; logged out
الرئيسية / الناتو وأمن الخليج العربي: التوازن الإقليمي ومتطلبات التنافس الدولي

العدد 128

الناتو وأمن الخليج العربي: التوازن الإقليمي ومتطلبات التنافس الدولي

الإثنين، 12 آذار/مارس 2018

كان-ولايزال- حلف شمال الأطلسي "الناتو" مرتبطًا في أذهان الكثيرين بحقبة الحرب الباردة وما تضمنته من صورة نمطية عن الحلف كمنظمة دفاعية ذات طابع عسكري بحت، صحيح أن الحلف وفقًا لميثاقه المنشأ عام 1949م، هو تحالف عسكري أنشئ للدفاع الجماعي عن دوله الأعضاء إلا أن انتهاء الحرب الباردة وما تلاها من مستجدات أمنية مغايرة قد فرضت على الحلف التكيف مع ذلك الواقع الجديد من خلال شراكات أعلنها الحلف مع العديد من دول العالم في مناطق مختلفة، ومع أهمية تلك الشراكات التي تعكس ملامح الدور الجديد للحلف والتي حدت بالحلف لإحداث تغييرات عديدة في آليات ومضامين عمله في تلك المناطق ومن بينها منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي فإن ثمة تساؤلات أربعة تطرح ذاتها :

الأول: ما هي أبرز المستجدات الأمنية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وتأثيرها على بيئة عمل الحلف؟

والثاني: ما هي آليات استجابة الحلف لتلك المستجدات؟

والثالث: هل يؤدي وجود الحلف في الصراعات الإقليمية ولو بشكل غير مباشر إلى تحقيق التوازن أم أنه جزء من التنافس الدولي الجديد ضمن تلك الصراعات؟

والرابع: هل لدى حلف الناتو خطط عسكرية للتدخل عند الضرورة؟ وما هي إشكاليات ذلك التدخل؟

 

أولاً: أبرز المستجدات الأمنية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وتأثيرها على بيئة عمل الحلف:

 

مع أن التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط عمومًا ومنطقة الخليج العربي على نحو خاص ومنها التحديات الإقليمية منذ عام 2011م، وحتى الآن لم تكن تهديدًا مباشرًا لأمن دول الحلف بالمعنى الجغرافي، فإنها كانت تحديًا ضمن البيئة الاستراتيجية الأوسع للحلف لسببين الأول: أن تلك التحديات ومنها الأزمة السورية قد أدت إلى توحيد قوسي التهديدات التي تواجه الحلف وهما القوس الشرقية التي تضم باكستان وأفغانستان وإيران ودول آسيا الوسطى، والقوس الجنوبية والتي تضم دول شمال إفريقيا والدول العربية التي تقع على البحر المتوسط وقد عبر عن ذلك أحد مسؤولي الحلف في أعقاب التدخل الروسي في الأزمة السورية بالقول"اعتدنا الحديث عن التهديد الشرقي والتهديد الجنوبي ولكن الجبهتين تشابكتا الآن" وهو الأمر الذي يمثل تحديًا أمنيًا هائلاً للحلف والسبب الثاني: هو سعي روسيا- التي ترى الحلف كتحد أساسي لأمنها القومي – للتواجد في المناطق التي يحظى فيها الحلف بشراكات مهمة وهو ما اعتبره الحلف إيجاد جبهات جديدة للصراع مع روسيا بما يتجاوز الأزمة الأوكرانية.ففي ظل قيام الحلف بنشر الدرع الصاروخي في دول الاتحاد السوفيتي السابق ترى روسيا أن ذلك يمثل تحديًا هائلاً لأمنها القومي وهو ما عبر عنه بوضوح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالقول" روسيا تنوي الرد بشكل مناسب على أعمال الناتو بهدف الحفاظ على التوازن الاستراتيجي في العالم وذلك بأقل التكاليف"، ولعل ذلك يفسر إعلان روسيا بأنها سوف تقوم بنشر منظومة صواريخ إس 400 في شبه جزيرة القرم على الحدود مع أوكرانيا.

وضمن البيئة الاستراتيجية الأوسع فإن التحدي الأول والأكبر الذي واجه الحلف وشركائه من دول الخليج أعضاء مبادرة استانبول للتعاون الاستراتيجي والتي أطلقها الحلف عام 2004م، وانضمت إليها كل من" الإمارات، الكويت، البحرين، وقطر"، قد تمثل في انهيار دول الجوار وهي" اليمن- العراق-سوريا"بشكل متزامن كدول وطنية موحدة في ظل تحدي الجماعات المسلحة دون الدول لأمن تلك الدول بما يعنيه ذلك من حالة الانكشاف الاستراتيجي لدول الخليج والذي أملى عليها التعامل مع كافة الجبهات في وقت واحد من خلال تبني خيار الأمن الصلب والذي تباين من أزمة لأخرى وبلغ مداه في الحالة اليمنية مع قيادة المملكة العربية السعودية لتحالف عسكري عربي لدعم الشرعية في اليمن والذي يقترب من عامه الثالث في مارس 2018م.

أما التحدي الثاني فقد تمثل في التحول في عمل الجماعات الإرهابية والتي لم تعد غير محددة المكان كما كان عليه الحال في الماضي أو تعمل في خارج النطاق الجغرافي لمنطقة الخليج" أفغانستان - باكستان" وإنما أضحى لها تواجد جغرافي محدد، ومع أن تلك الجماعات المسلحة خارج أراضي دول الخليج فإن هذه الدول لم تكن بمنأى عن تهديداتها سواء بمحاولات تلك الجماعات الإرهابية جذب الشباب الخليجي لبؤر الصراعات، أو محاولات نقل عملياتها إلى أراضي الدول الخليجية والأمثلة على ذلك عديدة، بل إن ثمة مخاوف في توجه تلك الجماعات للعمل في البحار وخاصة ممرات النقل الحيوية التي تمثل أهمية بالغة لكل من دول الخليج وحلف الناتو على حد سواء.

من ناحية ثالثة فإن إيران تعد أبرز تهديدات الأمن الإقليمي في ظل اختزال مخاطر إيران في المسألة النووية ، إذ أن إيران كان لديها حرص على إبرام الاتفاق النووي في يوليو 2015م، مع مجموعة دول ال5+1 ليكون مظلة للاستمرار في تنفيذ مشروعها الإقليمي الذي يتركز على أسس أيدولوجية دينية، كما أن لهذا المشروع تمويل من خلال تخصيص الأموال اللازمة لدعم أذرعها الإقليمية، من ناحية أخرى تحرص إيران على تسريع وتيرة التسلح التقليدي وخاصة في مجال إنتاج الصواريخ بعيدة المدى التي لديها القدرة على حمل الرؤوس النووية ليس فقط لكل دول الخليج في ظل ضيق العمق الجغرافي لتلك الدول بل لأراضي دول حلف الناتو ذاته وهو ما عبر عنه العديد من مسؤولي الحلف غير ذي مرة.

 

ثانيًا:آليات استجابة حلف الناتو للمستجدات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي:

 

قبيل الحديث عن مدى استجابة حلف الناتو للمستجدات الأمنية، يمكن القول إن هناك أسباب خمسة تجعل من الحلف خيارًا مهمًا لمواجهة تحديات الأمن الإقليمي وهي:

1-              تراجع فرص حل الأزمات الإقليمية من خلال منظمات إقليمية في الوقت الراهن.

2-              الخبرات السابقة لدول الحلف الرئيسية في التعاون العسكري والأمني مع بعض الدول العربية، فضلاً عن دور الدول الأعضاء الرئيسية في حلف الناتو في تحرير الكويت 1991م، من الغزو العراقي، وتعاون بعض دول مبادرة استنبول مع الناتو كمنظمة خلال التدخل العسكري الجوي في ليبيا عام 2011م، وضمن التحالف الدولي الراهن لمواجهة داعش.

3-              الانحسار النسبي للولايات المتحدة تجاه الأزمات الإقليمية الأمر الذي يتطلب قوة يكون بإمكانها ملء ذلك الفراغ، بل أن الولايات المتحدة ذاتها تدعم دور الحلف ومن ذلك ما أشار وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري خلال زيارته لمملكة البحرين في 7 إبريل 2016م، بالقول "إذا ما أردنا أن تكون هناك شراكة بين حلف الناتو ودول الخليج يجب أن تكون هذه الشراكة داعمة لأمن المنطقة"

4-              تعثر الحوار الأوروبي الخليجي وعدم التوصل إلى تحقيق هدف الشراكة بين الجانبين.

5-              استمرار وجود بعض القضايا الخلافية بين روسيا ودول مجلس التعاون بشأن قضايا الأمن الإقليمي –على الرغم من وجود مجالات للتعاون المشترك بين الجانبين-بما يجعل من حلف الناتو لاعبًا محتملاً ضمن منظومة التفاعلات الإقليمية بل والدولية حيث أن الناتو يتمتع بقوة عسكرية هائلة تفوق القوات الروسية وهو أمر من شأنه تحقيق مفهوم الردع الذي يعد متطلبًا لتحقيق توازن القوى الإقليمي.

وتكتسب دول الخليج أهمية بالغة لدى حلف الناتو وهناك العديد من التصريحات الرسمية الصادرة عن الحلف تعكس ذلك منها على سبيل المثال لا الحصر ما أشار إليه الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج خلال زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة في مارس 2016م، بالقول" إن دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الأخرى شركاء ذو قيمة عالية لدى الحلف" وأضاف "إن الحاجة إلى التعاون بين الحلف وشركائه تتزايد لأننا نواجه البيئة الأمنية ذاتها وخصوصًا فيما يتعلق بتنظيم داعش" ولعل هذا ما يفسر قيام الحلف بمناورات في البحر المتوسط 19 أكتوبر 2015م، كانت الأكبر من نوعها منذ أكثر من عقد من الزمان واستمرت خمسة أسابيع شارك فيها 36 ألف جندي و230 وحدة عسكرية و140 طائرة وأكثر من 60 سفينة، كرسالة للشركاء من ناحية وضمن إدارة الصراع مع روسيا من ناحية أخرى، فضلاً عن إعلان الحلف الانضمام رسميًا إلى عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في سوريا من خلال إرسال طائرات إنذار مبكر"أواكس "والتي يمكنها مراقبة المجال الجوي على مسافات تتجاوز 400 كم من خلال الرادارات التي تحملها على متنها و تقديم المساعدة في ضمان الاتصالات اللاسلكية بين القيادات الموجودة في الجو والبحر والأرض.

وبالنسبة لدول الخليج فقد تمثلت استجابة الحلف للتحديات الإقليمية التي تواجهها من خلال تعزيز برامج الشراكة مع تلك الدول وتتضمن التعاون السياسي والدبلوماسي وتبادل الخبرات في مجالات الدفاع والأمن والتعاون لمواجهة التحديات المدنية والأمنية الناشئة، فضلاً عن حرص الحلف على مأسسة علاقاته بدول الخليج والانتقال بها نحو آفاق أرحب وذلك من خلال تأسيس مركز إقليمي للحلف ومبادرة استانبول في دولة الكويت في يناير 2017م، ويناط به تقديم برامج تدريبية مهمة في مجالات إدارة الأزمات وأمن الطاقة ومكافحة الإرهاب الإلكتروني والتخطيط لحالات الطوارئ المدنية، بالإضافة إلى حرص دول مبادرة استنبول على وجود تمثيل دبلوماسي لها مع حلف الناتو، ويدرك حلف الناتو أهمية الدور الخليجي تجاه قضايا الأمن الإقليمي ومن ذلك دور دول الخليج تجاه الأزمة السورية وخاصة أن ذلك الدور قد أضحى على خط التماس مع الحدود الشرقية للناتو" تركيا أحد أعضاء الحلف"، فضلاً عن دعم بعض دول مبادرة استنبول لعمليات الحلف في أفغانستان والتي تعرف باسم "إيساف" وجميعها مؤشرات تعكس واقع التعاون الخليجي-الأطلسي.

وعلى الرغم من أهمية ما سبق وأخذًا في الاعتبار تأكيدات مسؤولي الحلف غير ذي مرة أن الحلف يقدم ما يطلق عليه" القيمة المضافة للأمن" ، ومن ثم فإنه في حالة الخلل في توازن القوى بين دول الخليج والأطراف الإقليمية فإن حلف الناتو يمكنه أن يسهم في نقل التكنولوجيا الحديثة لدول الخليج وتطوير قدراتها الصاروخية بما يحقق توازن القوى مع القدرات الصاروخية الإيرانية المتنامية ، ويمكن التفكير في فكرة عقد اتفاقية دفاعية بين حلف الناتو ودول مبادرة استنبول ككل على أن يتم توسعتها مستقبلاً لتشمل كل دول مجلس التعاون ، وتعد تلك الاتفاقية ذات أهمية بالغة لعدة أسباب منها أن التحدي الأساسي الذي يواجه دول الخليج هو الخلل في توازن القوى مع إيران وبالتالي ستكون تلك الاتفاقية رسالة ردع لإيران وتأكيدًا لالتزام من جانب الحلف تجاه شركائه ، وربما أن المادة الخامسة من ميثاق الحلف ستكون عقبة كبرى إلا أنه يمكن التفكير في صيغ لتحقيق الارتباط الدفاعي والأمني مع دول مجلس التعاون حيث أن الشراكة تبنى على التزام حقيقي من طرفيها والمنفعة المتساوية،من ناحية يمكن أن يلعب حلف الناتو دورًا مهمًا تجاه أمن الطاقة فمع أن قضية أمن الطاقة لم تكن أحد بنود مبادرة استنبول فإن تلك القضية كانت موضوعًا مهمًا للنقاش بين المسؤولين من الحلف ودول المبادرة خلال السنوات التالية للإعلان عن المبادرة، بل أنها كانت موضوعًا ضمن البيانات الختامية لبعض قمم الحلف، والتي يوليها اهتمامًا بالغًا ومن ذلك ما أشار إليه الأمين العام السابق للحلف جاب دي هوب شيفر في مقال بصحيفة نشرته صحيفة الخليج الإماراتية بعنوان "الأطلسي ومنطقة الخليج وحقبة جديدة من التعاون" وذكر فيه أن "لنا جميعًا مصالح مشتركة تتمثل في أمن الطاقة وأمن خطوط الإمدادات والبنية التحتية للطاقة سواء كنا بلدانًا تمد أو تورد الطاقة أو تعبر في أراضيها الإمدادات أو بلدانًا مستهلكة ولم تعد الجغرافيا تشكل درعًا تقينا شرور مثل هذه التحديات العالمية"، من ناحية ثالثة بالنظر إلى تنوع مجالات التعاون الأمني لدى الحلف والتي تتيح لأي من الشركاء الاختيار فيما بينها ومنها خبرة الحلف في التصدي للإرهاب الإلكتروني والتي أرسى الحلف استراتيجية شاملة لها في عام 2008م، فإنه يمكن أن يقدم خبرته لدول الخليج في هذا الشأن.

وبغض النظر عما يمكن أن يقدمه الحلف لشركائه وما يقتصر على أعضائه وفقًا للميثاق المنشئ للحلف فإن تطوير آليات الشراكة لاتزال متطلبًا مهمًا لتعزيز تلك الشراكة وخاصة الانتقال من صيغة التعاون الثنائي"29+1" إلى التعاون الجماعي مع دول الخليج على غرار الحوار السنوي متعدد الأطراف لوزراء دفاع دول الخليج مع الولايات المتحدة وذلك ضمن مبادرة أمن الخليج التي أطلقتها الولايات المتحدة عام 2006م، وتتضمن عدة مجالات للتعاون من بينها التشاور السياسي ، وإذا ما طرح حلف الناتو تلك الآلية ذاتها فإنها سوف تلقى قبولاً من دول الخليج حيث يمكن من خلالها مناقشة التحديات الأمنية الإقليمية من منظور جماعي في ظل صعوبة الفصل بين مستويات الأمن سوى لأغراض التحليل العلمي.

 

ثالثًا: دور حلف الناتو تجاه الصراعات الإقليمية: تحقيق التوازن أم جزء من التنافس الدولي الجديد ضمن تلك الصراعات؟

 

يسود اقتناع خاطئ مفاده أن حلف الناتو يسعى للتواجد عسكريًا خارج حدوده ويتجدد ذلك الاقتناع مع إعلان الحلف عن توجهات أو خطط جديدة للتعاون سواء مع دول الخليج أو تجاه الأزمات الإقليمية عمومًا ، إلا أن إمعان النظر في وظيفة الحلف وبيئة عمله تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أنه لا مجال لقواعد عسكرية تحمل علم الناتو خارج النطاق الجغرافي لأعضائه، إلا أن ذلك لا يعني أن الحلف بعيد تمامًا عن مناطق الصراع حيث أن المفهوم الاستراتيجي وهو ميثاق أمني رفيع المستوى يصدر عن الحلف كل عشر سنوات كنوع من المراجعة لأبرز المستجدات الأمنية خلال عقد من الزمان ومن ثم سد الفجوة بين الميثاق المنشئ للحلف وتلك المستجدات بل وتحديد آليات لمواجهتها، ذلك الميثاق الذي صدر عام 2010م، قد نص وبوضوح على أنه" يمكن لحالات عدم الاستقرار وصراعات ما وراء الحدود الجغرافية لشمال الأطلسي أن تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن الحلف، بما في ذلك التطرف والإرهاب والأنشطة غير المشروعة العابرة للحدود كالاتجار بالأسلحة والمخدرات والبشر" كما تضمن ذلك المفهوم في مواضع أخرى "أن النزاعات والأزمات خارج حدود حلف شمال الأطلسي يمكن أن تشكل تهديدًا مباشرًا لأراض الحلف وشعوبه. وعليه، فإن الناتو سيعمل حيثما أمكن وعند الضرورة على درء وإدارة الأزمات وعلى استقرار أوضاع مناطق ما بعد الصراعات ودعم عمليات إعادة بنائها" ، وتأسيسًا على ما سبق يمكن تفسير تجارب الناتو تجاه إعادة بناء قطاع الأمن في كل دول أوروبا الشرقية و أفغانستان، والعراق حيث اتفق قادة الحلف على إرسال مدربين عسكريين إلى العراق من أجل دعم القوات المسلحة العراقية وهو ما يعد خطوة مهمة حيث أن التحدي الأساسي الذي يواجه العراق حاليًا هو ضعف القوات المسلحة مما يتيح المجال لتمدد تنظيم داعش، وقد كان للحلف دور تجاه تدريب القوات المسلحة العراقية خلال الفترة من 2004 وحتى 2011م، وفي الخامس عشر من فبراير 2018م، أعلن وزراء دفاع حلف الناتو عن قرار الحلف إرسال بعثة تدريبية إلى العراق
وذلك بناءً على طلب الحكومة العراقية والتحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش، كما أنه لدى الحلف خطط لإنشاء أكاديميات ومدارس عسكرية متخصصة إضافة إلى زيادة وجوده لكن دون القيام بمهمات قتالية.

ولاشك أن نجاح الحلف في تلك المهمة سيكون حافزًا لأن يؤدي الدور ذاته تجاه إعادة بناء الجيش اليمني وللحلف ركيزة أممية للاضطلاع بذلك الدور تتمثل في قرار مجلس الأمن رقم( 2151)الصادر في 29إبريل عام 2014م، بشأن ضرورة إصلاح القطاع الأمني في مناطق ما بعد الصراعات كأساس للأمن والاستقرار الإقليمي ، ومع أن القرار قد أشار إلى أن ذلك الأمر منوط بالأساس بالحكومات الوطنية، فإنه قد أشار إلى إمكانية التعاون بين الدول الأعضاء في المنظمة الدولية والمنظمات الإقليمية ودون الإقليمية وفقًا للفصل الثامن من ميثاق المنظمة وهو ما يمنح الحلف ركيزة قانونية دولية للاضطلاع بهذا الأمر وذلك في حال طلب الحكومات المعنية، من ناحية ثانية فإن التصدي للتهديدات الإيرانية يعد متطلبًا أساسيًا لتحقيق توازن القوى الإقليمي ، ومع أن حلف الناتو لم يكن طرفًا في الاتفاق النووي إلا أن الأمين العام للحلف ينس ستولنتبرج قد أكد على أهمية "التنفيذ الكامل للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 وأن يتم تنفيذ آليات التحقق من التزام إيران بتنفيذ بنوده كاملة"، بل أن العديد من التصريحات الرسمية من مسؤولي الحلف قد تضمنت غير ذي مرة مخاوف حلف الناتو من تطوير إيران برامج صاروخية تمثل تهديدًا حقيقيًا لأراضي أعضاء حلف الناتو، ومن ثم فإن تحقيق الأمن الإقليمي لدول الخليج يعد مصلحة أكيدة لحلف الناتو، وفي ظل تعدد الصيغ الأمنية التي تم اقتراحها على المستوى النظري لأمن الخليج العربي ،وعلى الرغم من أن فكرة بناء أطر أمن إقليمية ليست أمرًا مستحيلاً حيث استطاعت العديد من الدول تأسيس أطر أمن إقليمي منها رابطة الآسيان ومؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا فإن تلك المقترحات ربما تجد صعوبة في تنفيذها في منطقة الخليج العربي سواء بالنسبة لاختلاف المصالح بين دول المجلس ذاتها أو بين دول المجلس وإيران بالنظر إلى استمرار وجود العديد من القضايا العالقة بين الجانبين، كما أنه في الوقت الذي سيكون من الصعوبة أن يكون الحلف جزءًا من أي ترتيبات للأمن الإقليمي الخليجي مستقبلاً فإن بدء دول الخليج شراكة مع حلف الناتو وفق صيغة 29+6 من شأنها تحقيق التوازن الإقليمي الذي يعد شرطًا أساسيًا للأمن الإقليمي.

ومع أهمية ما سبق فإن التساؤل المشروع هو هل لدى الحلف بالفعل استراتيجية لحماية أمن منطقة الخليج العربي تتلاءم والأهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة والتي تتجاوز المفهوم التقليدي المتمثل في النفط أم أن ما يقدمه الحلف من مساهمات أمنية سيكون وفقًا لكل حالة على حدة؟ وبمعنى آخر أي الهدفين له أولوية لدى صانعي القرار في الحلف: تعزيز الشراكة بين الحلف ودول الخليج، أم الصراع الأطلسي-الروسي؟ وواقع الأمر أن الإجابة عن ذلك التساؤل لا تبدو من السهولة بمكان، حيث أن النظام العالمي الراهن هو قيد التشكل من حيث إعادة ترتيب مراكز القوى والتي سيكون لها تأثير على معادلة الأمن الإقليمي، فالتدخل الروسي في الأزمة السورية هو أهم مراحل هذا التحول الأمر الذي كان تحديًا سواء للحلف أو دول الخليج في الوقت ذاته فيما رتبه من تداعيات ليس أقلها إتاحة الفرصة للمزيد من التمدد الإيراني الإقليمي التخريبي لإيران وتأثير ذلك على مسألة التوازن الإقليمي، ومن ثم فإنه من التبسيط الشديد القول أن هناك مساران متوازيان وهما شراكة أطلسية ـ خليجية، وصراع أطلسي ـ روسي، إذ تشير خبرة الماضي إلى أن وجود القوى الكبرى ضمن منطقة تشهد اضطرابات مزمنة يمثل عامل استقرار حيث تلعب دور الكوابح لأي مغامرات إقليمية غير محسوبة، ويعني ذلك أن وجود الحلف ضمن مناطق الصراع الإقليمي من شأنه تحقيق ذلك التوازن أخذًا في الاعتبار الفجوة الهائلة في توازن القوى بين كل من الحلف وروسيا لصالح الحلف.

رابعًا: حلف الناتو وإشكاليات التدخل العسكري في الأزمات الإقليمية:

 

على الرغم من تطور دور حلف الناتو وخاصة منذ انتهاء الحرب الباردة وحتى الآن حيث لم يعد دوره متمثلاً في تقديم "الأمن الصلب" فحسب بل "الأمن الناعم" المتمثل في التعليم والاستشارات والتدريب من خلال برامج الشراكة المختلفة بين الحلف وشركائه في هذا الشأن، فإن ذلك لا ينفي أهمية الحلف كأقوى منظمة دفاعية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن بما له من قدرات عسكرية على الأقل ليست متواجدة لدى المنظمة الأممية المعنية بحفظ الأمن والسلم الدوليين وهي الأمم المتحدة، ودون الخوض في طبيعة التشكيلات العسكرية لدى الحلف والتي قد لا يتسع المجال للحديث عنها بشكل تفصيلي إلا أنه في المجمل نجد أنها قد أضحت تشكيلات أقل حجمًا وأكثر سرعة وعالية التسليح ، وتتلاءم طبيعتها مع واقع التهديدات الأمنية الراهنة وخاصة خارج أراضي دول أعضاء الحلف.

ولا تكمن المعضلة الأساسية في الجدل حول قدرات الحلف وإنما في تساؤلين أساسيين الأول: ما هي شروط تدخل الحلف في الأزمات التي تقع خارج أراضيه ويرى الحلف أنها تمثل تهديدًا جوهريًا لمصالح أعضائه؟ والثاني: لماذا تدخل الحلف في بعض الأزمات"ليبيا" ولماذا لم يتدخل في الأخرى "سوريا"؟

وعلى الرغم من تبريرات الحلف في هذا الشأن والتي وردت على لسان الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج بالقول" لم تطرح أي دعوات لمشاركة الناتو في النزاع السوري بشكل مباشر" ،وفي سياق آخر قال " أن القيام بمهمة عسكرية يمكن أن يؤدي إلى المزيد من التصعيد
ويمكن أن نتعرض لخطر مواجهة نزاع إقليمي أكبر، أو أن يموت المزيد من الأبرياء" مشيرًا إلى أن" التكاليف الناتجة عن الاستعانة بوسائل عسكرية تتجاوز الفائدة الناتجة عنها، وأنه من الممكن أن تسهم المهمة العسكرية في جعل الموقف المروع في سوريا أكثر ترويعا" ،وبشأن تدخل الحلف في ليبيا قال الأمين العام للحلف في تصريح آخر"حظينا بدعم نادر في الحالة الليبية عام 2011م" .

وبغض النظر عن تلك التبريرات فإن تاريخ الحلف يشير إلى أنه لم تكن هناك تدخلات عسكرية مباشرة في الأزمات العربية من جانب الحلف كمنظمة دفاعية قبل تدخل الحلف في الأزمة الليبية عام 2011م، ويكمن تفسير ذلك بمضمون المادة الخامسة من الميثاق المنشئ للحلف والتي تنص على أن" أي عدوان يقع على أي دولة من دول الحلف يعتبر عدوانًا على الدول المتحالفة جميعًا بما يحتمه ذلك من مساعدة تلك الدولة لرد ذلك العدوان بكل الوسائل الممكنة" ،إلا أن بيئة ما بعد انتهاء الحرب الباردة قد أوجدت تهديدات هائلة لأمن دول الحلف ومنها الحرب في يوغسلافيا وكوسوفو،فضلاً عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001م،الأمر الذي حدا بالحلف للتدخل بالتدخل في تلك الأزمات بدلاً من الاكتفاء بمراقبتها، ولم يكن أمرًا يسيرًا للحلف من حيث تحقيق الاتساق بين ميثاقه الذي لا يتيح التدخل خارج أراضيه ومواجهة التهديدات الأمنية التي تهدد مصالح أعضائه ذلك الاتساق الذي تحقق مع صدور ما يسمى المفاهيم الاستراتيجية للحلف والتي تتكامل مع الميثاق المنشئ له ولا تتناقض معه، ومن ثم فقد تدخل في كوسوفو1999م، وأفغانستان في عام 2003م، حيث كانت أفغانستان أول عملية عسكرية للحلف خارج منطقة عمله التقليدية في أوروبا ، أما تدخل الحلف في الأزمة الليبية فقد استند إلى قراري مجلس الأمن رقمي 1970 و1973م، بشأن الحالة الليبية "ومضمونهما إحالة الوضع في ليبيا إلي المحكمة الجنائية الدولية، وحظر الأسلحة والسفر، وتجميد الأصول الليبية في الدول الغربية، وإقامة منطقة حظر طيران جوي في الأجواء الليبي"، فضلا عن قرار الجامعة العربية بتاريخ 2 مارس 2011م، بشأن الطلب من مجلس الأمن تحمل مسئولياته إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا، وما تلاه من مشاركة بعض دول مبادرة استنبول في عمليات الحلف على الأرض في ليبيا.

وبعيدًا عن الخوض في المزيد من التفاصيل حول حالات تدخل الحلف في الأزمات فإن الحلف قد وضع شروطا لهذا التدخل أولها: حدوث إجماع دول الحلف التسع والعشرون على أن أزمة ما تمثل تهديدًا وشيكًا لمصالح دول الحلف، وثانيها: وجود إطار أممي يتمثل في قرار من مجلس الأمن يمنح التفويض المطلوب للحلف للتدخل حتى لا تكون هناك فجوة بين الشرعية والمشروعية، وثالثها: وجود مساهمات إقليمية لعمليات الحلف في تلك الأزمة.

ويعني ما سبق أن تدخل الحلف حال اندلاع أزمة ما مستقبلاً في منطقة الخليج العربي على سبيل المثال لن يكون أمرًا يسيرًا حيث سيكون مرتبطًا بالاعتبارات السابقة إلا أن مدى خطورة تلك الأزمة قد تحدث إجماعاً بين دول الحلف ضمن آلية التشارو السياسي في الحلف إبان الأزمات والتي تحيل القرار إلى اللجنة العسكرية وليس بالضرورة أن يكون التدخل من جانب الحلف كمنظمة دفاعية على غرار الحالة الليبية عام 2011م، ولكن وفقًا للخبرات السابقة للحلف حيث تدخلت دوله الرئيسية ضمن ما يعرف" بائتلاف الدول الراغبة" ضمن تحالف للدول الغربية خلال الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات، وحرب تحرير دولة الكويت عام 1991م.

خلاصة الورقة:

 

1-              على الرغم من أهمية دول الخليج بالنسبة لحلف الناتو وهو ما يتمثل في مبادرة استنبول للتعاون مع تلك الدول وما تلاها من تطوير آليات للتعاون بين الجانبين، فإنه يجب النظر إلى البيئة الاستراتيجية الأوسع لعمل الحلف حيث يشهد الحلف صراعًا مع روسيا على جبهتيه الشرقية والجنوبية.

2-              مع أن التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي منذ عام   2011م، قد مثلت تحديًا للحلف وخاصة أنها تضم الدول الشريكة للحلف في مبادرتي الحوار المتوسطي واستنبول فإنها في الوقت ذاته قد أتاحت للحلف فرصًا لتطوير آليات جديدة للتعاون مع تلك الدول.

3-              من الصعب الفصل بين هدفي تحقيق التوازن والصراع ضمن سياسات الحلف، ولكن بوجه عام فإن للحلف مصالح جوهرية في منطقة الشرق الأوسط والخليج وهو ما يفسر الصراع الأطلسي-الروسي المحتدم على أكثر من جبهة.

4-              تثير مسألة تدخل الناتو عسكريًا في الأزمات الكثير من الإشكاليات والجدل ولكن مجمل ذلك الجدل هو أن الحلف لديه خطوط حمراء في الصراعات الإقليمية ويتم تقدير المخاطر من خلال آلية تشاورية داخل الحلف وفقًا لشروط حددها الحلف بشأن التدخل العسكري من عدمه وتبقى لكل حالة خصوصيتها وظروفها.

مجلة آراء حول الخليج