; logged out
الرئيسية / مجلس التعاون الخليجي 2016 : المسيرة والمأمول طموحات أبناء دول مجلس التعاون أكبر مما تحقق

العدد 114

مجلس التعاون الخليجي 2016 : المسيرة والمأمول طموحات أبناء دول مجلس التعاون أكبر مما تحقق

الإثنين، 05 كانون1/ديسمبر 2016

أي متابع لأعمال مجلس التعاون (1981 -2016 م) سوف يلحظ مجموعة من الظواهر، أولها أن هناك كثافة في الكتابة حوله خاصة في الشهر الأخير من كل عام، أما الظاهرة الثانية فهي أن كم من الكتابات قد ظهرت في الخمسة والثلاثين عامًا الماضية جلها تنحو إلى أمل واحد هو تطوير هذا المجلس سياسيًا وتطوير الأمانة العامة من سكرتارية كما هي عليه في الواقع إلى مفوضية لها قدرة على الاقتراح وتقديم الأفكار للمجلس الأعلى من القادة، نظرًا لقربها من أهل الفكر وأيضًا الشارع الخليجي. إلا أن تلك الكتابات والاقتراحات لم تر النور، وعجر الكثيرون عن إيصال فكرة أن المنطقة تتغير والشعوب تتغير في رؤاها ومطالبها، كما أن التهديدات للخليج (ككل) تتعاظم! لقد انتقل إلى رحمة الله تعالى خمسة من المؤسسين [1] الكبار الذين اجتمعوا في 25 مايو عام 1981م، في أبوظبي ليعلنوا للعالم ولادة هذا الكيان السياسي، إلا أن ( المرحلة الاحتفالية) طالت أكثر من اللازم، وكل عام تعاد هذه الاحتفالية في ديسمبر ( الشهر الذي استقر فيه على أن يكون هو موعد انعقاد القمة الخليجية) وفي كل عام ينتظر الجمهور العام في دول الخليج أن تخطو نتائج القمم الخطوة المبتغاة، وهي تطوير هذه المنظومة من أجل أن تساير التحديات الشاخصة، و بالفعل قدم بعض القادة أفكارًا مهمة و متسقة مع الشعور الشعبي، مثل مبادرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ  لتطوير هيكلية المجلس إلى وحدة مرنة، بعد أن هبت رياح التغيير في مشرق العرب ومغربهم[2]، إلا أن تلك المبادرة ربما قُتلت في اللجان وفروع اللجان، وقد تبخرت أيضًا الكثير من المبادرات الايجابية بسبب أن البعض لم يكن يرغب في تطوير تلك المنظومة، قلقًا من احتمالات يراها سواء كانت حقيقية أو متخيلة .

الحقيقة  المؤكدة أن نظرية ( الكل أكبر من مجموع الأجزاء) حتى الآن لم ترسخ في ذهن بعض متخذي القرار في دول الخليج، وإن أصبحت راسخة في ذهن البعض، إلا أن التحديات التي تواجهها المنطقة قد تقود الجميع إلى مكان صعب في المستقبل، والردع السياسي الحقيقي هو الذهاب إلى وحدة مرنة تنسق بين وحدات مجلس التعاون من خلال (تجميع الموارد واستثمارها بشكل أفضل) تلك الموارد هي المادية والمعنوية والبشرية و الجغرافية، في وقت يظهر للجميع التحدي القائم على ثلاث معطيات واضحة الأولى، تناقص الدخل من النفط، الذي تعتمد عليه دول الخليج اعتمادًا شبه كلي في تمويل ميزانياتها، والثاني أطماع الدولة الإيرانية التي وضح أن تلك الأطماع في صلب استراتيجية تلك الدولة[3]أما الثالثة،  فهي انحسار للقوى الدولية التقليدية، التي كانت بعض دول الخليج تركن إلى وعودها في الحماية الخارجية، في المقابل تؤثر الحروب المشتعلة سلبًا على الوضع في دول الخليج، سواء كانت في العراق أو سوريا وإلى اليمن، قد ظهر مجلس التعاون في البداية( عام 1981م) من أجل  اتقاء تداعيات  حرب واحدة، هي الحرب العراقية/ الإيرانية، وحري  به اليوم  أن يطور من آلياته ونظمه وحتى فلسفته، اتقاءً لتأثير ثلاثة حروب  شعواء مشتعلة حوله، تنفذ تداعياتها في الجسم الخليجي السياسي و الاجتماعي و الايديولجي .

المسيرة:

مجلس التعاون يمثل تلاقي إرادة ست دول في مرحلة حرجة من تطورها الاقتصادي والسياسي، في أوائل ثمانيات القرن العشرين، وقد سار في الستة والثلاثين عامًا الماضية مسيرة طويلة في عدد من المجالات الحيوية السياسية والاقتصادية والتنموية، بعضها بنجاح كبير وبعضها بنجاح نسبي.

التعاون السياسي:

لعل أبرز نجاحات المجلس هو في مجال التعاون السياسي وتنسيق السياسات، خاصة في أوقات الأزمات المفصلية أو في القضايا التي تهم مصالح الدول الخليجة أو العربية، ولعل أول تلك النجاحات الموقف الصلب الذي وقفته المنظومة بعد احتلال العراق للكويت ( 1990م) وكانت مرحلة صعبة لم تتردد دول الخليج في شجب ذلك الاحتلال و العمل النشط على  دحضه بكل الطرق الممكنة،كما وجد أبناء الكويت في تلك المرحلة الحرجة ملاذًا آمنًا وحضنًا دافئًا يقلل من مخاطر شتاتهم وتفرق كلمتهم، حتى عودتهم إلى بلدهم بعد تحريره بسبب تكاتف المنظومة إقليميًا و عالميًا . كما يقف مجلس التعاون مع حق استرداد دولة الإمارات العربية المتحدة سيادتها على الجزر المحتلة من قبل إيران منذ عام 1970م، وفي كل إعلاناته المتكررة لا يفتأ أن يكرر تلك المطالبة ويطالب إيران بقبول التحكيم الدولي في هذا الملف. كما يقف المجلس في الشأن السياسي لأي خطر تتعرض له أي من دوله، كما حدث جراء  أحداث البحرين عام 2011م، عندما أرسلت المملكة العربية السعودية و دولة الإمارات قوات مساندة لحماية المنشآت الحيوية في البحرين من التخريب [4] كما وقفت دول مجلس التعاون بقوة مع العراق بعد سقوط النظام السابق ،من أجل تأهيل العراق و عودته إلى الجامعة العربية ومساعدته دبلوماسيًا[5]  على المستوى العالمي، كما ساهم مجلس التعاون في محاولة ( إطفاء الحرائق) التي نشبت فيما بعد ما عرف بثورات ( الربيع العربي) سواء في سوريا أو ليبيا وفي اليمن، وكان لمبادرة مجلس التعاون حول اليمن أهمية بالغة في الوصول إلى حلول سياسية، إلا أنها تعثرت كما حدث بعد ذلك[6]. كما أجرى مجلس التعاون مجتمعًا في الإطار السياسي (حوارات استراتيجية) مع دول ومنظمات إقليمية عديدة من أجل التنسيق فيما بين دوله وتلك المنظمات والدول من أجل تحقيق المصالح المشتركة لدول الخليج.

على الصعيد الاقتصادي:

عددًا من النجاحات حققها المجلس على الصعيد الاقتصادي، إلا أن اللافت أن تلك النجاحات، التي لم يشك الخبراء في أهميتها، أخذت وقتًا طويلًا للتبلور والتفعيل، وارجئ تطبيق ما اتفق عليه، في بعضها، عامًا بعد عام، ولما طبق بعضها وجد الجميع أن نتائجها مبهرة، المثال الأوضح هو (الاتحاد الجمركي) الذي نقل التبادل التجاري بين دول المجلس من خانة الملايين من الدولارات إلى خانة البلايين! كما نجح المجلس في شبكة الربط الكهربائي، ووضع خطط للربط المائي وإقامة منطقة حرة لدول المجلس، وتحقيق جزء غير يسير في الوصول إلى (المواطنة الاقتصادية)، إلا أن الاتحاد النقدي، رغم الحديث عنه مبكرًا لا زال ينتظر الإنجاز، على ما يحمل من اهمية قصوى للاقتصاد في دول الخليج. لا زال الحديث عن (تقريب وتوحيد) البيئة التشريعية والبيئة الإدارية مطلب تجد الإشارة إليه في معظم وثائق المجلس، وكذلك الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى، التي أتفق عليها منذ عام 1998م، من أجل التخفيف تدريجيًا من الاعتماد على الدخل النفطي، فإنها لا زالت متعثرة تنتظر العودة إليها وتفعيلها، على الرغم أنه بعد سنوات من ذلك العام (أي في العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين وما تبعها)، تبنت الدول الخليجية كل على حدة خطط استراتيجية من أجل ايجاد مصادر بديلة عن الدخل النفطي![7] وهناك إنجاز لا يستهان به في العديد من القطاعات الاقتصادية التنموية الانتاجية والقانونية، وأصبحت به دول الخليج أكثر قربًا إلى (التماسك الاقتصادي) مع وجود بعض المعوقات التي تواجه بعض الملفات.

على الصعيد العسكري والأمني:

لعل هذا القطاع هو الذي شهد الإنجازات الأكثر وضوحًا و الأكثر أهمية، فاتفاقية الدفاع المشترك طُورت منذ عام 2000م، ووضعت اتفاقية أكثر تفصيلا في عام 2009م،  التي نصت على ( تعزيز  التكامل و الترابط العسكري وتطوير إمكانيات الدفاع عن سيادة واستقرار دول المجلس) ، كما نشأت مبكرًا (قوات درع الجزيرة العربية) التي قامت بعدد من المهامات المشتركة،وقد تقرر في عام 2013 م، إنشاء القيادة العسكرية الموحدة، وكذلك إنشاء الاكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية، ومقرها أبوظبي[8] ، كما حظي تأمين الاتصالات العسكرية بالسرية و الاهتمام بالتطور في الرقمنة في الاتصالات وضمان سريتها. في مجالات التمارين المشتركة والخدمات الطبية وإدارة الموا رد البشرية، تم بالفعل التنسيق على مستوى مرضي في كل تلك المجالات. أما على الصعيد الأمني فإن الأساس هو الاتفاقية الأمنية (التي وقعت من بعض الدول ولم توقع من دول أخرى بعد) إلا أن المجالات الأمنية الأخرى شهدت تقدمًا كمثل محاربة الإرهاب، ومكافحة المخدرات، والسماح بالتنقل بالبطاقة المدنية للمواطنين، والتعاون في مواجة المخاطر النووية والدفاع المدني. وعلى نطاق المرور تم تسهيل نقل ملكية المركبات، ورخص القيادة والتوعية المرورية[9] والتعليم والتدريب الأمني والإعلام الأمني، والأمن الصناعي وحماية المنشآت العامة.

على الصعيد العلمي والتقني والفني:

على هذا الصعيد هناك العديد من المجالات التي تم التنسق حولها بين دول مجلس التعاون، معظمها في نطاق الدراسات والبحوث، وقليل منها قد رأى النور بعد، ليس هناك أهم من التعاون على الصعيد العلمي، حيث أن العالم يدخل مرحلة جديدة من (اقتصاد المعرفة) والاعتماد في الحياة الاقتصادية على العلم وتطويره، مدخلاً لتنوع اقتصادي يجعل من التنمية في الخليج أمرًا مستدامًا.

                                                             المأمول من المجلس

بالاطلاع على الوثائق الصادرة من الأمانة العامة لمجلس التعاون في السنوات السباقة، لا يجد المتابع إلا الاعتراف بقيمة الخطوات التي اتخذت حتى الآن، إلا أنه من المناسب القول أن طموحات أبناء دول مجلس التعاون أكبر مما حقق، فلم تجد (توحيد المواطنة) القانونية أي بحث جدي، فلازال مواطن دولة خليجية ويعمل في دولة أخرى يواجه بأنه يعامل في الكثير من المجالات على أنه (وافد من الخارج)! صحيح أن الانتقال البيني للأفراد أصبح ميسرًا، إلا أن المساواة في المعاملة القانونية لازالت متعثرة، فمثل الرواتب والامتيازات وفي بعض الأوقات حتى في العلاج، كلها لازالت تواجه عقبات وتحتاج إلى جهود لتذليلها، مما يُصعب انسياب رأس المال البشري، وهو الأهم في إقامة الترابط وتحقيق الأهداف المنشودة. كما يعاني المجلس من نقص كبير في وضع الأولويات المراد تحقيقها، فهو في المجالات الثانوية قد حقق الكثير من التقدم، إلا أنه في المجالات الاستراتيجية الهامة لا زال مترددًا  في اتخاذ الخطوات المطلوبة والعاجلة، كمثال وحدة العملة ( بنك مركزي خليجي واحد) فعملة واحدة تقلل من مخاطر التقلب في أسعار العملات خاصة في مرحلة  تواجه دول الخليج فيها  انحسار في أسعار النفط، كما أن التذبذب في أسعار العملات بين دول الخليج يفتح الباب أمام المضاربة، مما يؤثر في الاقتصاد المحلي بشكل سلبي، عدا أن قدرة وقوة( التفاوض) مع الاقتصاديات الأخرى تتعاظم في حال وجود التكتل الاقتصادي بين دول المنظومة وعملة واحدة له .

التحديات التي تواجه دول المجلس اليوم لم تعد خفية، وهي تحديات يحتاج مواجهتها إلى عمل جماعي منسق ووثيق الصلة بالحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، فليس خافيًا طموحات النظام الإيراني، وهي طموحات مؤطرة بإطار ايديولوجي، هدفه تكريس عوامل الاستقطاب السياسي في النسيج الاجتماعي  لعدد من دول الخليج وإذكاء التعصب المذهبي بين مواطنيها، تمهيدا لتحقيق استراتيجية( أم القرى) لتوسيع مصالح إيران تحت شعار  (الثورة عابرة الحدود)[10]  وبالتالي فإن قضية ( التماسك الوطني) و السيادة الوطنية بمنظورها الاجتماعي والسياسي،هي من أولويات ما يجب الاهتمام به على الصعيد الإقليمي الخليجي، لأن أي خلل في هذا الملف يعني تسهيل ( الاختراق ) وتعريض الأمن الوطني الخليجي للخطر الداهم .لذلك يجب التفكير جديًا وجماعيًا على إنهاء الصراع مع إيران وليس فقط الاكتفاء بادارته، من خلال وضع خطة جماعية و حشد دبلوماسي و تكوين الاتحاد . 

من جانب آخر فإن الانحسار للقوى الدولية وصرف اهتمامها لأمور عاجلة تخصها ،تعني انكشاف  دولي من جانب الحلفاء السابقين، وهم حلفاء تتغير مصالحهم كما هو واضح من سير الأحداث الجارية ، وعلى دول الخليج أن تفكر جديًا بسياسة ( قلع اشواكنا بأيدينا) لا انتظار الغير ، انحسار الدخل النفطي سوف يرتب  عليه التزامات على الدولة وعلى المواطن الخليجي، وليس سرًا أن عددًا من دول الخليج اليوم لجأت إلى الاستدانة لتعضيد المطالب الملحة في ميزانياتها،وهو أمر بالضرورة يقود إلى النظر في مشاركة المواطن في اتخاذ القرار من جهة، والنظر في كفاءة جهاز الدولة من جهة أخرى، الذي يعاني في الغالب  من كثير من الأمراض والترهل .

من أكثر ما يقلق المتابع لمسيرة مجلس التعاون وقراءة الأدبيات الصادرة عن الأمانة العامة هي ظاهرة (استهلاك الوقت) لقد وجد الكاتب في محاولته قراءة تلك الأدبيات، أن هناك وقت مستهلك كبير بين اتخاذ قرار ما وتنفيذه، وهي عملية محبطة للبعض ودالة على أن الثمن النسبي للقوت غير واضح للبعض وأن المتابعة من خلال المؤسسات هي إما ضعيفة أو معدومة، كما أن الطريقة التي تتخذ بها القرارات (المكتوبة) لا تجد لها مساقات زمنية للتنفيذ، كوضع سقف زمني لا تتخطاه عمليات التنفيذ بأي شكل من الأشكال. وربما أن ظاهرة (استهلاك الوقت) هي ظاهرة ثقافية بسبب طبيعة العلاقة بين القادة، التي تتسم بالحساسية و المجاملة وبالتالي ينتقل بطء التنفيذ إلى الجمهور العام، ويترك انطباعًا عامًا على أن عمل المجلس هو من أعمال السياسة بطيئة الخطى على أقل تقدير.

 

[1] الملك فهد بن عبد العزيز، و الشيخ زايد بن سلطان و الشيخ  جابر الاحمد، والسيخ عيسى بن سلمان و السيخ خليفة بن حمد رحمهم الله جميعا واطال الله في عمر السادس السلطان قابوس ين سعيد

[2] قدمت المبادرة في شهر ديسمبر عام 2012

[3] لا بد من التفريق الواضح و الجلي بين اطماع الدولة الايرانية وبين المذهب الشيعي ،وهو مذهب اسلامي معترف به، الا ان الدولة الايرانية القومية تغلف اطمعها في الجوار بذلك الغلاف الذي لا ينطلي على المطلعين.

[4] انظر كتاب ( المسيرة والانجاز) كتاب تذكار نشرته الامانة العام لمجلس التعاون – الرياض 2115  ص 17

[5] انظر مقال بهذا الخصوص للكاتب ( الحزب ليس الدولة في العراق ) جريدة الشرق الاوسط 17 سبتمبر 2016

[6] مباردة الخليج في اليمن هي الاكثر وضوحا للتعامل الخليجي الموحد مع بعض مظاهر الاضطراب في الجوار .

[7] انظر الدراسة التفصيلية للكاتب في هذا الموضوع التي قدمت في ندوة التخطيط للتنمية في الدوحة، اكتوبر 2016 (نظم الندوة مجلس التعاون بالاشتراك مع وزارة التخطيط القطرية)

[8] حتى الان لم يجري تفعيلها !

[9] تحتفل دول الخليج في نفس الوقت منذ زمن بأسبوع المرور الموحد

[10] استراتيجية ام القرى، صدرت في كتاب تشرح نظرية   الثورة الايرانية، المؤلف محمد جواد لارجاني ، ترجمه الى العربية نبيل علي العتوم  ، مركز العصر للدراسات الاستراتيجية، مكة المكرمة 2013 

مجلة آراء حول الخليج