; logged out
الرئيسية / أمن البحر الأحمر: مواجهة التهديدات باستراتيجية عربية لحماية الملاحة والاستثمار

العدد 127

أمن البحر الأحمر: مواجهة التهديدات باستراتيجية عربية لحماية الملاحة والاستثمار

الخميس، 15 شباط/فبراير 2018

لابد أن تتوقف أي نظرة لخريطة المنطقة العربية أمام البحر الأحمر كإحدى مناطق الأمن الرئيسية من زاوية الأمن القومي العربي، ويمكن تعريف الأمن القومي بأنه تلك المجموعة من القواعد الحركية التي يجب على الدولة أن تحافظ على احترامها وأن تفرض على الدول المتعاملة معها مراعاتها لتستطيع أن تضمن لنفسها نوعًا من الحماية الذاتية الوقائية الإقليمية، وهو بهذا المعنى يصير في جوهره مجموعة من التقاليد القومية التي تسير عليها السياسة العملية في علاقاتها الإقليمية بحيث تستطيع أن تضمن ألا تؤخذ على غرة من عدو محتمل يستطيع أن يستغل مواقع الضعف التي قد تفرضها طبيعة حدودها القومية.

يجب التعاطي مع قضية أمن البحر الأحمر بشكل يتناسب مع التحولات العالمية التي حدثت منذ أوائل التسعينيات وما تركته من آثار على مفهوم الأمن ووسائل تحقيقه، حيث تزايد التركيز على الجانب الاقتصادي والاجتماعي للأمن، واتساع نطاق مفهوم الأمن الإقليمي ليشمل البعد المتعلق بـ "الأمن التعاوني"، وهو مفهوم ينصرف إلى محاولة الأطراف تخطي المعضلة الأمنية التقليدية من خلال الانخراط في سلسلة من الترتيبات الأمنية المشتركة، حيث يتم دعم أمن كل طرف من خلال الاستراتيجية الأمنية للأطراف الأخرى.

1-البحر الأحمر كمنطقة آمنة

منطقة البحر الأحمر يحدها شمالا خليج السويس والشاطئ الغربي لخليج العقبة، بينما يقع الشاطئ الشرقي للخليج ضمن حدود المملكة العربية السعودية وفي أقصى شمال الخليج يوجد ميناء العقبة الذي يعد المنفذ الوحيد للأردن على البحر الأحمر وإلى الغرب منه يقع ميناء إيلات في إسرائيل، أما الحد الجنوبي فيطل عليه اليمن والصومال وجيبوتي وإثيوبيا، ومن هذا العرض يتضح أن أغلب هذه الشواطئ تقع ضمن حدود دول عربية_ فالدول الواقعة على الساحل الشرقي بأكمله دول عربية (الأردن والسعودية واليمن)_ وأن حوالي ألفي ميل من الساحل الغربي تقع في مصر والسودان وجيبوتي والصومال, بينما تشغل السواحل الإرترية التابعة لإثيوبيا حوالي 400 ميل من هذا الساحل.

وهو ذو موقع جغرافي يتوسط بين جناحي العالم العربي، ويتوسط البحار والمحيطات الشرقية والغربية, ويقع بالقرب من أهم منابع النفط في العالم, وهو أهم الشرايين البحرية في عالمنا المعاصر, إذ تمثل حرية الملاحة فيه مصلحة دولية وإقليمية كبرى, بالإضافة إلى أنه يزخر بالثروات الغذائية والمعدنية ومصادر الطاقة والصناعة والسياحة, ويمثل أهمية كبرى للأمن القومي العربي لأن سبع دول عربية مشاطئة له، منها ثلاث ليس لها منفذ بحري آخر، ومن ناحية أخرى فإن منافذ البحر الأحمر الثلاثة (جوبال وتيران وباب المندب) بالإضافة إلى قناة السويس جميعها تقع في مياه إقليمية عربية مما يتيح للأقطار العربية _في حال اتفاقها_ أن تقيد حركة مرور السفن المعادية التي قد تشكل تهديدًا للأمن القومي لدول المنطقة استنادًا إلى القانون الدولي.

إن أهمية البحر الأحمر يمكن أن تثار من جانبين: الأول هو الجانب الاستراتيجي العسكري الأمني, حيث يتميز بتغلغله أو تجاوره مع عدة مناطق بالغة الأهمية هي: الشرق الأوسط, منطقة الخليج العربي, القرن الإفريقي، بالإضافة إلى المحيط الهندي والبحر المتوسط, أما الجانب الثاني فهو اقتصادي, فحركة الملاحة في البحر الأحمر تمثل المصدر الأساسي للدخل في اليمن, ومصدرًا هامًا للدخل في الصومال وجيبوتي، و يتصدر قائمة بحار العالم لما يحتوي عليه في باطنه من معادن مثل الحديد، الماغنسيوم، وغيرها تشبع بها صخور قاع البحر الأحمر، هذا فضلاً عن النفط والغاز الطبيعي بالإضافة إلى الجلود والسماد والأصواف والطحالب، وجميعها يمكن أن تسهم في إنشاء صناعات متعددة تقام على الشواطئ المطلة عليه، هذا إلى جانب أهميته كطريق للنقل البحري وبالذات النفط، ومن هنا فإن أمن البحر الأحمر ينبغي أن يكون أحد قضايا ومشاغل الفكر الاستراتيجي العربي الرئيسية.

2-الصراع الاستراتيجي في منطقة البحر الأحمر

يمكن القول إن دراسة ديناميات الصراعات في منطقة البحر الأحمر هي أمر على جانب كبير من الأهمية لما لها من مردودات مباشرة وغير مباشرة, على الأمن القومي العربي بصفة عامة، فالأهمية الاستراتيجية لموقع البحر الأحمر جعلته موضع أطماع الدول القوية في مختلف العصور، وهو ما أدى إلى محاولة القوى الأوروبية بسط نفوذها على المنطقة، وذلك عن طريق محاولاتها الحصول على محطات بحرية على طريق المواصلات بين الشرق والغرب، بالإضافة إلى تدخل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل في عام 1950م، لفرض الاتحاد الفيدرالي على إريتريا وإثيوبيا ومنعها من الحصول على استقلالها الوطني حتى لا تنضم إلى المحيط العربي, ويكون البحر الأحمر عربيًا، ومع اهمية البترول في عام 1973م، زاد اهتمام الولايات المتحدة والدول الغربية بمنطقة النفط في الخليج وطرق ممرات البحر الأحمر, مما دعا الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إلى إطلاق مبدئه والذي نص على التدخل العسكري الأمريكي في هذه المنطقة في حالة ما إذا تهددت المصالح الأمريكية الحيوية فيها، ومع استمرار أهمية بترول الخليج للدول الغربية، سوف تظل منطقة البحر الأحمر ذات أهمية استراتيجية خاصة للولايات المتحدة والدول الغربية.

3-السياسة العربية تجاه البحر الأحمر

شهدت السنوات الماضية العديد من المحاولات العربية لضمان أمن البحر الأحمر، لا سيما في ظل تنامي حدة الصراع العربي ــ الإسرائيلي من ناحية، وتنامي الإدراك بأهمية المنطقة كجزء من منظومة الأمن القومي العربي من ناحية أخرى.

كانت مصر سباقة بعد ثورة 1952م، في تزعم الجهود العربية الرامية إلى تعزيز التعاون الأمني بين الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، وكان أول هذه الجهود المؤتمر الذي عقد في القاهرة في فبراير 1955م، بمشاركة الأردن وسوريا والسعودية واليمن ومصر بعد عدة لقاءات ثنائية وجماعية بين هذه الدول، وهدف المؤتمر إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين هذه الدول ضد أي تدخلات من القوى الخارجية (خاصة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية) في الشؤون الإقليمية ودعم التضامن العربي بشكل عام. تلا ذلك عقد اتفاقات ثنائية بين مصر وسوريا في مارس 1955م، ومن ثم توقيع اتفاق عسكري في أكتوبر من نفس السنة بين مصر والسعودية كان الهدف منه الدفاع المشترك بينهما ضد أي عدوان خارجي, لكن الأبرز في هذه الجهود كان توقيع ميثاق جدة في أبريل 1956م، بين مصر والسعودية واليمن, الذي هدف إلى حماية أمن البحر الأحمر ضد الأخطار الخارجية من خلال سياسات دفاعية مشتركة ترمي إلى تأمين سيادة واستقلال هذه الدول في البحر الأحمر, ويعتبر ميثاق جدة أول جهد عربي مشترك لضمان أمن البحر الأحمر, وتواصلت الجهود العربية الرامية إلى تنسيق الموقف حيال أمن البحر الأحمر بعد ذلك لأكثر من سبب, فمن ناحية اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967م، وما نتج عنها من احتلال لكثير من الأراضي العربية والجزر الواقعة في المداخل الشمالية للبحر الأحمر، مثل تيران وصنافير وجزء من خليج السويس, ومن ثم حرب أكتوبر 1973م، وفي كلتا الحربين أغلقت المضايق في وجه الملاحة الإسرائيلية- مضيق تيران في حرب 1967م، ومضيق باب المندب في حرب 1973م.

بالتالي شهدت السبعينيات العديد من اللقاءات بين الدول العربية المطلة على البحر الأحمر بهدف تنسيق الجهود لخلق استراتيجية عربية موحدة في هذا الشأن, ففي يوليو 1972م، عقد مؤتمر جدة وشاركت فيه مصر والسودان واليمن وإثيوبيا، بالإضافة إلى السعودية، وناقش المؤتمر كيفية ضمان حقوق ومصالح الدول المطلة على البحر الأحمر ضد التدخل الأجنبي، وعقب حرب أكتوبر 1973م، صدر الإعلان المشترك عن مؤتمر الرياض 1976م، المنعقد بمشاركة مصر والسودان والسعودية، وخلاله أعلنت الدول الثلاث أن البحر الأحمر هو بحر إقليمي عربي مغلق, يجب تعزيز السلم والأمن فيه بعيدًا عن الصراعات الدولية، والتأكيد على ضرورة حماية المصالح التجارية والاستراتيجية العربية فيه، وفي فبراير 1977م، عقد في الخرطوم اجتماع ثلاثي بين مصر والسودان وسوريا، وكان موضوع أمن البحر الأحمر أحد المحاور التي تم مناقشتها وخلص الجميع إلى التأكيد على ما توصلت إليه المحاولات السابقة من تأكيد على أهمية تأمين البحر الأحمر وجعله منطقة خارج إطار الصراعات الدولية.

وفي الثمانينيات, تضاءل الاهتمام العربي بمسألة أمن منطقة البحر الأحمر نتيجة عدد من الأحداث السياسية والأمنية التي شهدتها الساحة الإقليمية، حيث أدت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية إلى إضعاف العمل الجماعي العربي المشترك في ذلك الوقت, بالإضافة إلى ما شهدته منطقة الخليج العربي من عدم استقرار حيث شهدت حرب الثمان سنوات بين العراق وإيران ومن ثم غزو الكويت والحرب على العراق 1990-1991م، وبالرغم من أن في صيف 1984م، تم زرع نحو 190 لغمًا بحريًا متطورًا في مياه البحر الأحمر مما أدى إلى إصابة أكثر من 16 سفينة؛ وشكل تهديدًا واضحًا لخطوط النقل البحري الدولي، وشكلت هذه العملية مؤشرًا عن عجز الدول العربية عن حفظ الأمن في هذه المنطقة، مما استدعى تدخل القوى الدولية (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا وبريطانيا) للقيام بمسح بحري وتنظيف المنطقة من الألغام، وقد أدت هذه الحادثة إلى لفت الانتباه من جديد لأمن البحر الأحمر، حيث وجهت السودان الدعوة لعقد مؤتمر بهذا الشأن في 1984م، لكن لم يصدر عن المؤتمر أي نتائج، سواء في شكل قرارات أو إعلان باتخاذ ترتيبات أمنية معينة، وفي التسعينيات قدمت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تقريرًا عن زيادة التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا ومحاولتها زيادة وجودها العسكري في القارة الإفريقية مما يشكل تهديد واضح لمصالح وأمن الدول العربية في منطقة البحر الأحمر، ومع تدهور الأوضاع السياسية في الصومال وتنامي ظاهرة القرصنة وما نتج عنها من تهديد لخطوط الملاحة الدولية في منطقة البحر الأحمر، تم عقد اجتماع في القاهرة في نوفمبر 2008م، شاركت فيه مجموعة من الدول العربية مثل السعودية واليمن والأردن وسوريا، وأكدت هذه الدول ضرورة تعزيز آليات التعاون والتشاور فيما بينها لمواجهة هذه الظاهرة والحيلولة دون امتدادها إلى منطقة البحر الأحمر بأكملها، وفي يونيو 2009م، ظهر إعلان الرياض الذي أشار إلى أهمية تشكيل قوة عسكرية لمكافحة القرصنة، بحيث تضم هذه القوة كلاً من السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان ومصر والأردن والسودان واليمن وجيبوتي, ولكن مع ذلك حالت الخلافات العميقة بين الدول العربية المشاركة في حوض البحر الأحمر من ظهور أي توجهات عربية حقيقية وفعالة تجاه أمن منطقة البحر الأحمر.

4-آليات نجاح المشروع العربي لأمن البحر الأحمر

هناك تهديد قوي وواضح لأمن البحر الأحمر من قبل الأطراف الإقليمية غير العربية والدولية، لذا ينبغي صياغة تصور استراتيجي عربي لحماية أمن البلدان العربية المطلة على البحر الأحمر وتأمين الملاحة فيه وتحقيق التعاون والاستثمار المشترك لثروات هذا الممر المائي وفق مشروع عربي متكامل, تتقاطع حوله الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية، ويجب أن ينطلق هذا المشروع من الدائرة الوطنية لكل دولة ومن دائرة التعاون الثنائي، وكذلك من دائرة المشروع الوحدوي للدول المشاطئة ضمن أبعاده العربية والإقليمية، وذلك في المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والبيئية.

هناك عدد من المعوقات المحلية والإقليمية والدولية التي تقف في سبيل أي مشروع لتحقيق أمن البحر الأحمر من منطلق قومي عربي، وتعتبر بعض هذه المعوقات ذات طبيعة محلية تتعلق بسمات تخص كل دولة عربية من الدول المطلة على البحر الأحمر، أما المعوقات الإقليمية، فتتعلق بالعلاقات بين الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، وكذلك بالقوى الإقليمية الأخرى غير العربية. وتنحصر المعوقات الدولية في نفوذ بعض القوى العظمى ومصالحها في المنطقة وسعيها لإعاقة أي تعاون من شأنه تحجيم نفوذها أو زعزعة مصالحها وقد يحدث نوع من التداخل بين هذه المعوقات، حيث قد يحدث تطابق بين مصالح القوى العظمى ومصالح بعض القوى الإقليمية غير العربية، وقد تسعي القوى الإقليمية للتحالف مع بعض الأقليات لزعزعة الاستقرار الداخلي لدولة عربية ما، بالإضافة إلى التغلغل الإسرائيلي في دول الجوار الإفريقية، وضعف التعاون الاقتصادي بين البلدان العربية المطلة على البحر الأحمر، والوجود العسكري الأجنبي في حوض البحر الأحمر، والمشروعات الموازية التي يجري الإعداد لها على المستوى الإقليمي كمشروع السوق الشرق أوسطية.

وثمة عدد من الآليات لضمان نجاح أي مشروع قومي عربي لأمن البحر الأحمر، ويمكن حصر هذه الآليات في إنهاء الحروب الأهلية ودعم الاستقرار السياسي في البلدان العربية المطلة على البحر الأحمر، وتصفية الخلافات العربية-العربية ومحاولة تحييد بعض الأطراف الإقليمية، وتأسيس منظمة إقليمية للدول العربية المطلة على البحر الأحمر تضمن اتخاذ خطوات عملية للتعاون بين الدول الأعضاء لضمان أمن البحر الأحمر.

_ إنهاء الحروب الأهلية وضمان الاستقرار السياسي

ويعتبر هذا شرطًا ضروريًا لإمكانية الانضمام إلى تنظيم إقليمي أو ترتيبات أمنية فاعلة، ولقطع الطريق أمام احتمال تدخل القوى إقليمية أو دولية.

ففي سوريا، مازال شبح الحرب الأهلية وتقسيم البلاد يفرض نفسه بين مراوحة الحل السياسي للحل العسكري، في وقت امتد فيه لهيب الثورة السورية إلى الجوار العربي خاصة في لبنان الذي بات عاجزًا عن مواصلة ترف سياسة "النأي بالنفس" نتيجة للتدخل المباشر لـ "حزب اللـه" في القتال داخل سوريا بجانب قوات النظام، لكن ظهور الدولة الإسلامية "داعش" قلب موازين الصراع في سوريا رأسًا على عقب وأربك كل الحسابات ليس فقط السياسية بل والعسكرية أيضًا.

وفي اليمن، فإن التشاؤم يسيطر على أجواء الحوار الوطني بسبب تفاقم أزمات القضية الجنوبية التي أخذت تتحول باتجاه الصراع الانفصالي، واجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء وسيطرتهم الفعلية على مقاليد الحكم في مواجهة مع انفصالي الجنوب ومقاتلي القاعدة (أنصار الشريعة) إلى مطالب العدالة الانتقالية ونقمة الثوار ومنظماتهم على كل ما يحدث داخل اليمن وهم يرون الثورة تتسرب بعيدًا عن أهدافها.

هذا الواقع العربي فرض نفسه على إقليم الخليج وإقليم المغرب العربي، وكذلك على المناطق الجنوبية الشرقية من الوطن العربي، حيث سيطرت هواجس كيفية الخروج من مأزق الثورات، وكيفية التكيف مع واقع جديد من مطالب الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي والعدل الاجتماعي على اهتمامات النظم الحاكمة.

_ تصفية الخلافات العربية-العربية

وتعد هذه خطوة ضرورية، لأنه لا يمكن الاتفاق على ترتيبات جماعية لأمن البحر الأحمر إذا كانت هناك خلافات حادة بين طرفين أو أكثر من أعضاء هذه الترتيبات، ويمكن أن يكون تعزيز التعاون الإقليمي بين أطراف التحالف المناوئ (إسرائيل، اريتريا، إثيوبيا) حافزاً للقضاء على الخلافات بين الدول العربية وبعضها، فقد استطاعت كل من إثيوبيا وإريتريا تناسي صراعاتهما المسلحة وإقامة علاقة تقترب من التحالف، بينما تختلف الدول العربية التي تشترك في قواسم عدة لأسباب لا تستحق التضحية بالأمن العربي من أجله، وإذا استطاعت التوصل إلى اتفاقات مع إسرائيل بعد أكثر من نصف قرن من الصراع المسلح، فيمكن حل هذه الخلافات مهما كانت، مع الاتفاق على ثوابت لا ينبغي الخلاف حولها لعل من أهمها عدم القيام بأي نشاط يمكن أن يؤثر سلبيًا في الأمن القومي العربي حتى في حالة حدوث خلافات بين النظم الحاكمة،
حيث تشهد بعض الدول العربية خلافات فيما بينها من وقت لأخر، لعل أبرزها الأزمة الخليجية التي اندلعت عقب قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر في 5 يونيو/حزيران الماضي، علاقاتها مع قطر بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة بشدة.

-تحييدبعض القوى الإقليمية
يمكن للأطراف العربية تحييد الأطراف الإقليمية وحصر تهديدها للأمن القومي العربي في أضيق نطاق ممكن في حالة وجود تنسيق عربي وموقف عربي موحد يقنع الآخرين بقدرة العرب مجتمعين على الرد بقوة على أي انتهاكات لحقوقهم وتهديد لأمنهم.

- تعزيز العلاقات مع بعض القوى الكبرى

يمكن للأطراف العربية التوصل إلى اتفاق مع بعض القوى الكبرى في حالة تشابه مصالحها مع مصالح الأطراف العربية. ومن ثم يمكن التنسيق مع بعض القوى الكبرى ذات النفوذ في منطقة البحر الأحمر مثل فرنسا ذات الحضور القوي في الصومال وجيبوتي، والصين التي تمتعت بنفوذ قوي لفترات في كل من إثيوبيا واريتريا والصومال، ويمكن الاستفادة من التباين في مصالح هذه القوى ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية، على أن يكون تعزيز الأمن القومي العربي هو المحك في درجة التعاون أو التنسيق مع بعض هذه القوى.

- تأسيس مجلس مشترك للدول العربية المطلة على البحر الأحمر

تعتبر هذه الآلية أهم آليات المشروع القومي العربي لحفظ الأمن في البحر الأحمر, ولا يمكن تأسيس هذه الهيأة أو المجلس إلا بتحقيق الآليات التي سبق ذكرها، ولا سيما تحقيق الاستقرار السياسي وحل الخلافات العربية، ونظرًا لأن مفهوم الأمن القومي أو الإقليمي لم يعد يقتصر على المفهوم العسكري, فإن توافر الإرادة السياسية لهذه الهيأة أو المجلس يعد أمرًا ضروريًا لإنجاحها، فالبحر الأحمر يمكن أن يكون عاملاً من عوامل التقارب بين الدول العربية المطلة عليه، كما أن لعضوية السعودية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية أهمية قصوى لأنها ستتيح لها أن تكون همزة الوصل بين مجلس التعاون الخليجي ومجلس البحر الأحمر، ويعد هذا الأمر شديد الأهمية نظرًا للارتباط الوثيق بين أمن البحر الأحمر وأمن الخليج العربي وضرورة التنسيق بينهما لتعزيز الأمن القومي العربي الشامل، ومن خلال هذا المجلس يمكن تحقيق عدد من الأهداف من أبرزها تكوين قوة عسكرية عربية للدفاع عن المصالح العربية في البحر الأحمر وإعمار الجزر المهجورة والسواحل وتحصينها عن طريق تكثيف الوجود العسكري بها، وإنشاء مناطق اقتصادية حرة بين دول البحر الأحمر العربية، وفتح الأسواق وتطوير المواصلات البحرية والبرية بين هذه الدول، وإنشاء شركات مشتركة تتولى استخراج وتسويق ثروات البحر الأحمر، والحفاظ على الأمن البيئي في البحر الأحمر والعمل على حماية البيئة فيه من التعديات التي تحدث من السفن التجارية أو الحربية وبرمجة إنهاء الوجود الأجنبي في البحر الأحمر والحد من منح التسهيلات والقواعد للقوى الأجنبية فيه، والتوسع في منح تسهيلات وقواعد للأساطيل العربية.

مجلة آراء حول الخليج