; logged out
الرئيسية / سياسات دول الخليج وإيران وتركيا تتبنى الواقعية في اختيار البدائل والخيارات

العدد 128

سياسات دول الخليج وإيران وتركيا تتبنى الواقعية في اختيار البدائل والخيارات

الخميس، 15 آذار/مارس 2018

يعتبر موضوع إدارة النزاعات أو الصراعات بين الدول أحد الموضوعات الرئيسية في دراسة العلاقات الدولية سواء على المستوى العالمي أو على المستوى الإقليمي، فالعالم يتكون من "دول مستقلة" لكل منها سيادتها، ونظامها السياسي، وتصورها لمصالحها وأمنها القومي. فبناءً على تحديدها لمصالحها السياسية والاقتصادية والثقافية، فإن الدول تقرر أولويات الأخطار والتهديدات القائمة والمحتملة أو الكامنة، وكيفية مواجهتها والتعامل معها، وتدخل في علاقات تعاون وتنافس وصراع مع الدول الأخرى وفقًا لذلك.

وكما تختلف الأخطار والتهديدات الموجهة لدولة ما أو مجموعة من الدول من حيث الطبيعة والحدة، فإن سبل مواجهتها والتعامل معها تختلف ما بين الأساليب الدبلوماسية والسياسية، وتلك الاقتصادية والمالية وصولاً إلى استخدام القوة، بمعنى أخر تتنوع الأساليب لتشمل عناصر "القوة الصلبة" و"القوة الناعمة" و"القوة الذكية".

وعندما ينشب نزاع أو صراع، فإن هدف الدولة يكون هو تغيير سياسة الخصم وليس تدميره أو إبادته، فالنزاعات تنشأ بسبب اختلاف إدراكات النخب السياسية الحاكمة لمصالحها واعتبارات أمنها القومي. ويترتب على ذلك أن يكون هدف كل طرف من أطراف الصراع هو تغيير هذه الإدراكات مستخدمًا في ذلك كافة الأدوات والوسائل المتاحة له ولحلفائه. لذلك، يتفق الباحثون والمؤرخون على أن سياسات إدارة النزاعات الدولية ينبغي أي تجمع بين "العصا" و"الجزرة" أي أن عليها الجمع بين مجموعة من "الكوابح" و"الحوافز". ويتضمن هذا أن نشوب النزاع بشأن موضوع ما لا يمنع بالضرورة التعاون بين أطراف هذا النزاع في موضوعات وقضايا أخرى.

وينبني هذا الرأي على أن قرار الدخول في نزاع أو صراع إقليمي أو دولي هو اختيار رشيد، وأن النخبة الحاكمة التي اتخذته تعتقد أن المنافع والمكاسب المترتبة على الانخراط فيه أكبر من التكلفة والخسائر التي تتكبدها. ومن الناحية النظرية، فإن على النخب الحاكمة أن تحسب معادلة التكلفة والعائد في مراحل النزاع المتعاقبة، وأن تكون مستعدة لتقليل انخراطها فيه، وتحويل التوتر إلى تهدئة إذا زادت التكلفة والخسائر على المكاسب المتوقعة، وإلا يصبح استمرار النزاع بمثابة استنزاف منظم لموارد الدولة وقدراتها.

فكل نزاع له نهاية، وعندما تتخذ الدولة قرارًا عدائيًا ما، فلا بد أن يكون لدى قادتها تصور لموعد انتهاء هذا القرار. وعلى سبيل المثال، فإن قيادة الدولة التي تتخذ قرارًا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة أخرى ينبغي أن يكون لديها فكرة عن الظروف التي تقرر فيها انتهاء العمل بهذا القرار. وبالمنطق نفسه، فعندما يقرر قادة الدولة استخدام قواتها المسلحة، فإنه ينبغي أن يكون لديها تصور للهدف المحدد من هذه العملية العسكرية وكيفية انتهائها، وإلا تقع هذه الدولة في "ورطة" وتنخرط في مسار لا تملك السيطرة عليه، ويصبح عبئًا متزايدًا عليها.

وانطلاقًا من هذه الاستخلاصات النظرية ودروس حل النزاعات الدولية، يمكن تحليل تطور العلاقات الخليجية الإقليمية، وتحديدًا منذ 5 يونيو 2017م، عندما انفجرت الأزمة بين السعودية والإمارات والبحرين – إضافة إلى مصر – وقطر، والاتهامات التي وجهتها تلك الدول للأخيرة بالتحريض على الكراهية ونشر أفكار التطرف ودعم الحركات والتنظيمات الإرهابية، وما تلا ذلك من مواقف إقليمية وخصوصًا من جانبي إيران وتركيا، وردود فعل الدول الخليجية على مواقفهما.

والأطروحة الرئيسية التي نسوقها في هذا المقام هي أن تعدد مواقف دول مجلس التعاون تجاه الأزمة مع قطر، بل وتعدد مواقف دول الثلاثي الخليجي – السعودية والإمارات والبحرين – ساهم في التقليل من حدة التوتر وخلق الظروف المناسبة للتهدئة رغم الاستمرار في اختلاف المواقف.

أولاً: تركيا

على مدى سنوات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، اتبعت تركيا تحت قيادة رجب طيب أردوغان سياسة عربية وخليجية نشطة تأثرت ببعض أفكار "العثمانية الجديدة" والرغبة في إحياء العلاقات التركية العربية في ثوب جديد، واعتبار المنطقة العربية إحدى ساحات التحرك التركي، فكان من المواقف التركية تطوير علاقاتها مع جميع دول مجلس التعاون، وتأييدها السياسي للانتفاضات والتحركات الشعبية التي شهدتها الدول العربية بما فيها بعض الخليجية.

تحركت تركيا بسرعة في أعقاب إعلان الثلاثي الخليجي قرارات مقاطعة قطر، ففي 7 يونيو 2017م – أي بعد الأزمة بيومين-اعتبر أردوغان أن مقاطعة الدوحة تعتبر "عمل لا إنساني وحكم بالإعدام" مشددًا على أن بلاده سوف تواصل تعزيز وتطوير علاقاتها مع قطر. وفي اليوم نفسه، سارع البرلمان التركي بالموافقة على مشروع قانون يسمح للحكومة بنشر وحدات من القوات المسلحة التركية في أراضي دولة قطر، وذلك بموجب بروتوكول التعاون حول تعليم وتدريب قوات الدرك المبرم بين البلدين في ديسمبر 2015م. وكان هذا الإجراء بمثابة تأييد عسكري وسياسي للنظام في قطر وحمايته من أية قلاقل داخلية أو أي تهديدات خارجية، وسافر وزير الخارجية التركي إلى الدوحة في الأسبوع التالي لتنسيق المواقف بين البلدين وبحث التطورات الأخيرة للأزمة، وقامت تركيا بإقامة جسر جوي لنقل المواد الغذائية وغيرها من ضروريات الحياة اليومية إلى قطر.

وفي نفس الشهر، كرر الرئيس التركي في 25 يونيو دعم بلاده لقطر، وأكد أن المطالب التي قُدمت للدوحة تعتبر "مخالفة للقانون الدولي" وتُمثل "اعتداءً على بلد مستقل". ولعل أردوغان كان يرد الجميل إلى أمير دولة قطر الذي كان أول رئيس دولة اتصل به في ليلة الانقلاب العسكري عليه لدعمه في 15 يوليو 2016م، وقيام قطر بتزويد تركيا بالغاز الطبيعي المسال في أعقاب وقف روسيا تزويدها به بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية في الأراضي التركية في نوفمبر 2015م. أو ربما بسبب عمق العلاقات بين البلدين، وخصوصًا في المجال الدفاعي، فقد كانت قطر هي الدولة الخليجية الوحيدة التي سمحت بوجود عسكري تركي على أراضيها، إلى جانب تعدد الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين، وإنشاء اللجنة الاستراتيجية العليا بينهما في ديسمبر 2014م.

وفي الشهر التالي، قام أردوغان بزيارة للسعودية والبحرين وقطر يومي 23-24 يوليو بدعوى الوساطة والرغبة في الوصول إلى حلول للخروج من هذه الأزمة. ورغم انتقاد دول الثلاثي الخليجي للموقف التركي في البداية، واندلاع اشتباك إعلامي مع موقف أنقرة، إلا أن الأمور تحولت بسرعة إلى الرغبة في الاحتواء والتهدئة.

ففي نوفمبر 2017م، قام أردوغان بزيارة إلى الكويت، وتم توقيع عدد من اتفاقيات التعاون والتنسيق في مجالات التجارة والاستثمار والدفاع، وثمّن الرئيس التركي موقف الكويت الذي كان قد أدان محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في يوليو 2016م. ومثّلت هذه الزيارة دعمًا لدور الكويت كوسيط في الخلاف بين الطرفين خاصة وأنها كانت تستعد لاستضافة مؤتمر قمة دول مجلس التعاون في ديسمبر 2017م، وتأمل في تحقيق اختراق سياسي لحل الأزمة الناشئة في داخل مجلس التعاون الخليجي.

وإذا انتقلنا إلى دول الثلاثي الخليجي، فقد شهدت أيضًا تطورات في اتجاه تجاوز الأزمة مع تركيا. فبالنسبة للسعودية، قام رئيس الوزراء التركي في 29 ديسمبر 2017م، بزيارة للمملكة قدم فيها دعوة رسمية للأمير محمد بن سلمان ولي العهد لزيارة أنقرة، وأعلنت السعودية قبول الدعوة. ولا شك أن زيارة رئيس الوزراء التركي للمملكة وقبول ولي العهد السعودي للدعوة هو دليل على رغبة البلدين في تجاوز الاختلاف بينهما بشأن الأزمة مع قطر. ويدل ذلك أيضًا على إدراك بحجم المصالح المتبادلة بين الطرفين، والتي لا يجوز التضحية بها بسبب الخلاف حول موضوع قطر. وربما قصدت السعودية من وراء ذلك احتواء تركيا وعدم دفعها إلى التورط في مزيد من دعم الموقف القطري، وربما أيضًا استغلال علاقة تركيا الطيبة مع قطر للتأثير على قادتها.

أما بالنسبة لتركيا، فمن الأرجح رغبتها في ألا تكون جزءًا من تحالف استراتيجي ضد السعودية بحكم مصالحها الكبيرة والمتنامية معها. يدل على ذلك حرص وزير الخارجية التركي على التخفيف من وقع عبارات أردوغان النارية يوم 7 يونيو 2017م، والتي أشرنا إليها سلفًا، وذلك بإعلانه في 14 يونيو أن تصريحات الرئيس التركي لم تكن تستهدف السعودية، وأن أردوغان يكن "احترامًا كبيرًا" لخادم الحرمين الشريفين. كما يدل على ذلك أيضًا قبول تركيا قيام عدد من الفصائل السورية التي تستضيفها بانتقاد ما تم الاتفاق عليه في سوتشي رغم مباركة تركيا له.

وبالنسبة للبحرين، قام عاهل البحرين بزيارة إلى تركيا في أغسطس 2016م، أكد خلالها موقف البحرين الرافض بشدة لأي مساس بالشرعية الدستورية في تركيا. ورد أردوغان الزيارة في فبراير 2017م، والتي أكد فيها على التعاون بين البلدين في مجالات الدفاع والتعليم والعمل الدبلوماسي. واستضافت العاصمة البحرينية في نوفمبر 2016م، ملتقى الأعمال والاستثمار الخليجي التركي الثاني، والذي شارك فيه قرابة 600 مستثمر خليجي وتركي. ولم يحدث في الفترة التالية للأزمة مع قطر، والموقف التركي إزائها ما يغير بشكل رئيسي طبيعة العلاقات بين البحرين وتركيا.

وخلافًا لهذه التطورات في علاقة كل من البحرين والسعودية بتركيا، فقد توترت علاقات أنقرة مع دولة الإمارات في ديسمبر 2017م، وذلك بسبب الخلاف حول تفسير واقعة تاريخية حيث أعاد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد نشر تغريدة لأحد المدونين على شبكة تويتر وجهت اتهامًا إلى فخر الدين باشا أحد الولاة العثمانيين على المدينة المنورة بارتكابه جرائم ضد سكان المدينة مما دفع أردوغان إلى الرد عليه في خطاب له بأنقرة استخدم فيه عبارات عنيفة وقاسية. وهو ما علق عليه بشكل غير مباشر د. أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية بأن "العالم العربي لن تقوده طهران أو أنقرة بل عواصمه مجتمعة".

ثانيًا: إيران

أما بالنسبة لإيران، فإن الأمر يبدو أكثر تعقيدًا بحكم تدخلها في الشؤون الداخلية لدول المجلس، والذي أدى إلى دخول قوات درع الجزيرة البحرين في 2011م، لحماية الأمن والاستقرار فيها، والأزمة التي نشبت بعد قيام المتظاهرين بحرق السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، واتهام إيران بدعم الانقلابيين الحوثيين في اليمن وتزويدهم بالصواريخ بعيدة المدى التي مكنتهم من تهديد العاصمة السعودية الرياض.

استغلت إيران الخلاف بين دول الثلاثي الخليجي وقطر، فأعلنت دعمها لقطر من اللحظة الأولى، وقامت طائراتها بنقل الأطعمة والمواد الضرورية إليها، وخصصت ميناء بوشهر ليكون مركزًا لنقل الإمدادات إلى الدوحة، وفتحت مجالها الجوي للطائرات القطرية، وقام وزير الخارجية الإيراني بزيارة للدوحة في الأسبوع الأول من أكتوبر 2017م، كرمز لتأييد بلاده لقطر.

تنوعت مواقف دول مجلس التعاون تجاه إيران. ولعل أوضح هذه الأمثلة وأكثرها تميزًا هو سلطنة عمان التي اتخذت لنفسها نهجًا مستقلاً في السياسة الخارجية قبل إنشاء مجلس دول التعاون وبعده، فلم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع مصر في أعقاب توقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979م، ولم تفعل الشيء نفسه مع إيران إبان حربها مع العراق أو مع العراق في أعقاب غزوه للكويت. وكانت سياسة السلطنة هي النأي بالذات عن النزاعات والاستقطابات الإقليمية، وعدم الانسياق وراء المواقف الجماعية التي ترى السلطنة عدم جدواها، والقيام بدور الوساطة واللقاء بممثلي أطراف النزاعات المختلفة مثلما حدث في دور السلطنة في الجمع بين ممثلي الولايات المتحدة وإيران بصورة سرية قبل المفاوضات التي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي.

ومن الوقائع الدالة على هذا النهج زيارة وزير الخارجية العماني للعاصمة السورية دمشق في 2015م، وتحفظها على عاصفة الحسم في اليمن ورفضها الاشتراك في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي دعت إليه السعودية بدعوى أن الدستور العماني يمنع مشاركة القوات المسلحة في أي عمل خارج حدود السلطنة، وزيارة وزير الخارجية الإيراني مسقط في أكتوبر 2017م، وافتتاح خط ملاحي منتظم بين السلطنة وإيران، لتنمية التجارة ونقل السلع والبضائع بين البلدين.

وبالنسبة للكويت، فقد حرصت هي الأخرى على إبقاء الصلة الودية مع إيران، فقام أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد بزيارة طهران في 2014م، وهنأت الكويت إيران على توقيع الاتفاق النووي في 2015م، وشابت العلاقات قدر من التوتر بسبب اكتشاف خلية "العبدلي" الإرهابية في أغسطس من نفس العام، ووجود ما يشير إلى تورط إيران فيها، ولم تنقطع الزيارات الرسمية بين الطرفين، فزار وزير الخارجية الكويتي طهران في يناير 2017م. من جانبه، زار الرئيس الإيراني حسن روحاني الكويت في 15 فبراير 2017م، ووصف نائب وزير الخارجية الكويتي الزيارة بأنها كانت "إيجابية وناجحة".

وأدى صدور الحكم في قضية العبدلي وثبوت التورط الإيراني فيها إلى قيام الحكومة الكويتية في يوليو 2017م، بتخفيض عدد الدبلوماسيين العاملين في السفارة الإيرانية لديها وإغلاق المكاتب الفنية التابعة للسفارة وتجميد أية نشاطات في إطار اللجان المشتركة بين البلدين، وهو ما دفع وزير الخارجية الإيراني إلى زيارة الكويت في أكتوبر 2017م، لتهدئة التوتر في العلاقات بين البلدين.

أما بالنسبة لدول الثلاثي الخليجي، فتعتبر الإمارات شريك تجاري رئيسي لإيران، خصوصًا إمارة دبي. ورحبت الإمارات بتوقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى باعتبار أنه يدعم الاستقرار في منطقة الخليج. وعندما نشبت الأزمة بين إيران والسعودية بعد حرق المقرات الدبلوماسية السعودية، فإن الإمارات لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران وإنما خفضت من مستوى تمثيلها.

وبالنسبة للسعودية التي كانت أكثر الدول الخليجية انتقادًا لسياسة إيران وتهديدها للأمن الإقليمي في الخليج وشبه الجزيرة العربية، فقد حل بموقفها تغير نسبي تمثل في التفاهم الذي حدث بين البلدين بشأن الوضع في لبنان والذي أسفر عن انتهاء "الفراغ الرئاسي" وتولي العماد ميشيل عون – المُدعم من حزب الله – رئاسة الجمهورية، وتولي سعد الحريري – المقرب من السعودية - رئاسة الوزراء في أكتوبر 2016م، واستقبال المملكة لمقتدي الصدر زعيم التيار الصدري في العراق في يوليو 2017م، وما ردده أحد الوزراء العراقيين من قيام بغداد بوساطة بين السعودية وإيران.

وركزت الدوائر الإعلامية على واقعة المصافحة بين وزير الخارجية السعودي ونظيره الإيراني خلال الاجتماع الطارئ بمنظمة التعاون الإسلامي بشأن القدس في أغسطس 2017 م، بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب قراره بنقل السفارة الأمريكية إليها. أضف إلى ذلك قيام السلطات السعودية بتوجيه الدعوة إلى رئيس هيأة الحج الإيرانية بشأن حج المواطنين الإيرانيين في سنة 2017م، والاتفاق بين الطرفين على القواعد المنظمة لهذه المشاركة، والتي تمت دون أزمات تذكر.

وهكذا توضح متابعة سياسات دول مجلس التعاون وكل من إيران وتركيا تبنيهم لأفكار الواقعية السياسية في اختيارهم للبدائل والخيارات. فقد انطلقت الدول أعضاء مجلس التعاون من اعتبارات المصلحة الوطنية لكل دولة دون أن تبدو مخالفة أو متعارضة مع مقررات القمم الخليجية. وينطبق نفس التبني على تركيا وإيران اللتان استغلتا الأزمة مع قطر لدعم مصالحهما السياسية والاقتصادية.

وفي هذا السياق، أدرك الطرفان أن التوتر بينهما ينبغي أن يكون له سقف، وإلا أصبح استمراره استنزافًا لا مبرر له. وكما أنه توجد اختلافات في الرؤى والمواقف، فإن هناك مساحات للتلاقي على مصالح مشتركة في الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وغيرهما من المنظمات الدولية والإقليمية، وأن تدخلات القوى الكبرى كانت لخدمة أهدافها ومصالحها، وأنه من الضروري إزاء ذلك التحلي بقدر أكبر من المرونة السياسية والدبلوماسية، وأن تدرك هذه الدول أهمية سياسات النفس الطويل، فكثير من الأهداف في مجال السياسة الخارجية لا يتحقق دفعة أو مرة واحدة، وإنما يتم ذلك على مراحل وبشكل تراكمي.

مجلة آراء حول الخليج