; logged out
الرئيسية / العلاقات الجيواستراتيجية الخليجية الهندية ـ الباكستانية: الثابت والمتغير

العدد 128

العلاقات الجيواستراتيجية الخليجية الهندية ـ الباكستانية: الثابت والمتغير

الإثنين، 12 آذار/مارس 2018

بعد انتهاء الحرب الباردة الذي تبعه أفول عهد القطبية الثنائية وظهور نظام عالمي تحكمه توازنات قطبية متعددة. تميز هذا العهد الجديد بسياسة التحالفات الاستراتيجية بين الدول التي تهدف لتفعيل اتفاقيات التعاون وإيجاد سياسات مشتركة وحل المشاكل والصراعات. هذه التحولات السياسية العالمية أثرت في مسارات السياسات الداخلية والخارجية لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.

في هذا الإطار تسعى دول مجلس التعاون لبناء وتطوير علاقاتها مع الدول الإقليمية العربية وغير العربية، الإسلامية وغير الإسلامية والتي تربطها بها علاقات تاريخية متجذرة في القدم، قبل أن تتشكل هذه الأقاليم والحضارات على شكل كيانات سياسية حديثة تحت مسمى دول.

 

إشكالية البحث

رصد وتحليل العلاقات الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودولتي الهند وباكستان، على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، لتقييم فاعلية هذه العلاقات الجيواستراتيجية.

 

تربط منطقة شبه الجزيرة العربية وبلاد فارس القديمة والهند والسند علاقات قديمة سبقت بداية التأريخ الميلادي، إذ أن المنطقة كانت مسرحًا للتبادل التجاري الذي رافقه تبادل ثقافي ومعرفي، غير أن العلاقات بين هذه الحضارات لم تكن دائما في إطار سلمي ولكن شكلت الحروب وصراعات القوى جزءًا مهمًا من هذا التاريخ المشترك، حيث تبادلت هذه القوى الهيمنة على حواضر المنطقة. دراسة الأدبيات التاريخية تبين للباحث أهمية تحليل الإرث التاريخي لفهم طبيعة العلاقات الجيواستراتيجية الحديثة بين هذه الدول.

 

ساهم إرث الهيمنة الفارسية القديمة على منطقة الخليج قبل الإسلام وبعده في تغذية المشروع الإمبريالي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، استمرارية هذه الأطماع في فرض الهيمنة على دول الخليج يظهر بشكل جلي عند دراسة التسلسل الزمني للأحداث السياسية chronologie بين دولة إيران -ما قبل الثورة وما بعد قيام نظام ولاية الفقيه-[1]مع دول مجلس التعاون[2]. تتراوح هذه السياسة العدائية بين مطالبات صريحة بضم البحرين للأراضي الإيرانية، وتصريحات ناقدة للأنظمة الخليجية وتدخلات في الشؤون الداخلية، وخطط لزعزعة استقرار الأنظمة الخليجية، من أجل تسهيل إقامة كيانات موالية لنظام ولاية الفقيه. وهذا الصراع القوي كلف المنطقة حربًا يمكن تصنيفها تحت خانة low intensity conflict بين العراق وإيران[3].

 

وفي خضم هذه التحولات والصراعات الإقليمية، أدركت دول الخليج الحاجة لبناء تحالف يجمع بين دول شبه الجزيرة المستقلة، يمكن لها من خلاله التكتل من أجل رسم سياسات تؤمن لها ضمان أمنها السيادي ورسم سياسات تصب في مصلحة شعوب المنطقة. نتج عن هذا التكتل السياسي تحت مسمى مجلس التعاون الخليجي مشاريع سياسات مشتركة واتفاقيات اقتصادية[4]، عسكرية، وأمنية، منها تشكيل درع الجزيرة الذي يضمن أمن دول المجلس في حالة العدوان العسكري، ويمكن تقييم أهمية هذه الاتفاقيات الأمنية من خلال أزمة حرب الخليج الأولى والثانية. على الرغم من وجود هذا الكيان السياسي الجامع لدول الخليج والذي كان من المفترض به أن يوحد على الأقل السياسات الخارجية للدول الأعضاء، إلا أن هذه الدول لم تنجح في توحيد سياساتها ومواقفها، ويمكن البرهنة على ذلك من خلال دراسة علاقات دول المجلس مع إيران مثلاً، ففي حين حافظت عمان على علاقات مستمرة مع إيران، ولعبت دورًا مهما في حلحلة الملف النووي الإيراني من خلال لعب الوسيط بين إيران ودول أوروبا وأمريكا، تراوح موقف دول المجلس الأخرى بين الحفاظ على علاقات تجارية دون الدخول في مواجهات مباشرة كما في حالة العلاقة بين دولة الإمارات العربية المتحدة، الكويت وقطر وإيران، وبين علاقات تتسم بمواجهات سياسية وقطيعة دبلوماسية ناتجة عن التدخلات والتصريحات الإيرانية العدائية ضد دولتي البحرين، والمملكة العربية السعودية.

 

دراسة العلاقات الخليجية مع دول الإقليم (إيران -الهند -باكستان) تتطلب دراسة عدة محاور في نفس الوقت للتوصل إلى نتيجة علمية مرضية، بعيدًا عن الأطروحات الصحفية السائدة التي لا تستند على منهج علمي، فهي إما سردية وإما تحريضية. إذ أن دراسة هذه العلاقات الإقليمية تستدعي دراسة متعددة المناهج، دون إهمال التحليل الانثربولوجي الذي يهتم بدراسة العامل الاجتماعي الذي يبين كيفية تفاعل العنصر العربي والاثنيات المختلفة في منطقة الخليج وبحر عمان، تأثير هجرات الهنود والباكستانيين و الإيرانيين في العصر الحديث واستقرارهم في الحواضر العربية وسيطرة بعض مشايخ العرب على بعض حواضر الساحل الشرقي مثل آل القاسمي (حكام الشارقة حاليًا)، أثر التبادلات التجارية واقتصاد الطاقة على أمن المنطقة، توازن القوى الصاعدة والسلاح النووي، كيفية الاستفادة من القوة الناعمة للهند وباكستان في المجال الاقتصادي والثقافي في الخليج.

 

إشكالية علاقات دول الخليج مع إيران

 

إن علاقة دول الخليج مع إيران تطرح إشكالية العنصر الشيعي في المجتمعات الخليجية ومشروع تصدير الثورة تحت مزاعم لواء ولاية الفقيه، وبروز جماعات شيعية مسلحة (ميليشيات) موالية لإيران في بعض دول الخليج والدول العربية. لا شك بأن (معظم) الشيعة في الحواضر العربية الخليجية يدينون بالولاء لأوطانهم ويرفضون الانضواء تحت راية ولاية الفقيه الغريبة على الفقه الشيعي العربي، ولا تتلاءم مع طبيعة العنصر الشيعي الخليجي الذي برهن على وفائه لعروبته وسيادة لوطنه في عدة منعطفات تاريخية مهمة، منها تصويت الشيعة في البحرين لصالح إعلان البحرين دولة عربية مستقلة تحت سيادة آل خليفة، وكذلك ولاء الشيعة الخالص لأوطانهم في المملكة العربية السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، وعمان يبدد مخاوف التوظيف السياسي الإيراني للجماعات الشيعية في الخليج.

 

العلاقات الخليجية مع الهند وباكستان

أما فيما يتعلق بشبه القارة الهندية فقد تكونت منطقة غرب آسيا على شكل كيانات سياسية حديثة مستقلة في نهايات القرن العشرين بعد استقلالها عن الدول الاستعمارية وترسيم الحدود بين باكستان والهند عام 1947م، حيث شهد هذا الإقليم تكون دوله إثر صراعات دامية وعنف طائفي وهجرات اثنية متعددة وانقسام الأقاليم الغنية والمهمة اقتصاديًا وثقافيًا كالبنجاب وبنغال، فقد تم تقسيم باكستان إلى شرقية وغربية قبل أن تكون لها سيادتها المستقلة كدولة، وتبع ذلك استقلال دولة بنغلادش (شرق باكستان سابقًا).

 

العلاقات التاريخية بين الخليج وشبه القارة الهندية تمتد لحوالي 4000 عام كما يقدر بعض المؤرخين دخلت عليها على مر السنين وتعاقب الحضارات عوامل مؤثرة عديدة منها العامل الديني الإسلامي، والذي ترك أثرًا مهما أثناء الحكم المغولي في الهند، أدى ذلك لتداخل الثقافات الهندية والعربية وتأثيرها التفاعلي على بعضها البعض، كما في أسطورة ألف ليلة وليلة، وغير ذلك من التفاعلات العلمية والأدبية في العصور ما قبل الإسلامية وما بعد الإسلام.

 

في العصور السابقة لاكتشاف النفط كانت تربط الهند ودول الخليج علاقات قائمة على تجارة اللؤلؤ والتوابل والحرير، صاحبتها تفاعلات ثقافية ودينية، وأدركت ذلك جيدًا حكومة المملكة المتحدة فربطت وكالتها السياسية لدول الخليج بالهند أثناء سيطرتها على منطقة الخليج والأراض الهندية والبنغال تحت إدارة ما عرف بـ (شركة الهند الشرقية) وحكومة الهند البريطانية. بعد اكتشاف النفط وازدهار الاقتصاد في الخليج عرفت هذه التبادلات منعطفًا جديدًا، فقد استقطبت دول مجلس التعاون الخليجي العمالة وأصحاب الرساميل الهنود الذين وجدوا أسواقًا وفرص عمل جديدة. وفي الاتجاه الآخر تعتبر الهند سوقًا مهمًا لصادرات الطاقة الخليجية، إذ أن الهند اشترت من دول مجلس التعاون أكثر من نصف وارداتها من الطاقة عام 2016م، حيث تشكل الهند شريكًا مهمًا لدول مجلس التعاون مجتمعة، فقد بلغ مقدار التبادل التجاري بينهما حوالي 137,7 مليار دولار عامي 2015-2016م، هذه الشراكة الاقتصادية القائمة على تجارة الطاقة مرشحة للارتفاع، إذ أن صادرات دول مجلس التعاون نحو الهند سجلت نموًا سنويًا نسبته 43 % خلال العقد الماضي، وهو معدل النمو الأسرع في العلاقات الاقتصادية بين دول المجلس وشركائها.[5] هذه العلاقة الاقتصادية المميزة مع الهند تعتبر ركيزة مهمة لدول الخليج في رسم سياساتها الخارجية، حيث أن عدم اعتماد الخليج على الأسواق الأوروبية والأمريكية من أجل تسويق صادراتها وتحصيل واردات تجارية من شأنه أن يعزز الموقف السياسي الخليجي المستقل.

 

أسس رئيس وزراء الهند جواهر لآل نهرو النهج الاستراتيجي الهندي (الحياد) كسياسة راسخة من خلال انضمام الهند لحركة عدم الانحياز التي أسست عام 1961م، والتي رفضت الانحياز لأي من قطبي الحرب الباردة، إذ عرفت الهند آنذاك تقاربًا سياسيًا مهمًا مع مصر التي انضمت لهذه الحركة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. اختارت الهند التي تسعى للصعود كقطب إقليمي وعالمي مؤثر الانضمام لمجموعة الـ (BRICS) التي تأسست عام 2009 م، والتي تسعى لمنافسة الدور الأوروبي ـ الأمريكي في إدارة الاقتصاد العالمي، شكلت دول هذه المجموعة (روسيا ـ الصين- الهند- البرازيل- جنوب إفريقيا) من أجل هذا الهدف مصرفًا إنمائيًا رأس ماله مائة مليار دولار عام 2014م، إذ يمكن لدول مجلس التعاون الإفادة من الدور الصاعد للهند وشراكاتها الاقتصادية المتعددة لتعزيز التعاون مع دول هذه المنظمة التي تربط بين استثمار مواردها الاقتصادية و تكريس نفوذها في القضايا السياسية العالمية.

 

وعلى الرغم من تراجع مخرجات منظمة عدم الانحياز ودورها، إلا أن الهند ما زالت محافظة وإن بشكل أقل على مبادىْ هذه السياسة، لذلك لا يمكن لدول الخليج أن تعول على الهند في الملفات السياسية الإقليمية والدولية كحالة الملف السوري، فعلى الرغم من كون الهند حليفًا لأمريكا ولدول الخليج التي كانت تؤيد الإطاحة بالأسد بالقوة العسكرية، إلا أنها، أعني الهند، لم تدعم المعسكر الخليجي -الأمريكي، بل على العكس أبدت موقفًا مؤيدًا للحل السياسي في سوريا وبقاء نظام الأسد في السلطة. لذلك وإن كانت الهند قوة إقليمية مؤثرة وصاعدة لا يمكن التفكير باستراتيجيات هندية ـ خليجية مشتركة على الصعيد السياسي وذلك لاختلاف النظم السياسية الداخلية وتباين الرؤى والاستراتيجيات الإقليمية في العديد من الملفات الإقليمية والعالمية، غير أن هذا الموقف الحيادي لا يمكن وصفه بالسلبي، إذ أن ضمان عدم انحياز الهند يضمن استدامة واستقرار العلاقات مع دول الخليج من جهة وضمان عدم تأثر الجالية الهندية بمواقف بلادها من جهة أخرى. ومن خلال هذا المنظور أيضًا تبدو الصين، الحليف والمنافس القوي للهند شريكًا سياسيًا أكثر فاعلية كونها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن يمكن الاعتماد على تأثير دعمه في مواجهة السلطة العالمية للولايات الأمريكية المتحدة وحلفائها من أعضاء دول الاتحاد الأوروبي، وقد تبين مدى فاعلية دورها العالمي في قضية حماية نظام الأسد من السقوط.

 

تبدو الهند راغبة في مأسسة علاقاتها مع دول الخليج، حيث إن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودري دشن استراتيجية (التواصل مع الغرب) أوLINK WEST الرامية لتعزيز العلاقة مع دول الخليج، زار على إثرها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إذ أن العلاقة الجيواستراتيجية بين الهند ودول مجلس التعاون ركيزة أساسية لسياسة أمن الطاقة الهندية.

يواجه هذا العهد من العلاقات الجيوإستراتيجية الهنديةـ الخليجية النامية عدة تحديات منها منافسة باكستان والصين، العلاقة مع إسرائيل، إشكالية الحفاظ على علاقات إقليمية ودولية متعددة ومتوازية مع الحفاظ على مبدأ الحياد.

 

أما الجالية الهندية في دول مجلس التعاون والتي يناهز عدد أفرادها 7 ملايين نسمة، لم يصدر منها ردات فعل عنيفة أو منظمة تجاه القضايا السياسية العالمية والمحلية، فعلى الرغم من موقف الخليج، خصوصًا المملكة العربية السعودية التي وقفت مع باكستان في القضية الكشميرية، فإن المقيمين الهنود في الخليج لم يعترضوا أو يحتجوا على هذا الموقف، لقد أثبتوا على مدى عقود تواجدهم في المنطقة مدى سلميتهم ورغبتهم في الاندماج في مجتمعات الخليج، على الرغم من الاختلافات الاثنية أو العقائدية. وتلعب الجالية الهندية، كما الباكستانية دورًا مؤثرًا - وإن كان غير متسق ولا منتظم-في ميزان العلاقات المالية، حيث تستقبل الهند تحويلات مالية مهمة من قبل مواطنيها المقيمين في الخليج تبلغ حوالي 40 مليار دولار سنويًا، تبعًا لذلك تعتبر الهند وباكستان جالياتها في الخليج مصدر قوة مالية مؤثرة فتسعى لحماية مصالح مواطنيها في دول الخليج.

 

أما توافر الأيدي العاملة المدربة في الهند في مجالات صناعية عديدة، كصناعة الأقمشة والصناعات التكنلوجية يعد فرصة قيمة لدول مجلس التعاون لتنمية مجال الصناعة والتنمية المستدامة، إذ يمكن الاستفادة من هذه الخبرات وتطويرها من أجل تعزيز القطاعات الصناعية غير النفطية في الخليج، وذلك عن طريق إنشاء المصانع وتوظيف الرساميل في مجال الصناعات الخفيفة التي يمكن أن تسهم في تحقيق الاستقلالية الاقتصادية.

 

القوة الناعمة للهند وباكستان، الأثر والتداعيات

 

تتمتع الهند وباكستان بقوة ناعمة قوية وذلك بسبب تراثها المؤثر في الحضارة الإنسانية بشكل عام وفي الحضارة العربية-الإسلامية بشكل خاص، فإسهامات الحضارة الهندية في إثراء الحضارة الإسلامية لا يمكن إنكارها وليس هنا معرض بحثها، إن تجربتها السياسية الحديثة ونضالها السلمي ضد الاستعمار تحت راية رمزها المعروف عالميًا المهاتما غاندي، جعلا منها قطبًا ثقافيًا وحضاريًا مهمًا.

 

أما الأفلام الهندية والباكستانية فهي تشكل جزءًا مهمًا من ثقافة المواطنين الأصليين لدول مجلس التعاون، إذ أن الأفلام المنتجة في بوليوود، تعرض في دور السينما وعلى القنوات المحلية الوطنية في دول الخليج، وتأثر بشكل غير واع على نظرة المواطن الخليجي لهذه الشعوب، وتساهم هذه الأفلام أيضًا في استعراض جوانب من التاريخ والحضارة الهندية وتعريف المشاهد الخليجي ببعض القضايا الداخلية والظواهر الاجتماعية في الهند. وقد أدركت دبي أهمية هذه القوة الناعمة للهند وباكستان فاستلهمتها في خلق مدينة مصغرة تعكس الثقافة الهندية وخصصت لها أكبر جناح في القرية العالمية، حيث حاكت الثقافة الإمبراطورية المغولية، وخصصت حوالي 200 محلا للإتجار بالمنتجات الهندية المعروفة. ويمكن لدول الخليج تعزيز وتنمية العلاقات الثقافية مع الهند وباكستان عن طريق اتفاقيات ثقافية تشمل قطاعات الترجمة والسينما والمعمار والسياحة، والإفادة من صناعة بوليوود الهندية لإثراء الإنتاج السينمائي الخليجي.

 

 

إشكالية ميزان القوى النووية في الإقليم

 

أما على الصعيد الجيواستراتيجي للملف النووي الذي شهد حقبة المواجهات النووية بين الهند وباكستان عام 1998م، فبعد اختبار الهند لقوتها النووية، برزت باكستان كقوة نووية صاعدة بتكلفة باهظة مقارنة بوضعها الاقتصادي، وتبع ذلك قضية سعي إيران للحصول على مفاعل نووي، سلمي حسب ما تدعي.

إن امتلاك باكستان للقوة النووية لا يعني بالضرورة زيادة احتمالية قيام حرب نووية إقليمية، إنما هو من باب معادلة ميزان القوى النووي، كون القوة النووية سلاحًا ردعيًا بالدرجة الأولى، إذ أن المنطقة تعد مسرحًا لتدويل الخلاف السياسي والحروب بالوكالة بين القطبين الآفلين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، بشكل خاص في أفغانستان وباكستان.

 

من جهة أخرى يعد تقارب دولة باكستان المسلمة المالكة للسلاح النووي ودول مجلس التعاون عبر اتفاقيات أمنية وعسكرية مؤثرًا بشكل جزئي على ميزان القوى النووي في إقليم الخليج ومحجمًا للتفوق الإيراني النووي.

 

بعد استعراضنا للجوانب الإيجابية لعلاقات الهند وباكستان ودول مجلس التعاون، يتوجب علينا دراسة ظاهرة الإرهاب والتشدد للجماعات التي تصف نفسها بـ(الإسلامية)، فنشوء جماعة طالبان في أفغانستان، وما تبعها من تنظير وتفعيل للقتال الديني تحت مسمى الجهاد عن طريق المدارس الدينية القرآنية أثناء الحرب السوفياتية على أفغانستان عام 1979م، يشكل تهديدًا أمنيًا جديًا لدول مجلس التعاون.

 

بنت هذه الجماعات المتطرفة في أفغانستان وباكستان والهند شبكات جهادية عالمية في الإقليم، واستقطبت أطرافًا متشددة من الخليجية مشكلة بؤرًا جهادية داخل دول مجلس التعاون الخليجي، تنشر أيديولوجيات متطرفة تستهدف زعزعة الأمن الداخلي وتنفيذ عمليات إرهابية، كالتفجيرات التي استهدفت عددًا من المدن الخليجية، مما يضع دول الخليج في موقف دقيق في علاقتها مع باكستان، إذ أن هذه الشبكات الإرهابية تقتضي تعاونًا أمنيًا وثيقًا بين طرفي العلاقة، لتجفيف منابع الإرهاب والتصدي له من أجل استباق التفجيرات والتهديدات.

 

مستقبل ومآلات العلاقات الجيواستراتيجية بين دول مجلس التعاون والهند وباكستان

 

إن العهد الجديد للتعددية القطبية وانحسار الدور الأمريكي في منطقة الخليج يحتم على صناع القرار ورجال السياسة في الخليج مأسسة العلاقات الجيو-استراتيجية بين دول مجلس التعاون ودول الإقليم (إيران -الهند ـ باكستان) وذلك من أجل ضمان المصالح الخليجية في المنطقة، والرفاه الاقتصادي والاجتماعي والأمن. إن تعدد علاقات دول الخليج مع هذه الدول يمكنها من معادلة ميزان القوى، وتوظيف التحالفات غير المتكافئة في حالة الضرورة، ومن أجل تطوير المؤسسات الخليجية وتعزيز دورها على مسرح السياسة العالمي، وفي هذا الإطار يمكن العمل على شراكات دبلوماسية مع هذه الدول لحل النزاعات في المنطقة، تمكن دول الخليج من لعب دور الوسيط في الخلافات بين الدول والتحالفات الأممية.

ويجب على دول الخليج أيضًا، خاصة المملكة العربية السعودية بناء علاقات استراتيجية أكثر متانة مع باكستان، ثاني أكبر دولة مسلمة من حيث عدد السكان وحليفة إيران وواشنطن، وذلك من أجل الحفاظ على الدور المحوري والمبادر للمملكة كفاعل سياسي مسلم فاعل، ومن أجل مكافحة بؤر الإرهاب في باكستان وأفغانستان ومنعها من التمدد نحو دول الخليج.

كما أن حال العلاقات الاقتصادية المزدهر بين دولة الإمارات العربية المتحدة والهند يتوجب عليه أن يشمل مجالات تعاون أخرى كصناعات الأسلحة والدفاع، والتكنلوجيا.

 

[1] مخلد مبيضين، العلاقات الخليجية الإيرانية 1997-2006، السعودية حالة دراسة، مركز الخليج لسياسات التنمية، 2007.

[2] عرفات علي جرغون، العلاقات الإيرانية الخليجية، الصراع، الانفراج، التوتر، القاهرة ، العربي للنشر والتوزيع، 2016.

[3] فريديريك قولتون، الحرب الأمريكية في الخليج، الحرب والقوة في فجر القرن الواحد والعشرين، ليون، المنشورات الجامعية في ليون، 1996. باللغة الفرنسية.

[4] C.C.G. (Conseil de coopération du Golfe) », Encyclopædia Universalis [en ligne], consulté le 18 février 2018. URL : http://www.universalis.fr/encyclopedie/conseil-de-cooperation-du-golfe/

[5] حسابات مركز التجارة الدولية استناداً إلى إحصاءات قاعدة بيانات تجارة السلع الأساسية للأمم المتحدة Comtrade

مجلة آراء حول الخليج