; logged out
الرئيسية / مواجهة الرغبة في الإثارة بالتدريب ... والتجاوز المتعمد مشكلة لا حل لها تأثير الإعلام العربي على العاقات العربية - العربية بين التضامن ... وتأجيج الخلافات

العدد 117

مواجهة الرغبة في الإثارة بالتدريب ... والتجاوز المتعمد مشكلة لا حل لها تأثير الإعلام العربي على العاقات العربية - العربية بين التضامن ... وتأجيج الخلافات

الأحد، 05 آذار/مارس 2017

أصبح من المسلم به في أدبيات العلوم الاجتماعية أن وسائل الإعلام تمارس دورًا رئيسيًا ونفوذًا كبيرًا يصل أحيانًا إلى حد السيطرة على كافة مناحي الحياة، ويمتد هذا الدور ليشمل الحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية، ومختلف أشكال التسويق الاجتماعي والتجاري، والتأثير على أذواق الأفراد وسلوكياتهم وتوجهاتهم واختياراتهم.   وزاد من تأثير دور الإعلام التقدم التكنولوجي المتسارع في مجال الاتصالات الذي حدث في العقدين الأخيرين وتحول الإعلام إلى صناعة ضخمةونشأت امبراطوريات إعلامية عابرة لحدود الدول والقارات ويُستثمر فيها بلايين الدولارات لخلق الإبهار وتحقيق الأهداف المطلوبة.

وجدير بالذكر أن المفكر الأمريكي هيبرت ماركوز حذر مبكرًا من هذا التطور، ووصفه أستاذ الفلسفة الشهير ناعوم تشومسكي بتعبير "غسيل الأدمغة"، ولعل آخر مظهر للتنبيه إلى خطورة دور الإعلام هو المواجهة التي دخلها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب مع أجهزة الإعلام متهمًا إياها بالانتقائية في نقل الأخبار، وبالتركيز على بعضها دون غيرها وذلك خدمة لمصالحها وأغراضها السياسية وأن ذلك ينصرف أيضًا إلى الاستخلاصات التي تخرج بها من هذه الأخبار.

  ويهدف هذا المقال إلى عرض لأهم التأثيرات الإيجابية والسلبية لدور الإعلام العربي في تشكيل العلاقات بين الدول العربية. وقبل تناول الموضوع بشكل مباشر، لابد من الإشارة إلى أربعة ضوابط تتعلق بهذا الشأن:

          فمن ناحية أولى، فإن تعبير وسائل الإعلام يشير إلى دائرة واسعة من الوسائط التي تشمل الكلمة المكتوبة (صحف ومجلات و...) والمسموعة (الإذاعات المحلية في داخل الدولة والإذاعات الموجهة بلغات أخرى) والمشاهدة (القنوات التلفزيونية المحلية والفضائية)، إضافة إلى وسائل الميديا الجديدة على شبكة الإنترنت. وبالطبع فإنه لا يمكن الفصل بين هذه الوسائط الإعلامية عن بعضها البعض، فالمقال أو الخبر الذي تنشره صحيفة ما يصبح موضوعًا لبرامج حوارية إذاعية وتلفزيونية ومادة للجدل والنقاش على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن ناحية ثانية، فإن جزءًا كبيرًا من مضمون وسائل الإعلام ليس "لوجه الله" أو مجرد نافذة للتعبير الحر عن وجهات النظر، فبعض هذه الوسائل تمثل حكومات الدول العربية التي تنتمي لها أو المحسوبة عليها، وبعضها الآخر يمثل وجهات نظر حزبية وطائفية ومذهبية، ويعتبر ظهور القنوات الطائفية والمذهبية تطورًا خطيرًا في الواقع العربي، فقد ظهرت قنوات فضائية تعبر عن أحزاب سياسية وقوى طائفية ومذهبية ويتم استخدام هذه القنوات في الصراع السياسي بين هذه الأحزاب والقوى ومثال ذلك الحالة في لبنان والعراق وسورية.

ومن ناحية ثالثة، هناك عامل الرغبة في الإثارة التي تنشدها القنوات الخاصة من أجل جذب أكبر قدر من الإعلانات التجارية لتحقيق الأرباح، وكذلك رغبة بعض الإعلاميين ومقدمي البرامج في تحقيق مزيد من "الشهرة" و"النجومية" لرفع أجورهم التي وصلت حدودًا لم يحلم بها أكبر الإعلاميين العرب حتى عام 1995م.

ومن ناحية رابعة، فإنه نتيجة لزيادة عدد القنوات الفضائية العربية، وقيامها ببث برامجها خارج الوطن العربي، فقد تقلصت قدرة الحكومات على توجيهها أو الرقابة على مضمون برامجها، وخصوصًا تلك القنوات التي تنشر مضمونًا طائفيًا ومذهبيًا.

وفي هذا السياق، يمكن تحليل الأدوار  التي تقوم بها وسائل الإعلام العربي مع التركيز على القنوات الفضائية والإشارة إلى جوانبها الإيجابية وتلك السلبية، ثم تقديم نماذج و حالات فى العلاقات بين الدول العربية

أولاً: الأدوار  

  1. تكوين رأي عام عربي مشترك أو متقارب

ويشير هذا الدور إلى تأثير الفضائيات العربية في تحديد القضايا التي يهتم بها الرأي العام في الدول العربية، وتجاوز الاهتمامات المحلية المتعلقة بكل دولة إلى فضاء عربي أوسع و إلى قضايا أخرى تتصل بالمنطقة العربية ككل أو بإحدى القضايا التي يهتم بها العرب، كتلك المتعلقة بأوضاع الفلسطينيين أو بظروف اللاجئين السوريين في المخيمات ومعاناتهم من أبسط أسباب الحياه أو تقدم الجيش العراقي في تحرير مدينة الموصل والجهود العربية والدولية لهزيمة التنظيمات التكفيرية والإرهابية.

ويتم تحقيق هذا الدور من خلال نقل الأخبار ، والتعليقات التي يدلي بها مراسلو القناة من أماكن الأحداث وكذلك من خلال البرامج التي تركز على تحليل هذه الأحداث وشرح خلفياتها واستضافة خبراء وباحثين لإبداء وجهات نظرهم ومعلوماتهم بشأنها، ويتيح ذلك للمواطن العربي معرفة ما يحدث من أخبار وتطورات في البلاد العربية الأخرى مثل عقد انتخابات أو إصدار قرارات اقتصادية تتعلق بسعر صرف العملة المحلية تجاه الدولار والعملات الدولية الأخرى ويكون من شأن ذلك أن يقارن المشاهد بين ما يحدث في بلاده وما تشهده البلاد العربية الأخرى، وقد يكون من شأن ذلك إدخال الطمأنينة إلى نفسه عندما يدرك أن ما يحدث في بلاده شبيه ومماثل للوضع في أجزاء أخرى من المنطقة، أو العكس ،إذا أدرك أن سياسات حكومته تسير  في طريق مخالف ومغاير للآخرين.

وفي هذا المجال، تمارس البرامج الحوارية السياسية التي تبثها هذه القنوات تأثيرًا مهمًا، فهذه البرامج التي تتضمن "نقاشًا" أو "مناظرة" بين رأيين أو أكثر حول موضوع ما، هي أمر إيجابي من حيث المبدأ لأنها تعلم المشاهد آداب الحوار والاختلاف وتعلمه النسبية في فهم أي موضوع وأنه يمكن تفسيره بأكثر من رأي أو وجهة نظر، والبرامج الحوارية التي تحترم ذلك تقوم بالتأكيد بدور إيجابي في تعزيز قيم الحوار والتسامح والديمقراطية بين مشاهديها. وللأسف فإن هناك بعض القنوات الأخرى التي حولت برامجها من "الحوار" إلى "الشجار", ومن "تبادل الرأي" إلى "الإساءة والاتهام"، وقام معدو هذه البرامج باختيار الضيوف بما يحقق هذا الهدف وساهم مقدموها في تأجيج الخلافات بين الضيوف وتحول الأمر من حوار إلى "صراع ديوك" لا يكون الهدف منه الاقناع بالعقل ولكن فرض وجهة النظر من خلال علو الصوت واستخدام ألفاظ قاسية. وتصل سعادة مقدم البرنامج إلى منتهاها إذا هدد أحد الضيوف بالانسحاب من البرنامج أو ألقى بورقة أو بقلم أمامه تجاه الضيف الآخر  وهنا يتدخل للإعلان عن فاصل ونعود. وعادة فإن هذه البرامج ما تتضمن إساءات بالغة لدول وشعوب عربية أخرى.

و فى مجال التغطية الإخبارية يمكن أن يكون الدور إيجابيًا إذا اتسمت تغطية القناة لما تنقله من أخبار وتعرضه من أحداث بالموضوعية والتعبير عن وجهات النظر المختلفة ويؤدي ذلك إلى التقارب بين الشعوب والدول العربية، أما إذا اتسمت بالانتقائية في نقل الأخبار والانحياز في تحليلها وتفسيرها فإنها تقود عادة إلى حدوث أزمات بينها. ونشير في هذا المجال تحديدًا إلى دور القنوات الرياضية سواء عند بثها لمباريات في كرة القدم بين فريقين عربيين والتعليقات التي تصاحب البث من جانب المعلقين الرياضيين وأدى الحماس الزائد – بل والتعصب – في الدفاع عن فريق دولة ما إلى حدوث أزمات سياسية كما حدث بين مصر والجزائر، وهو ما سوف نعرض له لاحقًا.

  1. التأثير على المزاج العربي العام والذوق المشترك

الحياة ليست كلها سياسة، بل أن القطاع الأكبر من شعوب أي مجتمع له أولويات واهتمامات فنية وأدبية واجتماعية أخرى. وتقوم القنوات الفضائية العربية بدور هائل لا يمكن إنكاره في تحقيق التقارب في المزاج العربي العام من خلال الأغنية وسائر مظاهر الإبداع الفني والأدبي الأخرى، فالعرب يجتمعون على غناء أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب (مصر) وفيروز (لبنان) ومحمد عبده (السعودية) والذين أطربوا كل العرب لسنوات طويلة حتى أن إحدى القنوات السعودية تخصص ساعة يوميًا لإحدى أغنيات أم كلثوم، وهناك قمم غنائية أخرى توحد الذوق العربي العام مثل فريد الأطرش، وشقيقته أسمهان، وصباح، وفايزة أحمد، ووردة الجزائرية، إضافة إلى عدد كبير من المطربين الذين مازالوا يملؤون الساحة شدوًا وبهجًا.   

وإلى جانب الأغاني فقد كان للقنوات الفضائية العربية دور لا يقل أهمية في بث الأفلام السينمائية، ومنها قنوات تخصصت فقط في بث هذه الأفلام، أضف إلى ذلك دور المسابقات الفنية التي نظمتها بعض هذه القنوات لتشجيع المواهب الغنائية العربية واختيار الأفضل منها مثل برنامجي عرب ايدول وذا فويس. وجدير بالذكر في هذا الصدد، أن المشاركين في التنافس وأعضاء لجنة التحكيم الذين يقومون بالاختيار يأتون من دول عربية مختلفة مما يوجد نوعًا من المنافسة الحميمية بين المشاركين، كما يظهر  هذا المزاج المشترك في غناء متسابق من دولة ما لأغنية لمطرب من دولة عربية أخرى.  

وتقوم القنوات الفضائية العربية بدور مماثل في المجالات الفكرية والأدبية الأخرى، مثل تغطية مهرجانات للشعر، أو إجراء حوارات مع مفكرين وباحثين، أو البرامج التي تناقش الإصدارات الجديدة من الكتب.  

  1. الحفاظ على الذاكرة العربية المشتركة

ويشير هذا الدور إلى قيام القنوات الفضائية العربية ببث برامج وأفلام تؤكد على وحدة التاريخ العربي وأن البلاد العربية واجهت ظروفًا مشتركة، وإن كان لكل منها خصوصيتها، من فترة الانسلاخ عن الدولة العثمانية أو النضال ضد الاستعمار الأجنبي وصولاً إلى تحقيق الاستقلال وبناء مؤسسات الدولة. وتقوم هذه القنوات بهذا الدور من خلال برامج الحوارات مع القيادات السياسية والاجتماعية من بلاد عربية متنوعة التي شاركت ِِِِفي أحداث تاريخية مهمة في هذا البلد العربي أو ذاك، ويكون هدف البرنامج توثيق الشهادة التاريخية لهذا الشخص ؛ وتزداد أهميتها عندما يكون المذيع على معرفة بأحداث هذه الفترة ويقوم بطرح الأسئلة التي تكشف عن جوانب جديدة منها وبدور الضيف فيها. وفي كثير من الأحيان فإن هذه المقابلات كشفت عن جوانب وتفصيلات لم تكن معروفة من قبل خاصة عندما يكون الضيف لم يكتب مذكراته ولم يدل بروايته لقناة أخرى. وفي هذا السياق، تبرز أهمية الأفلام الوثائقية التي تنتجها بعض القنوات لتغطية حدث تاريخي أو مرحلة ما من تاريخ البلاد العربية أو إحدى دولها.

ويكون من شأن هذه الحوارات والأفلام تأثيرات إيجابية أو سلبية، فإذا اتسم الحوار بالموضوعية وتدخل المذيع لوقف الضيف إذا تطاول على دولة عربية أخرى يكون للبرنامج أثر إيجابي، ونفس الشيء بالنسبة للأفلام التوثيقية فإذا اتسمت بالتعبير عن وجهات النظر المتباينة فإنها تحقق نفس الهدف، أما إذا اتسم الحوار أو الفيلم الوثائقي بالانحياز  وكان من شأنه الإساءة إلى دولة أو شعب عربي آخر أو إلى إحدى مكوناته الاجتماعية فإن ذلك يكون مبعثًا للشقاق والخلاف. وتبدو خطورة هذه التأثيرات خصوصًا في القنوات ذات الطابع المذهبي والطائفي، فمع أن مشاهدي هذه القنوات لا يمثلون قطاعًا واسعًا من العرب فإن تأثيرها عليهم يكون مركزًا.

ثانيًا: الإعلام والأزمات بين الدول العربية

هنالك العديد من الحالات التي تسبب فيها برنامج حواري أو فيلم وثائقي أو تعليق لأحد المذيعين في إثارة أزمات سياسية بين الدول العربية، ويمكن أن نسوق أمثلة لذلك من سلوك قناة الجزيرة القطرية وبعض القنوات المصرية وإن كان لقناة الجزيرة فضل السبق في عدد الخلافات والأزمات التي سببتها في العلاقات بين قطر وعدد من الدول العربية، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي والتي كان من نتيجتها توصية مجلس وزراء إعلام الدول الخليجية في أكتوبر 2012م، في اجتماعه بمسقط بمقاطعة قناة "الجزيرة" لما تبثه من أخبار وبرامج تسيء إلى منطقة الخليج حسب نص التوصية.

وحظت مصر بنصيب الأسد من هذه الأزمات في خلال الفترة من قبل يناير 2011م، وبعد يونيو 2013م، فقبل عام 2011م، وجهت القناة انتقادات مستمرة لنظام حكم الرئيس حسني مبارك مركزة على مجال حقوق الإنسان والعلاقة مع منظمة حماس في غزة إلخ، وأنشأت قناة خاصة باسم "الجزيرة مباشر مصر" ركزت كل برامجها على تغطية الشؤون المصرية، واستمرت حتى صدور قرار من السلطات المصرية في 2013 بوقف بث هذه القناة.

 وفي الفترة التي تلت يونيو 2013م، تبنت القناة وصف نظام الحكم الجديد في مصر بحكومة "الانقلاب العسكري"، وفتحت أبوابها للعناصر الرافضة للنظام الجديد من قيادات حركة الإخوان المسلمين ومشايعيهم.  

وقد كان لهذه المواقف تأثيراتها على العلاقات القطرية – الخليجية، فقد كانت السعودية والإمارات والكويت والبحرين قد أعلنت تأييدها للنظام الجديد وسقوط حكم الإخوان وقدمت مساعدات اقتصادية وسياسية لدعمه وتدخل الملك عبد الله لتقريب وجهات النظر بين البلدين وقامت السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من قطر احتجاجًا على عدم التزام قناة الجزيرة بالتهدئة.  

وفي نوفمبر 2016م، ومع ظهور بوادر خلاف مصري - سعودي بشأن عدد من القضايا وتصويت مصر في مجلس الأمن على مشروعي القرارين الفرنسي والروسي بشأن سورية، ركزت القناة على تأجيج الخلاف بين البلدين وإبراز كل ما يؤدي إلى تباعد الشُقة بينهما. وبالغت في تغطية خبر عدم مشاركة مصر في الانسحاب من القمة العربية الإفريقية التي انعقدت في غينيا الاستوائية.  وتصوير حفاوة الاستقبال السعودي لرئيس وزراء إثيوبيا هايلي ميريام، هذا في الوقت الذي كانت القنوات السعودية تغطي فيه هذه الأخبار بشكل منضبط.

وفي نفس الشهر- 2016م، اندلعت أزمة أخرى بسبب بث قناة الجزيرة لفيلم عن الجيش المصري بعنوان موح هو " العساكر: حكاية التنجيد الإجباري في مصر" وكان رد الدوائر الحكومية والإعلامية المصرية عنيفًا فقد اعتبرت الفيلم تطاولاً على الجيش المصري، وعبثاً بالأمن الوطني للدولة، وأنه يشمل معلومات مكذوبة ولقطات مدسوسة، وبثت القنوات الفضائية المصرية فيلمًا بعنوان " يوم في حياة مقاتل." والحقيقة، أن أغلب المصريين أعتبر هذا الفيلم توسيعًا لنطاق الخلاف بين مصر وقطر ليصل الى أهم مؤسسات تحقيق الأمن الوطني وهو الجيش والذي ينبغي إبعاده عن الصراعات السياسية .

وثارت أزمة بين قطر والبحرين في مايو 2012م، بسبب الطريقة التي عالجت بها قناة الجزيرة التطورات السياسية في البحرين مما دفع بوزير إعلام الأخيرة إلى التصريح بأن الجزيرة "اساءت إلى البحرين وشعبها إساءة بالغة"، وتلى ذلك رفض الحكومة البحرينية طلب القناة للمشاركة في تغطية الانتخابات البلدية. كما نشبت أزمة مع دولة الكويت في نوفمبر 2016م، عندما أعلن مدير مكتب الجزيرة أن وزارة الإعلام الكويتية قد طلبت منه شفاهة إغلاق مكتب القناة.

وأثارت الجزيرة أزمة العلاقات مع السعودية عندما بثت في عام 2013 م، فيلمًا وثائقيًا بعنوان "سوداء اليمامة" تضمن انتقادات لسلامة الإجراءات المالية الخاصة بصفقات الأسلحة السعودية.

أما بشأن دور الإعلام الرياضي في إيجاد الأزمات ينبغي الإشارة إلى الأزمة التي نشبت بين مصر والجزائر في نوفمبر 2009م، بشأن مباراة كرة القدم بين البلدين التي جرت في السودان ضمن تصفيات كأس العالم لكرة القدم وأدى اتهام المعلقين الرياضيين المصريين للمشجعين الجزائريين باستخدام العنف والاعتداء على المشجعين المصريين إلى أزمة سياسية وأشار  المعلقون الجزائريون في مجال الرد إلى اعتداء الجماهير المصرية على حافلة الفريق الجزائري أثناء وجوده في القاهرة وأن وصف بعض الإعلاميين المصريين للجزائريين بـ "البرابرة" و"الهمجية" أمر لا يليق، لم تقتصر على المستوى الرسمي وإنما تعدتها إلى المستوى الشعبي، وقام عدد من الجزائريين بالاعتداء على مقرات إحدى الشركات المصرية العاملة في الجزائر . وكانت أوقات فتنة تبادل فيها الطرفان في وسائل الإعلام سائر أشكال الإساءة والسباب وركب بعض السياسيين الموجة لاكتساب الشعبية وقام الاتحاد المصري لكرة القدم بتقديم شكوى ضد الاتحاد الجزائري إلى الفيفا طالبًا التحقيق في الاعتداءات ضد المشجعين المصريين. ونظرًا لأن شكوى الاتحاد المصري لم تكن مرفقة بأدلة موثقة ومقنعة، فإن الاتحاد الدولي لكرة القدم حفظ التحقيق فيها.

وكان لعديد من أدوات الإعلام المصرية دور في الأزمة مع حركة حماس وذلك لاتهامها بدعم الإخوان المسلمين في مصر وتأييد التنظيمات الارهابية في سيناء وتزويدهم بالتدريب والسلاح  عبر الأنفاق، وتنافس بعض الإعلاميين في توجيه الاتهامات لحركة حماس بما يتجاوز الانتقادات الرسمية لها ودعا أحدهم إلى ضرورة تدخل الجيش المصري في غزة لضرب أوكار التدريب ودعم الإرهاب، هذا في الوقت الذي استمرت فيه الاتصالات بين الحكومة المصرية وحماس وزارت مصر وفود من الحركة لإجراء مباحثات مع  الأجهزة الأمنية المصرية.

وتسبب تطاول إحدى الإعلاميات في قناة On TV المصرية إلى أزمة بين مصر والمغرب في يوليو 2014م، وذلك عندما ذكرت أن اقتصاد المغرب "يقوم على الدعارة"، وأدى ذلك إلى غضب مغربي رسمي وشعبي وتقدمت السفارة المغربية ببلاغ بشأن هذه الواقعة للنائب العام ونظم المغاربة وقفة احتجاجية في الرباط أمام مقر السفارة المصرية. ويبدو أن اعتذار المذيعة واعتذار القناة لم يكن كافيًا، وانتهى الأمر بوقف ظهور هذه المذيعة في  القناة.

ثم ماذا بعد ...

من المتفق عليه أن الإعلام هو أحد أدوات السياسة الخارجية للدولة، ومن الطبيعي أن تستخدم الدولة هذه الأداة للتعبير عن وجهات نظرها ومواقفها تجاه الخلافات بينها وبين الدول الأخرى، ويكون الإعلام في هذه الحالة مرآة تنعكس عليها مواقف الدولة وآراء مسؤوليها، وتكون مهمة الإعلام المرتبط بهذه الدولة شرح المواقف وعرض الآراء والدفاع عنها في مواجهة المواقف والآراء الأخرى... وكل هذا طبيعي ومفهوم.

ولكن غير الطبيعي وغير المفهوم أن تقوم بعض البرامج والمذيعين بتجاوز موقف الدولة، والتطاول على شعوب وقيادات دول أخرى والإساءة إليها ومتجاوزين في ذلك كل التصريحات الرسمية، ويرتبط بذلك أيضًا التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية الأخرى وعدم الاكتفاء بنقل الأخبار والأحداث وإنما الانحياز إلى أحد الأطراف المعارضة ضد سياسة الدولة.

ويمكن تفسير هذه التجاوزات بأكثر من سبب مثل رغبة بعض المذيعين في الإثارة وجذب الانتباه وشد الأنظار إلى برامجهم، واصطناع جرأة زائفة لتحقيق ذلك. وهناك الرغبة في نفاق قيادات الدولة والتقرب منهم وذلك بالتمادي في التأييد والإساءة للدولة أو الدول التي تتبنى مواقف مختلفة. وهناك الإثارة المتعمدة من جانب بعض القنوات كسياسة تهدف إلى إثبات الوجود في عالم الفضائيات العربية الواسع، وهناك أخيرًا القنوات التي تتعمد الإساءة إلى دول وشعوب عربية أخرى لأسباب سياسية وبهدف الإساءة إلى مكانة هذه الدولة أو تلك، أو إلى محاولة لإحداث الوقيعة بينهما.

وبالنسبة للتجاوزات النابعة عن الرغبة في الإثارة، أو الجهل بتداعيات رأي ما فإنه ممكن التعامل معها من خلال تدريب الإعلاميين والتزامهم بميثاق أخلاقي حول حدود الخلاف السياسي وضرورة ألا يمتد أي خلاف ليصل إلى" التهجم الشخصي" على القيادات وأسرهم فهذا خط أحمر. أما عندما يكون التجاوز متعمدًا وبرضاء من يساندون ويموِلون القناة فإن ذلك يمثل مشكلة لا حل لها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية ـ جامعة القاهرة 

مجلة آراء حول الخليج