; logged out
الرئيسية / قفز فوق الحدود والقوميات واللغات .. وأسقط هيبة الإعلام التقليدي الإعلام الجديد صنع ثورات الربيع العربي..؟؟

العدد 117

قفز فوق الحدود والقوميات واللغات .. وأسقط هيبة الإعلام التقليدي الإعلام الجديد صنع ثورات الربيع العربي..؟؟

الأحد، 05 آذار/مارس 2017

لقد لعب الإعلام الجديد دورًا محوريًا في أحداث ما يسمى بثورات الربيع العربي، بل قاد الجماهير وحشدها للتظاهر في هذه البلاد تحت شعارات براقة، وأمنيات كبيرة، ولذلك تدافع أبناء الشعوب خلف ما طرحه الإعلام الجديد من سلبيات الأنظمة القائمة آنذاك وحث على الاحتشاد من أجل تحقيق حياة أفضل، وعليه سوف تحلل هذه الدراسة دور الإعلام الجديد في هذه الأحداث، واجترار مواقف هذا الإعلام وتأثيره حتى وإن تباعدت الفترة الزمنية عن هذه الأحداث، لكي تكون وسيلة للتحليل والرصد والاستفادة وعدم تكرر الأخطاء حفاظًا على استقرار الشعوب وأمنها ومكتسباتها. 

 ودور الإعلام بصفة عامة له أهمية كأداة سياسية وأيدلوجية للتغيير والترويج لسياسات الدول عامة والثورات خاصة ليست جديدة، بل بدأت منذ القدم عندما فطن الزعيم النازي أودلف هتلر إلى أهمية الإعلام في الترويج لأفكاره ونشر النازية في ألمانيا بل وتصديرها خارج بلاده، كما هدف ـ من خلال الإعلام ـ إلى إخافة الأوروبيين من ألمانيا النازية من جهة، وإحياء روح الكبرياء والشعور بتميز وعلو العنصر الجرماني واستثارة هذه النزعة لتحقيق الولاء في الداخل الألماني.

كما أنتبه الرئيس المصري جمال عبد الناصر إلى أهمية الإعلام  في نشر أفكار وأيدلوجية الثورة المصرية التي تفجرت في 23/ 7/ 1952م، وسعى إلى تصدير هذه الثورة إلى الدول العربية الأخرى تحت شعار (القومية العربية)، وفي إفريقيا ودول العالم الثالث تحت شعار (حركات التحرر الوطني وإنهاء الاستعمار)، وحشد عبد الناصر كفاءات الإعلامية لتبني هذه الأفكار، كما أنشأ صحيفة الجمهورية ورأس تحريرها عند بداية صدورها أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة وهو الرئيس محمد أنور السادات، وأسس إذاعة صوت العرب التي غطى إرسالها المنطقة العربية وكانت أهم أداة إعلامية للثورة.

مرحلة الصحافة الورقية

 

عرفت الدول العربية الصحف والمجلات في القرن التاسع عشر وانطلقت من سوريا ثم لبنان، واتجهت إلى مصر وبقية الدول العربية، وكانت هذه الصحف والمجلات ذات طابع أدبي وثقافي، ثم اهتمت بالسياسة وكان لها الدور الهام في مقاومة الاستعمار الأوروبي، ونجحت في تأجيج المشاعر الوطنية وحشدت الجماهير خلف المطالب الوطنية واستطاعت أن تنهي الوجود الأجنبي في المنطقة العربية في عام 1971م، وإن كان تأثير هذه الصحف قاصرًا في بداية الأمر على أبناء الطبقة المثقفة والأثرياء والوجهاء حيث كانت نسبة الأمية مرتفعة.

 

ومع انتشار التعليم منذ منتصف القرن العشرين ازدادت أهمية الصحف والمجلات واتسع تأثيرها وأصبحت ساحة للمعارك الأدبية وميادين للمقالات السياسية وإن كانت أقرب لصحافة الرأي، ثم تحولت إلى صحافة إخبارية بعد الحروب التي شنتها إسرائيل على الدول العربية اعتبارًا من حرب 1956م، مرورًا بحرب 1967م، ثم حرب أكتوبر 1973م، وما تلا ذلك من أحداث في منطقة الخليج خاصة حرب الخليج الأولى التي بدأت في العام 1980م، واستمرت حتى عام 1988م، وكانت الصحف إلى جانب قنوات التليفزيون الأرضية والإذاعات هي أدوات الحكومات في نشر الوعي الإعلامي والتوجيه السياسي، أي الإعلام الذي يعبر عن وجهة الدولة، وحتى نهاية عقد الثمانينات الميلادية كان المواطن العربي لا يكاد يسمع إلا إعلام بلده باستثناء الإذاعات العربية وكانت في معظمها موجهة.

عصر الفضائيات

 

مع نشوب حرب الخليج الثانية عام 1990م،، ظهرت مرحلة عصر ( الفضائيات العربية) وكانت تعد على أصبع  اليد الواحدة وبدأت الفضائية المصرية، وقناة إم بي سي السعودية، وانتشرت بعد إطلاق القمر الصناعي العربي (عرب سات) ثم مجموعة الأقمار المصرية ( نايل سات )، ونجحت الفضائيات الجديدة في سحب البساط  من الإعلام التقليدي واستقبلها المواطن العربي بانبهار شديد، وكانت قناة الجزيرة القطرية نموذجًا لهذه الفضائيات التي كانت حديث المواطن العربي، وأثرت على السياسة الرسمية في المنطقة، ثم ظهرت العديد من القنوات الإخبارية، وأخذت تستهدف المواطن العربي المتلهف للمشاركة في التحليل السياسي وهذا ما وفرته له هذه الفضائيات التي استغلت حالة التعطش لدى المواطن العربي لإبداء رأيه فيما يخص سياسة بلاده والمنطقة،  وأخذت تبث سيلاً من الأخبار والتحليلات على مدار 24 ساعة يوميًا وتبنت وجهات نظر مختلفة، وفتحت الباب واسعًا لمنتقدي الحكومات العربية، وإن كان لبعض هذه الفضائيات الخاصة أجندات داخلية أو خارجية تعمل على تمريرها بذكاء.

فيما  يرى البعض الآخر خاصة من البسطاء أن هذه القنوات أداة للتطوير والتغيير ونشر الديمقراطية ومكافحة الفساد، ولقد زاد تعلق المواطن العربي بهذه القنوات و زاد التفاعل المجتمعي من خلال النخبة المثقفة والإعلاميين مع هذه الفضائيات عبر التفاعل، بل انتقل العديد من الصحفيين من الصحف إلى الفضائيات كمحللين أو مقدمي برامج، نظرًا لزيادة تأثير الفضائيات، وإغراءاتها المالية، في الوقت الذي تراجع  فيه دور وتأثير وعائد الصحف والمجلات والإعلام المقروء بصفة عامة في المجتمعات العربية خلال العقد الأخير من القرن الحالي، ووصل الأمر إلى ظهور من يقول إن الإعلام المقروء سوف يتوقف وينتهي دوره قريبًا، وهذا ما دعا الصحف إلى التقاط  طرف الخيط وأنشأت مواقع على الإنترنت حتى لا تفقد كل ما لديها أمام زحف الإعلام الجديد .

 الإعلام الجديد لغة الشباب

 

شهدت السنوات الأخيرة حالة من التسارع غير المسبوق على الإعلام الذي جعل من شاشة جهاز الكمبيوتر وسيلة إعلامية متاحة للجميع وخارج الرقابة والتحكم من جانب الحكومات، وأصبحت أداة للتواصل عبر الحدود من مختلف القارات مع أناس يتحدثون لغات متنوعة ويعتنقون أديانًا ومذاهب وثقافات مختلفة، وتناول أي موضوعات لا تحدها قيم أو أخلاقيات أو أعراف عبر الفيس بوك والتويتر سواء بالكتابة أو بالصوت والصورة، وعلى ضوء ذلك تشكلت أحزاب شبابية، وجماعات مختلفة الأهداف والمقاصد وأحيانًا تختلط لديهم الأفكار وأحيانًا أخرى تتفق على أهداف معينة تحت تأثير العقل الجمعي أو بتأثير من جماعات أو هيآت ذات أهداف سياسية، من الجهات التي لديها أهدافًا معلنة أو غير معلنة، ولكن القواسم المشتركة بين المتواصلين إلكترونيًا هي أنهم من الشباب في أغلب الأحيان.

وأصبحت طرق التواصل عبر الإعلام الجديد أكثر أهمية وتأثيرًا وخطورة لاعتبارات عدة أهمها:

ـــ الشريحة الأكبر من المتواصلين عبر هذا النوع من الإعلام من الشباب المتحمس.

ـ في أكثر الأحيان لا يعرف المتواصلون بعضهم بعضًا، بل تجمعهم الأفكار والمطالب والأهداف دون التحقق من شخصية من يروج لهذه الأهداف والمطالب.

 

ــ سرعة انتقال الفكرة وترجمتها والترويج لها في الأوساط الشبابية، وقد أدى ذلك إلى تجنيد خلايا إرهابية كما هو الحال بالنسبة لتنظيم القاعدة وداعش ، أو خروج المظاهرات والحشود السياسية كالذي شهدته الشوارع العربية بصورة غير مسبوقة منذ مطلع العام 2011م.

 

ــ الإعلام الجديد أصبح وسيلة مهمة جدًا لانتقال الشائعات وترديدها بسرعة فائقة دون التأكد من صحة الشائعة أو عدمه، ودون الفصل بين ما هو صحيح وكاذب.

 

ــ سيطرة العقل الجمعي وغياب التفكير الفردي في قبول المعلومات والشائعات التي يرددها الإعلام الجديد خاصة في حالات الإحباط، وتفجر المظاهرات والاحتجاجات، وهذا ما حدث في مصر، تونس، اليمن، ليبيا، البحرين، موريتانيا، وإيران وغيرها من العواصم العربية والعالمية.

 

ــ ألغى سيطرة الحكومات على تدفق المعلومات وصعوبة تحديد هوية أو مكان مطلقي الشائعات، أو زعماء الجماعات الشبابية التي تؤثر أو تدير غرف الحوار أو حتى معرفة من يقود الجموع المحتشدة أو المحتقنة.

 

ــ عدوى استخدام تكنولوجيا الإعلام الجديد انتقلت بسرعة بين الكثير من الدول العربية، فبعد اشتعال المظاهرات في تونس، انتقلت إلى مصر في فترة لم تتجاوز أربعة أسابيع، وقبل أن تهدأ الثورة في مصر، وبعد أربعة أيام فقط من تنحي الرئيس السابق حسني مبارك اشتعلت الثورة الليبية ضد القذافي، في الخامس عشر من فبراير 2011م، ثم سرعان ما انتقلت المظاهرات إلى موريتانيا مروراً بالجزائر ومن قبل في اليمن ،البحرين ،وإيران، حيث وصلت تكنولوجيا الفيس بوك إلى نواكشوط أكثر الدول العربية تواضعًا في مجال تقنية المعلومات، وأعلن رئيس الوزراء الموريتاني مولاي ولد محمد لقظف يوم الجمعة 25/2/2011م، أن التظاهر السلمي حق لكل مواطن موريتاني وذلك عشية المظاهرات التي دعا إليها الشباب الموريتاني للثورة عبر الفيس بوك  اندلعت في صبيحة اليوم التالي، ونقلت صحيفة الأهرام المصرية عن رئيس الوزراء الموريتاني في عددها رقم 45372 الصادر يوم السبت 26/2/2011م، قوله: إن الحريات والنقد وحق التظاهر متاح للجميع وأن الحكومة سوف تستقبل كل الشكاوى التي سيتقدم بها المتضررون في البلاد، وإن حكومته سوف توفر آلاف فرص  العمل والمساكن وغير ذلك بما من شأنه امتصاص غضب الشباب المحتشد في ميادين نواكشوط .

 

ــ الإعلام الجديد أسقط هيبة ومصداقية الإعلام الحكومي الرسمي وشبه الرسمي، تلك الهيبة التي بدأت منذ ظهور الإعلام الحكومي في النصف الأول من القرن العشرين وكانت وزارات الإعلام تعرف بالوزارات السيادية قبل أن تلغيها معظم الدول العربية مؤخرًا، بعد أن لجأ المواطن العربي إلى الفضائيات غير الحكومية، ووجد ضالته في الفضائيات المملوكة لمؤسسات عربية أو أجنبية، عكس ما كان يحدث في السابق حيث كانت الثقة بين المواطن العربي ووسائل الإعلام الأجنبية معدومة، وانقلب الأمر برمته مؤخرًا وزادت ثقة المواطن العربي في الوسائل الإعلامية الخارجية واختفت الثقة في الإعلام الوطني, وفي هذا الصدد كشف استطلاع أجرته مؤسسة إنترميديا بتكليف من مجلس أمناء البث الإذاعي والتليفزيوني الأمريكي (BBC) أن 25 في المائة من المصريين الذين شملهم الاستطلاع أثناء أحداث ثورة 25 يناير شاهدوا قناة ( الحرة)  الأمريكية وأن القنوات الفضائية شكلت المصدر الرئيسي للمعلومات لدى المصريين، كما أظهرت نتائج الاستطلاع ذاته مدى الاستخدام المكثف لمواقع التواصل الاجتماعي وخدمة الرسائل القصيرة (SMS )، إضافة إلى البريد الإلكتروني أثناء الاحتجاجات رغم محاولات السلطات المصرية حجب هذه الوسائل عن المواطنين.

 

 

ــ إتاحة الفرصة كاملة لدول خارجية للتدخل المباشر في شؤون دول أخرى، وهذا ما حدث من الولايات المتحدة الأمريكية عند اندلاع المظاهرات المناهضة لحكم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عبر توجيه رسائل مباشرة باللغة الفارسية للمحتجين، وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية مساء يوم الأحد 13/2/2011م، أنها دشنت حسابًا بالفارسية على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" للتواصل مع مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في إيران، وأطلقت على هذا الحساب اسم " يو أس دار فارسي" وذكرت الوزارة في رسالتها الأولى على الموقع: إن واشنطن تعترف بالدور المهم لوسائل التواصل الاجتماعي بين الإيرانيين في العالم الآن، ونريد الانضمام إلى محادثاتكم .

 

ــ أدى ظهور الإعلام الرقمي الجديد إلى فتح مستودعات الأسرار حيث لا تستطيع أي جهة أن تحجب معلومات عن الناس حتى المعلومات الأكثر حساسية والمتعلقة بالأمن الوطني أو القومي فبالضغط على أزرار الكيبورد يمكن تسريب معلومات غاية في الأهمية إلى الرأي العام، وهذا ما فعله موقع وكيليكس الذي كشف معلومات ووثائق غاية في السرية أطاحت بحكومات بالفعل وأحرج قوى كبرى في العالم.

 

ــ استطاعت تكنولوجيا " الويكي" إسقاط أكثر الحكومات والأنظمة العربية قدمًا وهيمنة منها نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك في الحادي عشر من فبراير 2011م، رغم أن هذه التكنولوجيا لم تظهر في مصر إلا في العام 2004م، ثم نضجت في العام 2006م، وبدأت  بالبحث عن الترفيه والأغاني والجنس ولكن بعد سنوات قليلة تحولت إلى منبر سياسي خطير وأداة التغيير الأولى في مصر و تمكنت من إزاحت النظام السياسي بكامله في ثورة عارمة غير مسبوقة، بعد أن  استطاعت تجيش الشعب المصري وتلهب مشاعره في مختلف المحافظات والمدن والقرى على مدار 18 يومًا انتهت بما لم يكن يتوقعه أشد المتفائلين أو الحالمين بتغيير النظام السياسي وهو إزاحة هذا النظام عن سدة الحكم في مصر، وخرجت صحف القاهرة تقول :( ثورة بلا قيادة.. والسر تكنولوجيا " الويكي") و(الانترنت تاه في الانتخابات البرلمانية في نوفمبر .. وصنع الثورة في فبراير)

 

ــ الإعلام الجديد ألغى تقريبًا دور المؤرخين التقليديين الذين يكتبون صفحات التاريخ، وتولى هذا النوع من الإعلام توثيق المعلومات بالصوت والصورة والزمن، ورسم لنفسه صورة ذهنية محايدة وصادقة في التوثيق بدون انحياز أو ميول إلى جهة دون أخرى باعتبار أن الصورة لا تكذب، وعلى سبيل المثال رصد شباب الثورة في مصر توثيق وقائع الثورة لحظة بلحظة من 25 يناير إلى 10 فبراير 2011م، وأوضحت النتائج الأولية أن 657 مصريًا أنتجوا ( 1064 ) مقطع فيديو على اليوتيوب مدتها 7500 دقيقة شُوهدت 6 ملايين مرة  حتى ظهر يوم الاثنين 14/2/2001م،  طبقًا لما نشرته صحيفة الأهرام القاهرية في عددها رقم 45361 الصادر يوم الثلاثاء 15/2/2011م، باعتبارها  جزءًا من الجهة التي أجرت الدراسة ( مؤسسة الأهرام).

ــ الإعلام الجديد همش دور الأحزاب السياسية التقليدية والزعامات الشعبية التاريخية في العديد من بلدان العالم خاصة في مصر وتونس واليمن وغيرها طبقًا لما أكدته تجربة الأحداث التي مرت وتمر بها المنطقة العربية، وأصبح هذا النوع من الإعلام يفرض السياسات العامة ويحدد مسارات الشعوب بقدر لا يستهان به.

ــ تكنولوجيا الإعلام الجديد فرضت زعامات من الشباب لم تتجاوز أعمارهم الثلاثين عامًا، وجعلتهم يمسكون بزمام الأحداث ويحركون الشارع بمختلف أطيافه وبجميع أعماره، ولعل اسم المدون المصري ومدير تسويق شركة جوجل في الشرق الأوسط الشاب" وائل غنيم" الذي لم يتجاوز عمره الثلاثين عامًا أصبح من أشهر الأسماء في مصر فهو أحد القلائل الذين أسقطوا نظام الرئيس مبارك.

ــ استخدام تكنولوجيا الإعلام كشف عقم وعجز الحلول التقليدية في مواجهة المظاهرات والتعامل مع الحشود السياسية في الشارع وليس أدل على ذلك من فشل وزارة الداخلية المصرية بعدتها وعتادها في السيطرة على هذه الحشود التي فاجأت النظام المصري، بل أسقطت النظام الأمني وغيبته عن الشارع تمامًا، وهذا السيناريو تم تطبيقه من قبل في تونس حيث أجبرت الحشود الرئيس السابق زين العابدين بن علي على مغادرة بلاده.

ــ استطاع الإعلام الجديد أن يقوم بالتغيير بأدوات سلمية بسيطة لم تكن تدور بخلد المسؤولين  في الأنظمة الحاكمة في العديد من دول العالم وأجهزة المخابرات العتيدة، بل أذهلت القائمين على الشأن الإعلامي، وهذا ما كشفه  الكاتب الأمريكي توماس فريدمان في حديثه لقناة العربية من القاهرة مع الإعلامي والمحاور التليفزيوني حافظ الميرازي، حيث قال  فريدمان: ما حدث في مصر لم تتوقعه الولايات المتحدة الأمريكية، بل لم تتوقعه السفارة الأمريكية في القاهرة الموجودة على بعد عدة أمتار من ميدان التحرير مركز تجمع الحشود وسط القاهرة، وأضاف أن السفارة  الأمريكية الموجودة في حي جاردن سيتي وسط القاهرة الملاصق لميدان التحرير لا تستطيع أن  تتوقع ما سيحدث في المستقبل أو إلى أين تتجه هذه الحشود وإلى أي مدى ستذهب مطالبها، وأضاف فريدمان " أنا سعيد بوجودي في القاهرة وقت هذه الثورة حيث قطعت إجازتي الخاصة وتحولت مباشرة إلى القاهرة لمشاهدة كيف يكتب شباب الفيس بوك التاريخ الحديث لمصر، وكان ذلك بعد يوم واحد من تنحي الرئيس مبارك أي في 12/2/2011م.

ــ أرسى الإعلام الجديد قاعدة لتغيير الأنظمة الحاكمة، فقد كانت الوسيلة للثورات هي " الجيش" أو قوات الأمن فجميع الثورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط باستثناء الثورة الإيرانية عام 1979م، قامت بها الجيوش إلى أن جاءت ثورات " الإعلام الجديد" ونجحت في تحقيق أهدافها بأقل الخسائر وفي أسرع وقت ممكن.

ـــ فتح الإعلام الجديد إضافة إلى القنوات الفضائية الباب أمام عناصر مؤيدة أو متعاطفة مع الثورات في الشرق الأوسط من دول من خارج المنطقة، وناطقين بلغات شتى، وشجعت من هم خارج الحدود على النزول إلى الشوارع في بلادهم لتأييد المتظاهرين في القاهرة وطهران، وبنغازي وطرابلس وصنعاء، وكان هؤلاء بمثابة جماعات ضغط على حكومات دولهم لمناصرة الثوار في هذه الدول، ما جعل دول العالم تتعاطف مع المحتجين أو على الأقل عدم قدرتها على المجاهرة بمساندة الأنظمة التي تعصف بها المظاهرات.

ــ قام الإعلام الجديد بدور محامي الشعوب في تعقب المفسدين وتقديمهم إلى العدالة، حيث تطوع الإعلام الرقمي بنشر تهم الفساد التي تورطت فيها عناصر بارزة من رموز السلطات المطرودة في العديد من الدول العربية.

ــ الإعلام الجديد كشف ما لم يكن يتوقعه أكثر الناقمين على نظام الرئيس مبارك، بل بلغ الأمر أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى زمام الأمور بعد مغادرة حسني مبارك، أعلن أنه مصدوم من حجم الفساد وأنه فوجئ به، وجاء ذلك خلال لقاء  أعضاء المجلس  العسكري المصري برؤساء تحرير الصحف المصرية يوم الثلاثاء 15/2/2011م، ونقلت صحيفة الحياة  اللندنية في عددها رقم 17484 الصادر يوم الأربعاء 16/2/2011 م (كان لافتًا في هذا اللقاء أن المجلس الأعلى للقوات  المسلحة المصرية فوجئ بحجم الفساد في البلاد، مشددًا على أنه لن يسمح بفساد جديد أو بزيادة حجم الفساد الموجود).

مستقبل الإعلام الجديد

 

  • من المؤكد أن الإعلام الجديد يسير بخطى ثابتة وسريعة إلى الأمام، إضافة إلى تزايد أعداد مستخدميه لأسباب منطقية تفرضها الطبيعة للمجتمعات العربية الشابة، حيث تشير الدراسات إلى أن أكثر من 65 % من سكان الدول العربية في سن الشباب، وهذه الفئة الأكثر إقبالاً على استخدام تكنولوجيا المعلومات الجديدة نظرًا لحصول الشباب على قدر كبير من التعليم، إضافة إلى سهولة الحصول على أجهزة الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب وإجادة التعامل معها، وكذلك إجادة اللغات الأجنبية، وتعدد أوجه التواصل عبر تكنولوجيا جامعات لتدريس تكنولوجيا الاتصال الحديثة في الدول العربية .
  • اضطرت الحكومات  في العديد من الدول العربية إلى الاستعانة بالإعلام الجديد لضمان عدم عزلتها، فقد لجأ الجيش المصري إلى استخدام الإعلام الجديد لكي يخاطب شباب الثورة حيث دشن الجيش صفحة على الفيس بوك يوم الجمعة 18/ 2/2011م، ونقلت وسائل الإعلام ومنها صحيفة الوطن السعودية يوم السبت 19/2/2011م، "أن الجيش المصري أسس صفحة على  الفيس بوك ليتواصل مع الشباب بلغتهم، واشتملت الصفحة التي تأسست بأمر من وزير الدفاع رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية آنذاك المشير محمد حسين طنطاوي على بيان ترحيبي أعلن فيه المجلس إهداء صفحته الرسمية إلى أبناء مصر وشبابها الشرفاء مفجري ثورة 25 يناير وإلى شهداء الثورة الأبرار ".

 

  • تزايد عدد المدونين من الشباب العربي حيث نشرت صحيفة الحياة أيضًا في عددها 17482 الصادر يوم الاثنين 14/2/2011م، ملخصًا لدراسة أعدها مركز بيركمان للإنترنت والمجتمع التابع لجامعة هارفارد الأمريكية، وضعت المدونين السعوديين في المرتبة الثانية على مستوى العالم العربي من ناحية العدد، كما كشفت الدراسة ذاتها أن عدد النساء السعوديات يزيد على عدد المدونين الرجال.
  • التزايد الملحوظ والتسارع الكبير في عدد مشتركي خدمات الكمبيوتر والهاتف الجوال في الدول العربية، حيث ارتفع عدد المشتركين في خدمات الهاتف الجوال من 85 مليون مشترك عام 2005م، بما نسبته 26.6 % لكل 100 نسمة إلى 282 مليون مشترك بما نسبته 79.4 % لكل 100 نسمة في العام 2010م، كما ارتفع عدد المشتركين في خدمة الانترنت من 26 مليون مشترك في عام 2005م، بما نسبته 8 %، إلى 88 مليون مشترك في عام 2010م، أي بنسبة 24.9 % من إجمالي عدد السكان.

 

 

    مكاسب الإعلام مع بداية عام 2011م

 

*حقق الإعلام الجديد نجاحات غير متوقعة والتف حوله العديد من أبناء المجتمعات المختلفة ومن ذوي الثقافات المتفاوتة في مختلف الشرائح  وأكدت الأحداث التي شهدتها العديد من الدول العربية مؤخرًا أهمية الإعلام وخاصة الجديد وغير التقليدي في نقل المعلومات، بل وصناعة الأحداث ذاتها، والتأثير على متخذ القرار، وحقق التطور السريع في أدوات وآليات الإعلام الجديد الوصول إلى كافة  شرائح وأماكن المواطنين العرب أينما كانوا في القرى، الهجر، الصحاري، والبراري خاصة الذين في المناطق المحرومة من الإعلام التقليدي (المقروء) الذي لم يكن بطبيعة الحال يصل إلى الأميين الذين يقدر عددهم  بحوالي 100 مليون نسمة من إجمالي عدد سكان الدول العربية الذي يبلغ حوالي 335 مليون نسمة طبقًا لإحصائيات عام 2009م، الصادرة عن  اليونسكو، التي ذكرت أن نسبة الأمية في الوطن العربي تصل إلى نحو 30 %، وترتفع بين النساء لتصل إلى نحو 50 %، موضحة أن عدد الأميين لدى الفئات العمرية التي تزيد على 15 عامًا بلغ 99.5 مليون نسمة .

 

ولعل الخطوط العريضة لمكاسب الإعلام العربي بعد الأحداث التي ضربت العديد من دول الشرق الأوسط أوجزها تقرير إعلامي اشترك فيه نخبة من الأكاديميين والإعلاميين العرب أوردته جريدة الأهرام القاهرية في عددها رقم 45365 الصادر يوم السبت 19/2/2011م، وحمل في عناوينه الرئيسية ما يلي:

(إعلام ما بعد الثورة .. حياد وشفافية)

(اتفاق بين الخبراء على ضرورة أن يبتعد الإعلام عن الرقابة ويعتمد على فصل الملكية عن الإدارة)

ثم جاءت مقترحات لهؤلاء الخبراء في الآتي:

  • تحويل الصحف القومية (المملوكة للدولة) إلى شركات مساهمة وتقليص صلاحيات الإدارة.
  • إصدار الصحف الجدية بعد إخطار الجهات المعنية فقط، وإعادة تنظيم الإعلام الخاص .. أي سحب أو إلغاء دور الجهات التي تمنح ترخيص الصحف الجديدة.
  • إنشاء هيأة مستقلة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون.
  • تنظيم الإعلام الالكتروني وتدعيم الإعلام الحر وتغيير مفهوم إعلام الدولة واختيار قياداته وفق المهنية.
  • تعديل قانون الصحافة ووضع أجندة جديدة للإعلام.
  • إنشاء جهاز لتراخيص الإعلام وتقسيم الشبكات.

 

ـ أكتسب الإعلام الجديد صفة الشرعية واعتبرته الأجهزة الحكومية العربية قناة مشروعة ومعترف بها لتوصيل المعلومات بين المواطن وأرفع الأجهزة الحكومية.

ـ نجح الإعلام الجديد في ( فرز) الوسائل الإعلامية وتصنيفها حسب مضمونها ومصداقيتها، وجعلت المتلقي حكمًا، وأعطته الحرية كاملة لاختيار الوسيلة الأكثر مهنية وحرفية من وجهة نظره ، وتجلى ذلك في خسارة قناة الجزيرة الفضائية جزءًا كبيرًا من مصداقيتها لدى المشاهد المصري خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011م، وكشف استطلاع أجراه مجلس أمناء البث التليفزيوني والإذاعي في وزارة الخارجية الأمريكية حول استخدامات ومتابعة وسائل الإعلام أثناء أحداث تلك الثورة، إن غالبية المشاهدين المصريين أبدوا انزعاجًا من طريقة معالجة قناة الجزيرة لأحداث الثورة المصرية، وفضلوا خلال تلك الأحداث مشاهدة قنوات تليفزيونية تمدهم بالمعلومات على حساب كثافة عرض الآراء، خاصة قناة "العربية"، حيث تقلص متابعو الجزيرة إلى ربع المشاهدين لصالح ثلثي المصريين المستطلعة آراؤهم الذين قالوا إنهم كانوا يعتمدون على قناة " العربية"  لمتابعة أخبار مصر .

وذكر الاستطلاع الذي نشرت نتيجته جريد الشرق الأوسط يوم الاثنين 21/2/2011م، أن المشاهدين المصريين اعتبروا قناة العربية هي القناة الأكثر ثقة ومصداقية، وجاء بعدها مباشرة التليفزيون المصري بصدقية تحظى برضا ربعالمستطلعين، في حين كانت المفاجأة بمقدار صدقية قناة الجزيرة التي جاءت في ذيل القائمة والتي طالما انحاز المصريون إليها في متابعة الشأن العربي عمومًا وقضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي بصفة خاصة.

ـ استطاع الإعلام الجديد اختراق الدول الأكثر قمعًا في منطقة الشرق الأوسط وهى "إيران" فقط استطاع الشباب في إيران الاستفادة من الإعلام الجديد في حشد المتظاهرين في الاحتجاجات التي انطلقت في 14/2/2011م، حيث استطاع 70 ألف شاب عبر "الفيس بوك " إدارة الحشود وتوجيهها طبقًا لما كشفته قناة العربية الفضائية مساء يوم الأحد 20/2/2011م، واستطاع المحتجون إزالة الحواجز النفسية بين الشعب والنظام خاصة الرموز الدينية المقدسة عند الإيرانيين طبقًا لأتباع المذهب الشيعي، وأخذ المتظاهرون يرددون " الموت لخامنئي.. الموت للدكتاتور".

.. يتبقى القول إن الإعلام الجديد في أحداث ما يسمى بثورات الربيع العربي دخل مرحلة جديدة ومهمة وحقق نجاحات ومكاسب، بل أن دوره يزداد ويتسع كلما تقدمت تكنولوجيا الاتصالات، وليس أمام الحكومات والدول في العالم إلا احترام هذا الزائر الجديد الذي فرض نفسه بقوة ولا يعترف بالخصوصية أو القومية أو العرقية، أو الدين أو غير ذلك فهو يقفز على حواجز الحدود واللغات والأيدلوجيات ويسري بين الشباب كسريان النار في الهشيم، ولا توجد آلية ناجحة في مواجهته سوى الشفافية والحكم الرشيد الذي تشارك فيه الشعوب.

ومن ثم يجب على الحكومات أن ترسم سياسات وتضع خططًا واستراتيجيات لترشيد التعامل مع الإعلام الجديد، وأن تهيئ المواطن للتعامل معه دون أن يكون أداة سلبية للاستقبال، وأن تتبع سبل التحصين لأبنائها مع توفير المعلومات بشفافية حتى تحاصر الشائعات ولا تجعل الشباب لقمة سائغة الاختطاف والهضم من جهات مشبوهة أو أجندات خاصة.

 

 

 

 

 

مقالات لنفس الكاتب