التقليل مما تحقق واستفاد منه المواطن الخليجي في الدول الست خاصة في الشق الاقتصادي، ثم العسكري والأمني، ومع ذلك نظل نتمنى الإسراع في تحقيق ما تصبو إليه الشعوب التي تعلق آمالًا كبيرة على التكامل الخليجي. ولتحقيق ذلك نعتقد أنه يجب تطوير آليات المجلس الحالية، مع استحداث أخرى تضمن تنفيذ قرارات القمم الخليجية ومتابعتها، مع ضرورة إيجاد آلية للتشاور الدائم على أن تقدم رؤيتها للاجتماعات الوزارية وتكون في حالة تشاور وتواصل مستمر لطرح الآراء حول الموضوعات المتعلقة بطبيعة عمل كل الاجتماعات الوزارية الخليجية بما يصب في قناة  دعم اتخاذ قرارات سليمة وواقعية قابلة للتطبيق وبعد ذلك  متابعتها وتعديل ما يلزم في حال تطلب الأمر، مع أهمية وضع قاعدة بيانات دقيقة عن دول مجلس التعاون الخليجي، والتكتلات الأخرى الإقليمية المشابهة، مع تقديم دراسات واستشارات للاجتماعات الوزارية أي لتكون بمثابة بوصلة تقود إلى صدور القرارات الصحيحة في الوقت المناسب خاصة أن هناك العديد من التكتلات المهمة والتي يجب التعامل معها وفقاً لمعلومات وبيانات دقيقة وحديثة.

ومن الضروري أن تنهج دول مجلس التعاون الخليجي العمل الجماعي لمسايرة تطورات الأوضاع الاقتصادية المحلية والإقليمية، وبما يتفق مع معطيات وظروف دول المجلس وتوجهاتها المستقبلية التي تعتمد على المزيد من الخصخصة، وجذب الاستثمارات الخليجية والأجنبية لتحقيق التوازن المطلوب بين توسيع القاعدة الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل، وتفعيل دور القطاع الخاص وزيادة مساهمته في الناتج الإجمالي الخليجي في ظل انخفاض  أسعار النفط، وحتى يكون التوسع في دور هذا القطاع وفقاً لمبدأ التكامل وليس التنافس، وانطلاقاً من المزايا النسبية لدول مجلس التعاون، وبما يحقق رؤية واقعية لزيادة التبادل التجاري خاصة مع التكتلات المهمة ومنها مجموعة البريكس وتكتلات شرق وغرب إفريقيا ودول الآسيان، والسوق الأوروبية المشتركة وغيرها .

كما يجب التركيز على زيادة التبادل التجاري الخليجي مع الدول العربية حيث مازال حجم التجارة البينية العربية ضئيل جدًا ولا يتجاوز نسبة 10% من حجم التجارة العربية ـ العالمية، ومن الضروري أيضًا التحرك الخليجي الجماعي إلى الاستثمار الزراعي المشترك، والصناعات الغذائية لتوفير احتياجات دول الخليج من الغذاء في ظل ندرة المياه العذبة والأراضي الزراعية.

وفي ظل التراجع الأمريكي تجاه منطقة الخليج، بل مغادرة المنطقة عسكريًا والتوجه شرقًا، إضافة إلى ما قد يحدث من الإخلال بميزان القوى مع التمدد الإيراني الذي يجد المساعدة من الغرب وخاصة أمريكا، أو على الأقل غض الطرف عن الطموحات والأطماع الإيرانية في المنطقة، ما يؤدي إلى اختلاط الأوراق. لذلك من الضروري أن يلعب مجلس التعاون الخليجي دورًا عسكريًا أكبر مما هو الآن سواء بالاعتماد على القدرات الذاتية وتطوير  قوات درع الجزيرة، أو من خلال التعاون والتكامل مع الدول العربية أو الصديقة، أو القوى العالمية الصاعدة بما يضمن تأمين المنطقة وفقًا لمبدأ تنويع التحالفات والصداقات والشراكات حتى لا تمر المنطقة بمرحلة فراغ استراتيجي يكون له تداعيات خطيرة في ظل المطامع الإيرانية.

على صعيد مواجهة الإرهاب، من الضروري بذل المزيد من الجهد الخليجي الجماعي لمواجهة هذه الظاهرة التي بدأت تتسلل إلى دول المنطقة رغم نجاحها في التعامل معها وتحقيق ضربات استباقية ناجحة، وكذلك بعد أن نجحت دول مجلس التعاون في مواجهة الانقلاب الحوثي باليمن وأثبتت قدرتها على التعامل مع هذا الانقلاب بقرار خليجي ذاتي، ومن ثم يجب البناء على هذا الإنجاز التاريخي عبر المزيد من الاعتماد على الجهد الذاتي للتعامل مع التحديات الإقليمية.

ويتبقى ضرورة إيجاد آلية لتحقيق التفاهم وحل الخلافات بين دول مجلس التعاون وفقاً لآلية دائمة ومؤسساتية وليس كما هو متبع الآن حيث تتدخل القيادة الخليجية العليا على مستوى القمة لحل الخلافات حال وجودها، وبوجود هذه الآلية تكون هناك أداة دائمة لاحتواء مخاطر هذه الاختلافات قبل تعاظمها، والتفاهم حيال تباين وجهات النظر والتعامل مع الخلافات أيًا كان سببها وحجمها وأهميتها.

في النهاية، نعتقد أن الإصلاح والتطور سنة الحياة، وأن منظومة مجلس التعاون رغم إنجازاتها الكبيرة لازالت تمتلك هامشًا لإعادة تقييم مسيرة ثلث قرن والبناء على ما هو إيجابي ومثمر والتخلي عن ما هو سلبي ومضر. ونؤمن  أنه في حال تفعيل هذه المقترحات فإن المجلس سوف يتجه نحو المزيد من الرسوخ والقوة، وسوف تتحقق الوحدة الخليجية أو الاتحاد الخليجي العربي وهو الهدف الأسمى المنشود، والحلم الأكبر الذي تنتظره شعوب دول الخليج والذي تزداد أهميته وضرورته كلما زادت المتغيرات الإقليمية والدولية تعقيدًا.

 

مقالات لنفس الكاتب