; logged out
الرئيسية / دول مجلس التعاون تواجه نفس التحديات المتعلقة بالوظائف و التنمية المستدامة الجامعات والاقتصاد المعرفي: نظرة مستقبلية للاقتصاديات الخليجية

العدد 119

دول مجلس التعاون تواجه نفس التحديات المتعلقة بالوظائف و التنمية المستدامة الجامعات والاقتصاد المعرفي: نظرة مستقبلية للاقتصاديات الخليجية

الأحد، 07 أيار 2017

مفهوم اقتصاد المعرفة

توجد في الواقع عدة تعريفات لمفهوم الاقتصاد المعرفي، منها أنه الاقتصاد الذي تعتمد فيه منشآت الأعمال على قوة الحاسبات الآلية، والعقول البشرية جيدة التعليم في زيادة القيمة المضافة وخلق الثروة .

ويرى البعض أن الاقتصاد المعرفي هو الاقتصاد الذي تتعاظم فيه أهمية المعرفة بالمقارنة مع الموارد الطبيعية ورأس المال المادي، والعمالة غير الماهرة في عملية النمو الاقتصادي .وهو التعريف الذي تأخذ به دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

 ويذهب البعض إلى أنه الاقتصاد الذي تقوم فيه عملية توليد واستغلال المعرفة بالدور الغالب في خلق الثروة، وبالتالي فاقتصاد المعرفة ليس فقط إنتاج وتوسيع حدود المعرفة، وإنما يعني أيضًا استخدام واستغلال كل أنواع المعرفة بأقصى ما يمكن من فاعلية في كل نواحي الأنشطة الاقتصادية لتحقيق معدلات نمو مرتفعة وفتح آفاق جديدة للتوظف والرفاه.

ويمكن القول أن فكرة قيادة المعرفة للاقتصاد الوطني لا تقتصر فقط على الصناعات عالية التقنية، وإنما تشمل مجموعة من المصادر الجديدة للمزايا التنافسية التي يمكن تطبيقها في جميع القطاعات، وجميع الشركات والأقاليم بدءًا من الزراعة، وتجارة التجزئة إلى (البرامج الجاهزة) والبيوتكنولوجي.

وهكذا يعرف الاقتصاد المعرفي على أنه النجاح الاقتصادي الذي يؤسس على الاستخدام الفعال والمتزايد للأصول غير الملموسة، مثل المعرفة، والمهارات، والقدرات الابتكارية، كمصادر رئيسة لتحقيق مزايا تنافسية، وبالتالي فإن مفهوم الاقتصاد المعرفي يستخدم لوصف الهيكل الناشئ للاقتصاديات الوطنية الذي تتعاظم فيه دور الأصول الإنتاجية غير الملموسة على حساب الأصول الإنتاجية التقليدية .

ومما سبق يمكن استخلاص عدد من العناصر التي تميز اقتصاد المعرفة:

1-         اعتماد منشآت الأعمال على قوة الحاسبات الآلية والعقول البشرية جيدة التعليم في خلق قيمة مضافة.

2-         تعاظم دور المعرفة في دالة الإنتاج والإنتاجية بالمقارنة مع العناصر التقليدية مثل الموارد الطبيعية ورأس المال المادي والعمالة غير الماهرة.

3-         اعتماد خلق الثروة على عمليات توليد واستغلال المعرفة واستخدام أنواع المعرفة في كل أنواع الأنشطة الاقتصادية .

4-         استخدام المعارف في اكتساب ميزات تنافسية للمنتجات في جميع القطاعات الإنتاجية وليس الصناعات التحويلية فحسب.

5-         تزايد دور الأصول غير الملموسة كالمعرفة والمهارات والابتكار في تحقيق مزايا تنافسية للمنتجات وعلى المستوى الوطني.

أهم التحديات التي تواجه دول الخليج في حقبة ما بعد النفط

على الرغم من الاختلافات بين دول مجلس التعاون من حيث الحجم، والجوانب الديموغرافية والثروة، إلا أنها تواجه بنفس المشاكل والتحديات، فيما يتعلق بخلق الوظائف وتحقيق تنمية مستدامة، والتي يمكن حصرها على النحو التالي:

  1. صغر حجم مشاركة القطاع الخاص في توليد الناتج وتوفير فرص عمل خاصة بالنسبة للوطنيين، وهو ما يرتبط جزئيًا بحداثة عهد رجال الأعمال بممارسات الأعمال الحديثة. ومن وعلى الرغم مما تقدمه حكومات دول المجلس للقطاع الخاص من حوافز، وتوفير عناصر البنية التحتية، إلا أن القطاع  بوضعه الحالي غير مهيأ للمساهمة بشكل فاعل في توفير فرص عمل  كافية للداخلين الجدد من مختلف التخصصات الجامعية والعمالة الفنية والشهادات المتوسطة، أو المساهمة في عملية التنمية المستدامة.

 ورغم تباين مستوى التنوع الذي حققته دول مجلس التعاون إلا أن قطاع الطاقة، ونظرًا لكونه من القطاعات كثيفة رأس المال، لا يزال يمثل القطاع المسيطر على هيكل اقتصاديات دول الخليج العربية، وهو بطبيعته لا يوفر فرصًا واسعة للتشغيل، في الوقت الذي توجه فيه معظم إيرادات النفط إلى تمويل الإنفاق الحكومي المتزايد.

  1. ويتمثل التحدي الثاني في ضرورة إيجاد قطاعات غير نفطية قادرة على النمو الذاتي وتوفير مصدر دائم للتشغيل والنمو، خاصة عندما تنضب الثروة النفطية. وحتى بالنسبة للدول ذات الوفرة النفطية، فلا تزال مطالبة بتحقيق نوع من المساواة في توزيع الثروة بين الأجيال، ولا سبيل أمامها أفضل من إقامة أصول إنتاجية في قطاعات إنتاجية لها صفة الاستمرارية والاستدامة.
  2. كذلك تواجه دول مجلس التعاون بتحدي ثالث ناشئ عن تقلب أسعار النفط العالمية كما هو حادث في الوقت الحالي، حيث تتراجع الإيرادات العامة، ويتقلص حجم الإنفاق الحكومي، والذي يؤثر سلبا على معدلات نمو القطاعات غير النفطية، ويتراجع معدل التشغيل حتى في القطاع الحكومي.

لذلك فإن تنويع هيكل الاقتصاديات الوطنية يمثل مخرجًا ومواجهة حتمية مع هذه التحديات حيث يفتح الباب أمام فرص تشغيل مستدامة، ويقلل من الآثار السلبية لتقلبات أسعار النفط، ويحسن من فرص العمل أمام الأجيال القادمة، ويوسع قاعدة الإيرادات العامة للدولة، ويقلل من الاعتماد على الإيرادات النفطية، ولا يكون الاقتصاد الوطني عرضة للتقلبات الناشئة عن ظروف أسواق النفط العالمية.

الشروط اللازمة للتقدم نحو تنويع هيكل الاقتصاديات الوطنية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية:

أسفرت تجربة العقود الأربعة الأخيرة منذ الحقبة البترولية الأولى في العام 1974م، وحتى الآن ،عن وجود قناعة مشتركة لدى دول مجلس التعاون بضرورة التحول إلى نمط حديث للتنمية، يتسم بالكفاءة والاستدامة، والبحث عن مصادر جديدة للنمو بعيدًا عن قطاع النفط.

وتشير تجارب التنمية الناجحة في دول مثل كوريا الجنوبية وتركيا وماليزيا والبرازيل إلى أن استدامة التنمية رهن بإقامة أصول وقدرات إنتاجية متجددة تتمثل فيما يلي:

  1. تكوين أصول إنتاجية مادية في قطاعات إنتاجية حديثة خاصة في مجال الصناعات التحويلية عالية التقنية، ويأتي على رأسها الصناعات الالكترونية، بل ويمكن أن تتسع لتشمل مختلف مجالات عمليات التصنيع، بدءًا من الصناعات الاستهلاكية الخفيفة، إلى الصناعات الهندسية لإنتاج المعدات والأجهزة، وانتهاءً بالصناعات التشغيلية لإنتاج الآلات.

 وعلى دول مجلس التعاون استغلال ما بينها من صور للتكامل الاقتصادي في التنسيق فيما بينها نظرًا لما تتسم به بعض مراحل التصنيع من الاعتماد على الإنتاج الكبير، فضلاً عن  وضع استراتيجيات طويلة الأجل لعملية التصنيع، وتجهيز ما يلزم من مدخلات بشرية أو مادية لضمان قيام مشروعات ذات كفاءة عالية.

  1. تكوين أصول إنتاجية بشرية أي تكوين رأس المال البشري الذي أصبح شرطًا ضروريًا لنجاح أي عملية تنمية حديثة في مختلف الأنشطة الإنتاجية، سلعية كانت أو خدمية والتي تعتمد على مدخلات وتقنيات حديثة، الأمر الذي يتطلب معه ضرورة إعداد كوادر بشرية مزودة بقدرات معرفية عالية، وتزويدهم بمهارات عمل عالية قادرة على التعامل مع آلات ومعدات متطورة لا يكفي لتشغليها مهارات عملية تقليدية.

وهنا يصبح تطوير منظومة التعليم واحدة من الشروط المسبقة لنجاح إقامة مشروعات انتاجية حديثة في مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي، ومن ثم تنويع هيكل الاقتصاديات الخليجية.

أهمية الاقتصاد المعرفي في التنمية

أصبح الاقتصاد المعرفي توجهاً حديثا للتنمية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، هذا التوجه من شأنه أن يغير نمط التنمية والنمو الاقتصادي ومرتكزاته، من الاعتماد على الموارد الطبيعية والكفاءة في استخدام الموارد فقط، إلى اعتبار المعرفة أهم مدخلات التنمية في المرحلة القادمة، مستهدفة إقامة صناعات تحويلية عالية التقنية ،وزيادة مدخلات المعرفة في كافة أنشطة الاقتصاد الوطني الإنتاجية الخدمية والسلعية .

وبالإضافة إلى ضرورة التحول نحو الاقتصاد المعرفي لتحقيق أهداف الارتفاع بمعدل النمو الاقتصادي، وإقامة صناعات تحويلية عالية التقنية، واكتساب ميزات تنافسية جديدة، فإن التحديات التي تواجه اقتصاديات دول الخليج العربية تؤكد بدورها الاعتماد على المعرفة كأهم محركات النمو الاقتصادي .ويأتي على رأس هذه التحديات التحولات الديموغرافية للسكان والداخليين الجدد إلى سوق العمل .

ويتطلب ذلك تأمين فرص عمل عالية الإنتاجية، مرتفعة الأجر لاستيعاب هؤلاء الشباب وتلبية طموحاتهم في مستوى دخل مرتفع، وهو ما تعجز قطاعات الأعمال بصورتها الحالية عن توفيره، ومن ثم تصبح عملية تحديث الاقتصاديات الوطنية وتنويع مصادر النمو والدخل ، هي السبيل الوحيد لمواجهة هذه التحديات .

فإذا أضفنا لذلك تحديات العولمة والتنافسية العالية، ومشاكل البيئة والطاقة المتجددة ،فلا سبيل إلى تحقيق تلك الأهداف أو مواجهة هذه التحديات إلا من خلال قطاعات إنتاجية سلعية وخدمية – لعل في طليعتها الصناعات التحويلية عالية التقنية - مرتفعة الإنتاجية عالية الأجر، وذلك ما تؤمنه عملية التحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، بما يوفره من قوة دفع لمستويات أعلى من النمو، وإكساب القطاعات الإنتاجية ميزات تنافسية ،وفتح آفاق أوسع أمام فرص العمل والتشغيل .

    وتعد الجامعات المنبع المحوري والمخزن الرئيسي للمعرفة في المجتمعات الحديثة، لذا فإن تطوير هذه  المعرفة ونشرها وتطبيقها يؤثر ليس فقط على الثراء الثقافي للمجتمع ،وإنما أيضًا على تنافسية الاقتصاد الوطني ،وهو الأمر الذي يفرض العديد من التحديات على الاقتصاديات الخليجية ، ويتطلب وضع السياسات اللازمة لتشجيع وتسهيل الفهم العميق والعمل المشترك بين الجامعات والأعمال.

      ومع التحول في البيئة الاقتصادية والعولمة صار إنتاج ونقل العلوم والابتكار والتقنية إلى قطاعات الأعمال من المهام الأساسية للجامعات حتى يمكن أن تسهم بفاعلية في بناء اقتصاد قائم على المعرفة، فيما يعرف بالجامعة الريادية entrepreneurial university.وانبثق من هذه المهمة دورًا جديدًا للجامعات في نظام الابتكار الوطني ،وتطوير الأعمال والاستثمار، ويبرز هذا الدور في الدول النامية على وجه الخصوص ،مع حاجة قطاعات الأعمال إلى بناء قدراتها المعرفية والتقنية ورفع قدراتها التنافسية حتى تستطيع أن تجد لها مكاناً في الأسواق العالمية.   

ورغم أن المهام الرئيسية في معظم الجامعات على مستوى العالم تشمل الآن عمليات التعليم، والتدريب والبحث العلمي، إضافة لنشر التقنية الجديدة التي تنتجها الجامعات من خلال باحثيها والمراكز البحثية التابعة لها، وتحويلها إلى منتجات في الأسواق، إلا أن الوصول إلى هذه القناعات واجه عدة مصاعب كان من أبرزها: تباين ثقافات ومصالح الجامعات بالمقارنة مع الأعمال، ومصاعب نقل الابتكارات والتقنيات من المعامل إلى الصناعة، ومصادر تمويل إقامة شركات التقنية الجديدة.

وقد تطلب مواجهة هذه المعوقات وإحداث توافق بين الأهداف المتعارضة من وجهة نظر الأطراف ذات العلاقة في عملية الاستغلال التجاري لنتائج البحوث، أن تقوم الجامعات بالتعاون مع الحكومة بتناول عدد من القضايا التي مهدت الطريق أمام دور فاعل للجامعات في اقتصاد المعرفة في كثير من دول العالم.

من أهم هذه القضايا تسهيل عملية استخدام مخرجات البحث والتطوير التي تتولد داخل الجامعات على نطاق واسع من خلال التراخيص وغيرها من أشكال الانتفاع التجاري .وأن تتمشى عمليات الانتفاع التجاري مع النظم السائدة، وأن تحصل الجامعات والباحثين على حقوقهم المالية نتيجة الاستخدام التجاري لمخرجات بحوثهم، إضافة إلى التأكيد على أن نتائج البحوث ستبقى متاحة على نطاق واسع للاستخدام العام في البحوث المستقبلية.

كذلك تشير التجارب الدولية إلى أهمية أن تتضمن سياسات الابتكار والانتفاع التجاري تسهيلات وإقامة مؤسسات وسيطة لنقل المعرفة الأكاديمية التي تنتجها الجامعات إلى قطاعات الأعمال (نقل التقنية)، وتشمل طرق نقل التقنية بيع أو تخصيص حقوق الملكية الفكرية ،الترخيص، أو إقامة شركات التقنية وغيرها من صور التعاون بين الجامعات والأعمال، وتعاون الشركات مع النظام التعليمي.

ويمكن أن تأخذ صور الانتفاع التجاري بيع أو منح حقوق الملكية الفكرية ويتضمن ذلك تغيير في ملكية الاختراع بواسطة المالك إلى طرف ثالث، ويعد هذا النوع من نقل التقنية نقلاً دائماً وغير قابل للرد، ومن مزايا هذه الاستراتيجية في الانتفاع التجاري بالنسبة لمالك الاختراع هي أنها توفر فرصة تسويقية وعائد مالي بالنسبة للبحوث المستقبلية، فعلى سبيل المثال يمكن لشركة جديدة في البايوتكنولوجي أن تقرر بيع اختراعها من خلال اتفاقية تخصيص (منح ترخيص)، ومن ثم تكون قادرة على الاستمرار في إجراء بحوث مستقبلية وزيادة رصيدها من الاختراعات .

كما تمثل التراخيص Licensing وسيلة مناسبة في كثير من الحالات لنقل التقنية من الجامعات للأعمال، ويعرف الترخيص بأنه السماح الذي يمنحه مالك الاختراع لطرف ثالث باستخدام الاختراع في أغراض معينة وفي أماكن محددة مقابل رسوم تدفع لذلك. وبذلك يصبح من حق مالك الاختراع أن يحصل على تدفقات مالية خلال فترة زمنية ،ويقلل من عدم التأكد بخصوص التدفق النقدي المستقبلي ويتيح ذلك للشركات الوصول إلى الاختراعات ويوسع من نصيبها في السوق ومن الأرباح.

وقد توسعت كثير من الجامعات العالمية في إقامة شركات التقنية، حيث تقام شركات التقنية من قبل الجامعات أو الباحثين أنفسهم بغرض الانتفاع التجاري من نتائج بحوثهم (spin out) وعادة تقام بالحرم الجامعي أو بالقرب منه حتى يمكن للشركة أن تصل بسهولة وتستخدم التسهيلات الجامعية من معامل ومختبرات وأجهزة ولمساعدة شركات التقنية فإن الجامعات تقيم عادة ما يعرف بحدائق العلوم وحدائق البحوث، إضافة إلي إقامة شركات تقنية بالتعاون بين الجامعة والقطاع الخاص بصور مختلفة من الشراكة .spin off))

 

نموذج الجامعات الريادية  entrepreneurial universities

يعتمد نجاح نموذج الجامعة الريادية على النشر والتعبئة الشعبية الشاملة لثقافة ريادة الأعمال والابتكار بين مجتمع الجامعة والإقليم الذي توجد فيه، إضافة إلى تقوية البحوث المشتركة والممولة من الأعمال، ثم قيام الجامعة بالترخيص للابتكارات وبراءات الاختراع التي يقوم عليها الباحثون بالجامعة، ووضع أجندة للريادة والابتكار تعكس سياسات الجامعة ورسالتها وتخصيص الميزانية والحوافز والمحتوى، حتى توفر هذه المنظومة التحفيز والترويج على إجراء بحوث قابلة للتطبيق العملي، وإقامة تعاون صناعي، ووضع مقاييس metrics جديدة لأداء الجامعات تتمثل في :عدد البحوث الابتكارية، وعدد براءات الاختراع، وعدد شركات التقنية، وإيرادات التراخيص، وبراءات الاختراع

تنظر الحكومات عبر العالم  للابتكارات التقنية باعتبارها المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي، وتعتبر الجامعات حاضنة هذه القدرات الوطنية، حيث تعمل الجامعات من خلال إقامة محاور للابتكار قائمة على التقنية technology-driven innovation hubsمثل وادي السيليكون ‘  وميدان كيندال في الولايات المتحدة.

كما تغيرت النظرة للجامعات من مجرد مؤسسات اجتماعية غير نشطة اقتصاديًا، حيث ينحصر دورها في مد المجتمع بخريجين متعلمين، مزودين بالمهارات اللازمة للعمل، وإجراء بحوث نظرية وتطبيقية، ليس لها مردود مادي، إلى أن أصبحت الآن شريكًا رئيسًا في التنمية، ومن هذه السبل نقل التقنية من الجامعة إلى الصناعة، حيث توفر الجامعة المعرفة التي يمكن من خلالها  للصناعة أن تطور تقنيات جديدة وتحفز على التنمية.

 المهم الآن هو كيفية دفع وإدارة عملية التحول المؤسسي نحو هذا النموذج من الجامعة الريادية entrepreneurial model;في بيئة كلها تحديات، ويمكن الاعتماد على النموذج الذي يستند على حاجة المجتمع، أي من القاعدة إلى القمة، مستندًا على دعم ومساندة من الطلاب، والحلفاء أو الشركاء، ورواد الأعمال في الاقتصاد الإقليمي.

ويعتبر هذا التوجه والتطور في دور الجامعات استجابة لما يواجه الاقتصاديات الوطنية من تحديات اقتصادية واجتماعية،  ومدفوعة بالمساهمة في حفز النمو الاقتصادي الإقليمي،  من خلال خلق فرص عمل للخريجين، والداخلين الجدد لأسواق العمل، ومن ثم التحول من مجرد تقديم خريجين إلى خلق فرص عمل ، وفرص بحثية.

كذلك يستند هذا التوجه على الرغبة في تحقيق دخل من البحوث الجامعية، أي على حاجة الجامعة لتحقيق مزيد من الإيرادات الذاتية، مع وجود أجندة ريادة أعمال وابتكار، مدفوعة ومرتكزة علي جهود مكتب نقل التقنية، technology transfer office (TTO). وترتكز المبادرة في هذا النموذج على القدرات البحثية الجامعية، مع ضمان حماية حقوق الملكية الفكرية IPودون أي تهميش لدور الطلاب، والشركاء ومجتمع الأعمال في المنطقة المحيطة بالجامعة.

ومما يساعد على التغلب على أية مصاعب قد تثار، وجود دور قوي للقيادات الجامعية في إقامة سوق لمخرجات الجامعة الابتكارية، وتطوير منهجية تستجيب للقيود والفرص الموجودة في الإقليم الذي تتواجد فيه الجامعة.

كما أن هناك أيضًا دور للأقسام العلمية، وأهمية تطوير الثقافة الجامعية نحو ريادة الأعمال، وتقديم الدعم للباحثين وتحفيزهم ومكافأتهم، وتقوم الجامعة بتوزيع المسؤوليات الخاصة بريادة الأعمال والابتكار فيما بين الوحدات والمؤسسات التابعة لها، كذلك هناك دور أساسي للجهات الخارجية من خلال إقامة شراكة قائمة على الثقة والمنافع المتبادلة بين الجامعة والأطراف الخارجية من الحكومة وقطاعات الأعمال

نقل التكنولوجيا وريادة الأعمال

تقوم الجامعات بدور أساسي في التنمية الاقتصادية الإقليمية، حيث تعد الجامعات مؤسسات قادرة على خلق وتوليد وانتشار ونشر الأفكار الجديدة والتي ترتكز عليها الابتكارات، وخلق المهارات الفردية ورواد الأعمال، كما تعد الجامعات عنصرًا أساسيًا في الاقتصاد القائم على المعرفة، ومركزًا يقام حولها تجمعات صناعية جديدة.

ومن هذه السبل إقامة شركات تقنية على نتائج البحوث الأكاديمية ، start-ups أو شركات تقنية مملوكة للجامعات ذاتها Spin- offs، وتعليم وتدريب الطلاب والباحثين على أسس ريادة الأعمال،

ويتطلب ذلك إعداد وإعلان سياسة الجامعة في نقل التقنية من خلال دراسة الظروف الوضع القائم في الجامعة، والوضع الحالي للإقليم، ثم اقتراح السياسة اللازمة للانتفاع التجاري، ففي الجامعات الأمريكية يتم تدشين شركتين في المتوسط كل عام للجامعة الواحدة، رغم ما تحصل عليه من تبرعات حكومية ومن رجال الأعمال، وبحث سبل التعاون مع الحكومة وقطاعات الأعمال.

وتمثل شركات التقنية الجامعية واحدة من مجموعات مختلفة من الأفراد يتعاونون بقصد نقل تقنية ما من مؤسسات البحث والتطوير خاصة الجامعية ، حيث يتم إجراء البحوث الابتكارية وتطويرها بما يتناسب مع تطبيقها في المجالات الصناعية، التي يتم فيها تحويلها إلى منتجات نهائية وخدمات.

The technology originator، ورواد الأعمال الذين يقومون بالمبادرات وإدارة الأعمال، مؤسسة البحث والتطوير ذاتها، وأصحاب رأس المال المخاطر The venture investor، فالمبتكر قد يكون مهندسًا، أو عالمًا، أو فريق عمل في مؤسسة البحث والتطوير، وفي كثير من مراكز البحث والتطوير سواء كانت في الجامعة أو المؤسسات الحكومية أو في الصناعة، يوجد مجموعة من الفنيين يخصصون وقتًا طويلاً للقيام بالحث والتطوير وتنفيذ مختلف مراحل خلق الأفكار الابتكارية وفحص المفاهيم وتمحيص ما يتولد عنها من تطبيقات.

أما العنصر الثاني في عمليات الابتكار والشركات التقنية فيتمثل في المنظم أو رائد الأعمال وقد يكون فريق من رواد الأعمال يتسلمون التقنية المتولدة بواسطة الفريق المبتكر، ويسعون لخلق مشروع جديدa new venture  منها.

 

أما مراكز البحث والتطوير، فيتم تمثيلها في عملية إنشاء الشركات الجامعية التقنية، عادة، من خلال مكتب نقل التقنية والتراخيص ، technologylicensing office ،الذي يتولى مسؤولية التأكد من أن الملكية الفكرية، ( مثل الاختراع المتعلق بالتقنية) تم توليده في المركز البحثي وأنه مملوك للمهندسين والعلماء الذين يعملون به، ويوفر لهم الحماية القانونية، واستخدام براءات الاختراع في تعظيم أهداف وعوائد الجامعة، وهو ما يعني الترخيص باستخدام التقنية، في مشروع قائم، أو خلق شركة تقنية جديدة.

أما العنصر الأخير في سلسلة إقامة شركات التقنية فيتمثل في المستثمر المخاطر، وهو عادة مؤسسة  رأس مال مخاطر تقوم على توفير التمويل اللازم للمشروع الجديد في مقابل حصص في رأس مال الشركة الجديدة.venture capital (VC) organization

أخيرًا تجدر الإشارة إلى أهمية وجود استراتيجيات للانتفاع التجاري التي يمكن من خلالها تفعيل دور الجامعات في التنمية الإقليمية، Commercialization ، وتستهدف هذه الاستراتيجية تفعيل العلاقة المتبادلة بين الجامعات والصناعة ومساهمة الجامعة في التنمية الاقتصادية على المستوى الإقليمي والمستوى الوطني، وهو ما يتطلب وضع سياسات لنقل التقنية، وأثرها على التنمية الاقتصادية، وتطوير نظرتنا للجامعة  كمؤسسة رئيسة داخل الإقليم، وتحديد الأنشطة الخاصة بالشركات المنبثقة التقنية

لقد تطور الدور التقليدي للجامعات والمتمثل في التعليم وإجراء البحوث الأساسية، مع الثورات العلمية، وأخذت الجامعات على عاتقها دورًا جديدًا، حيث أصبحت لاعبًا أساسيًا في التنمية الإقليمية والوطنية، ومصدرًا للمعرفة والتنمية، وخلق وتطوير التقنية، وتوفير العمالة المؤهلة، ومن ناحية أخرى لا يجب أن يستغرق عضو هيأة التدريس في العملية التعليمية، بل يجب أن يكرس وقتًا للبحوث الجامعية، متى كان هناك مردودًا، كما أن ممارسة الأعمال تجعل لمخرجات البحوث قيمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقالات لنفس الكاتب