array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 112

طهران تسعى إلى التواجد في البحر الأحمر لتطويق المنطقة العلاقات الإيرانية - الإريترية وتداعياتها على الأمن الخليجي

الثلاثاء، 04 تشرين1/أكتوير 2016

     ترجع اهتمامات سياسة إيران الخارجية بالقارة الأفريقية إلى ستينيات القرن العشرين، أي تزامنًا مع حصول الدول الأفريقية على استقلالها، ولكن مع قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979م، وما أعقبها من اضطرابات، وانشغال إيران بحربها مع العراق 1980-1988م، أصُيبت العلاقات الأفريقية – الإيرانية بنوع من الوهن والضعف الذي استمر حتى بداية عقد التسعينيات الذي شهد مزيدًا من الانفتاح من قِبل سياسة إيران الخارجية علىكافةالمستوياتالدولية والإقليمية والقارية، وصولًا إلى حقبة التيار الإصلاحي بقيادة محمد خاتمي إلى سدة الرئاسة في إيران "مايو 1997م"، حيث اتجه هذا النظام إلى تنشيط السياسة الإيرانية في أفريقيا، وذلك في إطار السياسة البرجماتية المتحررة  - إلى حد ما- والتي انتهجها نظام خاتمي.

     وبانتهاء الفترة الرئاسية للرئيس خاتمي شهدت الجمهورية الإيرانية انتخابات رئاسية عام 2005م، استطاع من خلالها محمود أحمدي نجادالوصول إلى سُدة الحكم في إيران خلال الفترة " 2005- 2013م" ، ووضع نجاد القارة الأفريقية على رأس قائمة أولوياته، بل شكّلت مركزا مهما في سياسته الخارجية الطموحة، وحدث هناك نوع من التفاعلات السياسية بين إيران والقارة الأفريقية بشكل عام، وذلك من خلال تبادل الزيارات بينهما، وبذل جهودًا مضنية لترسيخ الوجود الإيراني في هذه القارة؛ لكونها أغنى وأكثر القارات ثراء، ولأهميتها الجيواستراتيجية بالنسبة لإيران وانطلاقًا من هذا كان للاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية ومنطقة القرن الأفريقي– خصوصًا- وفي القلب منها إريتريا خلال عهد أحمدي نجاد تداعيات وانعكاسات على الأمن القومي السعودي. لذا سلّط هذا البحث الضوء على العلاقات الإيرانية - الإريترية ليبرز أهم ملامح هذه العلاقات على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، ثمّ ينتقل ليوضح ماذا تهدف إيران من هذه العلاقات، وانعكاسات ذلك على الأمن القومي السعودي.

      وفيما يتعلق بالإطار الزمني للدراسة، فقد رأى الباحثُ أن تكونَ فترة الدراسة محصورة بين عاميِ "2005 – 2014م", " وهى الفترة التي تبدأ بوصول الرئيس أحمدي نجاد إلى سدة الحكم في إيران، وتنتهي بالانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي.

 

أولًا- العلاقات الإيرانية - الإريترية

      أصبحت القارة الأفريقية ميدانًا للتنافس بين القوى الدولية والإقليمية الصاعدة، لعل أبرزها الجمهورية الإيرانية التي تحاول جاهدة تأسيس وتوطيد علاقاتها مع العديد من الدول الأفريقية خصوصًا التي تتمتع بأهمية جيواستراتيجية حتى تتمكن من التحكم في الممرات المائية الدولية، والتمركز في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ومن ثمّ يسهل عليها التحكم في حركة التجارة العالمية، لذا وقع أنظار الإيرانيين على إريتريا([1]). والسؤال الذي يفرض نفسه هنا متى نشأت العلاقات الإيرانية – الإريترية؟ وما هي ملامح هذه العلاقات على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية؟ وهل نجحت طهران في استراتيجيتها تجاه أسمرة؟ وكيف استغلت هذا  النجاح؟ وماذا كانت تهدف إيران من علاقاتها مع إريتريا؟

أ‌-    العلاقات السياسية

       ترجع نشأت العلاقات السياسية بين إيران وإريتريا منذ عهد  الخميني عام 1977م، وفي حقيقة الأمر كان محمد عمر يحيى ممثل جبهة التحرير الإريترية بالعراق هو مهندس هذه العلاقات حينها، عندما كان الخميني في منفاه بالعراق، وبعد وصول الأخير إلى السلطة فتح مكتبًا لجبهة التحرير الإريترية بإيران، وسمح لها بالتمثيل الدبلوماسي، وكان محمد عمر يحيى أول ممثل لها، ولم يكن للجبهة الشعبية الحاكمة في إريتريا علاقة مع إيران، لذا أبدت تحفظاتها على علاقة جبهة التحرير بإيران التي تُعد خصما لها، سجل الإيرانيون تراجعًا في علاقاتهم مع إريتريا بعد الحرب العراقية- الإيرانية، خاصة بعد أن كشفت تقارير بمشاركة فصائل إريترية معارضة في القتال إلى جانب القوات العراقية، وتطور الأمر إلى إغلاق مكتب جبهة التحرير، وصارت العلاقات معدومة منذ عام 1984م. وبعدمًا  استقلت إريتريا في عام 1993م، اتهمت الأخيرة إيران بتصدير الثورة إليها، وتوترت العلاقات  بينهما، ووصلت أدنى مستوى لها في عام 1996م،عندما قامت إريتريا باعتقال دبلوماسيين إيرانيين([2]).

     وهكذا ظلت العلاقات متوترة بين البلدين حتى 15 سبتمبر 2006م، عندما أرسلت إريتريا مبعوثا لإيران لتأسيس علاقات دبلوماسية معها ، بسبب تعكير صفو العلاقات بين إريتريا والدول الغربية التي وقفت بجوار إثيوبيا في النزاع الحدودي بين الأخيرة وإريتريا، وحينذاك صرّح أنديب ميسكلAndeab Meskel    مدير مكتب شؤون الأفرو- آسيوية والمحيط الهادئ في وزارة الخارجية الإريترية - أن إيران ردّت بشكل إيجابي في الجهود الأولية لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين،  وانتقدت القوى الغربية لتواطئها مع إثيوبيا في رفضها لقرار ترسيم الحدود المشتركة بينهما عام 2002([3]).

        ومن ثمّ نجحت الجهود المبذولة من الطرفين لتأسيس علاقات دبلوماسية بينهما، حيث أرسلت إيران سفيرها رضا العامري إلى إريتريا في يونيه 2007م، والذي قدّم أوراق اعتماده للرئيس الإريتري أسياس أفورقي  Isayas Afewerki، واستقبله الأخير بحفاوة بالغة،وشكر أفورقي الشعب الإيراني لدعمه الروحي للدولة الإريترية في نضالها لنيل الاستقلال، وأضاف أن إريتريا تأمل في توسيع العلاقات والتعاون مع حكومة الرئيس السابق أحمدي نجاد،  وصرّح بأن إريتريا تدعو لتوطيد العلاقات مع طهران، وترى أن  تبادل السفراء المعتمدين يشكّل خطوة مهمة لتجسيد الهدف([4])، من جانبها اعتمدت إريتريا سفيرها في باكستان سفيرًا غير مقيم في طهران([5]).  

      وحينذاك بدأ التفاعل السياسي بين البلدين بتبادل الزيارات من كبار المسؤولين ، وكان أبرزها الزيارة التي أجراها أسياس أفورقي في 21 مايو 2008 م، لطهران، وكانت هذه الزيارة إحدى  أهم  العلامات الفارقة في العلاقات الإريترية- الإيرانية، نظرًا لما أسفر عنها من نتائج مهمة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وفيما يتعلق بالصعيد السياسي اجتمع أفورقي بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد ([6])، الذي صرح  بأن إيران وإريتريا عازمتان على توسيع وتعميق العلاقات بينهما، وجاءت الزيارة لتدعم وتعزز هذه العلاقات، ([7])وذكر نجاد بأنّ الدولتين بلورتا خطة لمواجهة ومقاومة الهيمنة الغربية،([8]) واستطرد قائلًا:" اليوم فرصة جيدة متاحة لتوسيع العلاقات بين الدولتين، وليس هناك حدّ لتوسيع تلك العلاقات، وأن إيران مستعدة لتبادل الخبرات مع الدول الأفريقية الأخرى"([9]).

      من جانبه صرّح أفورقي للصحافة الإيرانيةأنه يزور إيران لأول مره([10]) موضحًا أن هذه الزيارة تعتبر نقطة تحول مهمة في توسيع العلاقات بين البلدين، وقال: " نحن على وشك تعاون ديناميكي جديد على المستوى الإقليمي والدولي".([11]) مؤكدًا على رغبة بلاده لتوسيع العلاقات والتعاون مع إيران،([12])خاصة أن العلاقات بين البلدين تعود إلى عشرات السنين،([13]) ولديهم مواقف متقاربة ومشتركة بشأن القضايا الإقليمية والدولية المختلفة([14])، كما وجّه الشكر للقيادة الإيرانية لدعمها للدولة الإريترية، وأعرب عن إعجابه بالثورة الإسلامية، واعتبارها نقطة تحول في تاريخ الأمم الراغبة في الحصول على الحرية.([15]) وقال المسؤولون من الجانبين إن التوسع في العلاقات المتبادلة والتعاون يخدم مصالح الشعبين الإيراني والإريتري([16]). كما صرّح وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي بأن زيارة أفورقي تحول في العلاقات بين إريتريا وإيران، وعبّر عن الأمل في أن تتمكن إيران من المساعدة في تحقيق الأمن والاستقرار في القرن الأفريقي.([17])

      وممّا سبق يتضح حرص إيران الجادّ على احتضان إريتريا، وعلى الجانب الآخر ترحيب وعزم إريتري على توطيد العلاقات مع إيران، فقد وجدنا في تصريحات الرئيسين التفاعل والانسجام والعزم على التنسيق السياسي بين البلدين بشأن القضايا الإقليمية والدولية.

       ب- العلاقات الاقتصادية

      جمعت بين إيران وإريتريا علاقات تعاون في مجالات التجارة والاستثمار، ومجالات الطاقة والصناعة والزراعة([18])، ومن شواهد ذلك منح نجاد قرض لإريتريا قيمته 25 مليون يورو في مطلع 2007([19])، كما حدّدت زيارة أفورقي لطهران في مايو 2008م، معالم العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، فقد ضمّت الزيارة وفدًا من كبار السياسيين والاقتصاديين، الذين أعلنوا أن إيران وإريتريا تتمتعان بإمكانات واسعة تعزز التعاون في مجال الاقتصاد، والطاقة والزراعة والصناعة والاستثمار، وصرّح أفورقي برغبة إريتريا في التعاون مع إيران في كافة المجالات الاقتصادية. ([20])

      وعلى الصعيد العملي تمّ توقيع أربع اتفاقيات اقتصادية بحضور كلٍ من برهاني أبرهة Berhane Abrehe وزير المالية من الجانب الإريتري، ووزير الخارجية منوشهر متكي ووزير الشؤون الاقتصادية شمس الدين حسيني ووزير الزراعة محمد رضا إسكندري من الجانب الإيراني([21])تمحورت الاتفاقية حول المجال التجاري والاستثمارات([22])، لتقوية التعاون بين البلدين في تلك المجالات([23])، من جانبه أجرى أفورقي محادثات مع رئيس غرفة إيران للتجارة والصناعة والمناجم محمد نهاونديان حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وخلال الاجتماع دعا أفورقي لتوسيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وأشار إلى أن السلع الإيرانية يتم تصديرها إلى إريتريا عبر دول أخرى، داعيًا إلى استيراد البضائع الإيرانية مباشرة من إيران،([24])وعلى الجانب الآخر منح بنك تنمية الصادرات الإيرانية 35 مليون دولار لمساعدة الاقتصاد الإريتري وتعزيز القدرات التجارية للبلدين([25]).

    كما زود أفورقي المستثمرين الإيرانيين بمعلومات عن الفرص الاستثمارية القائمة، والفرص المتاحة في إريتريا في مجالات الزراعة والتعدين والثروة السمكية والسياحة وغيرها، وأشاد أفورقي بالاستثمار في إريتريا، كما زار أفورقي مركز البحوث البيطرية في كرج Karaj – على بعد 54 كم من مدينة طهران- والتقى بالخبراء الباحثين في المركز، ومن  الجدير بالذكر أن هذا المركز ينتج أدوية مختلفة منها التطعيم لعلاج الأمراض الحيوانية، وكذلك التطعيم  لمكافحة شلل الأطفال للبشر.([26])

        كما اهتمت إيران بمجال التعدين في إريتريا، حيث تغلغلت الشركات الإيرانية في إريتريا لاستخراج المعادن وخاصة الذهب الذي يحاول النظام الإريتري الاستفادة منه لسرعة المردود([27])، وفيسبتمبر 2008م، تمّ اتفاق تفاهم بين البلدين في أسمرة ([28])، وانطلق هذا الاتفاق من صفقة نفطية تقوم على منح إيران الحق في الإشراف على تطوير وصيانة شركة تكرير النفط الإريترية([29]) المعروفة باسم " مصفاة عصب"، على أن تقوم إيران  بتكرير النفط في هذه المصفاة، وإعادة تصديره  إلى إيران التي تستورد أكثر من 40% من نفطها المكرر، وهو ما يساعد إيران على  اختراق أي خطر دولي على توريد مشتقات نفطية إلى إيران عندما تشتد العقوبات الدولية عليها([30]) ، كما قدّمت إيران بترولها بأسعار رمزية لدولة إرتريا، علاوة على منح مالية خاصة لنظام أفورقي([31]).

       وممّا سبق يتضح أن الجمهورية الإيرانية نجحت في استراتيجيتها تجاه إريتريا على الصعيد الاقتصادي، حيث استطاعت أن تدرس جيدًا الوضع الاقتصادي الإريتري المتدهور، وراحت لتقدم لها القروض والمنح، وتوقع معها الاتفاقيات من أجل النهوض بالاقتصاد الإريتري، واستخراج المعادن، وذلك كله من أجل تحقيق هدف أكبر وهو رغبة طهران الجادّة في ضمان موطئ قدم لها في إريتريا واتخاذها كمنصة لتهديد منطقة البحر الأحمر، والتغلغل داخل القارة الأفريقية.

      ج- العلاقات العسكرية

      كانت العلاقات العسكرية بين البلدين أكثر قوة خصوصًا أن إيران تدرك جيدًا ما تتمتع به إريتريا من موقع جيواستراتيجي مهم يتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر عند باب  المندب([32])،لذا أثناء زيارة أفورقي لإيران  عام 2008م، وافقت إريتريا بالسماح لإيران ببناء قاعدة بحرية تطل على باب المندب في ميناء "عصب "([33])، وهذا ما أشارت إليه إحدى التقارير الأمريكية بأن إيران وإريتريا توصلتاا إلى اتفاقية أمنية تتضمن عسكرة نقاط التفتيش في مضيق باب المندب، ويؤكد ذلك بأن إيران من الدول القليلة التي لديها تسهيلات عسكرية وبحريةواستخباراتية خاصة في ميناء عصب ومصوع ([34])، بل قامت بنصب عشرات من بطاريات الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى والصواريخ المضادة للطائرات والسفن في ميناء عصب ([35])، وهذا ما نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية في إحدى تقاريرها في أبريل عام 2009م([36]).

        وبناء على ما سبق فليس من العجب أن تجد التأييد التام من جانب إريتريا للملف النووي الإيراني، حيث صرّح أفورقي أثناء اعتماده أوراق السفير الإيراني بإريتريا " رضا العامري" بـ " أن قدرة إيران على إنتاج الطاقة النووية هو حق قانوني ولا يمكن إنكاره، وتحقيق إيران لهذا الحلم هو مصدر فخر واعتزاز بالنسبة لإريتريا ونحن نؤيد موقف البلاد في هذا الصدد"([37])،  ومن جانبه  شكر العامري  الرئيس أفورقي على دعمه للبرنامج النووي  الإيراني([38])، كما صرّح وزير الخارجية الإريتري عثمان صالح بأن حكومة بلاده " تدعم الحقوق القانونية لجميع الدول المتقدمة أو النامية، في استخدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية كما هو منصوص عليه في معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية (NPT)the Nuclear Non-Proliferation Treaty ([39]) في إشارة لتأييد ملف إيران النووي.

     ويستنتج ممّا سبق بأن تأسيس العلاقات بين إيران وإريتريا على كافة الأصعدة بدأت مع وصول الرئيس السابق أحمدي نجاد إلى سدُة الحكم في إيران، مستغلًا توتر العلاقات بين إريتريا والدول الغربية التي تواطأت مع إثيوبيا بشأن مسألة ترسيم الحدود بينهما، ومن ثمّ ولًت إريتريا بوجهها شطر طهران التي استقبلتها بالأذرع المفتوحة، ووطدت علاقاتها معها، وعلى الجانب الآخر رحبت إريتريا بهذا الوجود الإيراني.

ثانيًا- تداعيات العلاقات الإيرانية- الإريترية على الأمن الخليجي

     كانت أبرز تداعيات النفوذ الإيراني في إريتريا على الأمن القومي السعودي  في ما احتوته إحدى البرقيات التي سربتها ويكليكس بتاريخ 12 فبراير 2010م، والتي كشفت النقاب عن وجود حوثي في إريتريا منذ عام 2009م، وتضمنت قلق السفير السعودي "ناصر علي الحوطي" في إريتريا من النفوذ الإيراني؛ والذي قال بحسب ما جاء في هذه التقارير: "إن إيران زودت البحرية الإريترية بالأسلحة، وأنه رأى مؤخرًا وفدًا إيرانيًا يزور أسمرا"، وقال السفير:" إن المتمردين الحوثيين كانوا متواجدين في إريتريا منذ عام 2009م، لكنه ليس متأكدًا فيما إذا كانوا لا يزالون هنا أم لا"، وقد أخبر السفير السعودي نظيره الأمريكي يوم 11 فبراير 2010م، ـ بحسب المصدر نفسه ـ أنه قلق بخصوص المصالح الإيرانية المتزايدة في إريتريا. وأنه رأى 5 أو 6 من الزوار الإيرانيين برفقة مدير البروتوكول في الخارجية الإريترية في أسمرا، وأنه يعتقد أن إيران تريد تطويق المنطقة([40]).

       وتكشف الوثيقة السابقة عن وجود حلف إيراني - حوثي- إريتري يعمل بجدية ضد المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من ادّعاء بعض التقارير الإيرانية بأن السفن الحربية الإيرانية التي تم إرسالها في 14 نوفمبر 2009م، إلى خليج عدن، كانت لحماية السفن التجارية الإيرانية من القراصنة الصوماليين([41])، إلا أنها ادعاءات واهية مردود عليها فهناك تقارير أخرى تؤكد بأن هذه السفنجاءت من أجل تهريب الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن عن طريق القوارب اليمنية الصغيرة وقوارب صيد الأسماك([42]).

       وهناك تقارير تفيد بأن إريتريا تمثل بوابة التسليح الرئيسة لجماعة الحوثي، وهذا ما أشار إليه اللواء أحمد سعيد بن بريك "الملحق العسكري اليمني بالقاهرة" بأن عناصر أمنية يمنية رصدت تجهيزات إيرانية وصفها بالمريبة في إريتريا لتوجيه مساعدات للحوثيين في اليمن عبر السواحل اليمنية المطلة على البحر الأحمر المواجهة لإريتريا([43]).

       أضف إلى ذلك اعترافاتالمعارضة الإريترية بوجود تسهيلات عسكرية إريترية لإيران تستطيع من خلالها تمويل الحوثيين في اليمن بالسلاح، كما أن وسائل الإعلام الإسرائيلية كشفت  عن وجود قاعدة عسكرية إيرانية بحرية بالقرب من ميناء عصب الإريتري، وهي تقارير توحي بأن إريتريا تحولت إلى بوابة بالنسبة إلى إيران لتصل إلى اليمن والحوثيين([44])، لم تكتف إيران بذلك بل اتخذت ميناء عصب الإريتري ومضيق باب المندب كقناة لإرسال المساعدات والأسلحة للمتمردين الحوثيين في اليمن([45])، وعقدت لهم دورات تدريبية في إريتريا ؛ لممارسة أساليب الإرهاب باستخدام المتفجرات والأسلحة، ودراسة الطرق التجسسية بإشراف خبراء من الحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني([46])، إضافة إلى بناء معسكرات لتدريب المتمردين الحوثيين بعد تسهيل وصولهم من اليمن عن طريق " ميناء ميدي " اليمني" ([47])، وأحد هذه المعسكرات يوجد بالقرب من ميناء "عصب" ويسمى "ويعا"، والمعسكر الثاني في منطقة "ساوى" Sawa، وهو قريب من الحدود السودانية([48])، لذا عند اندلاع المواجهات بين الحوثيين والحكومة اليمنية كان طبيعيًا أن تظهر بصمات إريتريا في إرسال شحنات أسلحة وذخائر وأموال إيرانية إلى الحوثيين([49]).  

        ومن خلال ما سبق يمكن أن نستنتج أن إيران نجحت في استراتيجيتها تجاه إريتريا، ومن دلائل ذلك أنها بعد أن وطّدت علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع إريتريا، ركّزت بشكل جدّي على تقديم المساعدات والمعونات الاقتصادية لإدراكها ضعف الاقتصاد الإريتري، وكلّ ذلك من أجل تحقيق هدف أكبر يتمثل في الحصول على الامتيازات العسكرية السالفة الذكر، التي من خلالها استطاعت الجمهورية الإيرانية أن تهدد ليس فقط الأمن القومي السعودي بل الأمن القومي العربي عامة، وهذا يجعلنا أن ننوه بأن إريتريا بعلاقاتها المريبة مع إيران أصبحت من أهم الدول الفاعلة في الملف اليمني، ولما لا وقد لعبت تلك الدولة الأفريقية بعد علاقاتها مع إيران دور العامل المساعد في صعود الحوثيين للمشهد السياسي اليمني، وتمويلهم وتدريبهم عسكريًا حتى أصبحوا أكبر تهديد للأمن القومي الخليجي بصفة عامة، وربما تهدف إيران من تلك الاستراتيجية إعادة تشكيل خريطة المنطقة العربية وفقًا للتناقضات المذهبية والطائفية والعرقية من خلال الدفع بمشروعي الشرق الأوسط الكبير والقرن الأفريقي الكبير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحث متخصص في الشؤون الأفريقية ـــ مركز تاريخ مصر المعاصر- دار الكتب المصرية

 

([1]) إريتريا هي إحدى الدول الأفريقية المطلة على البحر الأحمر حيث يمتد ساحلها عليه لمسافة 670 ميلا بين رأس كازار ودميرة ، تجاورها السودان من الشمال والغرب، وإثيوبيا من الجنوب وجيبوتي من الشرق الجنوبي ، كانت مستعمرة إيطالية حتى عام 1941م، حيث وضعت تحت الإدارة البريطانية وقد صدر قرار الجمعية العامة للأمم  المتحدة بضمها فيدراليًا إلى إثيوبيا  عام 1950م، وبالفعل تمّ انضمامها إلى إثيوبيا عام 1962م، وبعد تسلم ميليس زيناوي الحكم في إثيوبيا وافق على منحها الاستقلال عام 1991م، وأجري الاستفتاء في أبريل 1993م، وصوّت 5,98% من المشاركين في الاستفتاء لصالح استقلال إريتريا عن إثيوبيا، وبموجب نتيجة الاستفتاء حصلت إريتريا على استقلالها عام 1993م.راجع: سعود بن علي بن محمد الرقيشي، التغيرات السياسية في القرن الأفريقي وأثرها على أمن البحر الأحمر، أطروحة ماجستير، الجامعة الأردنية، 2002م،ص19،انظر أيضًا: -Woodward, Peter, The Horn of Africa: Politics and International Relations, I. B. Tauris & Co.Ltd, London, 2003, pp, 106,107

 

([2])   خبراء ومحللون: ارتفاع سقف التوقعات بدور إريتري في حرب اليمن، 9 مايو 2015، على الرابط:

-        http://www.moheet.com/2015/05/09/2261269/%D8%AE%D8%A8

([3])   Tehran Times, Eritrea sends envoy to open ties with Iran , December 16, 2006

([4])   Tehran Times, Eritrean president says Iran has undeniable right to nuclear energy,   June 7, 2007.

([5])  ارتفاع سقف التوقعات بدور إريتري في حرب اليمن، مرجع سابق.

([6])   مركز الاستخبارات ومعلومات الإرهاب، النشاط الإيراني في شرق أفريقيا.. البوابة الخلفية للشرق الأوسط والقارة الإفريقية.. العلاقات الشاملة بين السودان وإيران في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية، 22 ديسمبر 2013،  على الرابط : http://natourcenter.info/portal/2013/12/22/

([7])  BBC Monitoring Middle East – Political,  Iran, Eritrea for expansion of all-out relations, cooperation, May 20, 2008

([8])   مركز الاستخبارات ومعلومات الإرهاب، النشاط الإيراني في شرق أفريقيا ، مرجع سابق،See also, BBC Monitoring Africa – Political, Eritrea: President Isayas in talks with Iranian spiritual leader, May 20, 2008.                                                             

([9])BBC Monitoring Middle East – Political, Iran, Eritrea review "very close stances" on global issues, May 19, 2008

([10])  صحيفة إلكترونية،  الرئيس أحمدي نجاد : زياره الرئيس الاريتري خطوه مهمه في تطوير العلاقات، عصر إيران،  19 مايو 2008، على الرابط:      http://www.asriran.com/ar/news/4282/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%   8A%D8%B3                                                                                          

([11])  BBC Monitoring Middle East – Political,  Iran, Eritrea for expansion of all-out relations, cooperation, May 20, 2008

([12])    Iran, Eritrea review "very close stances" on global issues, op. cit.

([13])   BBC Monitoring Middle East – Political, Iran, Eritrea discuss agricultural ties, May 19, 2008,  See also,  Tehran Times, No limit for Iran-Eritrea cooperation: president, May 20, 2008

([14])   Middle East Policy Council, Lefebvre , Jeffrey A. , Iran in the Horn of Africa:    Outflanking U.S. Allies, Summer 2012, Volume XIX, Number 2, on: http://www.mepc.org/journal/middle-east-policy-archives/iran-horn-africa-outflanking-us-allies?print

([15])   BBC Monitoring Middle East – Political, Asia, Africa, and Latin America can change face of world - Iran leader, May 21, 2008. See also, BBC Monitoring Middle East – Political, Iran leader says nations' "vigilance" accounts for US "retreat", May 20, 2008.

([16])  Iran, Eritrea review "very close stances" on global issues, op.cit.

([17])   مركز الاستخبارات ومعلومات الإرهاب، النشاط الإيراني في شرق إفريقيا.. البوابة الخلفية للشرق الأوسط والقارة الإفريقية، مرجع سابق.

([18])   سها إسماعيل محمد، الدور الإيراني في أفريقيا(2012-2013)، التقرير الاستراتيجي الأفريقي 2012/ ،2013، تحرير د. صبحي قنصوه، د. نادية عبد الفتاح، مركز البحوث الأفريقية، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، يوليو 2014، ص 468.

([19])  عمر يحيى أحمد، التغلغل الإيراني في أفريقيا وأثره على الأمن القومي العربي، الحوار المتمدن، 1 يناير 2016، على  الرابط:http://m.ahewar.org/s.asp?aid=498974&r=0&cid=0&u=&i=8298&q=       

([20])   BBC Monitoring Middle East – Political, Iran, Eritrea review "very close stances" on global issues, May 19, 2008

([21])   BBC Monitoring Africa – Political, Eritrea, Iran sign trade, investment agreements, May 21, 2008.

([22])   مركز الاستخبارات ومعلومات الإرهاب، النشاط الإيراني في شرق إفريقيا.. البوابة الخلفية للشرق الأوسط والقارة الإفريقية..، مرجع سابق.

([23])   سها إسماعيل محمد، مرجع سابق، ص 468.

([24])  BBC Monitoring Middle East – Political, BBC Worldwide Monitoring, Iran, Eritrea call for expansion of economic ties, May 20, 2008 ,Tuesday

([25])    Tehran Times, Iran, Eritrea to boost economic ties, September 16, 2008

 

([26])BBC Monitoring Africa – Political, Eritrea, Iran sign trade, investment agreements, May 21, 2008.

([27])صالح كرار ، الوجود الإيراني في إرتريا،22 مارس 2012 على الرابط: http://www.farajat.net/ar/21665                                                                -

([28])  شبكة رؤية الإخبارية، اريتريا تستضيف قواعد إيرانية وإسرائيلية للتوازن أمام أثيوبيا، 29 مارس 2015، على الرابط:                                                         http://www.roayahnews.com/-

([29]الدور الآسيوي في دول حوض النيل، على الرابط: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/SraaHwdNil/sec10.doc_cvt.htm-

([30])  شبكة رؤية الإخبارية، اريتريا تستضيف قواعد إيرانية وإسرائيلية للتوازن أمام أثيوبيا، مرجع سابق.  

([31])   عبدالاله بن سعود السعدون، الجوار الإسرائيلي الإيراني في الجزر الإريترية، 18 أبريل 2013، على الرابط:                               http://www.al-jazirah.com/2013/20130418/du10.htm-

(3) حسام سويلم، أبعاد التواجد الإيراني في إريتريا وجنوب البحر الأحمر،على الرابط:

-http://www.khutabaa.com/index.cfm?method=home.con&ContentID=9870    

انظر أيضًا: عادل عبد الونيس عرفة، الوجود الإيراني في إريتريا وجنوب البحر الأحمر، 29 جمادي الأولى 1432، على الرابط:

-http://www.awda-dawa.com/pages/articles/default.aspx?id=4000    

([33]حاتم خاطر، إريتريا... ساحة صراع إيراني إسرائيلي، 1 يوليو 2013، على الرابط: http://www.moheet.com/2013/07/01/                                                                         -

([34])   BBC Monitoring Africa – Political, BBC Worldwide Monitoring , Eritrean opposition website reviews country's border row with Djibouti, March 2, 2009, Monday.

([35])   صالح كرار، مرجع سابق.

([36])    Gulf News (United Arab Emirates, Eritrea denies training rebels for Iran and Yemen, April 21, 2010 Wednesday.

([37]) Eritrea Supports Iran’s Nuclear Program,” Afrol News,  June 6, 2009 ,     http://www.afrol.com/articles/25668, August  31, 2009.

([38])   Tehran Times, Eritrean president says Iran has undeniable right to nuclear energy,   June 7, 2007.

([39])   Ariel Farrar-Wellman, Eritrea-Iran Foreign Relation, iran tracker , January 17,     2010, http://www.irantracker.org/foreign-relations/eritrea-iran-foreign-relations.

([40])  علي متولي أحمد، التغلغل الإيراني في شرق أفريقيا وانعكاساته على الأمن القومي الخليجي 2005-2014، دورية سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة،  العدد 20، مايو 2016، ص 82. انظر أيضًا: صوت فتح الإخباري، إريتريا شريان حياة الحوثيين وإيران، على الرابط:  -http://www.fateh-voice.net/arabic/?Action=PrintNews&ID=39282

([41])BBC Worldwide Monitoring, Iran agency sees possibility of naval war with Saudi Arabia, November 20, 2009 Friday. 

([42])BBC Worldwide Monitoring,Yemeni sources say Huthi rebels use Katyushas smuggled via Eritrea, November 29, 2009 Sunday. 

([43]كيف تدعم إريتريا الحوثيين في الحرب الدائرة باليمن؟ ، نون بوست، 5 مايو 2015،  على الرابط: http://www.noonpost.net/content/6533-

([44])  علي متولي أحمد، مرجع سابق، ص 82.

([45])   منى عبدالفتاح، إريتريا.. بوابة إيران بعد السودان، على الرابط: http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2015/4/19/                                     -

([46])   خطر كبير على أبواب البحر  الأحمر، على  الرابط:                                                       http://defense-arab.com/vb/threads/91177                                                                                   -

([47]حاتم خاطر، مرجع سابق.

([48])  BBC Worldwide Monitoring, Iranian forces reportedly training Yemeni Shi'i Huthist rebels in Eritrea, February 25, 2014 Tuesday , see also, 

                                                               .منى عبدالفتاح، إريتريا.. بوابة إيران بعد السودان، مرجع سابق  

(4) حسام سويلم، مرجع سابق، انظر أيضًا: عادل عبد الونيس عرفة،  مرجع سابق.

مجلة آراء حول الخليج