; logged out
الرئيسية / تشغل كويا الجنوبية 20% من السوق العالمي لاستخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء السلاح النووي الكوري الشمالي: تأثيره على مستقبل كوريا الجنوبية والخيارات المتاحة

العدد 113

تشغل كويا الجنوبية 20% من السوق العالمي لاستخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء السلاح النووي الكوري الشمالي: تأثيره على مستقبل كوريا الجنوبية والخيارات المتاحة

الأربعاء، 02 تشرين2/نوفمبر 2016

بدأ الصراع في شبه الجزيرة الكورية متزامنًا مع انسحاب الاستعمار الياباني، بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، واستسلامها دون قيد أو شرط، في أعقاب استخدام السلاح النووي لأول مرة في التاريخ ضد (هيروشيما ونجازاكي) وربما ترسب أثر هذا الدمار الرهيب في أفكار وتوجهات الكوريتين، واللتين انقسمتا إلى شمال شيوعي، وجنوب رأسمالي، وهو ما أشعل شرارة الحرب الكورية (1950 – 1953م) لتبدأ سلسلة من الصراعات العسكرية، وسباق التسلح، الذي بدأ تقليديا وانتهى نوويا، وذلك مع إنتاج الشمال للقدرات الصاروخية المتدرجة في المدى، حتى البالستية، والقادرة على حمل رؤوس نووية، والتي تستهدف كوريا الجنوبية بالدرجة الأولى، والتي تخلت عن برنامجها النووي العسكري، إلى برنامج سلمي وإنتاج الطاقة، مع استمرار الشمال في تهديد الأمن الإقليمي، وخاصة اليابان، والأمن الدولي وخاصة الولايات المتحدة.

وقد تولى الحكم شمالا نظام متشدد ومتدرج في التهور، من الجد (كيم إيل سونج) إلى الابن (كيم جونج إيل) إلى الحفيد (كيم جونج أون) حيث لا يفتقرهذا النظام الحالي إلى (إرادة الاستخدام النووي) بمعنى إمكانية الإقدام على إستخدامه عمليًا.

ولقد فشلت الجهود الدولية أكثر من مرة في إيقاف البرنامج النووي لكوريا الشمالية، وتحويله إلى برنامج سلمي، حيث كانت تبدأ بالموافقة على رفع العقوبات، والحصول على الامتيازات، ثم الالتفاف السري والعودة إلى البرنامج النووي العسكري، وهو ماتم اكتشافه مرتين في بداية التسعينيات وبداية القرن الحالي، إلى أن بلغ الخطر مداه خلال الفترة (2015 – 2016م) بإجراء الاختبارين النوويين الرابع والخامس، بعدما أعلنت أنها دولة نووية، قادرة حتى على تهديد أراضي الولايات المتحدة.

محتويات الدراسة وتشمل:

الخلفية التاريخية – سباق التسلح النووي والقدرات الصاروخية والبالستية للكوريتين-التهديد النووي الكوري الشمالي للدوائر المحلية والإقليمية والدولية-الخاتمة

أولا: الخلفية التاريخية وجذور الخلاف بين الكوريتين:

1-   بانتصار اليابان في حربها مع الصين، ظلت قوات يابانية في شبه الجزيرة الكورية – الجار اليابس المباشر للصين – إلى أن أعلنت اليابان لاحقًا ضم شبه الجزيرة الكورية إليها كمستعمرة يابانية، وذلك في أغسطس (1910م)، وظل هذا الاحتلال إلى نهاية الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945م) وتوقيع اليابان على وثيقة الاستسلام الكامل دون قيد أو شرط ( unconditional surrender  )  في ( 2/9/1945 م )  وهو تاريخ استقلال شبه الجزيرة الكورية عن اليابان .

2-   كان السبب المباشر لاستسلام اليابان هو إسقاط الولايات المتحدة لأول وآخر قنبلتين ذريتين – حتى الآن – على هيروشيما ونجازاكي، في (6 و9/8/1945م) على الترتيب، وفي نفس التوقيت الذي استغله الإتحاد السوفيتي لاحتلال الجزء الشمالي من شبه الجزيرة الكورية (كوريا الشمالية لاحقًا) وقبل أقل من شهر من استسلام اليابان رسميا باعتبار ذلك جزء من الإنتقام ورد الإعتبار للهزيمة الروسية أمام اليابان في حربيهما (1904 و1950م).

3-   توقف الزحف السوفيتي جنوبا عند دائرة عرض (  38 ̊  ) شمالًا، وهو الخط الفاصل بين الشطرين الشمالي والجنوبي، طبقًا للإتفاق مع الولايات المتحدة – قطبي الحلفاء في الحرب العالمية الثانية – وحيث أن قوات الولايات المتحدة مازالت في الشطر الجنوبي ( كوريا الجنوبية ) وكان في إمكان السوفيت التقدم جنوبا لقلة عدد القوات الأمريكية وضعف الشطر الجنوبي عسكريًا، إلا أن السوفيت احترموا الاتفاق كنوع من التفاهمات المستقبلية المتوقعة في أوروبا الشرقية، واعتمدوا على رجلهم ( كيم إيل سونج) الذي درس في روسيا، وشكل بعد ذلك الحزب الشيوعي الكوري الشمالي.

4-   شكل الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة لجنة مشتركة مؤقتة لإدارة البلاد لفترة إنتقالية حتى عام (1949م) وفيها يحكم الكوريون أنفسهم، إلا أن كل طرف حاول أن يفرض (ايدلوجيته) على الشطر التابع، وخلال تلك الأثناء حاول زعيما الشطرين الجنوبي والشمالي ( ري،  و كيم إيل سونج ) فرض الوحدة بالقوة على الطرف الآخر، وكان انسحاب القوات السوفيتية شمالًا، إيذانًا ببدء الحرب التي بدأتها كوريا الشمالية في ( 25/7/1950م ) لتحتل معظم كوريا الجنوبية، إلا أن طلب الولايات المتحدة من مجلس الأمن، كفل لها قوات أممية ( تحالف من عدة دول ) بقيادتها، ونجح الهجوم المضاد للقوات الأمريكية والتحالف في التقدم من الجنوب إلى الشمال وتجاوز دائرة العرض (  38 ̊  ) في (7/10/1950م ).

5-   في اليوم التالي لعبور الحلفاء دائرة عرض ( 38 ̊  ) متجهين شمالا، لاحتلال كوريا الشمالية، أصدر ( ماو تسي تونج ) في (8/10/1950 م ) التعبئة لدخول الحرب ضد الحلفاء نظرًا لتهديد الأمن القومي الصيني، ووصول القوات الأمريكية إلى الحدود الصينية بشكل مباشر، ودخلت الصين الحرب في (19/10/1950 م ) بما يسمى بجيش التحرير الشعبي، دون دعم حقيقي من الإتحاد السوفيتي.

6-   استمر القتال لعدة سنوات في شكل أعمال قتالية متفرقة، هي أقرب لأعمال الكر والفر مع التركيز على الاحتفاظ بالمدن والمواقع الاستراتيجية، إلى أن انتهى القتال بتحديد منطقة منزوعة السلاح (demilitarized zone ) تفصل بين الكوريتين، في (27/7/1953م)، والذي وقع بإحدى القرى على الخط الفاصل بينهما، والذي أنهى الحرب ولكنه لم ينه النزاع الحدودي ولا العداء والصراع المتصاعد والمستمر لأكثر من نصف قرن، صاحبه سباق تسلح تقليدي وفوق تقليدي ونووي، وهو ما سنعرض له.

7-   باءت محاولات الشطر الجنوبي مد يد التصالح وإنهاء العداء مع الشطر الشمالي بالفشل – والتي دعت إلى لم شمل العائلات المنقسمة عبر خط ( 38 ̊  )  وكانت أكثر تلك المحاولات جدية، هي زيارة الرئيس الجنوبي (روه مو هيون)  إلى ( بيونج يانج ) عاصمة الشمال.

ثانيًا: كوريا الشمالية وسباق التسلح النووي:

1-   بدأت كوريا الشمالية برنامجها النووي الجاد عام (1980م) وبالتعاون مع الاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية – قبل توحيد ألمانيا – وذلك بمفاعل صغير بمقدرة (5) ميجاوات، مع جلب المواد الخام والأولية من الصين وبعض الدول الإفريقية، يرجح أن من بينها (النيجر) بالإضافة إلى ما لدى كوريا الشمالية من بعض المواد الخام الأولية، وإن كانت ليست عالية الجودة، مثل اليورانيوم المحلي الفقير عالي الأكسدة، وبعض أنواع الجرافيت.

2-   إعتمد البرنامج الكوري الشمالي لاحقًا بشكل كبير على التعاون مع الصين، للحصول على الخامات الأفضل من تلك المحلية المتاحة، ثم التعاون اللاحق لإنشاء وتطوير البرنامج الصاروخي الميداني ثم البالستي، كأداة فعالة لحمل الرؤوس الحربية

(war head ) سواء كانت رؤوس نووية أو تقليدية، كما سيستهدفها البرنامج مستقبلًا . ومما شجع كوريا الشمالية على المضي قدمًا في مشروعها، سحب الولايات المتحدة لقواتها النووية من كوريا الجنوبية عام (1991م).

3-   بدأت الولايات المتحدة الأمريكية التنسيق مع حلفائها ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ( IAEA ) للضغط على كوريا الشمالية للتوقيع على معاهدة عدم الإنتشار النووي (  Non Proliferation Treaty ) ( NPT ) وعدم العودة إلى تخصيب أو إثراء اليورانيوم ( Enrichment of Uranium ) وذلك عام (1992م) وقد ادعت كوريا الشمالية أن برنامجها النووي هو لتوليد الطاقة الكهربائية والإستخدام السلمي، وهو ما ثبت عدم صحته، حيث لم تكتشف الأقمار الصناعية وعناصر المعلومات أي كوابل نقل للكهرباء أرضية كانت أو هوائية، خارجة من تلك المفاعلات لنقل الطاقة الكهربائية !!

4-   بعد تفاوض شاق بين كوريا الشمالية المدعومة من روسيا الإتحادية والصين من جهة، وبين كوريا الجنوبية المدعومة من الولايات المتحدة واليابان وبعض الدول الغربية، من جهة أخرى، والذي استغرق عامي (1993 – 1994م) تم التوصل إلى تجميد البرنامج النووي لكوريا الشمالية مقابل حصولها على الامتيازات التالية:

            الإمتيازات التي حصلت عليها كوريا الشمالية مقابل تجميد برنامجها النووي:

1-   من الولايات المتحدة

وقف العقوبات الاقتصادية (Sanctions )، وتقديم معونات بقيمة مليار دولار – الدعم بنصف مليون طن من البترول الأمريكي سنويًا – دعم الطاقة الكهربائية بقيمة ( 750 ) مليون دولار سنويًا، ولحين بدء تشغيل المفاعل النووي الأول – لتكمل ادعائها بأنه مخصص لإنتاج الطاقة الكهربائية !!!، بالإضافة إلى إمتيازات أخرى بنكية و تجارية.

2-     من كل من اليابان وكوريا الجنوبية وأوربا الغربية:

 

تمويل بناء (2) مفاعل لتوليد الطاقة الكهربائية بقدرة (200) ميجاوات، بتكنولوجيا الماء الخفيف، وبتكلفة (5) مليار دولار تدفع كالآتي (كوريا الجنوبية (3.24) مليار، واليابان (1) مليار، وأوربا الغربية (0.74) مليار دولار)، على أن تتعهد كوريا الشمالية بالالتزامات التالية:

 

5-   تعهدات كوريا الشمالية مقابل حصولها على الإمتيازات السابقة:

 

تتعهد بالسمـــاح بالتفتيش على قدراتهــا النووية (المجمدة) وخاصة مفـــاعلات الجرافيت، في خلــــيج يونج بون

(Yongbyon  ) وما لديها من الوقود النووي (Fuel Rods  ) وهو ما كان يكفي تقديريًا لإنتاج ( 4 – 5 ) قنبلة نووية عيارية، أي بقدرة ( 20 ك طن ) وهي قدرة القنبلة النووية التي تم إلقاؤها على هيروشيما .

بالإضافة إلى التفتيش على الصواريخ البالستية وعدم تطوير مداها، وعدم تصديرها للخارج، خاصة دول الشرق الأوسط وإيران، والتي كانت تتم عبر مطار بكين، الأمر الذي لم تقم الصين بنفيه !!

 

6-     نقض كوريا الشمالية لتعهداتها من جانب واحد والعودة إلى برنامجها النووي:

 

وتم ذلك سرًا، إلى أن تم اكتشافه وتأكيده خلال عامي (2002 و2003م) مما استتبعه إيقاف المساعدات الأمريكية والكورية الجنوبية واليابانية والأوروبية، والعودة مرة أخرى إلى تطبيق العقوبات الإقتصادية.

وردت كوريا الشمالية بالإنسحاب من منظمة (NPT) عام (2003م) كسابقة خطيرة، ورفضت الخضوع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية ( IAEA) وقامت باستئناف تخصيب وإثراء اليورانيوم من مخزونها المجـــــمد من عام ( 1994 م ) مع بدء إستخداماتها من اليورانيوم المحلي الفقير، مع إزالة أكسدته، وكذلك الجرافيت المحلي، وأيضًا معالجة قضبان ( اليورانيوم المستنفذ ) حيث قدر الخبراء حينئذ قدرة كوريا الشمالية على إنتاج سلاح نووي قبل عام ( 2005م) وهو ما تحقق لاحقًا.

 

7-   السلوك النووي لكوريا الشمالية بعد إيقاف المساعدات وعودة العقوبات:

 

استمرت كوريا الشمالية في تطوير برنامجها، وجندت حوالي (3000) عالم ومهندس وفني، مع تطوير البرنامج الصاروخي بالتعاون مع الصين، وتصدير الصواريخ إلى الخارج جوًا من خلال مطار بكين.

 أعقب ذلك قيام كوريا الشمالية بتفجير نووي بقوة (1) كيلو طن عام (2006م) كما كان متوقعًا من حسابات الخبراء سابقًا.  ثم أعلنت (بيونج يانج) نفسها قوة نووية دولية. وبتفاقم المشكلة تم تشكيل بروتوكول سداسي ضم (الكوريتين – روسيا – الصين – الولايات المتحدة – واليابان) والذي بموجبه تم الضغط على كوريا المشكلة لقبول زيارات الوفد العلمي النووي التابع لجامعة (ستانفورد) الأمريكية، إلا أن ذلك لم يستمر، وتوقفت أعمال اللجنة العلمية، ومضت كوريا الشمالية في برنامجها المتزامن مع تطوير قدرات الحمل الصاروخية وخاصة البالستية.

         أعلنت في يناير وأغسطس (2016م) عن التجربتين النوويتين(4،5) وأن إحداهما هيدروجينية وهو بمثابة تصاعد في القدرات النووية.                                                                                     

             

 

أجهزة الطرد المركزي (  centrifuges) الروسية الصنع، والمتوفرة لدى كل من كوريا الشمالية وإيران، والمنشأة تحت الأرض للحماية، بديلا للمفاعلات الكبيرة السطحية سهلة التعرض للهجوم والإصابة

 

ثالثًا : القدرات الصاروخية البالستية لكوريا الشمالية :

1-   تمتلك كوريا الشمالية ترسانة صاروخية متدرجة المدى، من القصير إلى المتوسط، إلى بعيد المدى البالستي، ومنها ما هو عابر للقارات، وقدرت هذه الترسانة بـ ( 800 – 1000 ) صاروخ متدرج المدى ( 400 كم - 250 كم – 800 كم ) ومتدرج الأحمال للرؤوس النووية وغير النووية ، ومع استمرار التطوير يصل المدى إلى ( 10000 كم ) ليغطي الشريط الساحلي لغرب الولايات المتحدة وبعرض حتى (1000 كم ) وهو ماتهدد به دوما.

2-   يعتبر منشأ الصواريخ الكورية هو سلسلة ( SCUD B-C-D ) السوفيتية التي تم تطويرها تحت مسميات جديدة، مثل سلسلة (  Rodong 1-2 ) والذي يعرف بـ (Nodong ) أيضًا، ذو المنشأ من الصارخ السوفيتي المطور ( SS-1  ) .  وقد استمرت كوريا الشمالية في تطوير قدراتها الصاروخية بعيدة المدى حتى أفصحت عنها تجاربها النووية الأخيرة خلال

(يناير، ويوليو، وأغسطس 2016م) ردا على المناورات الأمريكية المشتركة مع كل من كوريا الجنوبية واليابان، والقريبة من المياه الإقليمية لكوريا الشمالية، مع استهداف (29) هدف افتراضي في كوريا الشمالية خلال المناورات.

3-   وقد تعددت وسائل إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية بعيدة المدى، من الإطلاق البري، إلى الإطلاق البحري (( seabed  من إحدى الغواصات الهحومية الكورية، في تطور كبير لتنوع قواعد الإطلاق، كما أنها أعلنت عن إطلاق صاروخ فضائي لوضع قمر صناعي في مداره، إلا أن الولايات المتحدة، أعلنت عن عدم تلقي إشارات من ذلك القمر، مما يعني أنه ضمن سلسلة عمليات الإطلاق للصواريخ بعيدة المدى، للوصول إلى تلك العابرة للقارات.

 

4-   توفر القدرات الكيميائية والبيولوجية:

 

حيث يمكن لتلك الصواريخ حمل رؤوس كيميائية أو بيولوجية إلى أهدافها، وتملك كوريا الشمالية ثالث أكبر ترســانة كيميائية في العالم وخاصـــة خامـــــات (الخردل Mustard– الفوسيجين Phosgene -السارين Sarin) كما تمتـــــلك القدرات البيولوجية مثل (الجمرة الخبيثة Anthrax   - البوتوليزم السام   Botulism- الطاعون  Plague- الجدري  Smallpox ).

5-   لاتمتلك كوريا الشمالية وسائل الإعتراض للصواريخ البالستية أو التكتيكية بعكس جارتها الجنوبية، والتي سنعرض لها لاحقًا.

 

6-   ملاحظة:

يشكل الإنفاق العسكري وموازنات الدفاع لكوريا الشمالية عبئًا كبيرًا على موازنة الدولة محدودة الموارد، حيث تمتلك خامس أكبر قوة بشرية بين جيوش العالم، وتصل نسبة من يمكن تجنيدهم وتعبئتهم تحت السلاح إلى قرابة (16.8%) وهي أعلى نسبة في العالم لدولة صغيرة يبلغ تعداد سكانها قرابة (23) مليون حسب تعداد عام (2013م) كما أن نسبة القوة العسكرية هي (5.5%) وهي أيضًا نسبة عالية، وتقترب من النسبة في إسرائيل وقت التعبئة.

لذلك فتعتبر مخصصات التنمية في كوريا الشمالية متدنية، وتصنف ضمن الدول الفقيرة.

رابعًا: سباق التسلح النووي لكوريا الجنوبية:

1-   بدأ البرنامج النووي الكوري الجنوبي، مع نهاية الحرب الكورية بين الشطرين عام ( 1953م) وكان ذو توجه عسكري، بغرض ردع كوريا الشمالية التي لم تخف أطماعها في الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية، منذ تولي الحزب الشيوعي بزعامة (كيم إيل سونج) لزمام الأمور في الشطر الشمالي، والمدعوم من الإتحاد السوفيتي الذي درس فيه لسنوات طويلة في شبابه، وكذلك الدعم الصيني الشيوعي ذو الحدود المشتركة الممتدة مع كوريا الشمالية، واتسق هذا الدعم الشيوعي مع الإيدلوجية الشيوعية بزعامة الإتحاد السوفيتي شرقًا في مواجهة الإيدلوجية الرأسمالية بزعامة الولايات المتحدة غربًا، وهو ما أسفرت عنه نتيجة الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء وتشكل القوتين العظميين، وبدء الصراع على مناطق النفوذ حول العالم.

2-   استمر نمو البرنامج النووي الكوري الجنوبي حتى عام (1957م) حيث كان هذا التاريخ فارقًا، إذ تحول البرنامج من النشاط العسكري المستهدف، إلى النشاط السلمي لإنتاج الطاقة الكهربائية !! كما تم انضمام كوريا الجنوبية إلى الوكالة الدولية للطاقة النووية، والتوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي (NPT) لاحقًا.

وقد ساعد (سول) على اتخاذ هذا القرار والتوجه السلمي، عدة اعتبارات استراتيجية، كان أهمها تواجدها تحت المظلة النووية الأمريكية على أراضيها منذ نهاية الحرب الكورية عام (1953م)، والتي استمرت حتى عام (1991م)، وكان الإعتبار الآخر هو تفكك الإتحاد السوفيتي رسميًا في (ديسمبر 1991) حيث خرج من حسابات القوتين العظميين، لتتجه كوريا الشمالية غربًا إلى (بكين) بديلًا عن (موسكو) التي لم تكن قد استعادت عافيتها بعد.

3-   بدأ النشاط البحثي المكثف خلال الفترة (1965 – 1978م) حيث تم خلالها إنشاء أول مفاعل نووي رئيسي، ثم أعقبه، إنشاء عدد (8) مفاعلات خلال عقد الثمانينيات، بالتعاون مع شركة (وستنجهاوس) الأمريكية، وللحصول على اليورانيوم فقد اعتمدت على كل من (استراليا – كندا – النيجر) لتوفير الوقود النووي ( Fuel Rods ) ثم اتجهت لا حقًا صوب بعض دول أمريكا اللاتينية.

4-   تصنف كوريا الجنوبية – حاليًا – كإحدى الدول الكبرى المصدرة لتكنولوجيا مفاعلات الطاقة النووية السلمية، حيث تحتل المركز الرابع عالميًا بعد كل من (الولايات المتحدة – فرنسا – روسيا) على الترتيب، كما يصنفها بعض الخبراء قبل روسيا نظرًا لاستخدام (سول) لتكنولوجيا غربية متقدمة.

5-   تشغل كويا الجنوبية (20%) من السوق العالمي لاستخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وتخطط لزيادة النسبة مستقبلًا، وخاصة لدول الشرق الأوسط البترولية، حيث تم بيع عدد (4) مفاعلات لدولة الإمارات العربية المتحدة بمبلغ (20) مليار دولار.

6-   تغطي كوريا الجنوبية (40%) من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية بعدد (20) مفاعلًا نوويًا حتى عام (2013م) وتخطط لزيادتها حاليًا بإضافة عدد (12) مفاعلًا جديدًا حتى عام (2021م).

وتعتمد الدول المنتجة لهذا النوع من المفاعلات في تسويقها، على كونها طاقة نظيفة، والمفاجئ أنها طاقة رخيصة (بعد استرداد تكاليف الإنشاء) بالمقارنة بالطاقة المولدة بإستخدام الغاز في الدول الفقيرة بتروليًا، وأيضًا أرخص من الطاقة المولدة من مساقط المياه، حيث تبلغ تكلفة الطاقة النووية بالمقارنة بكليهما (72%) و (27 %) على الترتيب.

 

7-   الدفن الآمن للنفايات النووية:

تولي كوريا الجنوبية ، أهمية كبرى للدفن الآمن للنفايات النووية ( N. Exhaustion ) وطبقًا لمعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تبلغ ( 800 – 1000 ) دولار أمريكي لكل ( 1 ) كجم من النفايات، وهي تكلفة تبدو كبيرة، مما يشجع بعض الدول النووية القديمة أو الصاعدة، على الدفن غير الآمن، توفيرًا للنفقات، وهو مايضر بالبيئة وبصحة الإنسان على المدى الطويل ، وقد يتم ذلك في الصحاري أو المياه لبعض الدول الفقيرة، مما يعتبر جريمة عابرة للحدود، وغير معروف على وجه الدقة كيف تتخلص كوريا الشمالية من نفاياتها النووية !!

 

خامسًا: القدرات الصاروخية البالستية لكوريا الجنوبية:

1-   الإطلاق والإعتراض الصاروخي البري:

حيث تمتلك أنظمة أمريكية، تزامن وجودها ونشرها، مع امتلاك كوريا الشمالية لنظم صاروخية بعيدة المدى، وحرصت على إمتلاك قدرات اعتراض صاروخية مثل (الباتريوت)، ومع تطور القدرات الصاروخية لكوريا الشمالية حصلت

 (سول) مؤخرًا في يوليو (2016م) على النظام الأمريكي المتطور (Terminal High Altitude Area Defense ) والمعروف اختصارًا  بـ(THAAD ) والذي يمتلك نظام راداري بعيد المدى ( 1500 ) كم وهو ما أثار إعتراض كل من الصين وروسيا، لأن هذا المدى الراداري يتجاوز كوريا الشمالية ليغطي أجزاء من أراضي الدولتين.

2-   الإطلاق من الجو:

حيث حصلت كوريا الجنوبية على النظام الصاروخي (تورس TAURUS) الألماني الصنع والذي يبلغ مداه (500) كم، والذي يستهدف بفاعلية، القواعد النووية في كوريا الشمالية، وهو يطلق من الجو، وخاصة طائرات ( F15 K ) أو أي طائرات حديثة متعددة المهام، وتم نشره على معظم القواعد الجوية.

3-   الإطلاق من البحر:

تمتلك كوريا الجنوبية مدمرات تحمل نظم صاروخية موجهة طراز (كروز) والتي يمكن توجيهها بدقة إلى الأهداف البعيدة.

4-   بالإضافة إلى ماسبق، تتواجد قوات أمريكية داخل كوريا الجنوبية تقدر بقرابة (30000) رجل، واعتبارًا من (1/12/2015م) تولى الجيش الكوري الجنوبي القيادة المشتركة الأمريكية الكورية.

 

سادسًا: التهديد النووي الكوري الشمالي في الدوائر المحلية والإقليمية والدولية:

 

 

1-   التهديد للدائرة المحلية (كوريا الجنوبية):

 

تعتبر كوريا الجنوبية هي الدولة المعنية أولًا بالتهديد النووي الكوري الشمالي، حيث أن أطماع الشمال في الجنوب لم تتوقف منذ استقلال شبه الجزيرة الكورية وتقسيمها، ومحاولة ضم الجنوب بالقوة المسلحة، وتتعلل بأن ذلك واجب وطني وقومي ووحدوي، كما أن وجود القوات الأمريكية في الشطر الجنوبي يهدد أمن وبقاء الشطر الشمالي.

ولذلك فإن القيادات الشمالية الشيوعية المتتابعة منذ الإستقلال، ترفض أي مصالحة مع الجنوب، وباءت محاولات الجنوب بما فيها زيارة الرئيس الكوري الجنوبي إلى (بونج يانج) بالفشل، وسط أجواء تصاعد العداء بين الشطرين.

 

2-   التهديد للدائرة الإقليمية (اليابان):

 

والتي تبدي قلقًا دائمًا من تنامي القدرات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، خاصة أن الأخيرة تعتبر اليابان حليفًا للولايات المتحدة، وخاصة مع تواجد قواعد أمريكية باليابان.

كما تعتبر اليابان نفسها الدولة الثانية المستهدفة بعد كوريا الجنوبية نظرًا لقرب المسافة، ولموقفها من التقارب مع كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، مع عدم نسيان أن اليابان قامت باحتلال وطنهم لمدة (35) عامًا.

 

3-   التهديد للدائرة الدولية:

 

وخاصة الولايات المتحدة وحلفائها، رغم استصدار العديد من قرارات الإدانة الدولية من الأمم المتحدة ومجلس الأمن وصلت هذه الإدانات، إلى أن صوتت عليه روسيا، كما صوتت عليها الصين – الداعم الرئيس لكوريا الشمالية – لأول مرة بالإدانة، عقب التجارب النووية الكورية الشمالية الأخيرة، في يوليو، وأغسطس (2016م)، ويعتبر ذلك تغييرًا جديدًا في السلوك الصيني، حيث لم تستخدم حق الإعتراض (VETO) أو تمتنع عن التصويت بالإدانة، كما تم سابقًا.

 

 خاتمة:

 

1-   بدأت كوريا الشمالية برعاية الحزب الشيوعي، لبرنامجها النووي بعد وقت قصير من نهاية الحرب الكورية وتقسيم الكوريتين، وبمعاونة الإتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية، بغرض امتلاك أسلحة تدمير شامل، تمكنها من ردع جارتها الجنوبية، ومحاولة ضمها بالقوة بدعاوى الوحدة الوطنية، وأيضًا لتهديد جارتها المقابلة (اليابان) المستعمر السابق لشبه الجزيرة الكورية لمدة

 (35) عامًا والمحتضن للقوات الأمريكية الداعمة لكل من اليابان وكوريا الجنوبية.

2-   بتطور إنتاج كوريا الشمالية للقدرات النووية، ومصاحبتها بتطوير القدرات الصاروخية حتى بعيدة المدى منها، كوسائل حمل للرؤوس النووية.

تم توقيع عقوبات اقتصادية عليها وتكرر التدخل الغربي بقيادة الولايات المتحدة والقوى الإقليمية، لإيقاف البرنامج النووي الكوري الشمالي، وتوجيهه للأغراض السلمية وإنتاج الكهرباء، مقابل حصولها على امتيازات مالية وبترولية، وإيقاف العقوبات، إلا أنها عادت واستمرت في برنامجها النووي سرًا إلى أن تم إكتشاف ذلك، فعادت العقوبات مرة أخرى، وتكرر ذلك في بداية التسعينيات، ثم في بداية القرن الحالي.

3-   مضت كوريا الشمالية قدمًا في برنامجها النووي، وقامت بخمسة تفجيرات نووية، كان آخرها منتصف هذا العام (2016م) وأعلنت أنه (هيدروجيني)، كما أعلنت أنها قد أصبحت دولة نووية، كما طورت مدى صواريخها البالستية إلى (800 – 1000) كم وتهدف لزيادته، ليغطي الساحل الغربي للولايات المتحدة، عبر المحيط الهادي.

4-   تكمن الخطورة، بعد امتلاك القدرات النووية والصاروخية، في أنها تملك ( إرادة الاستخدام) من قبل قيادة متهورة، مما يزيد من خطورة الموقف المحلي والإقليمي والدولي، وتساعدها الصين – الداعم الرئيسي لها – لتصعيد التوتر والإبتزاز بهدف الوصول إلى اتفاق شبيه بالإتفاق مع إيران ( 5 + 1 ) لرفع العقوبات الاقتصادية، والحصول على امتيازات استراتيجية أخرى، ولكن ذلك يصطدم بسابق مخالفاتها لإتفاقيات مشابهة مما يزيد من دائرة التشكك، والتشكك المضاد، بينها والصين من جهة، وبين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان من جهة أخرى.

5-   لم يبق أمام كوريا الجنوبية إلا خيارين متوازيين بالمشاركة في المساعي الدولية لإيقاف البرنامج النووي لكوريا الشمالية حتى على غرارماتم مع إيران.ثم سيناريو مجابهة التهديد الشمالى باستغلال المظلة النووية والقبة الصاروخية الامريكيتين.ونظم الاعتراض المتوفر لديها.والقدرة عتى توجيه ضربات صاروخية جوية مؤثرة ضد الأهداف النووية الكورية الشمالية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا ـ مستشار المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية – القاهرة

                                                               

 

المراجع والمصادر:

-         محمد قشقوش: الدول الصاعدة نوويًا، مجلة الدفاع، العدد ( 207 ) ، ج م ع ، 2012

-         محمد قشقوش: الدول الصاعدة نوويًا، مجلة الدفاع، العدد ( 209 ) ، ج م ع ، 2012

-         www.bbc.com.uk

-         www.globalsecurity.org

-         www.Janes.com

 

 

 

مجلة آراء حول الخليج