; logged out
الرئيسية / مبادرة الحزام والطريق: 4 جوانب تمكن دول الخليج من تعظيم مكاسبها

مبادرة الحزام والطريق: 4 جوانب تمكن دول الخليج من تعظيم مكاسبها

الإثنين، 31 كانون1/ديسمبر 2018

مبادرة الحزام والطريق بعد مرور خمس سنوات: صعوبة في تقدم المبادرة في الشرق والغرب والجنوب والشمال[1]؟

لقد انبثقت مبادرة الحزام والطريق ( 一带一路倡议BRI )، في بادئ الأمر، في شكل مشروعين مختلفين برغم ترابطهما: "حزام طريق الحرير الاقتصادي"” (丝绸之路经济带) و"طريق الحرير البحري للقرن الواحد والعشرين"، وتحدث الرئيس الصيني شي جين بينج عن كل منهما أثناء زياراته إلى كازاخستان وإندونيسيا في أواخر عام 2013م. ومنذ ذلك الحين، تطورت مبادرة الحزام والطريق وتغير نطاقها، مع مشاركة أكثر من تسعين دولة حاليًا في المبادرة من آسيا وأوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية رهنًا بترتيبات ثنائية ومتعددة الأطراف. ووفقًا لوثائق حزب الدولة الصيني المتاحة، فإن الغرض من مبادرة الحزام والطريق هو تعزيز اتصال البنية التحتية بين جميع أنحاء العالم[2] وربط الأسواق المالية معًا، والمساعدة في "بناء مجتمع ذو مصير مشترك" (构建人类命运共同体). كما أنه يرمز، في بعض الأوساط، إلى التزام الصين بتمسكها بالتجارة الحرة في المنطقة في ظل سياسة ترامب الحمائية، وهو موقف شدد عليه الرئيس شي أثناء خطاب الاستقبال الخاص به في يناير 2017م، في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس. إن مبادرة الحزام والطريق هي مشروع متفرد لسياسة خارجية طويل المدى، ويتمتع بالتزام سياسي قوي من القيادة الصينية: مع الإشارة إلى أنه أُدرج في دستور الحزب الشيوعي أثناء مداولات المؤتمر التاسع عشرللحزب، الذي عُقد في أكتوبر 2017م.

 

 

فهناك في الوقت الحالي ستة ممرات استثمارية، تقع في المناطق النائية على حدود الصين، والتي تم تحديدها بمناطق التركيز الابتدائية لأنشطة مبادرة الحزام والطريق[3]. ولقد تم إنشاء عدد كبير من المؤسسات المالية للمساعدة في تسهيل التدفقات الاستثمارية، وبشكل أساسي، لزيادة رأس المال من بر الصين الرئيسي إلى مشاريع البنية التحتية والطاقة واستخراج الموارد مثل صندوق طريق الحرير بقيمة 40 مليار دولار، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وبنك التنمية الجديد. وعلى الصعيد المحلي في الصين، قام حزب الدولة بحشد جهات صنع القرار الرئيسية لدعم المبادرة مثل اللجنة القومية للتنمية والإصلاح، والعديد من الجهات متعددة السياسات مثل بنك الصين للاستيراد والتصدير. ووفقًا لقاعدة البيانات المقدمة من معهد مركاتور للدراسات الصينية، استثمرت الصين مبلغ وقدره 25 مليار دولار في مشاريع متعلقة بمبادرة الطريق والحزام خلال الخمس سنوات الماضية منذ عام 2013، وهناك مصادر أخرى مثل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية قدرت بأنه هناك 90 مليار للاستثمار في المشاريع المتعلقة بوسائل النقل والجاري إنشائها حالياً. وعلى الرغم من أن هذه الأرقام غالبًا ما تكون منخفضة عن الأرقام المقروءة في الإعلام، إلا أنها حققت تأثيرًا إيجابيًا في الاقتصاديات المحيطة. وفقًا لدراسات متعددة، اتضح أن مشاريع التنمية التابعة لمبادرة الحزام والطريق تساعد " في تخفيض عدم المساواة الاقتصادية داخل المنطقة الواحدة وبين المناطق وبعضها البعض"، ومن المتوقع أن مواصلة الإجراءات التنفيذية سيساعد في تخفيض رسوم الشحن وزيادة نمو إجمالي الناتج المحلي للدول النامية، وغالبًا سيكون بشكل ملحوظ بين البلاد الواقعة في منطقة آسيا والمحيط الهادي.

ودائمًا ما تثير مبادرة الحزام والطريق مخاوف كبيرة وتراجعًا من العديد من الجهات. لقد وصف الناقدون والمعارضون التدفقات المالية الناتجة عن المشروع بأنها نوع من " الدين الدبلوماسي" يهدف إلى الإيقاع بالبلدان الضعيفة، مثل جمهورية المالديف وسريلانكا، وإجبارهم على وضع التسهيلات الاستراتيجية والموارد الأساسية في يد الصين. وفي زيارة أخيرة إلى بكين، وصف رئيس ماليزيا السيد/ مهاتير محمد، الذي أُعيد انتخابه مؤخرًا، مبادرة الحزام والطريق بأنها "نوع جديد من الاستعمار". وهناك قوى إقليمية رفضت بشكل قاطع الانضمام، ونظرت إلى المشروع على أنه تكرار جديد لإستراتيجية الصين طويلة الأمد (المُتصورة) لتنفيذ "خيط اللؤلؤ" عبر المحيط الهندي وتحديّ نفوذ نيو دلهي على طول حدود الهيمالايا (في نيبال وبوتان). كما رفضت اليابان المشاركة في مبادرة الحزام والطريق، ودعمت أدوات بنيتها التحتية للتنمية وقدمت رؤى بديلة للدول المختلفة المجاورة للمحيط الهندي والمحيط الهادي. وتشير هذه المواجهات بين القوى الإقليمية إلى زيادة قلق جانب من النخبة في آسيا وأوروبا تجاه الآثار المحتملة لمبادرة الحزام والطريق على ميزان القوى في المناطق الخاصة بهم، إذ يرى الكثيرون أن مبادرة الحزام والطريق ليست فقط عملية تعاون "مُثمرة لكل الأطراف"، بل محفز لتوسع التأثير الأمني للصين، (بدءًا من القاعدة العسكرية اللوجيستية الأولى لها عبر البحار في جيبوتي) وممارسة النفوذ السياسي على الدول المجاورة (على سبيل المثال كمبوديا)، وتمكين بكين من تعزيز مكاسبها من بحر جنوب الصين.

وقد أضحت نظرة الولايات المتحدة للمبادرة أكثر عنفًا. إذ أعربت إدارة كل من أوباما وترامب عن معارضتهما لمبادرة الحزام والطريق، وحاولا إقناع العديد من الحلفاء والشركاء بالعدول عن المشاركة في المبادرة. وبطبيعة الحال وفي ضوء العلاقات الصينية الأمريكية المتدهورة، فإن العديد من المسؤولين في واشنطن ينظرون إلى مبادرة الحزام والطريق باعتبارها تخدم هدفين مترابطين معادين للمصالح الأمريكية. الأول، قد تؤدي مبادرة الحزام والطريق، على المدى البعيد، إلى إضعاف التحالفات الأمنية التي تدعم أمريكا، والتي أنشأتها واشنطن عبر شرق وجنوب شرق آسيا منذ عام 1945م، مما يُعيق من قدرتها على تنظيم جبهة على نطاق المنطقة ضد النفوذ الصيني المتزايد -كما هو الوضع الحالي في بحر جنوب الصين. ثانيًا، وربما تكون أقل الشواغل المتعلقة بالمبادرة أهميةً، كيف يمكن لمبادرة الحزام والطريق أن تخدم الصين في إنشاء “منطقة التجارة" المنتظرة في المستقبل في أوروبا وآسيا والتي تستثني الولايات المتحدة منها. وبالطبع فإن هذا السيناريو يعتمد على انتقال الصين بنجاح إلى قوة صناعية ذات تكنولوجيا عالية بحلول عام 2049م، وإن هذا التحول الاقتصادي والتكنولوجي المُتوقع، والذي سيحدث خلال العقود القليلة القادمة، سوف يقود إلى عملية "مقاومة العولمة". وبالتالي فإن مبادرة الحزام والطريق ليست محصنة ضد التسابق على السيادة الصناعية والتكنولوجية، وكذلك المنافع الاقتصادية التي قد تتدفق، بل ترتبط بهم ارتباطًا وثيقًا. وبعد كل شئ فإن المشروع يعمل على تعميم إطار عمل قانوني بديل وإدارة إلكترونية ومعايير تكنولوجية وكذلك قيم سياسية تعمل على إضعاف الهيمنة الأمريكية على العديد من أجزاء "جزيرة العالم" وما بعدها[4].

 

استعراض مبادرة الحزام والطريق ودول مجلس التعاون الخليجي

        على مر العقود الأخيرة، نجحت دول مجلس التعاون الخليجي في إنشاء علاقات قوية نسبيًا مع الصين، بما يدعم الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية وكذلك الأمنية (المتزايدة). وتأتي كلا من السعودية والإمارات العربية المتحدة في القاموس الدبلوماسي لدولة الصين على أنهما "شريكين استراتيجيين شاملين " (全面战略伙伴)، وتُعرف الكويت وقطر وعمان بوصفهم "شركاء استراتيجيين"战略伙伴". ولقد تم تعريف دول مجلس التعاون الخليجي، مرارًا وتكرارًا، في الخطاب الرسمي الصيني باعتبارهم منطقة عمل هامة، وكان آخرها وثيقة سياسة الصين تجاه العرب (中国对阿拉伯国家政策文件)، الصادرة بالتزامن مع زيارة الرئيس شي في عام 2016 م، إلى الشرق الأوسط. وعلى صعيد متعدد الأطراف، هناك آلية حوار استراتيجي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي والتي أُنشئت في عام 2010م، ويرجع سبب إنشائها جزئيًا إلى الرغبة في تسهيل إبرام اتفاقية تجارة حرة بين المنطقتين، وإن يكن التقدم الذي أحرزته تلك المحادثات يعد ضئيلاً. وفي أوائل سنة 2016م، بُذلت الجهود من أجل إحياء محادثات متعددة الأطراف والتوصل إلى اتفاق مُمكن.

        وفي السنوات الأخيرة، أصبحت مبادرة الحزام والطريق "شعار" رئيسي في سياق العلاقات الصينية مع دول مجلس التعاون الخليجي. ولقد بذلت دول الخليج الجهود لجعل خطط التنمية القومية الخاصة بها تتوافق مع المشروع. إن الرؤية الطامحة للسعودية هي المثال الأبرز على ذلك، إذ أنشأت لجنة تنسيق صينية سعودية عليا (沙中高级委员会)، وهي مُوكلة بتعميق التعاون في مجالات محددة بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق. وكذلك خصصت دول أخرى مناطق تنمية صناعية وتجارية من أجل المشاريع المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق مثل السعودية (جازان) وعمان (الدقم) والكويت (الجزر الخمس). كما أُنشئ في الآونة الأخيرة غرف مقاصة للرنمينبي (العملة الصينية)، وبنوك البر الرئيسي ومراكز مالية مخصصة لمبادرة الحزام والطريق، لا سيما في الإمارات العربية المتحدة، والتي تستضيف في وقتنا الحالي واحدًا من أكبر المجتمعات الصينية في العالم، والذي يضم حوالي 250 إلى 300 ألف مقيم. وعلى مستوى كليٍ أكبر للمؤسسات، فقد انضمت كل دول مجلس التعاون الخليجي (سواء عضو مؤسس أو شريك) إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وأرسلت وفود كبيرة لحضور أول قمة لمبادرة الحزام والطريق في بكين، والتي عُقدت في 2017م.

        وحتى في المجالات الثقافية، فقد عكست مبادرة الحزام والطريق ألوانها على التواصل الفني، مستلهمةً الصورة الرومانسية حول طريق الحرير الدولي والتبادل الحضاري. وكان معرض فنان البارود المرموق ساي جوو تشانغ في قطر 2014م، والذي تمحور حول مدينة كوانزو، ومجموعة الطرق العربية التي عرضتها السعودية في بكين عام 2017م، والتي لقيت ترحيبًا كبيرًا، محاولتين لاستحضار هذه المواضيع والزخارف. ومن المثير للاهتمام أن عمان كان لها السبق في استخدام هذه المواضيع الثقافية منذ وقت طويل، فقد أرسلت عمان قبل مبارة الحزام والطريق بعقود أوعية تقليدية تسمى "صحار"، ضمن رحلة احتفالية كبرى إلى قوانتشو في سنة 1980م، في إحياءَ للروابط التاريخية الوثيقة التي تربط المنطقتين معًا.

إعادة تقييم انخراط دول التعاون الخليجي في مبادرة الحزام والطريق: أمور معينة تؤخذ في الاعتبار

إن التطورات المذكورة أعلاه في سياق العلاقات الصينية مع دول مجلس التعاون الخليجي هي تطورات مفيدة بشكل كبير، ويمكنها أن تثير تساؤلاً هامًا ألا وهو: كيف يُمكن للخليج أن يزيد من مكاسبه من مبادرة الحزام والطريق؟ ويوجد أربعة جوانب للإجابة على هذا التساؤل.          أولاً، عدم انخراط دول مجلس التعاون الخليجي ككتلة سياسية اقتصادية مشتركة، وهو وضع من شأنه أن يؤدي إلى حراك تنافسي غير مثمر بين الدول. وهو قول شائع في وسائل الإعلام ولكنه مستمد من الواقع. ففي جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي يُعاد إنشاء مشاريع توسيع البنية التحتية ومبادرات الحزام والطريق بشكل كبير عبر الحدود، مع سعي مختلف الدول الأعضاء للعب أدوارًا مماثلة نسبيًا ووضع أنفسهم موضع المحور الإقليمي على مستوى المنطقة. ويمكن رؤية ذلك على صعيد أكثر عمومية في سعي المنامة والكويت وجدة والرياض لمنافسة "تشيناتاون" نموذج دراجون مارت في دبي. إن هذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في القدرات مما يقود بدوره إلى مكاسب أو أرباح أقل بشكل عام. وبالرغم من وجود توترات في العلاقات ما بين دول مجلس التعاون الخليجي وبعضها البعض، ومن الطبيعي أن ذلك قد يزيد الأمر تعقيدًا، إلا أنه في حال الرغبة في حماية المصالح الإقليمية فمن الضروري بلورة رؤية للمنطقة بخصوص مبادرة الحزام والطريق وتعزيز تنسيق التنمية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي والعالم بشكل عام. إن التنسيق التنموي بين الدول (والتكامل)، جنبًا إلى جنب مع صياغة نهج موحد تجاه مبادرة الحزام والطريق هو أمر ضروري ومن شأنه زيادة نصيب المنطقة من الازدهار وكذلك القوة التنافسية في مواجهة الصين (وغيرها من القوى العظمى). ويمكن أن يشكل الوعد الذي قطعه الرئيس شي أثناء منتدى التعاون بين الصين والدول العربية، المنعقد في يوليو 2018م، لزيادة الواردات الصينية من جميع أنحاء العالم بمبلغ وقيمته 8 تريليون دولار خلال الخمس سنوات القادمة نقطة البداية لهذا التعاون المتجه نحو نقطة الانطلاق وتعميق عمليات التصنيع في الخليج.

ثانيًا، قد يكون من الحكمة أن يقوم المسؤولون في مجلس التعاون الخليجي وصانعو السياسات الاقتصادية بالتوقف عن اعتبار مبادرة الحزام والطريق وسيلة تيسيرية محتملة للتدفقات الاستثمارية والتجارية الصينية إلى منطقة الخليج. وبالأحرى، إن الأفق الأوسع قد يكون مثمرًا أكثر حيث يمكن للنطاق الدولي لمبادرة الحزام والطريق أن يقدم لدول مجلس التعاون الخليجي فرصًا للنمو الاقتصادي والتنوع. وبصفة أكثر تحديدًا، إن تنمية القوى الوسطى الصديقة المجاورة للصين (بل نطاقاً أوسع من ذلك) مثل باكستان أو إثيوبيا، مع كثافتهم السكانية الكبيرة واقتصاداتهم الدينامية المتزايدة، قد ينتج عنها آثار إيجابية لدول مجلس التعاون الخليجي، مما يساعد على نمو قطاعات الصناعة والخدمات لدى الدول الأعضاء، وأيضًا يساهم في الأمن والاستقرار الإقليمين. وفقًا لذلك، فإن التفكير في تعزيز مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي في مشاريع مبادرة الحزام والطريق بجانب المناطق المحيطة بالخليج – وتصميمها بما يخدم المصالح الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي- قد يثبت أنه نهج أكثر ربحًا (وأكثر فائدةً للجميع) على المدى البعيد. ومن الممكن أن يؤدي الوصول بشكل أسهل إلى الأسواق المجاورة إلى تقوية التنويع والتصنيع أكثر. كما تُشكل مشاركة السعودية (المحتملة) بمبلغ وقيمته 64 ملياردولار في الممر الاقتصادي بين باكستان والصين دخول ملفت للنظر في هذا النوع من المشاركة والذي يجب أن تدرسه بعناية دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. ومن الجدير بالذكر أن المملكة حظيت بالترحيب، بوصفها شريك "عالمي" في مبادرة الحزام والطريق، وذلك إبان زيارة الملك سلمان إلى بكين، في مارس 2017م.

        ثالثًا: إذا ظل تركيز قيادات دول مجلس التعاون الخليجي محدودًا بجذب الاستثمارات الصينية إلى بلادهم، فقد يضمن ذلك اتخاذ موقف عملي أكثر تجاه التعاون المتعلق بمبادرة الحزام والطريق. ومن الانتقادات التي غالباً ما تتكرر في المؤتمرات والمنتديات المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق هي أن هذه المشروعات تبالغ في التركيز على تطوير الإمكانيات المادية وتتجاهل تطوير البرامج. ويقصد بهذا أن تيسيرات التجارة عبر أوروبا وآسيا هي تيسيرات ضعيفة (وذلك نظرًا للوائح والسياسات غير المتناسقة والمتطلبات الصارمة للحصول على تأشيرة) مما يؤثر أيضًا على المشاركة الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي مع الصين (بشكل متفاوت) ففي حالة السعودية مثلاً، وبالرغم من الإصلاحات والتغييرات العديدة التي حدثت في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال يوجد شعورًا سائدًا لدى رجال الأعمال والمستثمرين بأن سوق المملكة يظل سوقًا يصعب دخوله. وبالإضافة إلى وجود شكاوى حول مهارة العمالة والتكاليف، فإن مشكلة تيسير التجارة مشكلة تلوح في الأفق نظرًا إلى: ارتفاع ثمن التأشيرات بشكل كبير وصعوبة اقتنائها؛ والعوائق التي تفرضها اللوائح وغيرها من أنواع الروتين الحكومي؛ وأيضًا التحدي الحقيقي الذي تشكله حواجز اللغة والثقافة. وتعد الفجوة المعرفية مشكلة عويصة على الأقل من جانب المستثمرين المحتملين. وبالطبع فإن الظروف تختلف وفقاً للظروف الكائنة في الدولة الخليجية المعنية، ولكن هذه الحواجز حقيقية ليس فقط بالنسبة للصين (ومواطنيها المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي المختلفة) ولكن أيضًا بالنسبة للدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق من غير دول الخليج. فينبغي أن يكون تطوير وسائل تيسير التجارة من ضمن الأولويات، فلو كان هذا هو الهدف النهائي الفعلي، فمن المؤكد أنه سيقطع شوطًا كبيرًا تجاه تعميق الروابط الاقتصادية في ظل إطار عمل مبادرة الحزام والطريق أكثر من التصريحات الرنانة والمشاريع الضخمة.

رابعًا، وإن كان ذلك غير مرتبط بالضرورة بزيادة أرباح مبادرة الحزام والطريق، إلا أنه ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي البدء في تفعيل بحوث حول الاحتمالات الطارئة وتجميعها من أجل إدارة التداعيات الناتجة عن "النهضة الصينية"، لا سيما فيما يتعلق بالولايات المتحدة والقوى الأوروبية والآسيوية مثل الهند واليابان. وإن هذه التوترات والمنافسة المتزايدة تعكس الانتقال الهيكيلي للقوة والذي سيصاحبنا لوقت أطول. ويمكن رؤية هذه التداعيات في اللغة المستخدمة في قرار مجلس الشيوخ الأمريكي والذي يدين السعودية، والذي يعتبر صادرات الجيش الصيني (والروسي) المتزايدة إلى المملكة العربية المتحدة هو "بداية لمخاطر كبيرة تهدد الأمن والاقتصاد القومي لكل من البلدين". وقد تقوم واشنطن، باسم الحرب التجارية الجارية، بمراقبة متزايدة على عمليات الشركات الصينية المعتمدة على التكنولوجيا في دول مجلس التعاون الخليجي بما في ذلك الشركة القومية الرائدة هواوي، وقد يؤدي تزايد الضغوط المستقبلية إلى وضع قيود على المشاركة والتعاون بين الصين والخليج في مجالات مختلفة والتي تقع عادة تحت عنوان "مبادرة الحزام والطريق". وبالطبع لا ينبغي أن تتسم كل هذه السيناريوهات بالسلبية بالنسبة لدول التعاون الخليجي: فيمكن أن تزيد وتحفز التنوع بشكل أكبر في شراكتنا الاستراتيجية (بما في ذلك الشراكة مع اليابان وكوريا والهند) ولكن إذا أرادت دول مجلس التعاون الخليجي حماية مصالحها فهي في حاجة ماسة لإجراء المزيد من البحوث والتخطيطات الأولية وعمليات التحوط المالي.

 

 

 

[1]تم صياغة هذه العبارة بصورة جزئية من اللغة التي نشرها الحزب في السنوات الأخيرة "党政军民学,东西南北中,党是领导一切的" ويمكن ترجمتها إلى “الحزب والحكومة والجيش والدراسات المدنية والأكاديمية ومركز الشرق والغرب والجنوب والشمال، كل يخضع لقيادة الحزب". تدل الإشارة إلى الأربع اتجاهات إلى انتشار قوة الحزب ووجودها في جميع مجالات هذه الاتجاهات. الرئيس شي جين بينج 2018: "Xi Jinping de 2018: 1yue guanjianci – dangde lingdao" موقع الأخبار الصيني شينو، 11 فبراير 2018.

http://www.xinhuanet.com/politics/2018-02/11/c_1122400942.htm

[2]وفقاً للبنك الآسيوي للتنمية، فإن احتياجات منطقة آسيا والمحيط الهادي إلى بنية استثمار تحتية تتعدى 22.6 تريليون خلال سنة 2030، مع ما يقرب من 1.7 تريليون مطلوب سنوياً. " تتعدى احتياجات البنية التحتية لآسيا 1.7 تريليون دولار سنوياً، تقديرات مزدوجة سابقة". البنك الآسيوي للتنمية.

[3]على النحو الآتي: الجسر البري الجديد لآسيا وأوروبا (يربط آسيا وأوروبا)، وممر الصين ومنغوليا وآسيا الوسطى وغرب آسيا (يربط غرب الصين بتركيا)، وممر الصين وشبه الجزيرة الهندية الصينية (يربط جنوب غرب الصين بسنغافورة)، والممر الاقتصادي بين بنجلاديش والصين والهند وميانمار.

[4]ملاحظة: "جزيرة العالم " هنا تشير إلى الكيانات الإقليمية، والتي تحدث عنها الجغرافي هالفورد ماكيندر(1861 – 1947) والتي تتألف من ثلاث قارات مترابطة وهي أوروبا وآسيا وأفريقيا، وستُمكن السيطرة عليها، من خلال الهيمنة على قلب أوروبا وآسيا، من حكم العالم بشكل فعلي.

سوان، جيفري"السيد/ هالفورد جاي ماكندر: "نظرية قلب العالم فيما مضى وفي وقتنا الحالي "جريدة الدراسات الاستراتيجية 3-2.22 (1999): 38-15.

مقالات لنفس الكاتب