; logged out
الرئيسية / 12 نزاعًا دوليًا وإقليميًا تدور في البحر الأحمر حاليًا بصورة مباشرة وغير مباشرة

العدد 127

12 نزاعًا دوليًا وإقليميًا تدور في البحر الأحمر حاليًا بصورة مباشرة وغير مباشرة

الخميس، 15 شباط/فبراير 2018

الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر

يمثل البحر الأحمر أهمية استراتيجية للدول المطلة عليه أو للدول التي تسعى ضمان تواجدها في هذه المنطقة الحيوية، حيث يتمتع بموقع جغرافي واستراتيجي مهم لأنه ملتقى ثلاث قارات (إفريقيا – آسيا – أوروبا) وهو حلقة وصل بين ثلاث مناطق إقليمية (الشرق الأوسط – القرن الإفريقي والمحيط الهندي – منطقة الخليج)، وتطل عليه 8 دول منها 6 دول عربية (السعودية – اليمن – مصر – السودان – الأردن – جيبوتي) ودولتان غير عربيتان (إسرائيل – إريتريا) وتقع 4 دول في قارة إفريقيا (مصر – السودان – جيبوتي – إريتريا) والأربع دول الأخرى في آسيا (السعودية – اليمن – الأردن – إسرائيل). ويستمد البحر الحمر أهميته الاستراتيجية من موقعه الجغرافي الذي وفر للقوى الإقليمية والدولية إمكانية الوصول إلى المحيطين الهندي والأطلنطي عبره وزادت هذه الأهمية بعد اكتشاف النفط في دول الخليج العربية.

وبالنظر إلى جغرافية البحر الأحمر تتضح أهميته، حيث يبلغ طوله 1900 كم، وأقصى عرض له 204 كم، وأقل عرض له 19 كم في باب المندب، وتبلغ مساحة سطحه 437 ألف كم2، ويبلغ متوسط العمق فيه 419 متر، أما امتداد طول الساحل على الجانبين فيبلغ حوالي 4910.4 كم مقسمة كالتالي:

-         1890 كم في السعودية بنسبة 33.9%.

-         1425 كم في مصر بنسبة 25.5%.

-         717 كم في السودان بنسبة 12.8%.

-         442 كم في اليمن بنسبة 8.11%.

-         40 كم في جيبوتي بنسبة 0.7%.

-         17 كم في الأردن بنسبة 0.5%.

-         11.2 كم في إسرائيل بنسبة 0.2%.

وتكمن أهمية البحر الأحمر في كونه يمثل نظامًا فرعيًا من إقليم الشرق الأوسط المضطرب بالأزمات السياسية والعسكرية التي تهدد حالة الإستقرار الأمني والسياسي في دول هذه المنطقة، وكما حدده "بريجنسكي" مستشار الأمن القومي الأمريكي فهو القوس الذي يضم الشرق الأوسط والقرن الإفريقي ومنطقة المحيط الهندي كما يقع ضمن الإطار الجيوبولوتيكي لمنطقة الخليج الاستراتيجية، فللبحر الأحمر أهمية استراتيجية للأمن القومي العربي في ثلاث دوائر (الأمن العربي – الأمن الإفريقي- الأمن العالمي) مركزها القرن الإفريقي.

ويعد البحر الأحمر قناة الوصل بين البحار والمحيطات المفتوحة، ومن هنا تتزايد أهميته الإستراتيجية أمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا، فهو الطريق الرئيسي الذي يمر من خلاله نفط الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا التي تحتاج إلى نقل حوالي 60% من احتياجاتها من الطاقة عبر البحر الأحمر ونقل 25% من احتياجات النفط للولايات المتحدة عبره أيضًا.

وللبحر الأحمر دور في التجارة الدولية بين قارتي أوروبا وآسيا، وتقدر السفن التجارية العابرة للبحر الأحمر سنويًا بأكثر من 20 ألف سفينة، وتقع ثروات قاع البحر الأحمر في نطاق المنطقة الاقتصادية للدول المطلة عليه، إذ يمثل العمق الاستراتيجي لكل من السعودية ومصر، ويختصر البحر الأحمر المسافة بين الشرق والغرب ويتاخم الكثير من المناطق الحساسة ذات التأثير الحيوي مثل منابع النيل وروافده والأماكن الإسلامية المقدسة. كما يوجد في البحر الأحمر العديد من الجزر والخلجان ذات الأهمية الإستراتيجية، فخليج السويس يعد ممرًا ملاحيًا مهمًا وهو الامتداد الطبيعي لقناة السويس .

النزاعات السياسية في البحر الأحمر وحوله

تدور في البحر الأحمر مجموعة من النزاعات السياسية ذات الطابع الدولي أو الإقليمي وتساعد الجغرافيا السياسية والاقتصادية ومقاصد الدول الكبرى على فهم أعمق لطبيعة النزاعات في البحر الأحمر، ويحصر الكاتب هذه النزاعات في اثنى عشر نزاعًا تدور في الوقت الراهن في البحر الأحمر وفي المناطق المتاخمة له، ويمكن تقسيم هذه النزاعات إلى فئتين، النزاعات المباشرة والنزاعات غير المباشرة وتضم الفئة الأولى مجموعة من النزاعات الدائرة بين طرفين من الدول المطلة على البحر الأحمر وتشمل الصراع العربي الإسرائيلي، وتوتر العلاقات المصرية السودانية، والتوتر السوداني الإثيوبي، ومشكلة جنوب السودان، واحتلال إريتريا جزيرة حنيش اليمنية، والوجود الفرنسي في جيبوتي، ونزاع أوجادين بين إثيوبيا والصومال.

أما النزاعات غير المباشرة فهي التي تقع بين طرفين أحدهما أو كلاهما ليسا من الدول المطلة على البحر الأحمر وهذه النزاعات هي حرب الخليج والعلاقات السودانية التشادية والصومالية الكينية حيث كان البحر الأحمر ومضائقه وخلجانه وجزره جزءًا من الحروب العربية الإسرائيلية، وذو علاقة مباشرة بحربي الخليج الأولى والثانية.

الأهمية الاقتصادية للبحر الأحمر

تنبع الأهمية الاقتصادية لمنطقة البحر الأحمر من خلال وجود المقومات الاقتصادية سواء فيما يتعلق بخطوط الملاحة البحرية التي تمر عبرها سفن النفط لشتى أنحاء العالم، وذلك للأسباب التالية:

-         ممر تجاري رئيسي، يمثل الطريق الأقرب والإِجباري تقريبًا بين المحيطين الأطلسي والهندي،وتتراوح التقديرات بشأن حجم التجارة المارة بالبحر الأحمر من إجمالي التجارة العالمية من 13%(تصريح لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مايو 2017 لقناة العربية) إلى 15% (ما جاء في كلمة وزير الخارجية المصري في المؤتمر  الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر. الذي عقد في ديسمبر 2017م)، وترى بعض التقديرات أن حجم التجارة الذي يمر عبر البحر الأحمر يبلغ أكثر من 2.4 تريليون دولار سنويًا، ويمر عبره نحو 3.3 ملايين برميل نفط يوميًا. وقد أكدت تقارير سابقة لمنظمات دولية مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي أشارت إلى أن البحر الأحمر من أكثر الممرات المائية المستخدمة لنقل البضائع، كما يتوقع له أن يكون ممر رئيسي في شبكة طرق "مبادرة طريق الحرير والحزام الاقتصادي" التي أطلقتها الصين.

-         الثروات الطبيعية، حيث توجد العديد من الثروات المعدنية في البحر الأحمر أهمها البترول، والغاز الطبيعي، والكبريت، والفوسفات، والمعادن الثقيلة (حديد- زنك- نحاس- ذهب- فضة- رصاص)

وكذلك لوجود عدد من الموانئ البحرية الهامة.

-         ميناء جدة الإسلامي بالسعودية، أكبر وأهم موانئ المملكة العربية السعودية، يعود تاريخ إنشائه إلى فترة صدر الإسلام وربما إلى ما هو أبعد من ذلك، ومثل طوال القرون الماضية نقطة عبور بحرية لجزء كبير من حجيج إفريقيا نحو الأراضي المقدسة.وحسب وكالة الأنباء السعودية، فإن الميناء يحوي أرصفة بأعماق كبيرة تستقبل أكبر سفن الحاويات في العالم بطول أربعمئة متر، وبحمولة تتجاوز 19 ألف حاوية قياسية، ومعدات مناولة متطورة.ويستقبل الميناء -حسب المصدر ذاته- أكثر من أربعة آلاف سفينة متعددة الحمولات والأغراض سنويًا، وقد استقبل في منتصف العام 2016 سفينة "النفوذ" التي تعد من أكبر سفن الحاويات في العالم بطول أربعمئة متر وحمولة بلغت 19 ألفا وثمانمئة حاوية قياسية، في حين يجري تنفيذ مشروعات تستهدف تطوير البنية التحتية وتوفير خدمات مساندة بشكل فعال، ومن أهمها إعادة تأهيل شوارع وأرصفة الميناء وإنارتها وغيرها.

-         ميناء الملك عبدالله، يعتبر ميناء الملك عبد الله أحدث ميناء تجاري متكامل الخدمات في المملكة العربية السعودية والمنطقة، ويقع الميناء في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية غرب السعودية. ويتميّز هذا الميناء التجاري بموقعه الجغرافي الاستراتيجي وخدماته المتكاملة من خلال استخدام أحدث التقنيات على أيدي أخصائيّين متمرّسين في هذا المجال. كما يعتبر ميناء الملك عبد الله أوّل منفذ حيويّ على المستوى الوطني يمتلكه القطاع الخاص وتديره جهة تنظيميّة واحدة، ممّا سيعزّز حتمًا موقعه على خريطة الموانئ العالمية كنموذج رائد في إدارة الأعمال البحرية في المملكة العربية السعودية، وتهدف الخطة التشغيلية للميناء الوصول إلى 20 ألف حاوية بحلول عام 2020، مما يؤهله أن يكون ضمن أكبر 10 موانئ في العالم.

-         ميناء السويس في مصر، يقع الميناء على الطرف الشمالي لخليج السويس عند المدخل الجانبي لقناة السويس ويحده الخط الوهمي الممتد من "رأس مسلة" إلى "رأس السادات"، وكان في السابق يمثل البوابة الشرقية لمصر، وتبلغ المساحة الإجمالية للميناء 158.1 كيلومترًا مربعًا، وتبلغ طاقته الاستيعابية 6.6 ملايين طن سنويًا.

-         ميناء بورتسودان في السودان، وهو من أهم وأشهر موانئ السودان، يقع في مدينة بورتسودان، وهي مدينة ساحلية تقع شمال شرق السودان، ويعتبر الميناء بوابة السودان الأولى لوقوعه على الشاطئ الغربي للبحر الأحمر، وكان في السابق من أكبر معابر الحجيج الأفارقة والسودانيين، حيث تشكل نقطة انطلاق لعبور البحر الأحمر إلى الأراضي المقدسة عبر ميناء جدة.وأقيم الميناء على خليج طبيعي طوله حوالي 6 كيلومترات وعرضه 2.5 كيلومتر، يفصل المدينة إلى جزأين شرقي وغربي، في حين يجري خور موج الذي يصب فيه من غرب المدينة نحو جنوبها.

-         ميناء الحديدة باليمن، من أبرز الموانئ المطلة على البحر الأحمر، يقع شمال خط الاستواء على خط عرض 14درجة و50 دقيقة شمالاً، وخط طول 42 درجة و56 دقيقة شرقًا، وتؤكد المصادر اليمنية أنه يرتبط بقناة ملاحية بطول 11 ميلاً بحريًا، وعرض 200 متر، وحوضًا للاستدارة بقطر 400 تصل الميناء بمناطق انتظار.وبإمكان الميناء استقبال السفن ذات حمولة 31 ألف طن كحد أقصى، كما يمكنه استقبال سفن الركاب والسياح، ويتميز بقربه من الخطوط الملاحية العالمية، وكونه غير معرض للرياح الموسمية، إلى جانب كونه محميًا بشكل طبيعي من الأمواج والتيارات البحرية. 

-         ميناء العقبة الأردني، يعد ميناء خليج العقبة الأردني على البحر الأحمر النافذة البحرية الوحيدة للأردن على العالم، حيث يقع في أقصى جنوب المملكة ويبعد عن العاصمة عمان 350 كيلومترًا. ويقع الميناء والمدينة على الحدود مع فلسطين المحتلة ولا سيما مع مدينة إيلات الإسرائيلية المحاذية للمدينة والميناء الأردني من جهة الغرب، في حين تحده من جهة الشرق الحدود السعودية، وتوجد للعقبة حدود مائية مع كل من مصر والسعودية وإسرائيل، ولميناء العقبة أهمية سياحية كبرى للأردن إضافة إلى أهميته التجارية، حيث يعد حلقة الوصل الرئيسية في حركة التجارة بين الأردن والعالم، كما يستورد الأردن من خلاله معظم حاجاته من النفط ويصدر من خلاله خاماته الأساسية ولا سيما الفوسفات والبوتاس، كما توجد في الميناء منطقة مخصصة لاستقبال الغاز القادم من مصر.

-         ميناء جيبوتي، وهو الميناء الرئيسي لدولة جيبوتي، ويعرف محليًا بميناء دوراله، ويقع على مدخل البحر الأحمر الجنوبي ويعتبر الميناء الوحيد الذي يعتمد مواصفات "القانون الدولي لأمن السفن والموانئ" الأمريكي في شرق إفريقيا، وفي سنة 2000م، منحت الحكومة الجيبوتية عقد تشغيل وإدارة الميناء لمجموعة موانئ دبي العالمية ويمتد لعشرين عامًا.ويلعب ميناء جيبوتي دورًا محوريًا في إيرادات الميزانية، إذ تسهم إيراداته من تجارة الترانزيت ونقل البترول بجزء كبير من إيرادات الدولة، ومن المؤمل أن ترتفع الإيرادات في السنوات القادمة نتيجة للتحسينات التي أدخلت على الميناء بغرض توسعته لاستيعاب عدد أكبر من السفن والبضائع.

-         ميناء مصوع في إريتريا،يقع في مدينة مصوع أو "باصع" أول عاصمة لإريتريا وثاني أكبر مدنها الحالية، وهي ميناؤها الرئيسي، وقد استأجرت مجموعة موانئ دبي ميناء عصب ومطار عصب المجاور له في عام 2015 لثلاثين عامًا مقابل أن تحصل إريتريا على 30% من عائدات الميناء الذي سيبدأ تشغيله في 2018.

-         ميناء إيلات بإسرائيل، حيث يقع في الجهة الشمالية لخليج العقبة، ويطلق عليه أم الرشراش، وقد افتتح في عام 1955م.

التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ في البحر الأحمر

تشهد منطقة البحر الأحمر تنافسًا دوليًا واسع النطاق بين القوى الإقليمية والدولية على تعزيز نفوذها في هذه المنطقة الهامة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

(*) الوجود الأمريكي: تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة الدول الكبرى الأكثر نفوذًا في البحر الأحمر حيث يمثل أهمية خاصة للاستراتيحية الأمريكية ورغبتها في السيطرة عليه لأهميته الإستراتيحية وارتباطه المباشر بمنطقة الخليج العربي ولضمان استمرار تأمين الخطوط الملاحية التي يمر بها النفط عبر البحر الأحمر وقناة السويس ولاستمرار دورها الفاعل في منطقة الشرق الأوسط مع إعادة ترتيب المنطقة طبقًا لمصالحها الاستراتيجية.

وقد ظل البحر الأحمر موضع اهتمام الإدارات الأمريكية على اختلاف عهودها من مبدأ نيكسون عام 1969 ومبدأ كارتر عام 1976 ومبدأ ريجان عام 1982 حتى مبدأ بوش عام 1990.

(*) الدور الروسي: وعلى صعيد آخر، تسعى روسيا ليكون لها نفوذ في منطقة البحر الأحمر والدول المطلة عليه والقرن الإفريقي وذلك لفرض النفوذ الروسي على الملاحة البحرية في البحر الأحمر وتقويض المصالح الأمريكية والغربية وتقليصها في البحر الأحمر وما حوله واحتواء دول القرن الإفريقي وخاصة الصومال وإثيوبيا واليمن الجنوبي وإدخالها في حلف أو اتحاد، مما يتيح لها السيطرة على باب المندب، ولتحقيق ذلك سعت موسكو للتوسع في عقد اتفاقيات الدفاع المشترك والحصول على التسهيلات البحرية والجوية في بعض الدول بمنطقة البحر الأحمر، ولعل الاتفاق مع دولة السودان على إقامة قاعدة عسكرية روسية في بوتسودان يخدم المصالح الروسية في هذا الخصوص.

(*) الحضور الفرنسي: كما تعد فرنسا من الدول ذات النفوذ في البحر الأحمر وذلك بهدف تأمين وارداتها من النفط وإثبات وجودها في تأمين طرق المواصلات والممرات المهمة وضمان عدم انفراد واشنطن في التحكم في الأوضاع السياسية والعسكرية في المنطقة، ويتضح الدور الفرنسي بشكل كبير في جيبوتي حيث احتفظت فرنسا بقاعدة عسكرية وبحرية وهي وفقاً لذلك تمثل أكبر تواجد عسكري فرنسي خارج فرنسا إضافة إلى مساهمتها في تسليح الدول المطلة على البحر الأحمر مثل جيبوتي ومصر والسعودية واليمن.

(*) الحضور البريطاني: وفي نفس الوقت تدرك بريطانيا الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر وضرورة أن يكون لها نفوذ وحضور قوي في هذه المنطقة، ولذلك قامت بريطانيا بتصدير نظم تسليحها إلى بعض الدول المطلة على البحر الأحمر ومنها إسرائيل ومصر والسعودية، كما اتجهت نصف التجارة البريطانية لدول شرق البحر الأحمر (دول الخليج العربي تحديدًا) وحافظت على دورها في الجهود الدفاعية لحلف شمال الأطلنطي (الناتو) حيث تحتفظ ببعض القطع البحرية في البحر الأحمر ضمن الاطار العام للحلف واستراتيجيته في المنطقة، وشاركت بريطانيا في الأحداث التي تهدد أمن وسلامة المصالح الغربية في المنطقة مثل تطهير ألغام البحر الأحمر عام 1984م، وأزمة الخليج الثانية وحرب تحرير الكويت، كما تتواجد القوات البريطانية ضمن القوات المشتركة في منطقة الخليج والبحر الأحمر.

(*) الاستثمارات الصينية: ويتضح النفوذ الصيني كذلك في منطقة البحر الأحمر، من خلال التوجه نحو تأمين مصادر الطاقة في القارة الإفريقية وتأمين خطوط الملاحة البحرية، حيث وقعت عدة اتفاقيات مع السودان تضمنت إنشاء خط أنابيب لنقل النفط من جنوب السودان إلى ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، وتشير التوقعات إلى أن تتجاوز التجارة الخارجية الصينية مع دول البحر الأحمر حجم التجارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية مجتمعة.

(*) التدخلات الإيرانية: كما بدا الدور الإيراني جليًا في منطقة البحر الأحمر من خلال توطيد علاقاتها مع كل من إريتريا والسودان – قبل أن تقطع السودان علاقاتها بطهران وتتجه نحو دول الخليج العربي – وفي اليمن من خلال دعمها للميليشيات الحوثية، وتهدف إيران من تعزيز وجودها في تلك المنطقة منافسة التواجد الأمريكي والإسرائيلي والعمل على التقليل من احتمالات توجيه ضربة عسكرية لمشروعها النووي، وفي هذا الإطار قامت إيران ببناء قاعدة عسكرية في ميناء عصل الإريتري والذي يحتل موقعًا استراتيجيًا في مدخل البحر الأحمر الجنوبي، وقد أصدر الكونجرس الأمريكي تقريرًا أشار فيه بأصابع الإتهام للدور الإيراني في دعم الميليشيات الحوثية باليمن، وحركة الشباب بالصومال حيث ترغب إيران في خلق تحالفات جديدة لمواجهة الدول العربية التي تتدخل في شؤونها الداخلية وخاصة السعودية، وذلك عبر دعمها لميليشيات الحوثي التي تستهدف السعودية عسكريًا خلال الفترة الأخيرة، ولذلك وجهت السعودية والإمارات والولايات المتحدة اتهامات لإيران بتهديد الملاحة في البحر الأحمر وتحديدًا في مضيق باب المندب.

ومن الملاحظ خلال السنوات الأخيرة، سعي إيران للتمدد نحو اليمن – بوابة الجزيرة العربية – من دعم الميليشيات الحوثية بالإضافة إلى نشاط في العلاقات الإسرائيلية–الإفريقية من خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" لبعض دول شرق إفريقيا مثل أوغندا وإثيوبيا وكلتا الدولتين تمتلكان نفوذًا عسكريًا في الصومال لوجود قواتهما ضمن قوات حفظ السلام الإفريقية "أميصوم".

(*) حلم الإمبراطورية التركية: كما سعت تركيا مؤخرًا إلى تعزيز حضورها في منطقة البحر الأحمر والمحيط الهندي وهو ما ظهر من خلال توقيعها اتفاقًا لتطوير وإدارة جزيرة سواكن السودانية في 24 ديسمبر 2017م، فضلاً عن الاتفاق على تأسيس منطقة تجارة حرة في جيبوتي والتي تم تخصيص مساحة 5 ملايين متر مربع لها في ديسمبر 2016م، كما أعلنت رسميًا في سبتمبر 2017م، عن إنشاء قاعدة عسكرية وثلاث مدارس عسكرية بجانب منشآت أخرى بجنوب العاصمة الصومالية على ساحل المحيط الهندي.

وتحاول تركيا من خلال تعزيز وجودها بالقرب من المنافذ البحرية بمنطقة البحر الأحمر تحقيق جملة من الأهداف، من أبرزها تعزيز قدراتها الإستثمارية عبر منافسة بعض القوى الإقليمية التي تبدي اهتمامًا خاصًا بتطوير وبناء الموانئ المطلة على المحيط الهندي أو البحر الأحمر أو الاستثمار فيها، بما قد يحقق لها مكاسب تجارية واستثمارية متعددة.

(*) النفوذ الإسرائيلي: ركزت إسرائيل في نظرية أمنها القومي على البحر الأحمر، وذلك على الرغم من قصر ساحلها المطل عليه والذي يبلغ طوله 7 أميال، غير أن تل أبيب ركزت جهودها على اعتبار أن البحر الأحمر من مقتضيات أمنها القومي بوصفه يقع ضمن اتجاهها الاستراتيجي الجنوبي ليشمل الدول العربية المشاطئة له ودول القرن الإفريقي المتحكمة في مدخله الجنوبي، بالإضافة إلى منطقة البحيرات العظمى ومنابع نهر النيل، ولذلك خططت إسرائيل منذ نشأتها للسيطرة على البحر الأحمر بجميع منافذه وإقامة ما يمسى بإسرائيل الكبرى، وفي إطار المنظور الإسرائيلي يعد البحر الأحمر ممر مائي دولي ينبغي أن يظل مفتوحًا لسفن الدول جميعًا بما فيها إسرائيل و يقولون أنه ليس من حق الدول العربية وحدها التحكم والسيطرة عليه أو تقييد حرية الملاحة البحرية فيه.

وفي إطار التكالب الإسرائيلي على تعزيز نفوذها في منطقة البحر الأحمر، يظهر التخوف الإسرائيلي من النفوذ الإيراني، فإسرائيل ليست بمنأى عما يجري من أحداث بمنطقة البحر الأحمر، وهو ما عبر عنه محللون إسرائيليون الذين أكدوا أن الصراع الإقليمي والدولي في البحر الأحمر ليس بجديد وأن وجود تركيا في المنطقة لا يمثل تهديدًا حقيقيًا لإسرائيل بقدر المخاوف المتوقعة من تحركات إيرانية، أو نزاع مصري ـ تركي في ظل التعاون التركي مع السودان، ولم يستبعد المحللون أن يؤدي ذلك إلى تصعيد جدى لن تلتزم إسرائيل الصمت حياله من وجهة نظرهم.

القواعد العسكرية وأمن البحر الأحمر

تعد ظاهرة القواعد الأجنبية في منطقة البحر الأحمر ودول القرن الإفريقي أحد مؤشرات التكالب الإقليمي والدولي على النفوذ والسيطرة في هذه المنطقة، حيث تنتشر على ساحل البحر الأحمر مجموعة من القواعد العسكرية الأجنبية والتي تمثل تهديدًا جديًا للأمن القومي العربي، فقد قامت العديد من القوى الإقليمية والدولية بتأسيس قواعد عسكرية لها في الدول المطلة على البحر الأحمر، حيث أقامت الصين أول قاعدة عسكرية لها خارج البلاد في جيبوتي قبالة السواحل اليمنية والصومالية والتي تقع قرب قاعدة ليمونير الأمريكية في جيبوتي، وكشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن القاعدة البحرية الصينية يمكن أن توفر فرصة كبيرة للصين في توسيع نفوذها خارج حدودها خاصة وأن المنطقة التي أنشئت فيها هذه القاعدة تشهد العديد من عمليات مكافحة الإرهاب بقيادة واشنطن.

ونقلت الصحيفة أن ما يجري يشبه إلى حد كبير مناورة فريق منافس في كرة القدم، وأن ما يجري في هذه المنطقة هو محاولة الخصمين لاكشتاف قدرات بعضهما البعض ولكن عن قرب، فقد تأسست قاعدة ليمونير الأمريكية، التي تعد القاعدة العسكرية الدائمة والوحيدة في إفريقيا، عقب هجمات 11 سبتمبر عام 2001م، وتقع بالقرب من مطار جيبوتي الدولي، وتضم هذه القاعدة حوالي 4000 جندي إضافة إلى أعداد أخرى تقوم بزيارات سرية إلى تلك القاعدة وأيضًا تعتبر قاعدة لانطلاق العديد من الطائرات دون طيار التي تستهدف مواقع مختلفة في دول الشرق الأوسط والقرن الإفريقي ومن أهمها تلك الغارات التي شنتها الولايات المتحدة ضد مواقع تنظيم القاعدة في اليمن لكنها خلفت قتلى في صفوف أفراد البحرية الأمريكية.

البعد الإفريقي في منظومة الأمن بالبحر الأحمر

قبل الحديث عن البعد الإفريقي في أمن منطقة البحر الأحمر، فإنه من الهام الحديث حول الأهمية الإستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي، حيث يعد القرن الإفريقي جناح العالم العربي الإسلامي في إفريقيا، فالدول التي تطل عليه وتكونه هي الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا ويتصل بها السودان وكينيا وأوغندا تأثيرًا وتأثرًا.

وتتضح علاقة التأثير والتأثر من خلال تدخل بعض القوى الإقليمية كإيران وتركيا في تلك الدول بسبب الفراغ الذي تركته الدول العربية وهيأت الفرصة أمام هذه الدول للتمدد في هذه الدول، الأمر الذي أثر سلبًا على الأمن القومي المصري والعربي بشكل عام، فقد أصبحت هناك علاقات سياسية واقتصادية بين دول القرن الإفريقي مثل إريتريا وإيران، والتي بنيت في الأساس على عوامل اقتصادية، حيث كان من الأحرى أن تسعى الدول العربية إلى هذه المصالح، بدلا من ترك دولة مثل إريتريا أو إثيوبيا، في حاجة لإيران وإسرائيل، فالوجود الإيراني في أريتريا على سبيل المثال - في جانبه الاقتصادي - يهدف إلى تطوير مصفاة تكرير البترول في ميناء (عصب) وإنشاء مستودعات وقود إيرانية بهدف تصديرها، وهذا يعزز الاقتصاد الإريتري إذا ما كتب له النجاح.

وتتسم منطقة القرن الإفريقي بأهمية استراتيجية بالغة، ويحمل مصطلح القرن الإفريقي عدة تعريفات، كما ذكرت الدكتورة إجلال رأفت فعلماء الأنثروبولجيا يطلقونه على أراضي الصوماليين في كل من الصومال وجيبوتي وأوجادين بإثيوبيا، ومحافظات أقصى شمال كينيا، ويعرف الجغرافيون القرن الإفريقي على أنه ذلك الامتداد على اليابسة والذي يتخذ شكل القرن، والواقع شرق البحر الأحمر وخليج عدن أي أن المصطح يتسع ليشمل إريتريا وأثيوبيا وكينيا.

بينما يضيف له السياسيون والاقتصاديون كلاً من السودان وجنوب السودان وأوغندا تحت اسم القرن الإفريقي الكبير. ومن التعريف أعلاه يعتبر القرن الفريقي إذن المنطقة الشرقية من إفريقيا والمتحكمة بمنابع النيل ومدخل البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب، ومن هنا تأتي أهميته الإستراتيجية والاقتصادية للوطن العربي عمومًا ولاسيما الدول التي يمر نفطها في هذه المنافذ البحرية. وفي فترة التسعينيات جرت تغييرات كبرى في القرن الإفريقي، فقد أصبح للسودان نظام إسلامي بعد ثورة 1989م، وسقطت حكومة ميننجستو وأصبحت إثيوبيا دولة غير ساحلية بعد استقلال إريتريا وظهرت جمهورية صومالي لاند.

ومع طول فترة الصراعات الداخلية في دول القرن الإفريقي، أو سيطرة حكومات تتسم بالهشاشة على مقاليد الحكم، تصاعدت ظاهرة استثمار الموانئ والسواحل فيها، فقد سمحت أطراف صومالية لجهات أجنبية بان تتحول سواحل الجنوب الصومالي إلى مكب للنفايات، وعانى الصيادون من الإعتداء المتكرر عليهم من قبل سفن الصيد غير الشرعية، وبرزت مشكلة القرصنة التي تسببت بأزمة عالمية ومنحت القوى العالمية ذريعة لعسكرة البحر الأحمر ومداخله الجنوبية في القرن الإفريقي، بدعوى حماية الملاحة البحرية الدولية من القرصنة، وخروجها فعليًا من أيدي الدول العربية المشاطئة له.

ومنذ عام 2011م، ساهمت التطورات في منطقة الشرق الأوسط في تبلور محاولات لإعادة تشكيل النفوذ في القرن الإفريقي، وقد ارتبطت تطورات التنافس أو التكالب الدولي على البحر الأحمر بسياسات السيطرة على الموارد الطبيعية وخطوط التجارة الدولية، غير أن ظهور أنماط من الشراكات الاقتصادية والتجارية ساهم في تحول التنافس إلى صراع إقليمي، ومن أهم سمات هذا الصراع صعوبة بناء تحالفات مغلقة، حيث تتقاطع مصالح الدول بشكل يعصب معه حدوث انقطاع كامل في العلاقات بين أي دولتين.

إن تغير أحوال الدول الواقعة ضمن منطقة القرن الإفريقي‏‏ وانهيار الدولة في الصومال‏ وعدم نجاح القوة البحرية الدولية المخصصة لمواجهة ما يعرف بالنشاط الإرهابي في القرن الإفريقي في الحد من عمليات القرصنة البحرية‏‏ أخذ أمن البحر الأحمر يستقطب مرة أخرى الجهود العربية والدولية معاً‏ وتمثلت أبرز مصادر التهديد الجديدة لأمن البحر الأحمر فيما يلي‏:‏

‌أ.       تنامي الدور الإثيوبي في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا استنادًا إلى نفوذها في هذه المنطقة وتدخلها في أزمات دول الجوار مثل جنوب السودان والصومال وغيرها، والأخطر من ذلك هو قيام الدول المشتركة في قوات طوارئ شرق إفريقيا "إيساف" (السودان، الصومال، إثيوبيا، أوغندا، كينيا، بورندي، رواندا، سيشل، جزر القمر وجيبوتي) بإجراء تدريبات عسكرية مشتركة كان آخرها في شهر ديسمبر 2017، حيث اختتمت هذه القوات التمرين الميداني (سلام الشرق 2) تحت شعار (نحن نصنع السلام والأمن والاستقرار) بمنطقة جبيت.

وتهدف هذه التدريبات المشتركة تكوين قوة عسكرية مكونة من 5 آلاف جندي لمواجهة الاضطرابات والصراعات التي تعاني منها بعض الدول خاصة الصومال والتي تشكل تحديا كبيرًا لدول هذه المنطقة، وهو ما يعني أن الدول الإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر والواقعة في منطقة القرن الإفريقي أصبح لها دور عسكري واضح في هذه المنطقة والذي قد يؤثر سلبًا بشكل أو بآخر على الأمن القومي العربي للدول المشاطئة للبحر الأحمر.

‌ب.  النزاعات الحدودية بين إريتريا وجيبوتي على خلفية اتهام جيبوتي لأسمرة باحتلال منطقة حدودية متنازع عليها حيث قدمت جيبوتي شكوى رسمية للاتحاد الإفريقي ضد إريتريا ففي شهر يونيو الماضي؛ بسبب اتهامها لأسمرة باحتلال منطقتي "دميرة" و"رأس دميرة" (الواقعتين في مضيق باب المندب بالبحر الأحمر) المتنازع عليهما فور انسحاب قوات حفظ السلام القطرية من المنطقة، حيث قامت قطر بسحب قواتها العسكرية المنتشرة، منذ عام 2010م، على الحدود بين البلدين، وقوامها 200 جندي، في أعقاب تخفيض جيبوتي مستوى تمثيلها الدبلوماسي في الدوحة، بسبب الأزمة الخليجية القطرية وتأييد أسمرة للدول المقاطعة لقطر.

‌ج.   تصاعد النفوذين التركي والإيراني في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا بشكل أصبح يتهدد معه الأمن القومي العربي وذلك من خلال تقديم المساعدات الفنية والاقتصادية بل والعسكرية أيضًا لدول هذه المنطقة مثل الصومال وإريتريا واليمن (باعتبارها دولة عربية مشاطئة للبحر الأحمر)، فقد عملت إيران ولا تزال على التوغل والتمدد داخل هذه الدول، ويعد الدعم الإيراني المتواصل للميليشيات الحوثية في اليمن خير دليل على تبنيها استراتيجية محكمة ومعدة سلفًا بتعزيز دورها في اليمن والتأثير بشكل مباشر في مسارات الأزمة اليمنية. وتقدم دولة إريتريا نموذجًا لمطامع القوى الإقليمية والدولية في التمدد بها، فلا تزال جيبوتي مشكلة في قلب البحر الأحمر، ففي الوقت الذي يحاول المحور العربي جمع الأطراف في اتجاه واحد، ما يزال لاعبون آخرون يحاولون استثمار أمن البحر الأحمر لمصالحهم، وليس لمصلحة الإقليم.

وعلى جانب آخر، استطاعت إيران أن تخدم تطلعاتها من بوابة القرن الإفريقي لتمكين الحوثيين، حتى تحول اليمن إلى إقليم تابع لها، ومن خلال ضمان تواجدها في منطقة القرن الإفريقي تستطيع إيران القفز فوق كل الخيارات المتاحة، وهو ما يضمن لها الوصول إلى الممرات المائية العربية من مضيق باب المندب وحتى قناة السويس، على طول البحر الأحمر، وأصبحت تهدد حركة الملاحة البحرية فيه من خلال استهداف صواريخها للسعودية عبر الحدود اليمنية واستهداف السفن في البحر الأحمر.

كما استغلت إيران الأراضي الأريترية في تقديم الدعم العسكري للحوثيين في مدهم بالسلاح وتدريبهم في ثلاثة معسكرات تقع على الأراضي الإرتيرية بإشراف وخبرات وتمويل إيراني، وأحد هذه المعسكرات يوجد بالقرب من ميناء "عصب" قبالة معسكر كبير للجيش الإرتيري يسمى "ويعا"، والمعسكر الثاني في منطقة "ساوى" وهو أحدث المعسكرات التي أقامها الحرس الثوري الإيراني لتدريب الحوثيين، وهو قريب من الحدود السودانية، والمعسكر الثالث يقع في إحدى الجزر الثلاث التي استأجرتها إيران -ومنها جزيرة "دهلك" وهي تابعه لإريتريا- لتزويد الحوثيين بالسلاح والدبابات عبر ميناء ميدي، فقد اتخذت إيران هذه الجزر الإرتيرية نقاط ارتكاز لتدريب القوى العسكرية والزج بها في الصراع الإقليمي داخل دول المنطقة، تقوية لنفوذها، ولكي تفرض من خلالها سيطرتها على المنطقة.

‌د.      انتشار عمليات القرصنة التي قام بها القراصنة الصوماليون الذين استفادوا من انهيار دولتهم وغياب سلطتها الحاكمة‏‏ وقاموا بتوظيف سواحل بلادهم التي يصل طولها إلى ‏370‏ كم لصالح عمليات القرصنة والاستيلاء على السفن أيا كانت جنسيتها وحمولتها‏‏ واحتجازها وطلب الفديات مقابل الإفراج عنها‏.‏ ومن المفارقات اللافتة للنظر هنا أن عمليات القرصنة الصومالية زادت بقوة في عام ‏2007‏م، ثم زادت في عام ‏2008‏ م، وهما عامان شهدا وجودًا أثيوبيًا عسكريًا في الصومال بدءًا بنهاية عام ‏2006‏ م، بعد دحر نظام المحاكم الإسلامية الذي كان قد سيطر على الصومال منذ يونيو ‏2006 م، وامتدت سيطرته على سواحل الصومال حيث استطاع‏ رغم قلة الإمكانات أن يوقف هذه الأنشطة غير القانونية‏‏ والتي استعادت زخمها بعد هزيمة المحاكم أمام الجيش الإثيوبي‏، وأصبح الوجود العسكري الإثيوبي وقتها عبئًا على الصومال وجهود المصالحة فيه‏،‏ كما أصبح عبئًا على إثيوبيا نفسها التي ثبت أن سلوكها العسكري لم يكن له أية ضرورة وأن نتائجه الكارثية أكبر مما كان متصورًا‏.‏

‌ه.      مساعي التدويل التي تسعى إليها بعض الدول‏ ومنها إسرائيل وإريتريا وأخرى أوروبية لغرض معلن وهو ضبط حركة الملاحة الدولية في منطقة خليج عدن ومواجهة القرصنة الصومالية الجديدة‏،‏ ولغرض غير معلن وهو وضع نوع من الوصاية الدولية الأولية على البحر الأحمر وحركته الملاحية واستغلال موارده الطبيعية‏،‏ وهو الأمر الذي يخل مباشرة بالحقوق والمصالح المباشرة للدول العربية الست التي تطل على البحر الأحمر، فالاحتشاد العسكري الدولي وتقاطر السفن الحربية قبالة سواحل الصومال لم يكن سوى مقدمة لتدويل البحر الأحمر، وهو مشروع سبق طرحه من قبل إسرائيل، لكنه وُجه برفض عربي تام.

وفي إطار التطورات الأخيرة التي لا تخلو من مغزى أن ثماني دول أوروبية اتفقت على تشكيل قوة بحرية مشتركة للعمل في منطقة خليج عدن لمواجهة القرصنة الصومالية‏، كما أرسلت عدة دول منها جنوب إفريقيا والهند وروسيا سفنا حربية للعمل في المنطقة بغرض حماية السفن التجارية التابعة لهذه البلدان من القرصنة‏،‏ كما تدعو بعض الدول ومنها الدنمارك إلى إنشاء وحدة جنائية خاصة في إطار المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة القراصنة الصوماليين‏،‏ وغالب هذه التحركات حدثت بعيدًا عن الأمم المتحدة مما ينذر بتضارب مصالح كبير بين هذه الدول الوافدة على المنطقة وبين الدول الأصيلة المطلة على البحر الأحمر لاسيما جنوبه‏.‏

الخلاصة:

تشير المتغيرات السياسية والعسكرية الراهنة في منطقة البحر الأحمر بشكل عام إلى بروز البعد الإفريقي بوضوح في مسألة الحفاظ على أمن البحر الأحمر والدول المشاطئة له.

حيث أصبحت منطقة القرن الإفريقى مصدر تهديد لأمن البحر الأحمر بشكل عام وللأمن القومى المصري بشكل خاص، وذلك فى ظل غياب دولة قوية فى الصومال وتفتيت هذه الدولة لعدة أقاليم منفصلة عن بعضها البعض ومتحاربة منذ بداية تسعينيات القرن العشرين وحتى الآن.

ويتمثل هذا التهديد فى عرقلة الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس بما يؤثر بالسلب على مصر من خلال عمليات القرصنة ووجود بعض التنظيمات الإرهابية هناك، كما أن الوجود العسكرى المباشر للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا من قواعدها العسكرية فى جيبوتى أو فى قاعدة "دييجو جارسيا" وأساطيلها فى المحيط الهندى يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري والدول العربية المطلة على البحر الأحمر.

كما أن التحرك الصيني الجديد فى هذه المنطقة والذى يعتمد على فكرة التغيير الناعم مقابل هيمنة الاقتصاد والمصالح النفعية البحتة هو الدافع الرئيسي للموقف الراهن ضد مصر من قبل دول مثل كينيا وإثيوبيا وأوغندا فيما يتعلق بحقوق مصر فى نهر النيل، الأمر الذي يتطلب صياغة استراتيجية مصرية وعربية فاعلة لمواجهة التحديات الأمنية في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا.

ويتزامن مع ذلك، تزايد رغبة روسيا وتركيا في زيادة دورهما في منطقة البحر الأحمر، عبر المشاريع الاقتصادية في الدول المتشاطئة، وقد دخلت قطر على نفس الخط ولكن بغرض تقليص حجم الاستفادة من المخططات المستقبلية السعودية، والإماراتية، والمصرية المتعلقة بمجال الملاحة البحرية والنقل.

وفي نفس السياق، تستهدف مجموعة موانئ دبي العالمية في زيادة دورها في مجال الملاحة البحرية عالميًا بشكل عام، وفي البحر الأحمر بشكل خاص، فقد ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" أن المجموعة سوف تكون من أكبر المستفيدين من مشروع "طريق الحرير" الذي طرحته الصين، حيث إنها تدير نحو 20 ميناء على هذا الطريق، ويشار أيضًا إلى أن الإمارات تسعى لتطوير موانئ اليمن الجنوبي بشكل خاص، في حين تعمل قطر على تطوير موانئ معاكسة على الجهة الأخرى من البحر الأحمر في السودان، وذلك في إطار المنافسة لتوسيع النفوذ وحشد مزيد من الحلفاء خاصة في مناطق المصالح الحيوية للسعودية.

وبناءًا على ما سبق، فإنه من الواضح أن هناك منافسة دولية وإقليمية شديدة لإحلال دوائر النفوذ التقليدية في منطقة البحر الأحمر عبر أداة التنسيق والتعاون الاقتصادي، على أن يظل تواجد القوى التقليدية (أمريكية وأوروبية) في شكله الأمني من خلال تأمين البحر الأحمر وحرية عبور التجارة العالمية، وستزداد تلك المنافسة مستقبلاً مع ظهور فوائد مبادرة طريق الحرير الصينية على منطقة البحر الأحمر والعالم.

 

 

 

المصادر:

1-      سامي عبدالعزيز عثمان، أمن البحر الأحمر.. أبعاد ومخاطر، دار الكتب المصرية، القاهرة، 2016.

2-      بيئة البحر الأحمر ومكانته الإستراتيجية، موقع مقاتل، متاح على الرابط التالي:

http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/AmnBahrAhm/sec02.doc_cvt.htm

3-      د‏.‏ حسن أبوطالب، أمن البحر الأحمر مرة أخرى، موقع السياسة الدولية، 8 أكتوبر 2008، متاح على الرابط التالي:

http://www.ahram.org.eg/Archive/2008/10/8/Opin2.htm

4-      جيوش (إيساف) تنهي تمرينا بشرق السودان لاختبار الجاهزية العملياتية، موقع سودان تريبيون، 3 ديسمبر 2017، متاح على الرابط التالي:

http://www.sudantribune.net/%D8%AC%D9%8A%D9%88%D8%B4-%D8%A5%D9%8A%D8%B3%D8%A7%D9%81-%D8%AA%D9%86%D9%87%D9%8A-%D8%AA%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%86%D8%A7-%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86

5-      محمد سرحان، مظاهرات أريتريا هل تحيل خريفها السياسي ربيعا؟، موقع سماديت، 8 نوفمبر 2017، متاح على الرابط التالي:

http://www.samadit.com/index.php/pens-and-views/1443-2017-11-08-00-05-00

6-      إثيوبيا تعلن دعمها إرسال لجنة تقصي حقائق إلى حدود جيبوتي وإريتريا، موقع قراءات أفريقية، 20 يونيو 2017، متاح على الرابط التالي:

 

http://www.qiraatafrican.com/home/new/%D8%A5%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%AF%D8%B9%D9%85%D9%87%D8%A7-%D8%A5%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84-%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D8%AA%D9%82%D8%B5%D9%8A-%D8%AD%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D8%AC%D9%8A%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A-%D9%88%D8%A5%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%A7#sthash.opSSI2mL.dpbs

7-      إريتريا.. بوابة إيران بعد السودان، موقع الجزيرة نت، 21 أبريل 2017، متاح على الرابط التالي:

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2015/4/19/%D8%A5%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D9%88%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86

8-      إبراهيم الجبين، أمن البحر الأحمر الملف الشائك الذي تتسابق عليه الأمم، مركز الروابط للدراسات الإستراتيجية، 3 أبريل 2016، متاح على الرابط التالي:

http://rawabetcenter.com/archives/24017

 

مقالات لنفس الكاتب