; logged out
الرئيسية / مخاوف روسية من أمريكا وبريطانيا وتجاوز أمن الخليج لتطويق نفوذها المتصاعد

العدد 141

مخاوف روسية من أمريكا وبريطانيا وتجاوز أمن الخليج لتطويق نفوذها المتصاعد

الإثنين، 09 أيلول/سبتمبر 2019

منذ احتجاز الناقلة البريطانية "ستينا إمبيرو" من قبل قوات الحرس الثوري الإيرانية في مضيق هرمز، في 19 يوليو الماضي، يتصاعد التوتر في منطقة الخليج وتزداد التطورات تعقيدًا مع كثرة التلويح المتبادل باستخدام القوة. وفى هذا السياق حاولت موسكو التزام أقصى مدى من التوازن في موقفها من الأزمة يحكمها في ذلك عدة عوامل أبرزها الشراكة الاستراتيجية مع كل من المملكة العربية السعودية وإيران. ومن المعروف أن العلاقات الروسية ــ السعودية شهدت قفزات هامة لاسيما في أعقاب الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو في أكتوبر 2017م، كما تعتبر روسيا الشراكة مع الرياض في سوق النفط واستمرار التفاهمات التي بدأت باتفاق فينيا في نوفمبر 2016م، حول خفض حجم إنتاج النفط لتحسين الأسعار هدفًا استراتيجيًا لها. كذلك تعتبر إيران شريك استراتيجي لروسيا لاعتبارات استراتيجية ومصلحية عدة، فالبلدين في خندق واحد في سوريا، ودعمت إيران العمليات الروسية في سوريا وكذلك مسار أستانا للتسوية، وهناك تنسيق عملياتي واستخباراتي عالي المستوى بين موسكو وطهران، ولا تقتصر الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وطهران على الملف السوري وإنما تتسع لمجالات أرحب تتعلق بالتعاون الثنائي بين البلدين في المجالات التقنية والاقتصادية والعسكرية.  

يضاف إلى ذلك أن روسيا معنية بالأساس بقضية حرية الملاحة في المضايق بصفة عامة، وتخشى من أن تؤدي الأحداث إلى طرح ما قد ينسحب مستقبلاً على مضيق كريتش الذى أثار توترات هامة بين كل من روسيا وأوكرانيا، أو مضيقي البسفور والدردنيل ذي الأهمية الاستراتيجية لروسيا ولحركة الأسطول الروسي في البحر الأسود، أو يعد سابقة يتم تكرارها فيما يتعلق بالمضيقين أو بمضيق كريتش. وهناك قلق روسي متزايد من تحركات واشنطن منفردة وتحت مظلة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في البحر الأسود حيث أكبر وأهم الأساطيل الروسية، وعبرت موسكو عن استيائها من إعلان المندوبة الأمريكية في الناتو، كاي بيلي هتشيسون، في 2 أبريل عزم الحلف على إقرار حزمة إجراءات بشأن البحر الأسود تشمل زيادة عدد السفن الحربية، وتكثيف العمليات الاستطلاعية وتأمين مرور السفن الأوكرانية عبر مضيق كيرتش من البحر الأسود إلى بحر آزوف.

هذا فضلاً عن الشكوك الروسية حول الأهداف الأمريكية والبريطانية وتخوفها من تجاوز الأخيرة قضية أمن الخليج لمحاولة تطويق النفوذ الروسي المتصاعد في منطقة الشرق الأوسط وعرقلته، خاصة في ضوء التوتر المتزايد بين موسكو وكل من واشنطن ولندن واعتبارات المنافسة العالمية بين الجانبين، ومن ثم تخشى روسيا من أن يتم استغلال الأزمة لتكثيف الحضور العسكري الأمريكي والبريطاني في المنطقة على حساب المصالح الروسية.

في هذا السياق اتسم الموقف الروسي تجاه الأزمة بمجموعة من الأبعاد، أولها، التأكيد على خطورة الوضع ودعوة الأطراف المختلفة لخفض التصعيد، وضرورة تجنب العمل العسكري. فقد أكد وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في 18 يوليو، أن أي "خطوة خاطئة" في منطقة الخليج محفوفة بعواقب مدمرة لا يمكن التنبؤ بها"، وأنه "على خلفية التبادل المستمر للاتهامات بين واشنطن وطهران، هناك زيادة في عدد القطع البحرية الأمريكية، مما يخلق خطر حدوث اشتباك مسلح". وأشار لافروف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى أن موسكو تدعو لخفض التصعيد في منطقة الخليج، مؤكدًا اهتمام روسيا بخفض التوتر، وتخفيف حدة التصعيد في "هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية في العالم" ودعم أجندة توحيد إيجابية من شأنها أن تساعد في القضاء على أي خلافات وأي تناقضات من خلال الحوار".

فقد أكدت موسكو على كارثية الخيار العسكري، وضرورة الحوار بين إيران والولايات المتحدة من ناحية، وإيران ودول الخليج العربية من ناحية أخرى. وأعلن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في 26 يونيو، أن موسكو ستحاول جاهدة إقناع كل من الولايات المتحدة وإيران ببدء الحوار لحل الأزمة بين البلدين، كما شدد لافروف على أن الحوار حول إيجاد حل للوضع في الخليج يجب أن يكون قائمًا على الاحترام المتبادل وليس تحت نير العقوبات الأمريكية، في انتقاد واضح للعقوبات الأمريكية على إيران، وكان لافروف، قد أعلن في 25 يونيو، أن موسكو قلقة إزاء العقوبات الأمريكية ضد إيران والقيود المفروضة عليها وترسل إشارة إلى أن الوضع يتطور وفقًا لسيناريو سيء للغاية، في موقف بدا داعمًا لإيران في مواجهة الولايات المتحدة، وقد يكون مرتبطًا بالموقف الروسي من سياسة العقوبات الأمريكية التي تضررت منها موسكو لاسيما الحزم المتتالية التي تم فرضها منذ عام 2014م.

ثانيها، الاستعداد للعب دور الوسيط حال قبول أطراف الأزمة ذلك وخاصة الطرف الأمريكي. فقد أبدت موسكو استعدادها للعب دور الوسيط أو "ميسر الحوار" بين طهران وواشنطن بالنظر لعلاقاتها الوثيقة بإيران، وقنوات الاتصال المباشرة التي تتمتع بها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وأعلن لافروف، في 11 يونيو، أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدث عن بدء عملية بناء ثقة وتشكيل نظام أمني في منطقة الخليج"، وأن بعض الدول مستعدة للعمل مع مفهوم روسيا لتوفير الأمن في منطقة الخليج، لكن لم يتم التوصل إلى حل مشترك، وأنه تم مناقشة هذا المفهوم عدة مرات مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأن هناك دول في المجلس مستعدة للعمل عليه، لكن لم يتم صياغة موقف مشترك. وأن دعوة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، دول الخليج للتوقيع على معاهدة بعدم الاعتداء على خلفية الوضع المتأزم في المنطقة سيكون مفيدًا للأطراف كافة ولأمن المنطقة، مما عكس تأييد ودعم للرؤية الإيرانية حول أمن الخليج.

ثالثها، رفض التدخل الأجنبي وبناء تحالف دولي لضمان أمن الخليج. فقد أيدت موسكو ضمان أمن الخليج من خلال دوله بالدرجة الأولى ورفضت على نحو قاطع الوجود العسكري الأجنبي في الخليج، واعتبرت ما أعلنته الولايات المتحدة على لسان مبعوثها الخاص المعني بشؤون إيران، برايان كوك، ورئيس هيأة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، الجنرال جوزيف دانفورد، حول إنشاء تحالف دولي لتأمين الخليج، غير واضح على الإطلاق، وأشار نائب وزير الخارجية والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ميخائيل بوجدانوف، يوم 23 يوليو، إلى أن روسيا لم تتلق بعد أي مقترح من قبل الولايات المتحدة أو دولة أخرى حول إنشاء تحالف دولي لتأمين الخليج، لكنها أكدت دعمها لتطبيق مفهوم الأمن الجماعي في المنطقة.

رابعها، إطلاق المبادرة الروسية لأمن الخليج، في 23 يوليو 2019م، حيث أصدرت الخارجية الروسية وثيقة بعنوان " المفهوم الروسي للأمن الجماعي في الخليج"[1] تتضمن عرضًا تفصيليًا ومتكاملاً للرؤية الروسية في هذا الخصوص والإجراءات اللازمة لضمانها، وعقد المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوجدانوف، اجتماعًا مع ممثلي البعثات الدبلوماسية للدول العربية وإيران وتركيا، والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية ودول مجموعة بريكس المعتمدين لدى موسكو، عرض خلاله مبادرة موسكو حول مجموعة الإجراءات التي تضمنتها الوثيقة ومن شأنها تأمين الملاحة في الخليج وبناء الثقة بين دول المنطقة والحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليمي.

وتعتبر المبادرة الروسية إعادة تأكيد وامتداد للطرح الروسي منذ أواخر التسعينات بشأن أمن الخليج، والذي بدأ بدعوة وزير الخارجية الروسي (السابق) إيجور إيفانوف، خلال جولة له في منطقة الخليج في نوفمبر 2000م، إلى إقامة منظومة أمنية إقليمية في منطقة الخليج تضم دول مجلس التعاون الست إلى جانب العراق "وجيرانه"، وتتضمن إجراءات لبناء الثقة وتأخذ في الاعتبار مصالح كافة الدول في المنطقة، وأبدي استعداد روسيا آنذاك للوساطة في هذا الشأن. وقد تطورت الرؤية الروسية مع دعوة السيد/ سيرجى لافروف إلى صياغة تصور للأمن الجماعي في منطقة الخليج وذلك في كلمته التي ألقاها في اجتماع مجلس روسيا الناتو في اسطنبول في يونيو 2004م، وأعاد طرحها في مناسبات عدة تالية.

وقد أكدت الوثيقة على خطورة استمرار التوتر في منطقة الخليج، ذات الأهمية الاستراتيجية لما لذلك من تداعيات سلبية على الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة وفي العالم. وانطلقت المبادرة من مجموعة من المبادئ تتمحور حول أولوية مكافحة الإرهاب كتهديد مشترك، والتأكيد على دور الأمم المتحدة وأن أي تحرك عسكري يجب أن يكون تحت المظلة الأممية ووفق قواعد القانون الدولي. كما أكدت على التدريجية (خطوة - خطوة) والنهج التدريجي في إنشاء النظام الأمني، والأخذ في الاعتبار مصالح كافة الأطراف الإقليمية والدولية وإشراكهم في عملية صنع القرار وتنفيذها (التعددية) ضمانًا لاستقراره واستمراره. جاء ذلك في إطار تسعة مبادئ أساسية نصت عليها الوثيقة هي:

-   دمج كل الجهود في إطار تحالف واحد لمكافحة الإرهاب، وضمان التسوية السياسية المستدامة في سوريا، واليمن ، ودول أخرى في المنطقة، تحت رعاية الأمم المتحدة وعلى أساس القانون الدولي.

-         الحاجة لتعبئة الرأي العام خاصة في الدول الإسلامية لمواجهة تهديد الإرهاب.

-         الالتزام بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في المقام الأول.

-   عمليات صنع السلام لا تتم إلا على أساس القرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن أو بناءً على طلب السلطات الشرعية للدولة، ورفض المعايير المزدوجة.

-   يجب أن يكون نظام الأمن في منطقة الخليج عالميًا وشاملاً ؛ وينبغي أن يستند إلى احترام مصالح جميع الأطراف الإقليمية وغيرها من الأطراف المعنية.

-         التعددية كآلية لإشراك كل الأطراف المعنية في عملية صنع القرار وتنفيذها وعدم جواز استبعاد أي طرف.

-   ينبغي التقدم نحو إنشاء نظام أمني على أساس تدريجي (خطوة – خطوة) يبدأ بمعظم المشاكل الملحة، وفى مقدمتها مكافحة الإرهاب الدولي، وتسوية الأزمات العراقية واليمنية والسورية، وتنفيذ جميع الاتفاقات التي تم التوصل إليها بشأن البرنامج النووي الإيراني.

-         اعتماد دول الخليج والمجتمع الدولي لتدابير بناء الثقة وتوفير ضمانات أمنية متبادلة في المنطقة.

-   إنشاء نظام أمني في منطقة الخليج يعتبر جزءًا من الحل الذي يهدف إلى ضمان الأمن في الشرق الأوسط ككل. ويأتي ذلك من خلال مشاورات ثنائية ومتعددة الأطراف بين الأطراف المعنية والمنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة.

وقد أشارت الوثيقة إلى أن نقطة البدء في تنفيذ المبادرة يتمثل في تشكيل "مجموعة عمل" تتولى الإعداد لمؤتمر دولي حول الأمن والتعاون في منطقة الخليج، من خلال مشاورات ثنائية ومتعددة مع الأطراف المعنية إقليمية ودولية، والمنظمات الدولية والإقليمية متمثلة في مجلس الأمن وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. وفى ضوء ذلك تقوم مجموعة العمل بتحديد المشاركين وجدول الأعمال ومستوى التمثيل للأطراف المختلفة، ومكان عقد المؤتمر، وكذلك إعداد مشاريع القرارات، بما في ذلك تلك المتعلقة بتحديد تدابير الأمن وبناء الثقة والرقابة. يتزامن هذا مع مجموعة من الإجراءات التي يتعين اتخاذها وتتضمن خمسة بنود، هي:

-   تأكيد دول المنطقة والأطراف الخارجية على التزاماتها الدولية، وتحديدًا التخلي عن استخدام القوة في حل المسائل الخلافية، واحترام سيادة دول المنطقة وسلامة أراضيها، والالتزام بمبدأ تسوية الخلافات بشأن ترسيم الحدود عن طريق التفاوض أو غيره من الوسائل السلمية بشكل حصري.

-   أن تأخذ دول المنطقة على عاتقها التزامات متبادلة متعلقة بالشفافية في المجال العسكري، من بينها الحوار بشأن العقائد العسكرية، واجتماعات لوزراء دفاع الدول الإقليمية، وإقامة "خطوط ساخنة"، وتبادل الإخطارات بصورة مسبقة حول إجراء التدريبات وطلعات الطيران العسكري، وتبادل المراقبين، وعدم نشر قوات لدول خارج المنطقة على أساس دائم على أراضي دول الخليج، وتبادل المعلومات بشأن القوات المسلحة وشراء الأسلحة.

-   توقيع اتفاقية للحد من التسلح، بما في ذلك على سبيل المثال إنشاء مناطق منزوعة السلاح، وحظر التكديس المزعزع للاستقرار للأسلحة التقليدية، ومن بينها مضادات الصواريخ، وخفض تعداد القوات المسلحة من جانب جميع دول المنطقة.

-   في سياق تعزيز نظام عدم الانتشار النووي في الشرق الأوسط، يتم اتخاذ تدابير تهدف إلى تحويل الخليج إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.

-   إبرام اتفاقات لمكافحة الإرهاب الدولي والاتجار غير المشروع بالأسلحة والهجرة والاتجار بالمخدرات وكافة أشكال الجريمة المنظمة.

وإضافة إلى البنود الخمسة المذكورة، أشارت الوثيقة الروسية إلى مجموعة من الإجراءات الإضافية تتضمن:

-   ضرورة إطلاق حوار تدريجي حول تقليص الوجود العسكري الأجنبي بالمنطقة، ووضع تدابير مشتركة لبناء الثقة بين دول الخليج ودول أخرى، مع إحراز تقدم في إنشاء هيكل نظام أمن خليجي.

-   يتمثل الهدف الأساسي بعيد المدى في إنشاء منظمة للأمن والتعاون بالخليج تشمل الدول الإقليمية وروسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، وغيرها من الأطراف الدولية المعنية بصفة مراقبين أو أعضاء منتسبين، ويمكن أن تصبح المنظمة عنصرًا من عناصر نظام الأمن الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

-   ينبغي متابعة الجهود الرامية إلى حل النزاعات المزمنة، أولاً وقبل كل شيء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي لا يزال أحد العوامل الرئيسية المزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأكملها التي تمكن المتطرفين من تجنيد مقاتلين جدد.

وأكدت الوثيقة أن روسيا مستعدة للتعاون مع جميع الأطراف من أجل تنفيذ هذه المقترحات وغيرها من المقترحات البناءة بهدف ضمان الأمن الدائم في الخليج. يدعم ذلك احتفاظ موسكو بعلاقات ودية تقليدية مع جميع دول الخليج دون استثناء، وتقيم الشراكة معها على أساس المساواة والاحترام المتبادل.

ورغم أن روسيا حرصت على إبداء أكبر قدر من التوازن في موقفها، فإن البعض يرى أن موقفها يتضمن دعمًا غير معلن لإيران، ويطرح التساؤل حول المدى الذى يمكن أن يصل إليه الدعم الروسي لطهران في مواجهة الولايات المتحدة، باعتبار أن الإفراج عن الناقلة الإيرانية المحتجزة في جبل طارق لا يعنى انتهاء الأزمة الأمريكية ــ الإيرانية التي مازالت مستمرة وقد تتصاعد مستقبلاً في ضوء استمرار التوتر القائم بين واشنطن وطهران. فقد طلبت واشنطن من محكمة جبل طارق استمرار احتجاز الناقلة الإيرانية على اعتبار أنها متورطة في نقل شحنات ممنوعة إلى سوريا عبر الحرس الثوري الإيراني المدرج على لائحة المجموعات الإرهابية في واشنطن، إلا إن سلطات جبل طارق رفضت الطلب الأمريكي لأن العقوبات الأمريكية ضد طهران لا تسري في الاتحاد الأوروبي. كما أن الأزمة الدبلوماسية بين لندن وطهران مازالت قائمة.

وبفرض وجود دعم روسي لإيران، فإن هذا الدعم ليس مطلق، فمن ناحية ترفض روسيا أي عمل عسكري ضد إيران انطلاقًا من تداعيات ذلك على توازن القوى الإقليمي وعلى الأمن والاستقرار بالمنطقة، وكارثية الخيار العسكري على الجميع ويشمل ذلك المصالح الروسية في المنطقة، ومن ثم فإن موسكو ستحبط حتمًا أي محاولة لاستصدار قرار من مجلس الأمن يمنح واشنطن وتحالفها الدولي المزمع تشكيله الحق في توجيه ضربة لإيران، على غرار ما حدث في الحالة السورية، إلا أنه لا يمكن تصور تورط موسكو في مواجهة عسكرية مباشرة في المنطقة دفاعًا عن إيران، وستقتصر المواجهة على الساحة الأممية وداخل مجلس الأمن دون مشاركة روسية في أي عمليات عسكرية على الأرض.

من ناحية أخرى، لا تقبل روسيا بإيران كقوة نووية عسكرية، ومن ثم فهي تتوافق في حدود ما مع التوجهات الأمريكية الرامية للحيلولة دون امتلاك طهران قنبلة نووية، ورغم تأييد روسيا لحق إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية للاستخدامات السلمية، فإنها ترفض تمامًا امتلاك إيران أسلحة نووية، أو تحويل برنامجها النووي السلمي للاستخدام العسكري. ويعتبر هذا خطًا أحمر لا يجوز لإيران تجاوزه من وجهة النظر الروسية، الأمر الذى دفع موسكو إلى تأييد فرض حزم متتالية من العقوبات الرادعة على إيران داخل مجلس الأمن وتجميد صفقة بيع "إس-300" لطهران عام 2010م، فقد ميزت روسيا بين سلمية البرنامج النووي الإيراني في الحاضر وهو ما تقبله روسيا وتتعاون مع طهران لتحقيقه باعتباره مشروع تنموي يؤمن احتياجات إيران من الطاقة، وما قد يتطور إليه في المستقبل إذا ما قررت إيران تحويل قدراتها النووية السلمية للاستخدام العسكري وهو ما ترفضه روسيا وتسعى لمنعه والحيلولة دونه. فروسيا قد تقبل بإيران قوية ولكن ليس إلى الحد الذي يهدد روسيا ذاتها، وهى ترى في امتلاك إيران سلاحًا نوويًا تهديدًا مباشرًا لمصالحها وأمنها القومي ولسياستها القائمة على منع الانتشار النووي، وإخلالاً بتوازنات القوى في المنطقة.

ويكمن الخلاف بين موسكو وواشنطن ليس حول ضرورة منع إيران من امتلاك السلاح النووي ولكن في السبيل لذلك حيث ترى موسكو أن التفاوض والحوار هو الأسلوب الأمثل، في حين ترى واشنطن أن فرض مزيد من العقوبات والتهديد باستخدام القوة هو الخيار الناجع. كما تؤكد روسيا على أولوية دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حسم الجدل حول الملف النووي الإيراني. وسبق وأن رفضت روسيا مرارًا إصدار قرار من مجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية يسمح بإحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، ورأت إنه من الضروري إتاحة الفرصة كاملة للجهود الدبلوماسية للتقريب بين وجهتي النظر الأمريكية والإيرانية. في هذا السياق، انتقدت موسكو الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، وشدد الرئيس بوتين خلال لقائه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو في 14 مايو 2018م، بمدينة سوتشي الروسية على التزام موسكو بالاتفاق باعتباره ثمرة مفاوضات دولية متعددة الأطراف ويمكن من الاحتفاظ بالطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني. واعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أن انسحاب واشنطن من اتفاق إيران النووي يتناقض مع قرارات مجلس الأمن الدولي، داعيًا إلى ضرورة دراسة عواقب هذه الخطوة، وقال لافروف صراحة "نشعر بقلق بالغ إزاء قرار واشنطن الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، وبذلك تكون واشنطن قد انتهكت قرار مجلس الأمن 2231" الذي أقر الاتفاق.

إن روسيا تحاول أن تقف على مسافة متوازنة من مختلف أطراف الأزمة الإيرانية الأمريكية أملاً في تجنب الخيار العسكري الذي يمكن أن تنزلق له طهران وواشنطن، والإبقاء على أمن الخليج في يد دوله المعنية مباشرة به، وهو أمر يبدو ليس باليسير في ضوء الإصرار الأمريكي على تحجيم النفوذ الإيراني وتقليصه ضمانًا لمصالحها وأمن حلفائها في المنطقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلاقات الدولية، جامعة القاهرة.

 

[1] نص المبادرة الروسية (http://www.mid.ru/foreign_policy/international_safety/conflicts/-/asset_publisher/xIEMTQ3OvzcA/content/id/3733575/pop_up?_101_INSTANCE_xIEMTQ3OvzcA_viewMode=print&_101_INSTANCE_xIEMTQ3OvzcA_languageId=ru_RU&_101_INSTANCE_xIEMTQ3OvzcA_qrIndex=0)

مجلة آراء حول الخليج