; logged out
الرئيسية / استقرار الشرق الأوسط ضرورة حتمية لبكين والسعودية والإمارات ركائز في السياسة الصينية

استقرار الشرق الأوسط ضرورة حتمية لبكين والسعودية والإمارات ركائز في السياسة الصينية

الإثنين، 31 كانون1/ديسمبر 2018

تحميل    ملف الدراسة

بعد مرور خمس سنوات على مبادرة الحزام والطريق، وصلنا إلى نقطة يمكننا عندها الوقوف على آثار تلك المبادرة. ففي بعض الدول والمناطق، اصطدمت طموحات الصين بتحديات اقتصادية وسياسية، حيث عارضت أحزاب المعارضة في دول محطات الطريق التأثير الصيني البارز في اقتصاداتها، بينما تفاعلت دول الخليج (البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) بإيجابية إلى حد كبير مع مبادرة الحزام والطريق من خلال إشراك الاستثمارات الصينية في بلدانهم حيث تقوم هذه الدول بتنفيذ "رؤى" وخطط تنموية بهدف تنويع اقتصاداتهم. ويُستهل هذا المقال بنقاش حول مبادرة الحزام والطريق وماذا تحاول الصين تحقيقه من خلال هذه المبادرة ثم يحلل المقال وضع دول الخليج في هذه المبادرة، مقدمًا استعراضًا موجزًا لبعض مشاريع مبادرة الحزام والطريق التي تتم في الخليج قبل أن يقوم بتلخيص الصعوبات التي ربما تواجه دول مجلس التعاون الخليجي بخصوص هذه المبادرة.

ما هي مبادرة الحزام والطريق؟

بدأت مبادرة الحزام والطريق الصينية بمجموعة من الخطابات ألقاها الرئيس شي جين بينغ في عام 2013م، ففي زيارة له لكازاخستان في شهر سبتمبر من ذلك العام، أعلن عن مبادرة تعاون بين الصين ودول آسيا الوسطى تحت مسمى "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" والتي من شأنها" تكوين روابط اقتصادية وثيقة وتعزيز التعاون والتوسع في المنطقة الأوروبية الآسيوية"، وفي الشهر الذي تلاه ألقى الرئيس الصيني خطابًا في البرلمان الإندونيسي دعا فيه إلى "مجتمع يتكون من رابطة دول جنوب شرق آسيا والصين الأكثر ترابطًا والذين يجمعهم مصير مشترك" وهو ما أُطلق عليه بعد ذلك "مبادرة طريق الحرير البحري". ولم يبدو أن أي خطاب – عند تناوله على حده-كان له تأثير كبير خارج المناطق التي ألقى فيها الرئيس شي جين خطاباته، وعند عقد الجلسة الثالثة العامة للجنة المركزية الثامنة عشر التابعة للحزب الشيوعي الصيني بعد ذلك بشهر أصبحت أهمية الكلمتين أكثر وضوحًا حيث أيد الحزب الشيوعي الصيني مبادرة الحزام والطريق بشكل رسمي من خلال ربط الاثنين معًا وتقديم لمحة عن طموح هذه المبادرة. وأصبح نطاق المشروع واضحًا بشكل سريع، كما جاء في تعليق باحث صيني "يعد هذا محور العمل الدبلوماسي الصيني للعام بأكمله".

وفي عام 2015م، تم تقديم الهيكل الإقليمي لمبادرة الحزام والطريق في مؤتمر عُقد في تشونغتشينج بالصين حيث قدم نائب رئيس الوزراء زانج جاولي مفهوم الممرات الاقتصادية بوصفها النسيج الضام لهذه المبادرة، وتم إعلان ستة ممرات: الصين-روسيا-منغوليا والمنطقة الأوربية الآسيوية الجديدة الجسر البحري والصين-وسط وغرب آسيا والصين-شبة الجزيرة الهندية الصينية والصين-باكستان والصين-ميانمار-بنغلادش-الهند. وحددت هذه الممرات نطاق مبادرة الحزام والطريق ليصل إلى منطقة المحيط الهندي والمنطقة الأوروبية الآسيوية. ومن الجدير بالذكر أنه لم ترد شبه الجزيرة العربية في أي من الممرات على الرغم من التعاون العميق ومتعدد الأوجه بين الصين ودول الخليج.

وأيضًا في عام 2015م، أطلقت الصين الوثيقة الإرشادية لمبادرة الحزام والطريق وكذلك الرؤية والإجراءات المعتزمة بشأن التأسيس المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري والطريق البحري للقرن الحادي والعشرين. وقد حددت الرؤية والإجراءات المعتزمة الأنواع الخمسة لأولويات التعاون التي ستستخدم لإنشاء مبادرة الحزام والطريق وهي: تنسيق السياسات وربط التسهيلات والتجارة الحرة والتكامل المالي والترابط بين الشعوب. ومن المميزات الهامة لتلك الأولويات هي أنها تركز جميعها على الأهداف التنموية والاقتصادية ولم يتم تناول المخاوف الأمنية والتدابير الأمنية الصارمة، وهذا مؤشر هام على اهتمام بكين بالتركيز على فرض السلطة والنفوذ من خلال القوة الاقتصادية أكثر من القوة العسكرية.

وبينما اعتبر نطاق مبادرة الحزام والطريق شيئًا جديدًا، إلا أن إطارها العام لم يكن بالضرورة كذلك. فالممر الاقتصادي الخاص بالصين-باكستان، والذي ربما يعتبر الأكثر أهمية والأكثر تكاملاً، كان قد تم الإعلان عنه رسميًا قبل ستة أشهر من مبادرة الحزام والطريق، كما كانت المناقشات تدور حول المنطقة الأوروبية الآسيوية-الجسر البري منذ مطلع التسعينيات، ويؤكد ذلك المفهوم القائل بأن مبادرة الحزام والطريق ما هي إلا "شعار جديد تم وضعه على أهداف أرادوا تحقيقها منذ زمن طويل". كما أن أولويات التعاون تتمثل في استمرارية الدبلوماسية الاقتصادية التي سبق وأسستها بكين بالفعل. وقد اعتمدت الصين في الغالب على هذه الأنواع من المشاركات لتدعيم تواجدها عبر المنطقة الأوروبية الآسيوية ودول المحيط الهندي. ويمكن استيعاب ذلك من خلال لمحة عابرة عن الآثار الصينية في دول الخليج، حيث ظلت الصين تؤسس علاقات ثنائية من خلال العقود التجارية والاستثمارية والعمرانية والعمالية وكذلك من خلال الروابط الدبلوماسية.

وقبل عقد منتدى الحزام والطريق في مايو 2017م، اكتسبت المبادرة زخمًا كبيرًا، إذ أولتها بعض الدول اهتمامًا كبيرصا وقاموا بإدراجها ضمن علاقاتهم مع الصين ومع البرامج التنموية، وحضر وفود من أكثر من 130 دولة بما في ذلك 29 رئيس دولة. وخلال المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر 2017م، تم إدراج المبادرة بشكل رسمي في الدستور الخاص بالحزب من خلال الإشارة إلى أن نجاحها كان ركيزة هامة للمضي قدمًا بسياسة الصين الخارجية، ويرتبط هذا بشكل وثيق بحكم الرئيس شي، والذي يعد نقطة جوهرية كونه ألغى القوانين الحالية الخاصة بالحد الأقصى للفترة الرئاسية التي تتكون من فترتي حكم، كل منها يتألف من خمس سنوات. إن احتمالية استمرار رئاسة شين إلى ما بعد 2022م، وهي السنة المتوقع تقاعده فيها، يعني أننا يمكننا توقع استمرار مبادرة الحزام والطريق لتكون سمة رئيسية لسياسة الصين الخارجية لفترة طويلة.

كيفية اتساق منطقة الخليج مع مبادرة الحزام والطريق؟

من خلال تحليل مبادرة الحزام والطريق، نجد أن أهمية منطقة الخليج تنطلق من ثلاثة محاور مختلفة وهي: الموقع الجغرافي والطاقة والديانة الإسلامية. وربما يكون الموقع الجغرافي الأكثر أهمية خاصة بالنسبة لمبادرة طريق الحرير البحري، حيث تتعلق مبادرة الحزام والطريق بشكل أساسي بإنشاء روابط صينية في الأسواق الرئيسية في أبعد ما يكون عن أوروبا وشرق إفريقيا، وبالنسبة للمنتصف، هناك مناطق مثل جنوب آسيا ووسط آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا والذين يعتبروا جميعًا ذوي أهمية باعتبارهم أسواق ومحاور مركزية. وتعد منطقة الخليج بشكل عام وشبه الجزية العربية بشكل خاص من الروابط الهامة حيث تحوي موانئ وبنية تحتية للنقل تعتمد عليهما الشركات الصينية في تقديم الخدمات إلى الأسواق الأخرى، وتوفر كذلك المنطقة الحرة بجبل علي وحدها مراكز قيادة اقليمية لأكثر من 230 شركة صينية كما أن الطريق البحري بين تيانجين والمنطقة الحرة بجبل علي هو الأكثر ازدحامًا حول العالم. وبناء على ذلك، قدمت الصين نهج للتعاون تحت مسمى "ترابط مجمع الموانئ الصناعي" وذلك خلال منتدى التعاون بين الصين والدول العربية في شهر يوليو 2018م، وفي هذا الصدد، من المقرر ربط التجمعات الصناعية في عمان والسعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، بالتعاون مع الاستثمار الصيني، بالموانئ الموجودة في الإمارات العربية المتحدة ومصر وجيبوتي وذلك بهدف تطوير التكتلات الصناعية وزيادة التدفقات التجارية بين الأقاليم، ومن شأن هذا خلق تضافر مع "رؤية" دول الخليج الخاصة بخطط النمو وخلق فرص لمشاركة خليجية مكثفة في مشروعات مبادرة الحزام والطريق.

وهناك اعتبار جغرافي آخر وهو كون شبه الجزيرة العربية محاطة باثنين من أهم نقاط المرور في العالم وهما: مضيق هرمز ومضيق باب المندب. ويعد مضيق هرمز أهم ممر في العالم للطاقة الدولية بسعة   18.5 مليون برميل في اليوم الواحد من النفط المنقول بحريًا، وهو ما يمثل ثلث السوق العالمي، بينما يمر بمضيق باب المندب 4.1 مليون برميل. وتعتبر نقطتي الوصول هاتين على كلا الجانبين من شبه الجزيرة العربية ذاتا أهمية بالغة للاقتصاد العالمي، كما أن أمنهما يرتبط بشكل حتمي بالتدفق التجاري الذي تم تصميم مبادرة الحزام والطريق من أجل حمايته والاستفادة منه.

ويساهم كذلك كل من الاستقرار النسبي والمستويات المرتفعة نسبيًا من التنمية التي تم تحقيقها في ممالك الخليج في الأهمية الجغرافية للمنطقة، ونظرًا للدور المحوري للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ربط الصين بأوروبا الجنوبية، فإن استقرار وأمن الشرق الأوسط أصبحا حتمية ضرورية لبكين. وتعتبر كل من دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ركائز السياسة الصينية فيما يخص الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومساعدتهما للصين ضرورية من أجل تحقيق أهداف هذه السياسة في الإطار الأكثر اتساعًا للشرق الأوسط.

وتمثل الطاقة اعتبارًا هامًا لا يغفل عنه عند حساب أهمية دول الخليج في مبادرة الحزام والطريق، وتقدم دول مجلس التعاون الخليجي حوالي ربع انتاج النفط الخام في العالم، وكذلك يقدر أن لديها 30% من احتياطي النفط الخام. وهو ما يجعل مجلس التعاون الخليجي -من منظور الاستهلاك المحلي-على قدر بالغ الأهمية بالنسبة للصين، التي تعد أكبر مستورد للنفط في العالم، حيث تتلقى الصين ما يزيد عن 50% من النفط الخاص بها من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي نفس الوقت فإن الخليج يعتبر مورد طاقة رئيسي للعديد من البلدان الآسيوية، ونظرًا لنوعية مشاريع تنمية البنية التحتية والانشاءات الخاصة بمبادرة الحزام والطريق والتي تحتاج إلى الطاقة بشكل مكثف، تظل الصادرات الخليجية محركًا هامًا للاقتصادات والتنمية الآسيوية.

يعد ارتباط منطقة الخليج بالديانة الإسلامية من الاعتبارات الهامة الأخرى في مبادرة الحزام والطريق، حيث ستكون الديانة الإسلامية من العوامل الهامة لنجاح الصين في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق في العديد من الدول والمناطق، فهي تمر بالعديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، والصين نفسها موطن لما يزيد عن 23 مليون مسلم، وتتألف من مجموعة متنوعة من السكان: جماعات الهان والتيبتيين والمجموعات العرقية التركية والفارسية، وهو تنوع له أهميته حيث يمارس مسلمي الصين مستويات مختلفة من الحرية في ممارسة شعائرهم. وقد جاء احتجاز جماعة الايجورز في شينجنيانج، والذي اعتبرته الصين شأنًا محليًا ونتيجة لقضايا أمنية داخلية، دون أن يثير انتقادات علنية من قِبل الدول الأخرى ذات الأغلبية المسلمة، كما أن السعودية وهي الراعية لأهم المقدسات الإسلامية، تعد شريكًا هامًا في مساعدة الصين على التعامل مع هذه القضية.

إن فرص الاستثمار الإسلامي في مشاريع مبادرة الحزام والطريق ستكون أحد الميزات الهامة، والتي من المتوقع أن تسعى الإمارات للاستفادة منها. وقد بلغت قيمة الاستثمار الإسلامي في عام 2016م، أكثر من 2 مليار دولار، مما يجعله اعتبارًا هامًا في استثمار مبادرة الحزام والطريق. وتعد دبي موطنًا لأكبر مركز صكوك إسلامي حول العالم، والمسجل في "ناسداك" دبي، ويتم تطوير هذه الفرصة من خلال تعاون الجامعة الذكية جامعة الشيخ حمدان بن محمد بدبي مع المعاهد الصينية من أجل استضافة المؤتمر السنوي بشأن العمليات البنكية الإسلامية والتمويل.

تعميق العلاقات الخليجية-الصينية عن طريق مبادرة الحزام والطريق

نظرًا لتلك الهبات الطبيعية، فليس من الغريب أن كل دولة في الخليج ظلت تعمل على تعميق علاقتها مع الصين متخذةً من مبادرة الحزام والطريق إطارًا للعمل، ويعتبر هذا ضروريًا بشكل خاص كون كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي شرعت في برامج تنويع اقتصادي مثل: رؤية السعودية 2030 وأبو ظبي 2030 والكويت الجديدة 2035 والرؤية الوطنية القطرية 2030 ورؤية عمان 2040 والرؤية الاقتصادية للبحرين 2030. وفي كل تلك البرامج، تعمل دول الخليج على بناء قطاعات خاصة أكثر قوة وعلى تنويع اقتصاداتها، وتعد مشاريع البنية التحتية والتعمير المركز للكثير مما يعتزمون تحقيقه، وبناء على ذلك، يُنظر إلى الخبرة الصينية القوية والفعلية في البنية التحتية الخليجية على أنها سبيل لتنسيق خطط "الرؤى" مع مبادرة الحزام والطريق.

في عام 2007م، وقعت الصين والمملكة العربية السعودية على مذكرة تفاهم حيث سمحت للشركات الصينية بتقديم عطاءات للحصول على عقود بشكل مباشر بدلاً من العمل كمقاولين من الباطن، ومنذ ذلك الوقت تزايد حضور الشركات الصينية في مشروعات الهندسة والإنشاء في السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل ملحوظ من خلال توقيع العديد من العقود البارزة. وشاركت شركة إنشاء خطوط السكك الحديد الصينية في إنشاء خط مكة-المدينة-جدة، وتم التعاقد مع شركة الصين للطاقة لإنشاء معمل طاقة على بعد 150 كيلو متر شمال جدة، والذي يعد الأضخم في الشرق الأوسط. وحصلت شركة "شاندونج" لإنشاء الطاقة الكهربائية على عقد من أجل توسيع نطاق قدرة أحد خطوط أنابيب الغاز الرئيسية والذي يمر عبر المملكة بقيمة تتراوح بين 1 مليون دولار و1.3 مليون دولار. وفي عام 2012م، وقعت كل من شركة أرامكو السعودية وشركة سينوبيك الصينية عقدًا لإنشاء معمل تكرير "ينبع" الذي تصل قيمته إلى 8.5 مليون دولار، والذي تم الانتهاء منه في عام 2015م، وبقدرة إنتاجية تصل إلى 000,400 برميل في اليوم.

وفي دول أخرى من مجلس التعاون الخليجي، أصبحت الصين تؤدي دورًا هامًا في تنمية البنية التحتية، وتعد الإمارات العربية المتحدة أكبر مثال على ذلك، ففي عام 2012م، فازت إحدى الشركات التابعة لشركة البترول الوطنية الصينية بعقد قيمتة 3.9 مليون دولار من أجل إنشاء خط أنابيب بطول 404 كيلو متر يمتد من حقل نفط حبشان إلى ميناء الفجيرة. وفي عام 2013، استثمرت شركة سينوبيك في إنشاء أكبر مستودع لتخزين النفط في المنطقة بقدرة تخزين تصل إلى 1.16 مليون متر مكعب من النفط الخام ويقع كذلك في ميناء الفجيرة. ومنذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق، وقعت الشركات الصينية عقودًا رئيسيةً لتطوير ميناء خليفة بأبو ظبي ولإنشاء تطوير لمدينة السيارات المقامة في دبي وكذلك إنشاء امتداد لمجمع سولار محمد بن راشد آل مكتوم في دبي، والذي من المتوقع أن يكون أكبر معمل طاقة شمسية في العالم.

ولطالما كانت عمان مقصدًا هامًا للاستثمار والتنمية الصينية حيث تم إنشاء المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم عن طريق "وان فانج"عمان وهو اتحاد من الشركات الصينية التي تعمل مع الحكومة العمانية، ومن المتوقع أن تصبح الدقم ميناءً ومنطقة تجارية حرة على طول ساحل البحر العربي العماني وسوف تضم مستودع تخزين نفط خام ومعمل طاقة ومعمل تكرير نفط ومعمل ميثانول وبنية تحتية مصاحبة لخلق منطقة إسكانية مكونة من 25,000 نسمة على أن تشمل مدارس ومستشفيات وإسكان ومركز رياضي. وتعهدت الشركات الصينية بتوفير ما يزيد عن 3 مليار دولار للمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم بالإضافة إلى مجموعة من المشاريع المتوقع أن تحقق إجمالي يصل إلى حوالي 11 مليار دولار.

وفي قطر، وقعت الشركات الصينية عقودًا بخصوص مشاريع إنشاء مدينة وبنية تحتية للاتصالات، بالإضافة إلى عقد إنشاء استاد لوسيل الذي سيكون مكان افتتاح وختام بطولة كأس العالم 2022م، وفي الكويت، لعبت الشركات الصينية دورًا أقل في البنية التحتية من خلال مشروع توسعة مطار الكويت الدولي، ومع ذلك، فمن المتوقع أن يجذب مشروع مدينة الحرير استثمارات وتنمية صينية كبيرة. ولقد خصصت الحكومة الكويتية 132 مليار دولار لمدينة الحرير المزمع الانتهاء منها في 2032م، واستقطبت بالفعل الاستثمارات الصينية. ووحدها بين دول مجلس التعاون الخليجي، حققت البحرين مكاسب ضئيلة في ربط خطط التنمية الخاصة بها بمبادرة الحزام والطريق، ومع ذلك، بدأت وفود من الصين مؤخرًا في بحث حضور أكثر قوة في البحرين.

وإجمالاً، يُنظر إلى الشركات الصينية متعددة الجنسيات على أنها شركات تتوجه إلى تنمية البنية التحتية في شبه الجزيرة العربية، كما وصف زعماء الخليج مبادرة الحزام والطريق بعبارات إيجابية من خلال ربطها بأهدافهم التنموية الخاصة مثلما وصفها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "أنها واحدة من أهم ركائز رؤية المملكة 2030 التي من شأنها وضع الصين بين أكبر الشركاء الاقتصاديين للملكة".

التكاليف الخفية؟

على الرغم من تأكيد الصين على أن تركيز مبادرة الحزام والطريق على الأهداف التنموية والاقتصادية، فإنه لا يعد مشروعًا محايدًا، كما يُذكرنا محلل في الشأن الصيني "إن الطرق والسكك الحديدية التي تتقاطع مع المنطقة الأوروبية الآسيوية لا تهدف فقط لتسهيل نقل البضائع؛ حيث أن لديها عامل سياسي قوي". وبالنسبة لدول الخليج، يوفر التعاون مع الصين في مبادرة الحزام والطريق استثمارات تدعم خطط الرؤى الخاصة بهم وتعزز العلاقات مع قوى دولية متنامية، وفي نفس الوقت، فإن التوسع الضخم للقوة والتأثير الاقتصادي الصيني في منطقة الخليج لديه القدرة على اجتياح الأسواق وخلق اعتماد مفرط على دولة فردية. فعلى سبيل المثال، تعتمد عمان على الصين في شراء نحو 44% من صادراتها، كما احتاجت لاقتراض 3.55 مليار دولار من الصين من أجل تغطية ديون الضرائب الخاصة بها لعام 2017م، إن هذا النفوذ الاقتصادي لديه القدرة على أن يتحول أيضًا إلى نفوذ سياسي، وهي حالة وجدت العديد من الدول نفسها فيها مع بكين في السنوات الأخيرة. لكونها غير قادرة على تغطية نحو 8 مليار دولار من الديون للمشاريع المملوكة لدولة الصين، اضطرت سريلانكا إعطاء شركة موانئ الصين القابضة إيجار لمدة 99 عامًا على ميناء هامبانتوتا. كما تمتعت المالديف باستثمارات صينية كبيرة في البنية التحتية، إلا أن النتيجة كانت استحقاق الصين 70% من الديون الخاصة بالمالديف من خلال تخصيص 10% من ميزانيتها الوطنية لسداد الديون.

كما كانت كل من كوريا الجنوبية واليابان ضمن الأطراف التي تأذت من السياسة الاقتصادية الصينية، فعندما وافقت كوريا الجنوبية على نشر راجمات الصواريخ الدفاعية طويلة المدى، ردت بكين على ذلك بإكراه اقتصادي حاد من خلال إغلاق الأسواق التجارية الكورية في الصين وتشجيع المقاطعات غير الرسمية للمنتجات الكورية ووقف السياحة الصينية للمناطق الكورية المشهورة. وعندما احتجزت اليابان قبطان صيني ارتطمت سفينته بسفن حماية الساحل الياباني، ردت الصين بمنع صادرات التربة النادرة إلى اليابان، وتحوي مناجم الصين على 93% من مواد التربة النادرة الموجودة في العالم والتي تحتاجها اليابان لتصنيع التوربينات الهوائية والسيارات الهجينة ومنتجات أخرى. وبينما تتمتع دول الخليج بعلاقات تجارية آمنة مع الصين، ينبغي الأخذ في الحسبان إمكانية فرض سياسات اقتصادية قسرية.

وثمة اعتبارًا آخر يهم دول الخليج في مبادرة الحزام والطريق: ألا وهو الشمولية، حيث يؤكد مسؤولو الصين أن مبادرة الحزام والطريق منفتحة على الجميع، وهي نقطة الهدف منها طمأنتنا وتذكيرنا بأنها ليست استراتيجية تستهدف المنافسين المحتملين ولكنها مبادرة تهدف إلى تعزيز التعاون. ولكن في الوقت نفسه فإن طابع الشمولية الشديد يعني أن الفوائد من الاستثمارات الصينية والبنية التحتية متاحة أيضًا للدول المنافسة، وعلى وجه الخصوص إيران، التي تعد نقطة نهاية استراتيجية أساسية للصين في الممر الاقتصادي الذي يربط الصين بغرب وسط آسيا، وخلال الزيارة الدولية الذي قام بها الرئيس شي إلى طهران في عام 2016م، تم رسم خطة تمتد لــ 25 عامًا من أجل تعزيز العلاقات الصينية الإيرانية، بهدفها الطموح المتمثل في زيادة التجارة الثنائية إلى 600 مليار دولار خلال عقد من الزمن، وبينما يبدو هذا الرقم غير مرجح، حيث كانت قيمة التجارة الثنائية في عام 2017 م، أقل من 27 مليار دولار، فإنه يشير إلى التزام بتحقيق النمو في العلاقة. إن مبادرة من شأنها تمكين منافس إقليمي يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار بشكل استراتيجي من قبل الزعماء في ممالك الخليج. إن ذلك يؤكد مرة أخرى أن مبادرة الحزام والطريق لا تأتي بدون عواقب سياسية.

وبوجه عام، تقدم مبادرة الحزام والطريق لدول مجلس التعاون الخليجي فرصة لتعميق علاقاتها مع واحدة من أهم القوى الدولية المتنامية، إنها تكمل استراتيجيات التنمية الخليجية وتخلق بنية تحتية آسيوية يمكن اعتبارها مصلحة عامة من شأنها تسهيل التجارة والاستثمار في الأسواق عبر أوراسيا ومنطقة المحيط الهندي. وفي ذات الوقت، فهي لا تعتبر مبادرة محايدة سياسيًا بشكل كامل وربما ينجم عنها تكاليف غير متوقعة، وبينما يجب أن ترحب دول الخليج بالحضور الصيني الإيجابي في منطقتهم، عليهم أن يكونوا على استعداد لموازنة هذا الحضور بإشراك دول أخرى كذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية المساعد ـ كلية الدراسات الإنسانية والعلوم الاجتماعية ـ جامعة الشيخ زايدـ أبو ظبي ـ باحث في علاقات الصين بالشرق الأوسط، وسياسة الصين الخارجية والتداعيات الاستراتيجية الدولية لمبادرة الحزام والطريق الصينية. مؤلف كتاب "علاقات الصين مع دول الخليج" وكان مساعدًا في تحرير كتاب "القوى الخارجية ودول الخليج".

مقالات لنفس الكاتب