; logged out
الرئيسية / تفعيل العمل العربي المشترك: بناء تحالف الراغبين وتجديد شباب الجامعة العتيدة

العدد 131

تفعيل العمل العربي المشترك: بناء تحالف الراغبين وتجديد شباب الجامعة العتيدة

الخميس، 07 حزيران/يونيو 2018

الاقليم العربي في هذه المرحلة التاريخية التي نعيش فيها، يشهد مجموعة من الظواهر لا تشهدها أقاليم أخرى في العالم، والإقليم العربي، إقليم له ثقافة و تاريخ وتراث وآمال مشتركة ( الدول العربية)، ولكن في الوقت نفسه هو إقليم متعدد الكيانات تفرز بين بعضها سياسات و خيارات مختلفة، وفي بعضها مصالح متضاربة إلى درجة الصراع المباشر وغير المباشر ، من جهة أخرى هو الإقليم الوحيد تقريبًا اليوم الذي تتدخل في شؤونه العديد من القوى، ليس من خلال كلامًا مرسلاً أو دبلوماسيًا، ولكن من خلال واقع ملموس على الأرض، فالجوار الجغرافي يتدخل، مثل تدخل إيران وهو النموذج الظاهر على السطح في كل من العراق و سوريا و لبنان واليمن، وفي مناطق أخرى بشكل غير ظاهر ، كما تتدخل تركيا في كل من العراق و سوريا، وتمد نفوذها إلى أماكن أبعد في الإقليم العربي، كتدخلها غير المباشر في كل من مصر وقطر . كما تشترك دول عظمى في التدخل في شؤون الإقليم، مثل تدخل روسيا الاتحادية في سوريا، وأمتد نفوذها إلى مناطق أخرى، وتتدخل الولايات المتحدة على الأرض في أكثر من دولة عربية، كما يجري صراع ساخن من جانب آخر بين (مكونات عربية) على أرض عربية، كما يحدث في ليبيا على وجه العموم لا الحصر، وتبرز الحساسيات كي يشتت المشهد العربي كما في الصراع على الصحراء في المغرب، أو الصراع على مياه النيل، بل وحتى الخلاف المعلن على مسلسلات تلفزيونية![1] امام هذا المشهد المعقد تواجه فرضية العمل العربي المشترك في هذا المنعطف التاريخي الكثير من الصعاب وهي حزمة معقدة من الصعاب في هذه المرحلة التاريخية لم تواجه العمل العربي المشترك منذ قبل الاستقلال لكثير من دوله بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية من الاستعمار المباشر ولا بعدها.

   بدأ العرب يعوا أهمية تنظيم أنفسهم فأنشأوا الجامعة العربية، في مسيرتها الطويلة [2]شهدت الجامعة العربية تغيرًا في دورها ومهماتها، فأصبح الدور والمهمة من احاجي السياسة العربية المعاصرة، الجامعة العربية ولدت قبل خمس وسبعون عامًا تقريبًا، حيث أعلنت في 22 مارس 1945م، في قصر الزعفران بالقاهرة، بعد تمهيد ومفاوضات استمرت قبل ذلك لبضع سنين، ميثاقها الذي اتفق عليه الموقعون، يتكون من عشرين مادة، وثلاث ملاحق، غير الديباجة. وعقدت القمة العربية التاسعة والعشرون، وهي إحدى مؤسسات الجامعة وأهمها، في جو سياسي غير مسبوق، قمة الدمام، أبريل 2018[3]، فهو أي العدد، كمعظم أعمال الجامعة، ليس هناك توثيق دقيق لها. من يقرأ اليوم ميثاق الجامعة يشعر بانها (نظام يريد ولا يريد)! حيث أن تفسير مواد ذلك الميثاق مطاطي وقريب إلى الغموض كمثل القول (إقامة وطن عربي مع احترام سيادة الاعضاء) ذلك أحد نصوص الميثاق!، كما نص أيضًا (لا يجوز استخدام القوة لفض المنازعات البينية) كما نص (لا يجوزاتباع سياسية خارجية تضر بسياسة الجامعة العربية)! من المهم أن نلحظ ان البروتكولات (التي سميت بروتكولات الاسكندرية) ومهدت للميثاق العتيد، أي القواعد العامة التي نبع منها ميثاق الجامعة ، أفردت قرارين خاصين، واحد لفلسطين، وآخر للبنان، وهما البلدان، بعد أكثر من ثلاثة أرباع القرن، لا زالا يشكلان (مشكلة) عربية حتى اليوم، الأولى نضال مستمر دون نجاح كبير، أو اختراق سياسي له معنى على الأرض، يقود إلى إنصاف الفلسطينيين، على الرغم من ملاحظة حضارية تضمنها الميثاق تجاه اليهود، حيث نص الميثاق ( نتألم لما أصاب اليهود في أوروبا من الويلات والآلام) في إشارة واضحة لإدانة التصفيات و الملاحقات والتطهير العرقي التي حدثت لبشر في أوروبا بسبب ديانتهم، أما القرار الملحق حول لبنان، فهو يؤكد الأهمية القصوى لاستقلال لبنان، ومع الأسف اليوم قرار لبنان السيادي، هو قرار مختطف، ويُسير في الغالب من طهران . كان من المفروض أن تكون (الجامعة العربية) نظام إقليمي متماسك، فيه منافع لكل أعضائه، عسير اختراقه، ويطيع الأنظمة إليه، إلا أن الواقع اليوم وبعد مسيرة ثلاثة أرباع القرن نرى أن هذا التنظيم الإقليمي لم يستطع أن يحقق الحد الأدنى من (عمل عربي مشترك وفعال)، و الآن ، أمامنا خياران، إما أن نسير سيرتنا الأولى في عقد الاجتماعات في إطار هذا المنتدى، وإصدار القرارات، ثم ينسى الجميع أن ينفذ منها ما اتفق عليه، أو نعترف بأن الوضع العربي الحالي لا يمكن له أن يسير سيرته الأولى، فهو أكثر من حرج، بل خطر، وعلينا أن نغير جذريًا من المسيرة السابقة / فنبني تحالفات يمكن أن تسمى (تحالف الراغبين) في مواجهة الأخطار الرئيسية المحددة، أي يكون هناك محور عربي يواجه مشكلات (الأمة التي في خطر) بجدية يستحقها الوضع المخيف الذي نعيش، و بطريقة مدروسة وممنهجة . وقد حدث في السنوات الأخيرة (أكثر من ربع قرن الآن) أن قامت تجمعات حاولت أن تسد القصور الذي نشأ من الخلافات العربية ـ العربية في إطار التجمع الأكبر (الجامعة العربية) كمثل (مجلس التعاون الخليجي) الذي يصادف اليوم عقبات بعد مسيرة ناجحة في فترة سابقة، أو مثل (مجلس التعاون العربي) قصير الزمن [4] أو التجمع المغاربي، قليل الفعالية.

 

أسباب القصور العربي في تفعيل العمل المشترك

 

معظم سنوات التكوين، أي في العقدين أو الثلاثة التي لحقت بإنشاء الجامعة العربية، كانت دولها المستقلة تواجه (الآخر المستعمر) الذي يهيمن على بقية أجزاء الوطن العربي، بريطانيا في الشرق وفرنسا في الغرب، وكانت الدول المستقلة عام 1945م، هي سبع دول، تساند تلك الدول أو بعضها، بشكل أو بآخر، فيما سمي بعصر التحرر العربي[5]، ساندت الدول الحاصلة على استقلالها تلك الخاضعة للاستعمار للتخلص منه، حتى تراجع المُهيمن الغربي وأنحسر نفوذه، ونما عدد اعضاء الجامعة، ليصبح أكثر ثلاث مرات من عدد المؤسسين. اليوم الأمة في خطر ، لا لأنها تواجه ( هجمة غربية استعمارية ) كما كانت في معظم سنوات التكوين، كانت تلك المواجهة (الأسهل) نسبيًا رغم ما شابها من دم وتضحيات كبرى، كما استمرت المواجهة مع إسرائيل لعقود طويلة، حتى قررت بعض الدول العربية أن تنهي تلك المواجهة الساخنة ووقعت اتفاقات مع إسرائيل ( مصر والأردن) فأصبح العمل من أجل القضية الفلسطينية هو عمل دبلوماسي وسياسي، في يومنا المواجهة اختلفت هي في الأساس مع دول إقليمية تريد الهيمنة على أمة العرب البالغ عددهم اليوم ثلاث مائة وخمسين مليون نسمة، وتضم أراضيهم ثروات طبيعية، كما أن جغرافيتهم تتوسط الغرب والشرق، وفي نفس الوقت فإن عددًا من الدول العربية إما يمكن تصنيفها بأنها (فاشلة)، أو( مهددة بالفشل)، وتخوض حروبًا أهلية، ولا يتأخر متخذ القرار فيها أن يتجاهل رغبة أغلبية شعبه، ويستدعي ( الخارجي)، بل ويبيد شعبه مستخدمًا السلاح الكيماوي المحرم على النطاق العالي، تظهر لنا الدول الفاشلة أو المهددة بالفشل في لبنان و سوريا واليمن وحتى العراق وليبيا! على درجات مختلفة، ويهيم اللاجئون العرب على وجوههم في أقاصي الأرض. كل ذلك يحتاج إلى خطة انقاذ من جانبين، الأولى هي اتخاذ كل ما يلزم لتجنب الدول العربية التي لم يطلها الخلل إلى أن تبقى كذلك، وتشكل رأس الجسر للإنقاذ، وهنا يتركز العمل على بناء تحالف جدي وحقيقي محدد الأهداف، والجانب الآخر وضع حد أدنى لقبول الأنظمة الفاشلة في محيط الجامعة، حتى لا تسمم أجواء العمل العربي وتعطله عن مهماته التاريخية التي يتطلع اليها الشعب العربي في كل مكان، وهي الحريات والتنمية والاستقرار.

إيران، التي هي مصدر تهديد حقيقي للنظام العربي برمته، وهو تهديد استراتيجي وقومي واقتصادي، على عكس ما يصوره الإعلام المزيف الذي يريد الترويج إلى صراع سني ـ شيعي[6]! وهو أبعد من الحقيقة بفراسخ، لأن الطموحات الإيرانية هي في صلبها قومية فارسية، واقتصادية، لا تستخدم الشيعية إلا غطاء لتضليل السذج، والأمة في خطر، لأن هناك قوى إقليمية أخرى تريد التمدد تحت غطاء الإسلام السياسي (السني)، هذه المرة هي تركيا، التي ترى أن مشروعها هو الذي يجب أن يسود، وهو مشروع من جديد ليس مذهبي، وأن تغطى بذلك، ولكن قومي طوراني واقتصادي أيضًا! لهذا فهي تتدخل في أكثر من مكان في الشأن العربي، بصورة مباشرة أو من خلال الدعم الإعلامي واللوجستي لقوى ترغب في هدم السلم الأهلي لعدد من الدول العربية، لعل الصورة القاتمة التي جمعت الرئيس الروسي بالإيراني بالتركي، كي يبحثوا الشأن السوري (العربي) خير دليل على ذلك التدخل السافر[7].   هذان المشروعان (الإيراني والتركي) كلاهما يستخدمان أداتين، الأولى مذهبية، والثانية مظهر الدفاع عن فلسطين! أمام هذين المشروعين الإيراني والتركي، وأمام حقيقة سقوط عدد من دول الإقليم في حروب أهلية، وتدخلات إقليمية وعالمية، أو تحت سيطرة أحد أقطاب المشروعين، يبدو أن المخرج هو بناء تحالف عربي سياسي بمن رغب، وتجديد شباب الجامعة العتيدة إن أمكن ذلك وتطوير ميثاقها، هدف الائتلاف الجديد يجب أن يكون إبعاد المنطقة عن هوة التمزق، وتفعيل عمل عربي مشترك، يستطيع أن يوقف تمدد المشروعين الإقليمين، وأيضًا وقف الأطماع الأخرى التي تهدد بعض الدول العربية [8]كما يستطيع أن يقدم البديل الحضاري والإنساني. ذاك المفروض هدف الجامعة الجديد، أو هدف أي تكتل عربي، ومن مصلحة الدول العربية خاصة التي لم تسقط في مرحلة الخطر والاضطراب، أن تتمسك بالنظام الإقليمي العربي، على أن يجدد على أساس أكثر وضوحًا وموضوعية مما سبق، وأن تحافظ على جذوته مشتعلة، وقادرة على المقاومة، بعدها يمكن إقامة تحالف دولي يساعد في رفد هذا التحالف الإقليمي وإشاعة السلم والأمن في ربوع المنطقة.

 

بيئة مضطربة

 

معظم أقاليم العالم الذي نعيش فيه يمر بزمن يمكن أن يوصف أنه زمن اللا يقين، بعض الأقوال تذهب إلى أن المرحلة العالمية الحالية المشبعة بالاضطراب، تشبه كثيرًا مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية. اضطراب في الأمن العالمي، وانشطار حاد في المواقف تجاه القضايا الكبرى، وضعف في المؤسسات الدولية بل وتفككها، وصراع على الموارد وأزمات مالية مستمرة. والبيئة العربية ليست استثناء من ذلك اللا يقين، بل إنها تكاد تصبح بؤرة الصراع في عالم ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. في هذه البيئة أللا يقينية تعمل مؤسسات العامل المشترك العربية، سواء أكانت شاملة كالجامعة العربية أو ما تحت الإقليم كمثل مجلس التعاون، وهناك الكثير من اللوم، في رأيي كثير منه غير موضوعي، يوجه إلى (لجامعة العربية) كمؤسسة بحد ذاتها، وهو توجه إلى (لوم المُبلغ عن الحريق، بدلاً من مُشعل الحريق) كما يقول المثل السائر. في الجامعة هناك مسارين، يمكن الحديث عنهما كمدخل للإصلاح، الأول هو (هيكلية الجامعة وإدارتها) والمسار الثاني، ما تستطيع الجامعة (كمجموع) أن تقـــــــدم للمسار السياسي أو الاقتصادي العربي المشترك. كــــــلا المسارين (الجامعة) كمؤسسة و (تأثيرها السياسي) هما (محصلة قوة) لمكوناتها وهي الدول العربية ، وليست قوة بحد ذاتها، فقوة الجامعة وضعفها من قوة مكوناتها ومن الإرادة السياسية لدى تلك الدول وأيضًا المشروع الذي يمكن أن يقال عنه إنه ( الرافعة) للعمل العربي المشترك، القليل الذي يمكن أن يُصلح في هيكل الجامعة غير مطروح اليوم على المستوى الإداري وهو بحد ذاته قليل، بمعنى أن ذلك الإصلاح الذي تحدث عنه البعض في زمن سابق لم يعد حتى مطروحًا للنقاش فهو يحتاج إلى توافق بين أعضاء الجامعة أنفسهم، كما يحتاج إلى تمويل، وكلاهما متعذر في هذه البيئة التي حولنا أو صعب المنال، أما الثاني وهو ( الفعل السياسي) فهو أيضًا متعذر بشكل أكبر ، لأن الدول المشاركة في معظمها اليوم هــــــــــــــــي إمــــــــــــــــا في وسط صراع دمـــــــوي في داخلها أو مرتهنة إلــــــــى قـــــــــــوة خارجيــــة ( إقليمية) وغير قادرة على الفعل بسبب ما تمر به من ظروف سياسية واقتصادية صعبة. من التعجل لوم الجامعة (كمؤسسة) على الوضع العربي المتدهور فهي قوية بقوة أعضائها وضعيفة أيضًا بضعفهم فالعرب ليس لديهم مما يمكن أن يسمى (المشروع الرافعة)، كما تبلور في السابق، فلم يعد مشروع (النهضة) مطروح، ولم يعد محاربة (المستعمر) له قيمة كما كان، وحتى مشروع (مناصرة فلسطين) بما يعنيه من حشد و تحصير لم يعد مشروعًا متفق عليه. على الجانب الآخر فإن (مجلس التعاون) الذي حقق نجاحات في العقود الثلاثة من إنشائه، دخل أيضًا مرحلة (البيات) النسبي بسبب الخلاف بين بعض مكوناته، وهي مكونات على أرض الواقع أكثر قربًا من غيرها في النسيج العربي، ولكن حتى هذه لم تستطع تجنب عطب التغيرات الإقليمية والاجتهادات السياسية لما بعد مرحلة ما سمي بالربع العربي!

في المنظور القريب لا بد أن يكون هناك ما يسمى (تعاون القادرين) من العرب، وليس أمامنا هنا للتفكير في هذا التوجه إلا النظر إلى الدول القادرة، من القادرين في الدول العربية لا يوجد اليوم غير مصر والمملكة العربية السعودية، مع بعض دول الخليج، هذا المحور يمكن أن تنضم إليه كل من الأردن والمغرب، وهي الأجزاء التي لم تعطب في منظومة الجامعة العربية بعد تسونامي ما عرف بـ (الربيع العربي)! باقي الدول كما سلف، أما في حالة حرب أهلية بشكل أو بآخر، قادها إلى أن تصبح (دول فاشلة) أو يعتريها عجز سياسي، بسبب تأثير البيئة المحيطة، أو عجز داخلي اقتصادي. المطلوب اليوم ما يمكن أن يسمى (توافق القادرين) أي أن يكون هناك محور عربي في داخل الجامعة، يشكل رافعة ويوحد نظرته إلى التحديات القائمة، وهي كثيرة، ويحدد العمل المشترك بمشروع واضح وحداثي، لمواجهة تلك التحديات أو العامل على تخفيف آثارها السلبية على العمل العربي المشترك، وخلق أمل جديد للجماهير العربية، التي أصيبت اليوم بالإحباط والإعياء معًا.

القوى الغربية الكبرى بشكل عام تنسحب من المشاركة في دفع أثمان للحلول المطلوبة إقليميًا، فقد تحول الغرب بشكل عام من مرحلة (الاشتباك الإيجابي) في قضايا الشرق الأوسط، إلى مجرد (الإحسان إلى اللاجئين) القادمين من الشرق الأوسط، بل وفي بعض الأوقات مطاردتهم، وقد أصبحت معظم المجتمعات الغربية   منقسمة على نفسها، وحكوماتها مترددة، فلا أمل في (تعاون عربي ـ غربي) لإعادة الأمور إلى مسارها السابق أو الانتقال بها إلى مكان أفضل.

                     هل يمكن إيجاد تحالفات جديدة عربية دولية؟

أحد الحلول التي يمكن التفكير فيها في تفعيل العمل العربي المشترك أو بعضه هو إيجاد تحالفات دولية لوضع حلول للمشكلات العالقة من حروب أهلية أو بينية في المنطقة، هنا أيضًا تثار الشكوك، فلا الاتحاد الروسي يمكن الاعتماد عليه، لسببين الأول قصوره الذاتي، والثاني الثمن الذي يرغب في الحصول عليه من العرب! الصين لا زالت واقفة على بعد في الأفق، وبعيدة عن الاشتباك الإيجابي، والقوى الجديدة كالهند وتركيا واقعة في مشكلاتها، وبعضها يتدحرج نحو الخوار. أما الغرب فهو يسير إلى انقسام بين طرفي الأطلسي، فسياسة الإدارة الأمريكية الجدية على الأقل (غير قابلة للتنبؤ) وسياسة أوروبا عاجزة في نهاية الأمر على الفعل، وتبحث الأخيرة عن وسائل ترميم المشهد، وليس حل المشكلات جذريًا.

فقط محور (السعودية / الخليج ومصر وبعض الدول العربية القليلة) التي نجت جزئيًا من سلبيات (الربيع) إن صح التعبير، قادرة على أخذ المبادرة، إلا أن تلك المبادرة تحتاج إلى( مشروع ) واضح ،وأعتقد اقرب ما يمكن أن يكون هذا المشروع هو ( إقامة الدولة العربية الحديثة والعادلة) و التعمق في الأهداف التي يراد تحقيقها، هل هي صد المشكلات والتقليل من الخسائر، أو هي مبادرة إيجابية لإنقاذ الأمة من هذا التدهور الحاصل، حتى نصل إلى ذلك المكان (تحديد أهداف النهوض) نحتاج إلى خطوتين الأولى هي الإقرار بأن العمل ( بالإجماع) في محراب الجامعة العربية قد ولى زمانه، و الثانية أن يتوافق القادرون على فهم مشترك لما يجب أن يكون في كل من ليبيا و سوريا واليمن و لبنان والعراق ! أي يكون هناك موقف محدد وواضح من المشكلات التي تعاني منها تلك البلدان، ورسم خارطة الحلول وطريق مشتركة للخروج من تلك المعضلات.

في الجانب الآخر يجب التوصل إلى اتفاق على موقف موحد من (الطموح الإيراني) في الأرض العربية، لأن ذلك الطموح هو أحد (ولا أقول كل) أسباب الاضطراب الحاصل، فالتدخل الإيراني في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان واضح المعالم، كما أن تدخل روسيا في سوريا أمر لا بد من التوافق على تقييمه جماعيًا والتوقف أمام تحدياته.

الجامعة العربية كفكرة وكمؤسسة أمر يحتاجه العرب اليوم أكثر من أي وقت آخر، كانت الجامعة إما مكاناً للصراع أو ممر لتمرير خطوات دولية لاحقة، لم يعد الوقت ولا البيئة المحيطة بالعرب تسمح اليوم بهذا الامتياز الذي كان ممكنًا في الأيام السهلة. تحدى الجامعة العربية يأتي من داخل دولها، فهناك شعور بفشل (أهداف الربيع العربي) كما أن هناك ضغوط حقيقية على الاقتصاد العربي، أوصل عدد من الدول العربية إلى العجز المالي والاستدانة من الخارج، لقد فقدت الدول العربية المنتجة للنفط في الثلاث سنوات الماضية نصف دخلها، بل أن بعضها بدأ في الاستدانة الخارجية أو الداخلية وهو أمر سوف يستمر في المنظور القريب والمتوسط، فلن يعود المال (النفطي) متوفرًا بنفس السهولة السابقة، ذلك يوقع ضغوط ضخمة على النسيج الداخلي في دول النفط وخارجها، كما يضع نقص التمويل محددات للإقراض أو المساعدات للدول الأُخرى، بعض الدول العربية اليوم تحتار آخر كل شهر ( كيف تدبر أموالاً لموظفيها) هذا الأمر سوف يُسمع أيضًا في العلاقات البينية العربية بشكل سلبي .الصورة قاتمة وما ستطيع مؤسسة الجامعة العربية اليوم أن تقدمه للدول والقادة أن تبسط أمامهم الحقائق والكثير منها معتم ! لذلك فإن البحث عن عزم لدى (تعاون القادرين) أصبح ضرورة استراتيجية عربية لإنقاذ الأمة من التدهور المشاهد ووضع العمل العربي، حتى في عدد محدود من الدول، على سكة الخلاص، والتي سوف تعمل كرافعة للعمل المستقبلي.

 

[1] كما حدث بين مصر والسودان او بين الامارات وعمان!

[2] جزء من مقال للكاتب نشر في جريدة الشرق الاوسط 14 ابريل 2018 م.

[3] ورقم التاسع والعشرون هو الرقم الرسمي لقمة الدمام، الا ان رقم القمم (ان حسبنا غير العادية) هي أكثر من ذلك

[4] كان يشمل مصر، العراق، الاردن، اليمن، ولكن سرعان ما انهار

[5] دراسة ساهم فيها عدد من الكتاب (وكاتب المطالعة منهم) ونشرت في الاهرام القاهرة 24 يونيو 2016

[6] وهي فكرة تجد قبولا واسعا من طهران وتستخدم تكتيكيا من اجل الحشد والتجنيد

[7] عقدت القمة في ابريل 2018

[8] مثل مشلكة مياه النيل المحتدم حولها النقاش بين مصر والسودان واثيوبيا

مجلة آراء حول الخليج