; logged out
الرئيسية / تطوير العلاقات الخليجية الإفريقية: استراتيجية خليجية موحدة للتكامل

العدد 129

تطوير العلاقات الخليجية الإفريقية: استراتيجية خليجية موحدة للتكامل

الإثنين، 02 نيسان/أبريل 2018

أكدت التطورات التي دفعت إلى التحول من منظمة الوحدة إلى الاتحاد الإفريقي والذي أعلن عن وجوده في يوليو 2002م، ما تحمله هذه المنظمة القارية من أهمية حيوية كمنظمة إقليمية تسعى إلى تحقيق الطموحات الإفريقية وفى مقدمتها الأمن والتنمية.

وفى إطار سعي الاتحاد الإفريقي لتحقيق أهدافه في القارة، حرصت المنظمة القارية على تدعيم روابطها مع العالم الخارجي، حيث كان للعالم العربي مكانة خاصة نظرًا للقرب والتداخل الجغرافي بين الأقاليم الإفريقية والدول العربية، حيث تضم القارة عشر دول عربية من أصل 22 دولة، ولم تكن دول مجلس التعاون الخليجي بعيدة عن تطوير التعاون العربي الإفريقي حيث تصاعد الاهتمام الخليجي بدول القارة ومنظماتها خلال السنوات الأخيرة وخاصة في أعقاب الأزمة الغذائية وما تبعها من أزمة مالية عالمية عام 2008-2009م، إلا أن العلاقات الخليجية الإفريقية لم تحمل أبعادًا اقتصادية فقط، بل إلى تطوير العلاقات السياسية والأمنية وغيرها من العلاقات الاستراتيجية، حيث أصبحت عدد من دول الخليج لاعبًا رئيسيًا في تسوية الصراعات الإفريقية كما شاركت بعض هذه الدول في فاعليات القمم الإفريقية بصورة دورية .

ويسعى هذا التقرير إلى محاولة البحث في طبيعة العلاقات التي تربط بين مجلس التعاون والاتحاد الإفريقي من خلال دراسة البنية المؤسسية للاتحاد الإفريقي وما تتبناه هذه المنظمة من مبادئ، وما تعتمد عليه من آليات وأجهزة عمل لتحقيق الأمن والتنمية، ثم تحديد دوافع التقارب بين الجانبين والتي تفرضها مجموعة من الضرورات ثم البحث في أبعاد العلاقات التي تجمع بين بعض دول مجلس التعاون والاتحاد الإفريقي وانعكاساتها على المصالح الخليجية والإفريقية.

أولا، الاتحاد الإفريقي كمنظمة إقليمية     

   تعرضت إفريقيا مع انتهاء الحرب الباردة لحالة من التهميش، ورفضت الأمم المتحدة الكثير من طلبات التدخل لحفظ السلام في القارة، وكان الانسحاب الأممي من بورندي في ظل الإبادة الجماعية التي شهدتها هذه الدولة في عام 1994م، أكبر مثال على تراجع المصالح الدولية في القارة الإفريقية بعد انتهاء عصر القطبية الثنائية.

ومع تطور الصراعات في إفريقيا خلال التسعينيات والتي كانت في معظمها حروب أهلية، اتجه القادة الأفارقة نحو تطوير المنظمة القارة وتبنوا مبدأ " حلول إفريقية للمشكلات الإفريقية"، وتواكب التفكير في تطوير المنظمة القارية مع نمو اتجاهات الإقليمية وتدعيمها على المستوى العالمي، مما ساعد في تعزيز التوجهات الإفريقية لتطوير مبادئ وممارسات المنظمة القارية لتتجاوز المشكلات التي كانت تعاني منها منظمة الوحدة الإفريقية.

وشهدت السنوات من 1999 إلى 2002م، تحول تدريجي من منظمة الوحدة الإفريقية إلى ما يعرف الآن بالاتحاد الإفريقي، وهي العملية التي عبرت عن تقارب أو اندماج لثلاثة مشروعات المشروع الليبي للوحدة الإفريقية، والمشروع النيجيري مشروع لعقد مؤتمر حول الأمن والاستقرار والتنمية والتعاون في إفريقيا (CSSDCA)، ومشروع جنوب إفريقيا للنهضة الإفريقية.

وهكذا تم عقد صفقة كبرى بين "محور الدار البيضاء الجديد" ممثل في القذافي، وبرجماتية محور منروفيا ممثلة في أوباسانجو ومبيكي: فهذه ثلاث قوى مهيمنة في القارة. ومن ثم اتجه الطريق إلى إطلاق منظمة جديدة. وبعد عملية صياغة محمومة وقع 53 من رؤساء الدول في يوليو 2000م، على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي. وتم الإعلان الرسمي عن الاتحاد الإفريقي في القمة غير العادية لمنظمة الوحدة الإفريقية في مارس 2001م، وتدشينه رسميا خلال قمة عقدت في دربان، 9-10 يوليو 2002م، مما شكل قطيعة مع منظمة الوحدة الإفريقية ([1]).

وجاءت نشأة الاتحاد الإفريقي لتحمل هذه المنظمة مبادئ وآليات جديدة تسعى من خلالها لمعالجات أزمات القارة وكان من أبرز القضايا التي عمل الاتحاد الإفريقي على التعامل معها على نحو حاسم:   

1-مواجهة الصراعات الإفريقية

كان الانتقال من منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي في أحد أبرز دوافعه يرتبط بالعجز الشديد لمنظمة الوحدة الإفريقية في التعامل مع الصراعات الإقليمية والداخلية في إفريقيا، الأمر الذى جعل التعامل مع هذه الصراعات يتم من خلال منظمات دولية أو قوى دولية خارجية، في ظل القيود السياسية النابعة من ميثاق المنظمة ذاته في الوقت الذى لم تنجح هذه المنظمة في صياغة أطر تعاون قاري جاد في مجالات الأمن والدفاع المشترك، مما ترك الدول الأعضاء تتجه لإقامة علاقات أمنية مع الدول الاستعمارية القديمة أو مع القوى العظمى أو الكبرى الأخرى، وبالتالي أدخل القارة الإفريقية إلى دوامة الاستقطاب بين الكتلتين العظميين إبان الحرب الباردة ([2]).

ولمعالجة هذه المشكلات دعت المنظمة القارية الجديدة إلى تغيرات كبرى في الاقترابات الإفريقية الخاصة بالسلام والأمن فالقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي والبرتوكول الخاص بإنشاء مجلس السلم والأمن قاموا بالتشديد مجددًا على بناء نظام أمنى قاري قادر على منع وإدارة وحل الصراعات في إفريقيا ([3]). 

ونصت ديباجة القانون التأسيسي للاتحاد على أن النزاعات في إفريقيا تمثل عائقَا رئيسيًا أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية للقارة الإفريقية، وأن تعزيز السلام والأمن والاستقرار في إفريقيا يعتبر شرطًا أساسيًا لتنفيذ برنامج بالتنمية والتكامل.

وتضمنت إشادة بالوحدة الإفريقية مع المطالبة بأن " تسترشد هذه الوحدة برؤية إفريقية مشتركة وموحدة وقوية ". والأهم من ذلك أن هذا القانون قام بنقلة كبيرة مختلفة عن الماضي بإقرار تحولين رئيسيين في منهج التعامل الإفريقي مع قضايا منع وإدارة وحل الصراعات، ويتمثل هذان التحولان في: إقرار حق الاتحاد في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، حيث تنص المادة الرابعة منه الخاصة بالمبادئ التي يعمل الاتحاد وفقًا لها على مبدأ حق الاتحاد في التدخل في دولة عضو، طبقًا لما يقرره مؤتمر الاتحاد في ظل ظروف خطيرة تتمثل في: جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية. وفى الوقت نفسه، يؤكد القانون التأسيسي على مبدأ حق الدول الأعضاء في طلب التدخل من الاتحاد لإعادة السلام والأمن فيها-كما نصت المادة الرابعة من القانون على وضع سياسة دفاعية وأمنية مشتركة وإنشاء آلية جديدة لمنع وإدارة وتسوية الصراعات الإفريقية، تتمثل في (مجلس السلم والأمن) ([4]).

ومثل إنشاء الاتحاد الإفريقي للمجتمع الدولي طريقة للنهوض، على الرغم من أن مجلس الأمن الدولي لا يسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية إلا في الحالات المهددة للسلم والأمن الدوليين، كما حدد ميثاق الأمم المتحدة بوضوح دور المنظمات الإقليمية في "التسوية السلمية والمحلية للنزاعات "، و" أي عمل من أعمال القمع" بموجب تفويض من مجلس الأمن. وبذلك إذا قرر الاتحاد الإفريقي اتخاذ إجراءات في إطار القانون التأسيسي فيما يتعلق بشكل التدخل الإنساني دون الاعتماد على تفويض مجلس الأمن الدولي، فإن هذا الأمر سيكون غير قانوني بموجب القانون الدولي، مهما كانت مشروعية هذا العمل.

كما أكد القانون التأسيسي للاتحاد على ضرورة "الدفاع عن سيادة واستقلال وسلامة آراضي الدول الأعضاء في المنظمة، بما يعنى الوصول إلى طموح " وضع سياسة دفاعية مشتركة للقارة الإفريقية. وقد تحقق قدر أكبر من هذا الهدف مع الإعلان "الرسمي عن سياسة الأمن والدفاع الإفريقي المشتركة (CADSP) التي تم تبنيها في عام 2004م، و" ميثاق الاتحاد الإفريقي لعدم الاعتداء والدفاع المشترك '(AUNACDP) لسنة 2005م، حيث يلتزم أعضاء الميثاق بمساعدة بعضهم البعض في حالات "العدوان"، وهي أعمال توفر أي دعم للجماعات المسلحة، والمرتزقة وغيرها من الجماعات الإجرامية المنظمة العابرة للحدود الوطنية والتي قد تقوم بأعمال عدائية ضد دولة عضو في الاتحاد ([5]).

ويتبع الاتحاد الإفريقي آليتين أوليتين في إدارة الصراعات، الأولى هي منع الصراعات من النشوء والتصاعد، وحال حدوث الصراعات على الرغم من جهود المنع، فإن الاتحاد الإفريقي يعمل على إدارة الصراع ويركز على البناء في فترة ما بعد الصراع.

كما أن استجابة الاتحاد الإفريقي لتحدى السلم والأمن تضع في الحسبان التحولات العميقة التي تؤثر على الأمن القومي والدولي. فتضع في اعتبارها الأبعاد السياسية والاقتصادية الداخلية الجديدة مثل التنمية والاستقرار والحرية، والأبعاد الخارجية مثل التعاون والشراكة، والأبعاد الفردية (الأمن البشرى)، ويظهر الأمن كإشكالية مشتركة وتحد شامل في البناء المؤسسي للاتحاد الإفريقي والشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا – النيباد – وهو ما ينطوي على أبعاد جماعية وفردية، ويغطى جميع أوجه الحياة الاجتماعية ([6]).

ومنذ نشأته عمل الاتحاد الإفريقي ومن خلال الاعتماد على عدد الأجهزة والآليات وفى مقدمتها مجلس السلم والأمن على الانخراط في إدارة وتسوية الصراعات للحد من تفاقمها وتحقيق الاستقرار في مناطق كثيرة من القارة الإفريقية وقد تمكن من تحقيق بعض النجاحات، مثل دور قوات الاتحاد في الصومال(أميصوم) التي خفضت مخاطر حركة شباب المجاهدين، كما دشين مجموعة من المبادرات لمكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية.

وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها الاتحاد الإفريقي في قيامه بالدور المنوط به ومنها أزمة التمويل حيث تواجه استقلالية المنظمة القارية تحدى حقيقي نتيجة لأن أكثر من نصف ميزانية الاتحاد تقدمها الدول الغربية، وكذلك مشكلات التدخل العسكري لمنع الصراعات وما تواجهه من رفض بعض الدول حيث ترفض الدول الإفريقية التدخلات الخارجية حتى وإن كانت لتسوية الصراعات. تظل المنظمة القارية تمثل تجسيد لنجاح تجربة الوحدة الإفريقية التي ناضلت من أجلها أجيال عديدة.

2-دعم التنمية الاقتصادية في إفريقيا:

واجهت القارة الإفريقية أزمات عديدة ناتجة عن تراجع مؤشرات النمو الاقتصادي وزيادة الديون الخارجية، حيث مارست القوى الكبرى العديد من الضغوط على دول القارة لتكريس تبعيتها، ومنذ الثمانينات جاءت برامج التكيف الهيكلي لتضاعف من الضغوط الاقتصادية المفروضة على دول القارة حيث قامت مؤسستي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالدور الأساسي في تنفيذ برامج تثبيت الاقتصاد والحد من التضخم وإعادة التوازن الضريبي وتحسين التوازن المالي الخارجي. وخلال هذه الفترة حصل حوالي 34 دولة إفريقية على قروض التكيف من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. والتي هددت الاستقرار في أنحاء متعددة من القارة، حيث أصبحت القارة من أكثر المناطق تأثرا بتداعيات العولمة لذلك كان من أهم أهداف مبادئ وأطر عمل المنظمة القارية الجديدة التأكيد على دور هذه المنظمة في مجالات التنمية الاقتصادية.

واعتمد القادة الأفارقة برنامج التكامل الإقليمي الذى يقوم على استراتيجية متعددة المراحل تشمل إزالة كافة الحواجز التي تعوق حركة التجارة من السلع والخدمات وكذلك حرية حركة كافة عناصر الإنتاج وفى هذا الإطار تبنى القادة الأفارقة إنشاء الجماعة الاقتصادية الإفريقية في أبوجا عام 1991م، وتهدف الجماعة إلي تشجيع التعاون بين الدول الإفريقية في كافة المجالات ورفع مستوي المعيشة وتحقيق الاستقرار وصولا الى التكامل الاقتصادي الشامل كهدف نهائي حلال 34 سنة تبدأ من عام 1994م، حتي عام 2028م. حيت يتم تنفيذ هذه الاتفاقية عبر تدريجية مراحل مختلفة تتضمن تدعيم التجمعات الاقتصادية الإقليمية الفرعية (RECs) وإنشاء تجمعات جديدة، ثم تحرير التجارة وإنشاء منطقة التجارة الحرة، واتحاد جمركي وصولاً لإنشاء السوق الإفريقية المشتركة والبنك المركزي الإفريقي وصندوق النقد الإفريقي والعملة الموحدة.

ويحدد القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي أهداف الاتحاد الإفريقي في المادة الثالثة في أربعة عشر بندًا ومن بين مجموع هذه الأهداف ستة ذات بعد اقتصادي تهدف للدعوة للتكامل الشامل بين دول القارة وخاصة في المجال الاقتصادي حتى الوصول إلى مرحلة الوحدة. بالإضافة إلى أهداف متعلقة بمجالات التعاون الدولي حتى يكون للقارة شأن في الاقتصاد العالمي.

كما نص القانون التأسيسي على إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وهو عبارة عن هيأة استشارية مكونة من مختلف المجموعات المهنية والاجتماعية للدول الأعضاء في الاتحاد.

ورغبة في دعم وتأمين حل النزاعات؛ اهتم الاتحاد الإفريقي بزيادة الانتباه إلى ضرورات إعادة الإعمار والتنمية بعد انتهاء الصراع، وهو ما تجلى في خطة السياسات التي تم تبنيها في بانجول، في يونيو 2006م، والتي مثلت خطوة كبيرة في هذا الاتجاه.

بالإضافة إلى أنه في يوليو 2012م، أطلقت مبادرة التضامن الإفريقي، التي تهدف إلى تعبئة الدعم اللازم وتوفيره للدول الأعضاء الخارجة من الصراعات من داخل القارة، وبمختلف الصور والأشكال، وحسب قدرات كل دولة من دول القارة، في خطوة رمزية تهدف إلى تجسيد التضامن الإفريقي في إطار صور مبتكرة للمساعدة المتبادلة.‏

ومن أبرز الأنشطة التي قام بها الاتحاد الإفريقي إصدار "إعلان سرت" في فبراير 2004م، حول تحديات تنفيذ التنمية المتكاملة والمستدامة للزراعة والمياه في إفريقيا‏، على أن يقوم رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي بالتعاون مع الدول الأعضاء والمجموعات الاقتصادية الإقليمية الفرعية (RECs)، وجميع الأطراف ذات الصلة، باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذ الإعلان، وتقديم تقرير عن التقدم في هذا الشأن إلى المؤتمر في كل دورة عادية‏، و خصص الزعماء الأفارقة قمم استثنائية لمناقشة سبل الحد من البطالة، والنهوض بأوضاع العمالة، ومحاربة الفقر في القارة، والتنمية الزراعية والريفية، ، وتهيئة مناخ الاستثمار، والتدريب المهني، والنهوض بالأوضاع الصحية ومحاربة مرض الإيدز.

كما أقر الاتحاد مشروعًا لإنشاء صندوق تحت اسم‏ "صندوق التضامن الرقمي الإفريقي"، وحث جميع الدول الأعضاء على تقديم مساهمات مالية للصندوق‏، بالإضافة إلى حث جميع الدول الأعضاء على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتعزيز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات‏([7]).

 ثانيًا – ضرورات التقارب بين دول الخليج والاتحاد الإفريقي

خلال السنوات الأخيرة ظهرت مساعي إيجابية من العديد من دول مجلس التعاون الخليجي هدفت إلى توسيع حضورها في القارة الإفريقية كاستراتيجية لتعزيز أهدافها من وجهة نظر جيوسياسية. ورحبت الدول الإفريقية وظهرت عوامل تدفع الكتلتين نحو تعزيز روابطهما المختلفة ومن أهمها:   

1-الاندفاع الدولي نحو إفريقيا  

عملت خطط القوى الدولية الكبرى والمنظمات الدولية إزاء إقليم الشرق الأوسط وإفريقيا، على زيادة الرغبة الخليجية والإفريقية للتقارب، فهذه القوى لا تكف عن البحث عن الخطط المثلى لتحقيق أكبر قدر من مصالحها في هذه الأقاليم، وتتجاهل كثيرًا مصالح شعوب المنطقة، كما ينعكس التنافس الدولي على الشرق الأوسط في التنافس الأمريكي الصيني، والأمريكي الروسي حيث يبرز الأول بصورة كبيرة في إفريقيا في حين تتجه التطورات في المنطقة العربية والشرق الأوسط إلى تصاعد النوع الثاني من التنافس.    

وتسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى تبني سياسات خارجية أكثر حزمًا لمواجهة سلوك إيران المتنامي في الشرق الأوسط وإفريقيا ولمواجهة التهديدات الأمنية العابرة للحدود. وترى هذه الدول أن صعود الجماعات الإرهابية في الأقاليم المجاورة كداعش في ليبيا وفروع القاعدة عبر الساحل الإفريقي، وبوكو حرام في نيجيريا، يحمل تهديدات على أمن الجزيرة العربية ومصالح دول مجلس التعاون الخليجي.

 وخلال السنوات القليلة الماضية، أثبتت روسيا اهتمامها المتجدد بإفريقيا كما أبرزته صفقات الطاقة ومبيعات الأسلحة لدول القارة. مثلما زادت أمريكا وفرنسا الأنشطة العسكرية في النقاط الساخنة مثل مالي ونيجيريا. وكانت دول مجلس التعاون أحدث القوى المشاركة في التدافع الاستراتيجي على إفريقيا ومواردها.

2-التطورات الإقليمية المتلاحقة 

تصاعدت التطورات في إقليم الشرق الأوسط منذ نهاية عام 2010م، وفرضت هذه التطورات تهديدات لدول الخليج  والتي تدفع للبحث عن حلفاء سياسيين، ومواقع لبناء قواعد عسكرية وبناء شراكات أمنية وخاصة في إفريقيا القريبة من دول الخليج، في ظل تصاعد التوترات والفوضى في دول عديدة في الشرق الأوسط، فالأزمة اليمنية والأزمة السورية والتطورات في العراق وفى ليبيا تدفع دول الخليج لإعادة صياغة سياساتها الخارجية وخاصة في ظل نمو المتغير الإيراني وتصاعد تأثيره على مجريات الأحداث في عدد من هذه الأزمات، وكذلك مع تزايد التداعيات الناجمة عن الانقسام الخليجي في إطار الأزمة القطرية.

وكان انطلاق الحرب في اليمن عاملاً رئيسيًا لدفع دول مجلس التعاون الخليجي في توسيع نطاق وصولها إلى إفريقيا. واتجهت الدولتان الأكثر انخراطا في التحالف العربي في اليمن، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لإنشاء قواعد بالقرن الإفريقي في إريتريا والصومال وجيبوتي كما قدمت دولة الإمارات على وجه الخصوص دبي نفسها كنقطة دخول إلى شرق إفريقيا لدول مجلس التعاون الخليجي ككل.

فقد تصاعد تهديد الحوثيين للسعودية وخاصة جنوب المملكة مما زاد من إمكانية انتشار الصراع خارج حدود اليمن. علاوة على ذلك، يسعى كلا البلدين للتأكد من أن مضايق باب المندب الحاسمة، التي يمر عبرها ما لا يقل عن ثلاثة في المائة من نفط العالم بصورة يومية، تظل مفتوحة. ويزيد تراجع أسعار النفط وخفض منظمة أوبك للإنتاج تبحث المملكة السعودية عن مصادر للدخل أخرى غير النفط، وينعكس هذا التوجه في الخطط الاقتصادية الجديدة للمملكة وكذلك في رؤية 2030م، وفى هذا الإطار يتزايد الاهتمام المالي السعودي لتأمين هذا الممر الحيوي في الاقتصاد العالمي.

وتواجه دول الخليج العديد من المنافسات في إفريقيا، ففضلا عن القوى الدولية التي تمتلك تاريخ من النفوذ والمصالح في القارة تظهر بعض القوى الإقليمية كمنافسين للحضور الخليجي، وفى مقدمة هذه القوى إيران حيث تشهد دول القارة سياسات للتنافس بين دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية وإيران، في الوقت الذى تعمل تركيا على تحقيق طموحاتها في القارة وتطور هذا الحضور من الاعتماد على القوة الناعمة إلى الاتجاه لبناء القواعد العسكرية وخاصة في إقليم البحر الأحمر، وليبيا حيث أنشأت تركيا والإمارات قواعد متنافسة وقد دعمت الإمارات العربية المتحدة ومصر، حكومة طبرق في الوقت الذى تدعم فيه تركيا وقطر السلطات في طرابلس، مما يحمل تهديدات لدول الخليج وخاصة في أعقاب الأزمة القطرية، وتزايد التقارب التركي القطري.  وتتقارب بعض وجهات النظر الخليجية فيما يتعلق بالتهديدات التي تمثلها إيران وتركيا على المصالح العربية في القارة الإفريقية مع توجهات بعض الدول الإفريقية وخاصة مصر([8]).

3-التحديات الاقتصادية المشتركة

كان ينظر إلى الأسواق في الشرق الأوسط، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، على أنها محركات ربحية جاذبة للعديد من الشركات الغربية متعددة الجنسيات، في حين أن الأسواق في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تمثل أسواق واعدة بإمكانيات نمو قوية. ومع ذلك، تتعرض المنطقتان اليوم لتحديات جديدة وطويلة الأمد.

ونتيجة لذلك، يجد التنفيذيون في الشرق الأوسط وإفريقيا (MEA) لدى الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات صعوبة متزايدة في تأمين الموارد ويرجع ذلك إلى أن هذه الشركات تواجه الآن قرارات مثل ما إذا كانت ستضع موارد جديدة في سوق متطورة مثل الولايات المتحدة، وهي مشبعة، ولكنها تنمو عند حوالي 2.0٪ ويبلغ عدد سكانها 320 مليونًا مقابل سوق مثل السعودية، ينمو بنسبة 0.9 ٪ ويبلغ عدد سكانها 30 مليون نسمة.

كما أدى انخفاض أسعار السلع الأساسية إلى تداعيات على الجانبين، فقد انخفضت أسعار النفط منذ منتصف عام 2014م، ولكن من المتوقع أن تظل منخفضة لسنوات عديدة قادمة. مما ينعكس سلبًا على أسواق الإنفاق في الخليج العربي وإفريقيا، مثل نيجيريا والسعودية والإمارات وقطر والجزائر وأنجولا، حيث أن مستويات الأسعار الحالية وديناميكيات أسعار النفط لن تشهد عودة أنماط الإنفاق التي رأيناها في سنوات الطفرة.

فالظروف الاقتصادية الصعبة وبيئة التشغيل الأكثر تكلفة أدت إلى إعادة تشكيل سلوك العملاء. ويعاني المستهلكون في عدد من الأسواق من ارتفاع التضخم وزيادة الضرائب وارتفاع تكاليف المرافق وانخفاض قيمة العملة، مما يقلل من قدرتهم الشرائية. وأصبحت الحكومات في عدد من أسواق الشرق الأوسط وإفريقيا أكثر حساسية للأسعار لأنها تقوم بترشيد النفقات، وتخفيض الميزانيات، بالإضافة إلى انخفاض الطلب (وتغييره)، تواجه الشركات أيضًا ارتفاع التكاليف، وقيود السيولة، وعدم اليقين بشأن السياسة ([9]).

وفى ظل نمو التحديات الاقتصادية المشتركة التي تواجهها دول الخليج ودول القارة الإفريقية، وما يشهده العصر الحالي من تصاعد للأدوار التي تضطلع بها التكتلات الاقتصادية تتزايد ضرورات التقارب والتكامل الاقتصادي بين الجانبين وخاصة في إطار مؤسسي يجمع بين المنظمتين الإقليميتين (مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الإفريقي) حيث تعبر كل منظمة منهما عن تطلعات دولها المستقبلية وكذلك تتضمن الأطر التنظيمية والقانونية لكل منظمة الأهداف الاقتصادية التي تسعى إلى تحقيقها دولها وبصورة جماعية.

ثالثًا -آفاق التعاون بين مجلس التعاون الخليجي (GCC) والاتحاد الإفريقي (AU)

في إطار العوامل التي تدفع مجلس التعاون الخليجي وكذلك الاتحاد الإفريقي إلى تدعيم روابطهما تبرز مجموعة من الجوانب المهمة التي تمثل نقاط التقاء لتعزيز مصالح الكتلتين الإقليميين في إطار الشراكة.

وشهد العقد الأخير نموًا ملحوظًا في التقارب بين دول الخليج والدول الإفريقية، لأن تحركات دول الخليج إزاء القارة، والمنظمة القارية تركزت على العلاقات الثنائية أكثر من العمل الجماعي في إطار المنظمات الإقليمية.

وتدفع المصالح الخليجية المتنامية في إفريقيا وما تشهده القارة من محاولات لإصلاح الاتحاد الإفريقي، الدول الإفريقية ونظيرتها الخليجية في اتجاه محاولة تدشين أطر للتقارب بين الجانبين تقوم فيها المنظمتان الإقليميتان بدور رئيسي في تحقيق طموحات دول الجانبين وتعزيز مصالحها. ويمكن تحقيق هذا التوجه عبر مجموعة من المحاور:

1-    التعاون السياسي والأمني

يواجه الاتحاد الإفريقي مشكلات عديدة في إطار استعادة الأمن والاستقرار بين أرجاء القارة وأهمها التمويل الخارجي لميزانيته ما يزيد من تبعية المنظمة القارية، كما تحتاج القوات المشاركة في عمليات مجلس السلم والأمن إلى الدعم اللوجستي، وفى هذا الإطار يمكن لمجلس التعاون الخليجي تقديم بعض الدعم المالي للاتحاد بما يحرر الاتحاد الإفريقي من التبعية ويؤدى إلى استعادة الاستقرار في أجزاء مختلفة من القارة، وبما ينعكس على مصالح دول مجلس التعاون الخليجي.     

فإن دول الخليج لديها مصلحة عليا واضحة في حماية مسار التجارة البحرية على طول البحر الأحمر وخليج عدن. حيث يمر نحو 4.8 مليون برميل من النفط يوميًا عبر قناة السويس، و3.8 مليون عبر مضيق باب المندب -وهما نقطتان إلى الشمال والجنوب. أي اختلال في الشحن على هذا المسار سوف يؤدى إلى آثار كارثية على اقتصاديات الخليج. وهكذا، تركز المخاوف الأمنية لدول الخليج في إفريقيا إلى حد كبير على الدول الساحلية المطلة على البحر الأحمر" مصر والسودان وإريتريا وجيبوتي والصومال". حيث يؤدي قرب هذه الدول من دول الخليج أن أي حالة من عدم الاستقرار تحمل تهديدًا محتملاً فوريًا.

وقد وضعت السعودية والإمارات وقطر إقليم البحر الأحمر من أولويات السياسة الخارجية للقرن الإفريقي في السنوات الأخيرة. وزادت أهمية هذا الإقليم مع انتشار الصراعات في اليمن، فدعمت المملكة العربية السعودية علاقاتها مع دول الإقليم وخاصة مصر، كما سعت إلى الحد من النفوذ الإيراني في شرق إفريقيا، وتراجع التحالف بين إيران والسودان، كما عقدت اتفاقية لبناء قاعدة عسكرية في جيبوتي.

من جانبها، أنشأت الإمارات قاعدة بحرية في ميناء عصب في إريتريا في عام 2015م، وقد حصلت على اتفاق لبناء مرفق آخر في بربرة في أرض الصومال (هذا المشروع منفصل عن عقد موانئ دبي العالمية لترقية الميناء التجاري).

وحاولت قطر، ذات البصمة العسكرية الأصغر، أن تلعب دورًا محايدًا، وقد تولت قيادة الوساطة في الصراع في منطقة دارفور بالسودان، وبلغت ذروتها في وثيقة الدوحة 2011م، للسلام في دارفور؛ كما ساعدت في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين اريتريا والسودان؛ واستقر النزاع الحدودي بين اريتريا وجيبوتي. حتى يوليو 2017م، كان هناك 450 فردًا من قوات حفظ السلام القطرية على الحدود بين إريتريا جيبوتي لفرض التسوية.

على نطاق أوسع، حاولت دول الخليج -بدرجات متفاوتة دعم البلدان الإفريقية في نزاعاتها. ومن الأمثلة على ذلك التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، والذي يضم مصر والمغرب والسنغال والسودان؛ وكذلك الأزمة الخليجية ـ القطرية، التي أدت إلى قطع عدد من الدول الإفريقية لعلاقاتها مع قطر لدعم الموقف السعودي والإماراتي ([10])

  كما حرصت أربعة من دول مجلس التعاون (الإمارات – الكويت – السعودية-قطر) على الحصول على عضوية الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب حيث تشارك هذه الدول في القمم الإفريقية، وشاركت ثلاث دول خليجية في القمة الإفريقية الأخيرة، حيث أعلنت المنظمة القارية على لسان رئيس المفوضية موسى فكي تبنى موقف محايد إزاء الأزمة القطرية. بدعم الوساطة الكويتية لحل الأزمة الخليجية عن طريق الدبلوماسية والحوار.

كما تشارك دول الخليج على نحو فعال في عمليات حفظ السلام، كما تقوم القوات الإماراتية بتدريبات للجيش الصومالي، وتقوم الإمارات بالمشاركة في ميزانية القوات المشتركة لمكافحة الإرهاب في دول الساحل الإفريقي (G5).     

2-    التعاون الاقتصادي

تمثل إفريقيا سوقًا خصبة للاقتصاد الخليجي المتنامي، فالمستقبل يحمل مؤشرات واعدة للنمو الإفريقي. ويتوقع أن يتسارع النمو في القارة من حوالي 2.6% في عام 2017م، إلى 3.4% في عام 2018م، ووفقًا للأمم المتحدة، سيتجاوز عدد سكان الحضر في إفريقيا 1.3 مليار نسمة بحلول عام 2050م، وسيكون الجيل القادم من المواطنين الأفارقة أكثر تواصلاً وأكثر قدرة على التنقل من أي جيل سابق. هؤلاء الأفراد سوف يبحثون عن فرص جديدة في جميع أنحاء العالم والبناء على العلاقات القائمة، مما يجعل التواصل التاريخي بين الخليج وإفريقيا مجالاً رحبًا للتوسع.

وتمتد العلاقات بين إفريقيا ودول الخليج إلى قرون، وتحمل هذه العلاقات أبعادًا تجارية وثقافية ودينية، وبدأت استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في إفريقيا بشكل جاد في إطار الأزمة المالية العالمية 2008-2009م، وركزت في المقام الأول على تطوير البنية التحتية والأمن الغذائي وتطورت هذه العلاقات في قطاعات الطيران، والزراعة، والموانئ والعمالة المهاجرة، وأصبحت المدن في منطقة الخليج وجهات للطبقة الوسطى الناشئة في إفريقيا.

  وأصبحت دول الخليج تتمتع بمساحات واسعة في مجالات التعاون الاقتصادي والإنساني في القارة الإفريقية، فقد شكلت تجارة دول مجلس التعاون الخليجي مع القارة الإفريقية في عام 2016م، حوالي 5.6 % من إجمالي تجارة إفريقيا مع العالم، لترتفع بنسبة 3.7 % من معدلات عام 2010م. ووفقا للبيانات من غرفة تجارة وصناعة دبي، فإن الشركات والحكومات الخليجية استثمرت أكثر من 30 مليار دولار في ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﺘﺤﺘﻴﺔ في إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺧﻼل اﻟﻌﻘﺪ الأخير وحتى ﻋﺎم ٢٠١٤م.

كما تشارك دول الخليج في عمليات الإغاثة الإنسانية في مناطق الصراع والجفاف في إفريقيا، كما تهتم العمالة الإفريقية بالهجرة إلى دول الخليج للبحث عن فرص عمل، فهناك أكثر من 65 ألف أوغندي يعملون في وظائف مختلفة في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي. وتوفر هذه العمالة تحويلات مالية داعمة للاقتصاديات الإفريقية.

 وعلى الجانب الآخر، تعد منطقة الخليج واحدة من أكثر المناطق نشاطًا في العالم مع أكثر من 11 مليار دولار في الاستثمار الرأسمالي في إفريقيا في عام 2015م، مما يجعلها في المرتبة الثانية فقط بعد أوروبا الغربية التي تصل استثماراتها في القارة إلى 30 مليار دولار.

واحتلت الإمارات مع نهاية عام 2017م، المرتبة الرابعة بين المستثمرين الأجانب في إفريقيا بعد الصين ودول الاتحاد الأوروبي (إيطاليا وفرنسا)، ثم أمريكا، حيث بلغت استثمارات رأس المال الإماراتي 14.9 مليار دولار بين عام 2015 و2016م. وأنفقت 19 مليون دولار على مشروعات البنية التحتية في شرق إفريقيا في عام 2014م.

وتعترف القوى التجارية الكبرى في العالم مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين بالفرص التي تمتلكها إفريقيا حيث تتحرك هذه القوى وفقًا لاقتراب واضح الأهداف من القارة الإفريقية في الوقت الذي يعاني اقتراب دول مجلس التعاون الخليجي بأنه أقل تماسكًا وأقل ثباتًا، ففي حين تتمتع فيه بعض دول الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة بعلاقات قوية مع دول القارة

وعلى الرغم من كون الاستراتيجية الخليجية حاسمة لبناء عصر جديد من التبادل التجاري بين شبه الجزيرة العربية وإفريقيا. حيث يتم بناء البنية التحتية للتجارة إلا أن تدشين رؤية موحدة لكل دول الخليج في علاقاتها بالقارة الإفريقية لا يزال بعيد المنال. فتطور العلاقات بين دول المجلس وإفريقيا غير متساو وهذا الأمر ينعكس على النمو المتبادل. ففي حين يتمتع بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي، مثل دولة الإمارات، بعلاقات تجارية مزدهرة، فإن دول مجلس التعاون ككل تفتقر إلى استراتيجية متماسكة للتجارة مع إفريقيا. وبدلا من وجود دول فردية تتنافس مع بعضها البعض تكون الكتلة الإقليمية وضع فريد في تبنى استراتيجية شاملة لإفريقيا. وفى حالة التكامل عبر الكتل الإقليمية لن تستفيد الشركات الخليجية فقط من الوصول الأفضل إلى الأسواق الإفريقية، بل ستتعامل مع نمو هذه الأسواق، وسيقدمون حلولاً تم اختبارها لتحديات التنمية التي تواجه هذه الأسواق الناشئة. وإذا نفذت مبادرات التكامل بشكل صحيح، يمكن أن يكون مثالاً نموذجيًا للتعاون بين الجنوب والجنوب.

 

جدول رقم (1)

حركة الاستيراد والتصدير بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول القارة الإفريقية خلال عام 2015

 

توصيات:

يشهد العالم حالة من التدافع نحو التكتل في مجموعات كبيرة للتخفيف من التداعيات المختلفة للتطورات الاقتصادية والسياسية إلا أن هذا الأمر لم ينعكس في شكل تدعيم لمسارات من التعاون بين التجمعات الإقليمية الممثلة للجانبين هذا على الرغم من حرص بعض الدول فرادى على الانضمام للتجمع الإقليمي في الجانب الآخر.

إلا أن التعاون بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الإفريقي أصبح ضرورة في ظل المصالح والتحديات المشتركة التي تواجهها المنظمتين وما تعكسه من تداعيات على دولهما. ويمكن طرح مجموعة من التوصيات التي قد تدفع في اتجاه تفعيل التكامل بين المنظمتين الإقليميتين:

أولاً، وضع استراتيجية خليجية موحدة في إطار مجلس التعاون الخليجي للتكامل مع القارة عبر منظمتها القارية.

    ثانيًا، إقامة مؤتمر سنوي بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الإفريقي يطرح خلاله تطورات العلاقات بين دول الجانبين، وطموحات التعاون بينهما وكذلك معالجة المشكلات المختلفة وفى مقدمتها مشكلة العمالة الإفريقية في دول الخليج.

ثالثًا، الاعتماد على الدول المنتمية إلى المنظمتين الإقليميتين، مثل المغرب في تفعيل العلاقات والتكامل بينهما، حيث تمثل المغرب أكبر مستثمر إفريقي في القارة الإفريقية ولها ثقل واضح لدى الدول الإفريقية.   

رابعًا، إقامة لجان مشتركة بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الإفريقي لتنسيق السياسات والدفاع عن مصالح المجموعتين في المنظمات الدولية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • خبيرة الشؤون الإفريقية ومدير تحرير مجلة " مختارات إيرانية " بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

 

 

الهوامش

 

([1])Bjørn Møller , The African Union as a Security Actor .. African Solutions to African Problems?, Working Paper no. 57, Regional and Global Axes of Conflict Crisis States Working Papers Series No.2,  August 2009.  p.8.

[2])) أحمد إبراهيم  محمود، " الأمن الإقليمى فى أفريقيا  نظرة تقيمية "، السياسة الدولية (القاهرة : مؤسسة الأهرام ، العدد 169 ، يوليو 2007) ، ص68.

([3]) Kristiana Powell,  The African Union ,s Emerging Peace and Security Regime : Opportunities and Challenges for Delivering on The Responsibility to Protect , Working Paper May 2005, ( The North- South Institute)., p. 4.

([4]) The Constitutive Act of the African Union, Lome, Togo, 11 July 2000,Article 4

Principles (h,I,j).

([5]) Bjørn Møller ,

Op .Cit.,PP.9-10.

[6])) ايف الكسندر شولا، الاتحاد الأفريقى وإدارة النزاعات، عرض : محمد قنديل فى آفاق أفريقية (القاهرة : الهيئة العامة للاستعلامات ، المجلد الثالث ، العدد 12 ، شتاء عام 2002-2003 ) ،  ص 68 . 

[7] ) د. محمد عاشور ، الاتحاد الإفريقي.. الطموحات والتحديات ،  12- 4- 2017 ، http://www.qiraatafrican.com/home/new

([8]) Scott Morgan, The GCC’s Strategies in Africa ,  26/03/2017,  https://www.menadefense.net/2017/03/26/the-gccs-strategies-in-africa/

([9]) Anna Rosenberg, Transformation in the Middle East and Africa requires strategy rethink,  18/5/2017, http://blog.frontierstrategygroup.com/2017/05/transformation-middle-east-africa-requires-strategy-rethink/

 

[10]) Simon Allison and Joseph Dana,  Bridging the red Sea : How to Build the Africa GCC partnership , pp 12-13

مقالات لنفس الكاتب