; logged out
الرئيسية / التجربة الكورية تؤكد أهمية دور الحكومات في إدارة الاقتصاد وقيادة التنمية التعاون الخليجي الكوري الجنوبي من النفط إلى الشراكة التجارية

العدد 113

التجربة الكورية تؤكد أهمية دور الحكومات في إدارة الاقتصاد وقيادة التنمية التعاون الخليجي الكوري الجنوبي من النفط إلى الشراكة التجارية

الأربعاء، 02 تشرين2/نوفمبر 2016

تمثل التجربة الكورية الجنوبية مثالاً يحتذى به في تحقيق التنمية الاقتصادية بخطى ثابتة، وخطط مدروسة، ذات أهداف محددة، وسياسات مرنة نجحت في سنوات محدودة في التحول ببلد فقير في موارده الطبيعية، وأعداد كبيرة من السكان إلى بلد متقدم، لديه طاقات إنتاجية متنوعة، وقدرات تنافسية عالمية.

كانت كوريا الجنوبية بلدًا تابعًا للإمبراطورية اليابانية، وأصابها ما يصيب كل الدول التابعة والمُستعمَرة من نهب وتكريس للتخلف، قطاع زراعي بدائي، وقطاع صناعي هزيل، وتعليم متردٍ، وأحوال صحية متدنية، وخلال عقدين من الزمن، ومع مطلع الستينات، نهضت كوريا من كبوتها، وصارت أحد النمور الآسيوية، بفضل قبضة الحكم القوية، والتخطيط الإلزامي، ووضع السياسات الحصيفة، وتطبيقها بدقة، وهنا يمكن سر النهوض، والقفز باتجاه تحقيق الأهداف.

وانطلقت خطط التنمية المتعاقبة من نقاط الضعف والتحديات، حيث شكلت المشاكل والتحديات، دوافع على العمل، وكانت المشاكل نقاط قوة وانطلاق، فصارت قوة اقتصادية يحسب لها، ومثالاً يحتذى به.

من هنا تستهدف هذه المقالة استكشاف الدروس المستفادة واتجاهات التعاون بين دول مجلس التعاون وكوريا الجنوبية، انطلاقًا من الوضعية الخاصة لقطاع الطاقة في العلاقات التجارية بين الطرفين في الوقت الحالي، وانتهاءً بآفاق التعاون والاستفادة من الدروس التي أفرزتها تلك التجربة المعجزة في شرق آسيا.

أهمية قطاع الطاقة في العلاقات التجارية بين دول الخليج وكوريا الجنوبية

احتلت كوريا الجنوبية المركز الثامن على المستوى العالمي من حيث استهلاك الطاقة عام 2015م، بعد أن كانت تحتل المركز التاسع في العام السابق، ومن ثم لا تزال تمثل أحد أهم الدول المستوردة للطاقة في العالم، نظرًا لاعتمادها الكبير على استيراد الطاقة، حيث أن 97% من استهلاك الطاقة الأولية يعتمد على الواردات من الخارج في ظل افتقاد البلاد لاحتياطات الطاقة محليًا.

أهم الدول من حيث استهلاك الطاقة على المستوى العالمي عام 2015

الترتيب

الدولة

%

1

الولايات المتحدة

19.7

2

الصين

12.9

3

الهند

4.5

4

اليابان

4.4

5

السعودية

3.9

6

روسيا

3.3

7

البرازيل

3.2

8

كوريا الجنوبية

2.6

9

ألمانيا

2.5

10

كندا

2.3

B.P statistical Review of world Energy, June 2016

من ناحية أخرى تصنف كوريا الجنوبية ضمن الخمس دول الأكثر استيرادًا للغاز الطبيعي المسيل على المستوى العالمي والمنتجات المكررة. كما أنها تعتمد تمامًا على نقل البترول الخام والغاز المسيل LNG من خلال السفن، ولا تمتلك أنابيب البترول أو الغاز الطبيعي، ومع ذلك فإنها تعد موطنًا لبعض أكبر معامل تكرير البترول في العالم، والأكثر تقدمًا.

 وفي سعيها لتحسين وتأمين وضع الطاقة في البلاد، سعت شركات البترول والغاز الطبيعي الكورية للبحث والتنقيب عن البترول بشكل واسع واكتشافه في أنحاء العالم.

وعلى الرغم من أن البترول والسوائل الأخرى بما فيها biofuels تمثل الجانب الأكبر من مجمل واردات كوريا من استهلاك الطاقة الأولية، حيث شكلت نسبتها 39% عام 2014م، إلا أن الملاحظ تراجع هذه الأهمية منذ منتصف التسعينات عندما وصلت إلى 66%، ويرتبط ذلك بالزيارة المستمرة في استهلاك الغاز الطبيعي والطاقة النووية التي أدت إلى تخفيض استخدام النفط في قطاع الطاقة والقطاع الصناعي بكوريا الجنوبية.

وتسعى كوريا الجنوبية نحو تحقيق التوازن والمزيج الأمثل في مصادر الطاقة والوقود لمقابلة الاستهلاك المتزايد، حيث سعت نحو تقليل توليد الطاقة النووية، مع تزايد الأخطار المتولدة عنها، ومقابلة بعض وارداتها من الوقود الحجري fossil fuel (الأحفوري)، وكجزء من هذه الجهود تشجع الحكومة تطوير إدارة جانب الطلب واتباع أساليب كفاء من استخدام الطاقة، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة.

وتعتمد كوريا بشكل كبير على الشرق الأوسط في توفير إمداداتها من النفط الخام، بما يشكل نحو 84% من إجمالي وارداتها من النفط الخام، وقد استوردت كوريا نحو 2.5 مليون ب/ي من النفط الخام ومشتقاته عام 2014م، مما جعلها أكبر خامس مستورد للنفط في العالم.

وتمثل المملكة العربية السعودية أكبر مورد للنفط الخام إلى كوريا، بمعدل يصل إلى ثلث وارداتها، تليها الكويت بنسبة 16%، لكن رفع الحظر عن صادرات النفط من إيران يزيد من فرص عودة إيران كواحدة من كبرى الدول المصدرة للنفط الخام ومشتقاته إلى كوريا الجنوبية.

الوضع الاقتصادي في كوريا الجنوبية

تعد كوريا الجنوبية واحدة من الدول المتقدمة في الوقت الحالي، وتعتمد في تمويل وارداتها من الوقود وتلبية استهلاك الطاقة، والنمو الاقتصادي، على قدرات تصديرية عالية من الإليكترونيات، وأشباه المواصلات Semiconductors، كما أنها تأتي في صدارة دول العالم من حيث تصنيع السفن.

وكغيرها من الدول المتقدمة حاليًا، تحقق كوريا معدلات نمو اقتصادي معتدلة، حيث حققت معدل نمو بلغ 3.3% عام 2014م، ولكنه آخذ في الاتجاه الصعودي بعد أزمة 2008، 2009م، لكنها أعطت مثالًا للدول النامية في سبيلها لتحقيق التنمية الاقتصادية في السبعينات والثمانينات، حيث سجلت معدلات نمو اقتصادي قياسية في ذلك الوقت بلغت 10% في المتوسط.

وتمتاز صناعة تكرير البترول في كوريا بوجود 6 معامل تكرير، 5 منها كبيرة الحجم، وواحد صغير الحجم، وترتبط جميعها بمجمعات للصناعات البتروكيماوية، وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمعامل الخمسة الكبيرة 550kbd، ونظرًا لعدم توفر أي مصدر للبترول الخام محليًا، فإن كوريا تعتمد بنسبة 100% على استيراد الزيت الخام من الخارج، يأتي معظمها من الشرق الأوسط.

وفي فبراير 2012م، قام أحد معامل تكرير النفط، وهو معمل S- Oil refinly  والذي تبلغ طاقته الانتاجية 669 kbd في أونسان Onsan، بتوقيع اتفاقية مع شركة أرامكو السعودية، لتزويده بالبترول، وبناء عليه ستقوم أرامكو بتوريد 100% من احتياجات العمل من البترول الخام لمدة 20 عامًا ، وقد أصبحت أرامكو شريكة في ملكية المعمل منذ 1991م.

University of Calgary: the school of public policy.SPP Research paper. Volume 6. Issue 8 fab 2013.

 

الدروس المستفادة من التجربة الكورية

تمثل التجربة الكورية الجنوبية في التنمية، نموذجًا لكيفية التحول من بلد فقير في الموارد والدخل، إلى بلد متقدم، وقد تميزت التجربة الكورية الجنوبية بعدد من الخصائص يمكن الاستفادة منها في تحقيق عملية التحول في الاقتصادات الخليجية، من اقتصادات تعتمد على النفط، إلى اقتصادات صناعية متقدمة، واقتصاد معرفي حديث، ويمكن إجمالها فيما يلي:

 أهمية الدور الحكومي في قيادة التنمية

تؤكد التجربة الكورية في تحقيق إنجازات تنموية مشهودة على أهمية وجود دور بارز للحكومة في إدارة الاقتصاد الوطني، وقيادة عملية التنمية وتوجيهها ومتابعة نتائجها والتحفيز عليها، وذلك من خلال وضع الخطط التنموية الملزمة، والسياسات الاقتصادية المناسبة، بشكل براجمتيك، ومرحلي، واعتمدت في تنفيذها وإقامة المشروعات اللازمة لتحقيق أهدافها على الأفراد والقطاع الخاص، حيث عمدت في الوقت نفسه إلى تحفيز الأفراد والقطاع الخاص والمنشآت على العمل والإنتاج وتشجيع المبادرات، ودعمها بالتمويل والإجراءات الميسرة، والموارد البشرية المدربة عالية الإنتاجية.

والحقيقة أنه لم يكن بوسع التجربة الكورية مثلها مثل التجربة اليابانية أن تطبق مبدأ" دعه يعمل دعه يمر" وإطلاق الحرية الاقتصادية للأفراد والمنشآت في تلك المرحلة، فالاقتصاد بدائي، والخبرات الفردية المتراكمة محدودة، ويفتقر الاقتصاد لطبقة مؤهلة من رواد العمال، أو حتى التجار الرأسماليين، الأمر الذي تطلب أن تسعى الحكومة إلى خلق طبقة جديدة من الرأسماليين ورواد الأعمال ودعمهم.

وطالما أنك تدعم المبادرات الفردية سواء من الأفراد أو المنشآت، فإنه يلزم في المقابل أن تضع لها السياسات التي تدعمهم، وتوجههم في نفس الوقت، وهو على عكس ما كان عليه الحال في التجارب الغربية الرأسمالية، مع بدايات الثورة الصناعية، حيث توفرت طبقة واعية من رجال الأعمال والرأسماليين، القادرين على قيادة الأعمال وتطبيق الاكتشافات، وتنفيذ المشروعات في ضوء خبرات متراكمة ومكتسبة، خلال مراحل التطور الاقتصادي الطويل بدءًا من حقبة التجاريين، وحتى الثورة الصناعية الأولى في بريطانيا في القرن الثامن عشر، حيث كان التجاريون يمدون الصناعات المنزلية البدائية، قبل عملية الميكنة، بالمواد الخام والمعدات، ويتحصلون على المنتجات النهائية لتسويقها.

وهكذا فإنه على عكس نجاح الرأسمالية في الغرب، في التحول الصناعي وبداية النهضة الصناعية، والتقدم الاقتصادي، الذي ارتكز على الاكتشافات الصناعية والميكنة، والطبقة الرأسمالية الجديدة،  كان نجاح التنمية في اليابان وكوريا الجنوبية، وغيرها من دول شرق آسيا، قائمًا على وجود حكومات قوية، وسياسات مرنة، وخطط  ملزمة، وأهداف محددة، مع وجود تعاون قوي بين الحكومة، وطبقة رجال الأعمال الناشئة، ويكفي أن نشير في هذا الصدد إلى كيفية التحول السلس في استراتيجية التصنيع الكورية، التي بدأت بسياسة الإحلال محل الواردات، وانتهت إلى سياسة  التصنيع بغرض التصدير، أو التصنيع المتوجه للخارج، والذي قاد النهضة الصناعية في كوريا في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين.

وتمثل هذه النقطة أحد الدروس المستفادة في تجربة التنمية الكورية، حيث لا يجب أن تأخذ السياسات الحمائية المقدمة للصناعات المحلية وقتًا طويلًا، كما يجب ربطها بإنجازات وأهداف تنموية وتصديرية محددة، والعمل على رفع الإنتاجية وزيادة القدرة التنافسية للصناعات المحلية، مع الزمن.

ومن ثم تحولت استراتيجية التنمية، من سياسات جمركية حمائية، إلى سياسات داعمة للتصدير، من خلال رفع الانتاجية والسعي لاكتساب ميزات تنافسية في الأسواق العالمية، ومن خلال الرقابة على الائتمان، بل واستخدام وسائل رقابية غير رسمية بما فيها الإقناع، فضلًا عن سياسات مالية ونقدية مواتية.

ويعد نجاح تجربة قيادة الدولة لعملية التنمية في بداياتها الأولى درسًا فريدًا في تجارب التنمية الحديثة، حيث جمعت بين حكم عسكري، وحكومة متدخلة في النشاط الاقتصادي، وبين بناء اقتصاد قوي  يقوم على أكتاف الأفراد والمنشآت، حيث حرية  العمل والإنتاج محكومة بأهداف تنموية، ورفع الانتاجية مدعومة بنظام تعليمي  حكومي حديث، استطاع أن يزود القطاع الخاص بعمالة متعلمة ماهرة، قادرة على العمل واكتساب المهارات بالتدريب والعمل، وعالية الانتاجية، الأمر الذي ساعد على ارتفاع القدرة التنافسية، خاصة في ضوء سياسات حمائية ذات توقيتات محددة سلفًا، بعدها يفتح الباب للاستيراد، مما حتم دعم القدرات التنافسية والتصديرية للصناعات المحلية، وجعل الشركات تسعى جاهدة من خلال البحث والتطوير إلى التميز، وخفض التكاليف، واكتساب ميزات تنافسية جديدة.

ويمكن القول إن التجربة الكورية الجنوبية أخذت موقعًا وسطًا بين الديمقراطيات الغربية وديكتاتورية الحزب الاشتراكي الحاكم في أوربا الشرقية، الأمر الذي يمكن معه القول إن النشاط الاقتصادي لم يكن يدار باليد الخفية التي نادى بها أدم سميت وحكمت المذهب الفردي لقرون، بل حلت محلها، يد ظاهرة، ليست باطشة لكنها قوية، تمثلت في يد الدولة، من خلال حكومة سلطوية، وخطط تنموية، وأهداف محددة، تدعمها سياسات وإجراءات داعمة ومساندة ومشجعة للمبادرات الفردية والحرية في العمل والانتاج.

واستطاعت الحكومة تحقيق هذا المزج بين حكومة موجِهة، وقطاع خاص حر، من خلال تأسيس مجالس مشاركة شعبية قادها معهد التنمية الكوري، الذي قاد عملية التنسيق بين طموحات الحكومة من ناحية، وحرية الأفراد والمنشآت من ناحية أخرى، وذلك من خلال تنظيم ملتقيات عامة جمعت بين الحكومة وبين تنظيمات الأعمال، بل والأفراد، والأحزاب السياسية المعارضة قبل المؤيدة، واستعانت بالخبرات الخاصة والجمعيات الأهلية، وسعت جميعها للوصول إلى توافقات بشأن الأهداف التنموية، وسبل الوصول إليها، وتحديد أدوار الأطراف المختلفة من حكومة، وأفراد ومنشآت ومنظمات غير حكومية، وجامعات ومراكز البحوث التنموية.

أهمية الشركات العائلية

ومن أجل تفعيل التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، وتحقيق المشاركة الفعلية في عملية التنمية، تم البناء على الشركات العائلية الموجودة، التي تشكل مجموعة من شركات الأعمال المتنوعة تحت سيطرة الشركة الأم، ولكن في نطاق عائلي، حيث قدمت الحكومة الدعم اللازم لتطوير وتحديث هذه الشركات في مجالات عملها المختلفة، بحيث شكلت تكتلات صناعية عرفت باسم chaebol، باعتبارها مجموعة أعمال مملوكة لعائلة معينة.

وتمثل الدعم الحكومي في صورة تسهيلات ائتمانية قدمتها البنوك بضمان من الحكومة وبأسعار فائدة مدعومة، فضلا عن سبل الدعم غير المباشرة، وذلك في مقابل الالتزام بتحقيق الأهداف التنموية الواردة في خطة التنمية والالتزام بالتوجه التصديري للمنتجات الصناعية.

وقد ساعد هذا التوجه في دعم نجاحات خطة التنمية، وتحقيق أهدافها فضلًا عما أفرزه من خبرات في مجال ممارسات الأعمال، وتكوين طبقة من رواد الأعمال قادوا النهضة الصناعية فيما بعد.

الانفتاح على العالم الخارجي والتعاون الدولي

 تميزت التجربة الكورية، بالانفتاح على العالم الخارجي والتعاون الدولي، خاصة مع الولايات المتحدة واليابان، حيث تدفقت رؤوس الأموال الأمريكية في المراحل الأولى للتنمية (1962 – 1968م)، وساهمت بنسبة كبيرة وصلت إلى أكثر من 80% من رؤوس الأموال المستثمرة في الاقتصاد الكوري خلال تلك الفترة.

ولم تقتصر سياسة الانفتاح على تدفق رؤوس الأموال بل تعدتها إلى التجارة الخارجية، ولعبت الولايات المتحدة نفس الدور، حيث مثلت وجهة التصدير الأولى للمنتجات الكورية خلال الفترة 1965 – 1975م.

 وفي الفترات التالية وحتى منتصف السبعينات احتلت اليابان مكان الصادرة بدلًا من الولايات المتحدة من حيث تدفق رؤوس الأموال الأجنبية حيث ارتفعت المساهمة اليابانية في توفير احتياجات التنمية من رؤوس الأموال إلى 62% خلال الفترة 1969 – 1974م.  

وترجع جذور التعاون الياباني الكوري إلى الدور الايجابي للاستعمار الياباني لكوريا (1910-1945م). وتهيئة الاقتصاد الكوري للتحول من اقتصاد زراعي إقطاعي إلى اقتصاد صناعي، وذلك من خلال الاهتمام بإقامة عناصر البنية التحتية كالطرق ووسائل النقل والموانئ ومحطات توليد الطاقة، إضافة إلى بدايات النهضة في مجال التعليم الأكاديمي والمهني. ولم يكتف الاستعمار الياباني بوضع هذه الأسس، بل امتدت أنشطته إلى إقامة أسس التصنيع الحديث، حيث تم إقامة صناعات ثقيلة كالحديد والصلب، كأساس لعملية التصنيع الحديثة إضافة كصناعة الكيماوية.

وتتمثل أهم إسهامات اليابان في تحديث الاقتصاد الكوري في تنمية الموارد البشرية ليس فقط من خلال التعليم والتدريب وتوفير الرعاية الصحية، ولكن أيضًا عن طريق الاهتمام بخلق طبقة من رواد الأعمال الذين قادوا عملية النمو من خلال مشاريع جديدة.

وساعدت تنمية الموارد البشرية ودعم إقامة الصناعات الثقيلة على توطين التقنية وتسريع عمليات الاستيعاب، وعمدت الاستثمارات الأجنبية اليابانية تأكيد سياسة التوجه للخارج وتصدير المنتجات بما دعم القدرات التنافسية للصناعات الكورية.

أهمية التطور التقني (البحث والتطوير) في نجاح خطط التنمية

نأتي للدرس الخامس ويتعلق بالاقتصادي القائم على المعرفة، حيث أصبحت المعرفة (العلوم والتقنية) المدخل الرئيسي في منظومة الإنتاج في العصر الحديث، بعد أن تطورت الصناعات والمنتجات مع التطور الحضاري والنقلة النوعية في حياتنا التي صارت فيها المعرفة والمعلومات والاتصالات ومن ثم الصناعات الحديثة، هي محور الحياة العصرية (عصر المعلومات).

ومع الإدراك المبكر لأهمية المعرفة والتقنية، اهتمت الحكومة الكورية بالبحث والتطور Research Development   R&D وحتى تكون النتائج في صالح عملية التصنيع ثم إنشاء معاهد بحوث متخصصة، تعتمد في الجانب الأكبر من مصادر التمويل على القطاع الخاص نفسه، بما يتيح للشركات الكبرى أن تشرف على أعمال البحث والتطوير اللازمة لتطوير صناعتها، بل وتشارك في تنفيذها قبل الاستفادة من نتائجها وجني ثمارها.

وكان من أبرز نتائج تلك البحوث مجموعة من التقنيات التي شملت الإنسان الذكي، والشاشات الرقمية، واشباه المواصلات (الشرائح وشرائح الناتو) والأدوات المنزلية الحديثة / الذكية، وبطاريات الجيل القادم، والشرائح الحيوية والأعضاء الصناعية.

وهكذا يشارك القطاع الخاص والصناعات المختلفة في تمويل وإدارة مراكز البحث والتطوير التي تتيحها الحكومة، أو التي تنتشر في الجامعات الحكومية والأهلية، وتدعم عملية البحوث بل وتشارك في وضع قائمة البحوث، وفي إجراء التجاب المعملية، من خلال مشاركة المهندسين والفنيين التابعين لها في الفرق البحثية.

وهنا يبرز دور الجامعات والمراكز البحثية، في إقامة بيئة معرفية منتجة، وتطوير الأعمال والاستثمار، ودعم الابتكار والإبداع، وتحويل الجوانب العلمية والمعرفية الإبداعية إلى منتجات وخدمات عالية التقنية؛ تدعم القدرات التنافسية لقطاعات الأعمال، وتسهم في بناء الاقتصادات الوطنية القائمة على المعرفة؛ وبالتالي يمكن القول أن هناك مهمتين أساسيتين للجامعات والمراكز البحثية،، الأولى تتمثل في تحفيز القدرات الإبداعية والابتكارية لدي  الباحثين والطلاب والخريجين، والمهمة الثانية نقل الابتكارات والتقنية إلى قطاعات الأعمال، عبر مؤسسات وسيطة، وإقامة مشروعات عالية التقنية ، ومن ثم المساهمة في بناء اقتصاد قائم على المعرفة.

وقد أدركت دول الخليج العربية منذ فترة طويلة مدى الحاجة إلى نموذج جديد للتنمية الاقتصادية، ليس فقط من منطلق تنويع هيكل الاقتصاد الوطني، والبحث عن مصادر جديدة للدخل، وإنما إدراكًا لما حدث في العالم من تحولات في بيئة الاقتصاد العالمي، حيث أصبح النمو الاقتصادي مرهونًا بالتقدم التقني والابتكارات، وأصبح الاقتصاد المعرفي ركيزة نظام الاقتصاد العالمي.

          وحيث تسعى دول الخليج نحو التحول من اقتصادات مرتكزة على النفط إلى اقتصادات قائمة على المعرفة، لخلق فرص تشغيل عالية الإنتاجية والأجر، واستيعاب الداخلين الجدد من الشباب، والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، فإنها تحتاج إلى استراتيجية عملية للاقتصاد المعرفي، وتحديث القطاعات ذات العلاقة خاصة التعليم الجامعي، وقطاعات الأعمال من أجل تحقق ذلك النمو، والتغلب على التحديات والأخطار التي تتعلق بالمنشآت غير القادرة على التكيف مع تلك التطورات السريعة، والتغيرات في بيئة الأعمال.

ويقتضي التحول نحو المجتمع المعرفي، نشر ثقافة الاقتصاد القائم على المعرفة وتمكين الموارد البشرية منها، ونشر الوعي ببرامج بناء مجتمع المعرفة وآلياته، من خلال الوسائل الاعلامية وورش العمل، واستثمار نتائج البحوث العلمية في معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية ,وتحويل المعرفة إلى ثروة، وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في إنتاج سلع وخدمات ذات محتوى معرفي.

ويتطلب ذلك بناء الثقة، ودعم القدرات، والتضامن الاجتماعي حول برامج اقتصاد المعرفة، والحاجة إلى ضرورة العمل على مختلف محاور الاقتصاد المعرفي، والحاجة إلى التواصل الجيد مع مختلف الشركاء من الجامعات والأعمال والحكومة، حول رؤية الاقتصاد المعرفي، وسبل تحقيقه.

مجلة آراء حول الخليج