array(1) { [0]=> object(stdClass)#12966 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 142

تنافس دولي وإقليمي في آسيا الوسطى يضع تحديات أمام التقارب مع الدول العربية

الثلاثاء، 08 تشرين1/أكتوير 2019

ارتبطت آسيا الوسطى بالعالم العربي والإسلامي بشكل وثيقمنذ أن فتحها قتيبة بن مسلم الباهلي في القرن السابع الميلادي وأطلقوا عليها "بلادما وراء النهر"، نسبة إلي نهري سيحون "سرداريا" وجيحون "أموداريا"، وظلت أحد أهم حواضر العالم الإسلامي حتي منتصف القرن التاسع عشر، عندما صارت جزءًا من الامبراطورية الروسية القيصرية، حيث كانت خانية خوارزم، التي اتخذت من مدينة خيوة عاصمة لها، آخر إقليم مستقل في بلاد ما وراء النهر، وبعد الحقبة القيصرية دخلت ضمن منظومة الاتحاد السوفيتي إلي أن نالت دول الإقليم استقلالها عام 1991م، وقيام خمس دول مستقلة " كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان، أوزبكستان" تشكل إقليم آسيا الوسطى.      

     توطدت دعائم الإسلام في وسط آسيا، وازدهرت في عصر أبي جعفر المنصور، وتوثقت العلاقات بشكل أكبر بين شعوب تلك المنطقة وبين عاصمة الخلافة في بغداد في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان وابنه سليمان بن عبد الملك، ومن هذه البلاد تدفق خيرة العلماء الذين كان لهم اسهاماتهم الكبيرة في إضافة الكثير من اللمسات الحضارية على عاصمة الدولة الإسلامية في بغداد، فقد خرج من تلك البلاد علماء حملوا مشاعل الحضارة في مختلف فروع العلم والمعرفة، في علم الحديث والفقه واللغة والطب والفلك والرياضيات وغيرها، حيث خرج الإمام البخاري والترمذي والشاشي والزمخشري وابن سينا والفارابي والبيروني والخوارزمي والنسائي، وغيرهم الكثير، لذلك وصُفت آسيا الوسطي بأنها الدُّرة الثَّمينة في تاج الخلافة العباسية.

     كان من نتائج تلك النهضة انتشار اللُّغةُ العربيةُ بشكل واسع بين السكان حتى كادت تصبح هي اللُّغة السائدة بعدما أصبحت لغة العلم والثقافة، ورغم انتماء علماء آسيا الوسطى لأصول اجتماعية متغايرة في اللغة والقومية والجغرافيا، إلا أنه صهرتهم الثقافة الجديدة التي نشأوا فيها وتحركوا في داخلها وأصبحت اللُّغة العربيَّة لغة كل المعارف، كما غدت المدن والحواضر العربية مقصدًا لطلاب العلوم من مختلف أرجاء الأرض.

  

     وعلي الرغم من أن الفتح العربي الإسلامي لبلاد آسيا الوسطى يُعد البداية لنسج علاقات قوية بين الجانبين، خاصة بعد أن أصبح الدين الإسلامي هو صلة الربط بينهما، إلا أن ذلك لا يعني أن تلك الفترة كانت البداية لمعرفة كل منهما بالآخر، فلقد كانت بينهما علاقات ترجع إلى عصور ما قبل الميلاد، وذلك من خلال "طريق الحرير القديم"، الذي كانت تمر من خلاله قوافل التجارة خلال الفترة التاريخية ما بين القرن الثالث قبل الميلاد، حتي القرن الخامس عشر الميلادي، حيث ازدهرت التجارة المتبادلة بين الشرق والغرب، وانتقلت القيم الثقافية والعلمية والحضارية، وانتقل الرحال عبر هذا الطريق الذي بدأ من اليابان والصين ووصل إلي أوروبا عبر الهند وأفغانستان وإيران وآسيا الوسطى وشبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا.

  

      لقد ارتبطت دول آسيا الوسطى بعلاقات تاريخية قوية مع الدول العربية منذ عهود بعيدة، ومع تطور وسائل التواصل والاتصالات وتقنيات الإنتاج وتنوع المنتجات، وتعدد سبل ومجالات التعاون بين الشعوب، يمكن للدول العربية والخليجية منها بشكل خاص تطوير العلاقات مع دول آسيا الوسطى التي تمثل أهمية كبيرة في مختلف الجوانب السياسية والاستراتيجية والاقتصادية، خاصة إذا وضع في الاعتبار التقارب في البنية الاجتماعية بين الجانبين، ورغبة شعوب دول آسيا الوسطى في التقارب مع الشعوب العربية، وجهودهم الكبيرة التي يبذلونها في تعلم اللغة العربية كشعيرة من شعائرهم الدينية وتحقيق رغبتهم في التقارب.    

 

التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ في آسيا الوسطى

     تمتلك آسيا الوسطى الكثير من العوامل الجيواستراتيجية والاقتصادية التي تجعل العديد من القوى الإقليمية والدولية تسعى بكل الاهتمام للتواجد داخل تلك البلاد وإقامة علاقات تعاون وتحالفات مختلفة معها، وسعي هذه القوى بشكل أو آخر إلى جذب شعوب ودول المنطقة إليها، وعدم إتاحة أي فرصة لها للتقارب مع العالم العربي، ويمكن رصد بعض أهم القوى على النحو التالي:

 

  

تركيا  

     تنظر تركيا إلى دول آسيا الوسطى على أنها الموطن الأصلي للأتراك، وأن الروابط التاريخية واللغوية- باستثناء طاجيكستان الناطقة باللغة الفارسية- هي من أهم القواسم المشتركة التي تجعل من العلاقات بين الطرفين لها أهمية تسعى إليها، لذا تعتبر تركيا منطقة آسيا الوسطى الحديقة الخلفية لها، حيث ترتبط أربع من دول الإقليم الخمس "كازاخستان، تركمانستان، أوزبكستان، قيرغيزستان" مع تركيا بعضوية منظمة الدول الناطقة بالتركية، إلى جانب ذلك يوجد كثير من العلاقات التاريخية، التي أوجدت كثير من الروابط والتشابه في البنى الاجتماعية بين تركيا وشعوب دول آسيا، حيث يسود كثير من العادات والتقاليد والقيم المشتركة، وهذا ما جعل تركيا تتجه بقوة نحو آسيا الوسطى بعيد استقلالها وتؤسس لشراكة اقتصادية وعلاقات سياسية وثقافية مع هذه الدول.  

 

إيران  

     ترتبط إيران بعلاقات تاريخية مع شعوب آسيا الوسطى، فقد تقاسمت الإمبراطورية الفارسية الإقليم مع الامبراطورية الروسية لفترات طويلة من الزمن، كما ترتبط في الوقت الحالي بعلاقات ثقافية ولغوية مع بعض مناطق الإقليم وخاصة جمهورية طاجيكستان الدولة الوحيدة في دول الإقليم الخمس الناطقة بالفارسية، كما تتشاطر مع دولتين من دول الإقليم" كازاخستان، تركمانستان" السيطرة والحدود البحرية والثروات في بحر قزوين.  

     تسعى إيران إلى أن تكون بوابة إقليم آسيا الوسطى البحرية إلى العالم الخارجي، حيث أقامت شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية بين دول الإقليم وبين موانيها على الخليج وخاصة ميناء بندرعباس، التي تأمل في أن يكون المركز التجاري والاقتصادي لدول آسيا الوسطى ضمن مشروع " الحزام والطريق" الذي اقترحته الصين وتعمل على تنفيذه مع نحو خمس وستين دولة، وخاصة أن دول آسيا الوسطى من الدول التي لا تتمتع بأي من الحدود البحرية المفتوحة.  

 

روسيا  

     تنظر روسيا إلى دول آسيا الوسطى على أنها امتداد تاريخي وجغرافي وحضاري لها، سواء في العهد القيصري أو السوفيتي، حيث كانت تجمع بينهما مظلة دولة واحدة طوال تلك الفترات التاريخية، ومن ثم فهي تعتبر دول الإقليم مناطق نفوذ لا يجب أن ينافسها أحد فيها، فدول آسيا الوسطى تشترك مع روسيا في عضوية رابطة الدول المستقلة. كما تسعى روسيا إلى تعزيز علاقاتها مع دول آسيا الوسطى من خلال العضوية المشتركة في التكتلات الاقتصادية التي تتمتع روسيا بعضويتها مثل منظمة شنغهاي للتعاون، أو المنظمات التي تؤسسها روسيا مثل الاتحاد الأوراسي الذي يضم كلاً من روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان.  

     تستند روسيا لتعميق نفوذها في آسيا الوسطى إلى عوامل عديدة، يأتي في مقدمتها عامل اللغة، حيث تسود اللغة الروسية بين شعوب آسيا الوسطى وخاصة الأجيال التي تلقت تعليمها في عهد الاتحاد السوفيتي والسنوات القليلة التي تلت استقلال تلك الدول، حيث كانت اللغة الروسية هي اللغة السائدة في برامج التعليم، إضافة إلى أن اللغات الوطنية لتلك الدول كانت تكتب بالحرف الروسي منذ عام 1940م، قبل أن تتجه تلك الدول إلى العودة لكتابة لغاتها الوطنية بالحرف اللاتيني مرة أخرى.    

     كما تستند روسيا إلى البنية الاقتصادية المشتركة لكثير من المؤسسات الاقتصادية في دول آسيا الوسطى وارتباطها بالاقتصاد الروسي سواء من حيث تقنيات الإنتاج أو من حيث الأسواق والموارد المعدنية والزراعية. هذا إلى جانب البنية الاجتماعية والثقافية السائدة بين شعوب آسيا الوسطى والشعب الروسي رغم اختلاف العقيدة، حيث توجد جاليات كبيرة من أصول روسية تعيش في دول آسيا الوسطى.      

    

الولايات المتحدة  

     تعي الولايات المتحدة جيدًا أهمية منطقة آسيا الوسطى من الناحية الاستراتيجية كخاصرة لروسيا وامتداد تاريخي معها، ولذلك تمتلك الكثير من الخطط الاستراتيجية التي تسعى لتحقيها من أجل تعزيز تواجدها على الحدود الروسية والصينية والإيرانية على حد سواء.  

     ومن الناحية الاقتصادية فإن الولايات المتحدة تهتم بما تملكه دول الإقليم من موارد طبيعية وثروات هائلة، فالولايات المتحدة لا تريد أن تترك الإقليم للخضوع للنفوذين الصيني والروسي، سواء للاستفادة من موارد الإقليم، أو كسوق واعد لها في مختلف المجالات، ولذلك فهي لا تترك فرصة دون أن يكون لها تواجد حيوي في تلك المنطقة الهامة لتعزيز نفوذها أمام القوتين المنافستين لها عسكريًا واقتصاديًا.  

 

الصين

     تمثل آسيا الوسطى أهمية كبيرة للصين من الناحيتين الإستراتيجية والاقتصادية، حيث يدخل جزء هام من بلاد آسيا الوسطى ضمن الجغرافيا الصينية، وتشكل قومية الإيغور الصينية المسلمة التي تعيش في إقليم شينجيانج امتداد طبيعي لسكان آسيا الوسطي، حيث يعتبر إقليم شينجيانج جزءًا من آسيا الوسطى جغرافيًا وديموغرافياً، ولذلك تخشى الصين من النزعات الانفصالية للسكان المسلمين من قومية الإيغور.  

       تبني الصين استراتيجيتها في نجاح مشروعها "الحزام والطريق"، على أن منطقة آسيا الوسطى تشكل أهم جزء في ذلك المشروع، لذلك لم يكن مستغربًا أن يدشن الرئيس الصيني ذلك المشروع ويعلن عنه في خطابه الهام الذي ألقاه في جامعة نزاربايف في كازاخستان، حيث تعد آسيا الوسطى همزة الوصل بين الصين ومنطقة الخليج، ومنها إلى الشرق الأوسط والقارتين الأوروبية والإفريقية، وهذا ما يفسر الحجم الهائل للاستثمارات الصينية في البنية التحتية في آسيا الوسطى.  

 

إسرائيل  

     تنظر إسرائيل إلى آسيا الوسطى من منظور استراتيجي، حيث يرتبط الإقليم بحدود مباشرة مع إيران -العدو الأكبر لإسرائيل في المنطقة- كما تعتبر دول آسيا الوسطى المنطقة التي يمكن أن تحقق لها العديد من المصالح السياسية والاقتصادية، خاصة وأن الإقليم كان مصدرًا لهجرة العديد من يهود الاتحاد السوفيتي السابق إلى دولة إسرائيل، ولذلك فإن إسرائيل سارعت إلى إقامة علاقات اقتصادية وتجارية مع دول آسيا الوسطى، حيث تعتبر من أهم مصدري السلاح لدول الإقليم بنسب متفاوتة، إلى جانب حجم الاستثمارات المتنامي لإسرائيل في دول الإقليم، وهذا ما جعلها تعمل على تسيير خطوط طيران مباشر مع العديد من دول الإقليم بصرف النظر عن الجدوى الاقتصادية، الأمر الذي لم تعمل عليه العديد من الدول العربية.      

 

توجهات دول آسيا الوسطى

     إذا كانت تلك هي أهداف وتوجهات القوى الإقليمية والدولية نحو آسيا الوسطى، وسعيها الدؤوب للحصول على أكبر مساحة للنفوذ في تلك المنطقة الحيوية، لتحقيق مصالح اقتصادية وأمنية وسياسية، أو أحد تلك المجالات، وإن ارتبطت جميعها ببعضها البعض، فمن يستطيع الحصول على ثقة دول المنطقة في أي من تلك المجالات فإنه يستطيع الوصول إلى الثقة نفسها في المجالات الأخرى.

     لكن ما هي توجهات دول آسيا الوسطى في علاقاتها الخارجية؟ هل تسعى هذه الدول وتسخر جهودها إلى إقامة علاقات تعاون مع أي من هذه الدول والقوى الإقليمية والدولية؟

     خضعت دول آسيا الوسطى لفترات طويلة تحت نفوذ قوى إقليمية خارجية لم تستطع خلالها التعبير عن ذاتها وهويتها، ولذلك فإنها بدأت بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي عام 1991م، إلى استعادة هويتها والترويج لثقافتها وحضارتها بعيدًا عن هيمنة القوى التي خضعت لها وعمدت إلى طمس هويتها القومية والدينية والثقافية، ولذلك تسعى شعوب هذه الدول جاهدة لإستعادة ثقافتها وهويتها، خاصة أن هذه الشعوب تمتلك موروث حضاري وثقافي عريق.  

     أغلب شعوب دول آسيا الوسطى مسلمون على المذهب الحنفي، ولديهم تقاليد وقيم إسلامية عريقة تتشابه إلى حد كبير مع القيم والتقاليد العربية، وهم يعتبرون اللغة العربية جزءًا من العقيدة الإسلامية التي يدينون بها، حيث يتم استخدامها في قراءة القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، لذلك ينظرون إلى اللغة العربية نظرة تقدير واحترام وإجلال تصل إلى درجة التقديس.  

     تسعى دول آسيا الوسطى إلى إعادة إحياء تراثها، وكتابة تاريخها العريق بأمجاده وبطولاته، لذلك فإنه بعد أن غيرت دول آسيا الوسطى طريقة كتابة لغاتها الوطنية من الحرف الروسي إلى الحرف اللاتيني، بهدف التحرر من الهيمنة الروسية التي فُرضت عليها، فإنها تعمل جاهدة على إبراز دور أبطالها التاريخيين وخاصة من كانت له علاقة بالعالم العربي مثل قادة الدولة المملوكية في مصر والشام وعلي رأسهم السلطان الظاهر بيبرس الذي ينتمي لأصول تعود إلي كازاخستان، إلي جانب الاحتفاء برموز العلماء والأدباء الذين لهم إسهامات كبيرة ليس على المستوى الوطني بل على المستوى الإسلامي والعالمي مثل الخوارزمي، والفارابي والبيروني وغيرهم.    

     تعمل دول آسيا الوسطى على إعادة رسم علاقاتها مع العالم الخارجي، وإبراز دورها التاريخي والحضاري في الحضارتين الإسلامية والإنسانية، والتعبير عن ذاتها بعيدًا عن أي سطوة أو سيطرة خارجية، ويتجلى ذلك في إعادة كتابة تاريخها وصياغة مناهج طلابها الدراسية بما يغرس في عقول أبنائها الانتماء القومي والعودة بهم إلى المحيط الإسلامي الذي تعتز به شعوب تلك الدول بشكل كبير.

 

آفاق العلاقات العربية والخليجية مع دول آسيا الوسطى

 

       تتميز دول آسيا الوسطى بأهمية استراتيجية كبيرة لوقوعها بين المنطقة العربية والقارة الآسيوية من جهة، وبين البحر المتوسط، وبحر الخزر "بحر قزوين"، والبحر الأسود من جهة أخرى، وقد لعبت تلك المنطقة منذ القدم باعتبارها قلب القارة الآسيوية دورًا بارزًا وهامًا في العلاقات التجارية بين الشعوب، حيث كانت أراضيها المترامية الأطراف ومدنها الكبرى تمثل أهم المحطات على طريق الحرير القديم، خاصة أنها تميزت بإنتاج السلع والمنتجات الهامة التي لها طلب كبير في الأسواق المختلفة، كالنفط والغاز والقطن والزيتون والزعفران والخضروات والفواكه والمكسرات، كما اشتهرت بالحرير والمنتجات الجلدية، وقد جلبت هذه المنتجات وغيرها إليها القبائل والشعوب المختلفة والتجار والغزاة أيضًا.  

       لقد طال غياب التواجد العربي عن منطقة آسيا الوسطى ولم يتحقق التقارب مع دول تلك المنطقة عقب الاستقلال بالشكل الذي كان يجب أن تكون عليه تلك العلاقات، الأمر الذي ترك فراغًا كبيرًا لبعض الدول والقوي التي نسجت علاقات متشعبة قوية مع دول المنطقة، كما كان ذلك الغياب العربي سببًا في تهديد الأمن القومي العربي، خاصة مع تنامي ظاهرة الإرهاب الذي لم تتأثر به أي منطقة في العالم مثلما تأثرت به منطقتنا العربية، حيث عملت بعض القوي علي تجنيد الكثير من شباب دول آسيا الوسطى وتدريبهم على حمل السلاح باسم الإسلام والمجئ إلى قلب الأمة العربية.  

  لقد تنبهت الدول العربية مؤخرًا إلى أهمية التعاون مع دول آسيا الوسطى، وتم عقد جولتين للحوار بين الجانبين تحت عنوان "منتدى التعاون العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان"، وقد عقدت الجولة الأولى في الرياض عام 2015م، والثانية في دوشنبه عاصمة تاجيكستان عام 2017م، حيث كان من المتفق أن يتم التناوب على استضافة الاجتماعات بين العواصم العربية وعواصم دول آسيا الوسطى وأذربيجان، ورغم أن البداية كانت جيدة على الأقل من ناحية أنه قد بدأ التفكير في أهمية التعاون مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان باعتبارها الدولة المسلمة السادسة التي كانت ضمن منظومة الاتحاد السوفيتي، ويمثل موقعها في منطقة القوقاز امتدادًا جغرافيًا لدول آسيا الوسطى التي لا يفصلها عنه سوى بحر قزوين، والذي تتقاسم مع اثنين من دول آسيا الوسطى "تركمانستان، كازاخستان" النفوذ والثروات فيه إلى جانب كل من إيران وروسيا.  

     رغم عقد جولتين من اجتماعات منتدى التعاون العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان، إلا أن هاتين الجولتين جاءت نتائجهما على غير المأمول، حيث لم يتم خلالهما بحث جاد للمشاكل التي تعيق عمليات التعاون بين الجانبين، كما لم يتم التطرق إلى المجالات الهامة والحيوية التي يمكن للطرفين التعاون من خلالها، أو تشكيل لجان نوعية لمتابعة ما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماعات ووضعها موضع التنفيذ الفعلي.

     توجد مجالات عديدة للتعاون يمكن للجانبين العربي ودول آسيا الوسطى العمل معًا من خلالها، أهمها:  

الجانب السياسي:          

     تشترك دول آسيا الوسطى مع الدول العربية في دائرتين هما أكبر الدوائر السياسية في العالم، الدائرة الأولى هي الأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة، والثانية منظمة التعاون الإسلامي ثاني أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة، ويمكن للدول العربية تحقيق التنسيق السياسي في الأمم المتحدة مع دول آسيا الوسطى بما يحقق المصالح المشتركة للجانبين.  

   تهتم دول آسيا الوسطى بمنظمة التعاون الإسلامي اهتمامًا كبيرًا، ويبدو ذلك جليًا من خلال النشاط الذي تقوم به تلك الدول من خلال المنظمة وأجهزتها، ويتجلى ذلك في أن كازاخستان على سبيل المثال كانت من الدول الرائدة في آسيا الوسطى في تقديم المبادرات التي تسهم في أداء عمل منظمة التعاون الإسلامي، وتأتي مبادرتها بإنشاء "المنظمة الإسلامية للأمن الغذائي" واستضافتها على أراضيها بهدف المساهمة إلى تخفيف حدة الفقر في الدول الإسلامية، ونقل الخبرات في قطاع الزراعة وتوفير الغذاء، كدليل عملي على الاهتمام بمنظمة التعاون الإسلامي ونشاطها، والسعي إلى أن تكون كل دولة من هذه الدول عضو فاعل فيها.  

 

الجانب الاقتصادي:

     يحظي الجانب الاقتصادي بأهمية كبري في سلم أولويات العلاقات بين الدول العربية ودول آسيا الوسطى، ويبرز في الجانب الاقتصادي قطاعات هامة، يأتي في مقدمتها، قطاع النفط والغاز الذي تنتج منه دول الإقليم كميات هائلة منه خاصة كازاخستان وتركمانستان رغم عدم عضويتهم في منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، وخاصة أن الدول الخليجية تعد من أهم دول العالم في إنتاج النفط والغاز، وتمتلك خبرات كبيرة في هذا القطاع.  

   يعد القطاع الزراعي من المجالات التي لابد أن تحظى بأهمية في مجال العلاقات بين الدول العربية ودول آسيا الوسطى، حيث تعد كازاخستان أحد أهم خمس دول في العالم في إنتاج القمح، إلى جانب تميزها مع كل من أوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان في إنتاج الخضروات والفواكه، كما تتميز أوزبكستان بإنتاج القطن طويل التيلة، حيث أصبح لها خبرات كبيرة في تقنيات زراعته والصناعات القائمة عليه، فقد كانت بمثابة مزرعة القطن في الاتحاد السوفيتي السابق. إلى جانب ذلك تمتلك دول آسيا الوسطى ثروات هائلة من الغابات والثروات الخشبية، في المقابل فإن الدول العربية لها مجالات تميز في القطاع الزراعي خاصة في مصر والسودان والمغرب والعراق وبلاد الشام، ومن ثم تأتي أهمية التعاون في هذا القطاع الهام والحيوي، خاصة مع استهلاك الدول العربية لكميات كبيرة من الغذاء يأتي أغلبها عن طريق الاستيراد من الخارج.      

     يحظى قطاع السياحة بأهمية كبرى لدي الجانبين العربي ودول آسيا الوسطى، وذلك لما تملكه تلك الدول من مقومات كبيرة لازدهار هذا القطاع، فدول آسيا الوسطى لها تاريخ عريق وتمتلك تراث ثري من الآثار والمعالم التاريخية، خاصة في الحقبة الإسلامية، إلى جانب الطبيعة الخلابة، حيث الغابات والبحيرات والجبال، وتطوير هذا الجانب الهام من شأنه المساهمة في تطوير كافة الجوانب الأخرى، حيث أن قطاع السياحة يتصل بالجانب المعرفي والثقافي، الأمر الذي يسلط الأضواء لدى الشعوب العربية على تلك الدول وتاريخها وحضارتها، ومن ثم فتح مجالات أخرى للتعاون بين الدول العربية وتلك الدول، خاصة أن البيئة الاجتماعية في دول آسيا الوسطيى قريبة جدًا من البيئة الاجتماعية العربية، حيث تتشابه إلى حد كبير العادات والتقاليد والقيم.  

 

الجانب الأمني:

    

     أصبح الجانب الأمني يشكل أهمية كبيرة في اهتمامات الدول العربية في السنوات الأخيرة، خاصة من تنامي ظاهرة الإرهاب التي تحتاج إلى تنسيق على مستويات عُليا في مختلف الجوانب لمكافحة تلك الظاهرة التي لا تهدد حياة الأفراد وحسب، بل تهدد استقرار ووجود الدول، وتُعد منطقة آسيا الوسطى من المناطق الهامة للتنسيق معها لمواجهة ذلك الخطر، خاصة أنه يوجد أعداد كبيرة من دول المنطقة انخرطوا في صفوف الجماعات الإرهابية المسلحة، حيث أن آسيا الوسطى منطقة تقع ما بين الدول العربية من جهة وأفغانستان من جهة أخرى، الأمر الذي جعلها منطقة عبور للعناصر المتشددة.  

     يوجد كثير من الأخطار الأمنية الأخرى التي تهدد الدول العربية ودول آسيا الوسطى، تأتي تجارة المخدرات في مقدمة تلك الأخطار، حيث تعد أفغانستان من أهم مناطق إنتاج المخدرات نظرًا لضعف الحكومة المركزية فيها، وهذا ما يتطلب التنسيق الأمني حول مكافحة تلك التجارة غيرة المشروعة، إلى جانب قضايا أخرى كالهجرة غير الشرعية، والجريمة المنظمة وتبييض الأموال والاتجار بالبشر، وغيرها من القضايا التي أصبحت تهدد اقتصاديات وأمن الدول والشعوب.  

 

عقبات التعاون بين الدول العربية ودول آسيا الوسطى

     تتضح بجلاء أهمية التعاون بين الدول العربية والخليجية من جهة وبين دول آسيا الوسطى من جهة أخرى، وبشكل خاص في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، مع وجود تكافؤ في البنية الاقتصادية والاجتماعية بين الجانبين، الأمر الذي من شأنه أن يوجد مجالات متعددة للمصالح المتبادلة، حيث أن تبادل المصالح والمنافع بين جميع أطراف العلاقات يعمل على إدامة أمد تلك العلاقات واستمرارها وتطويرها، وإذا تم الوضع في الاعتبار رغبة شعوب الجانبين في التقارب والتعاون بين بعضهما البعض، مع وجود قواسم مشتركة في القيم والعادات بين الشعوب العربية وشعوب دول آسيا الوسطى، فإن ذلك يسهم بشكل كبير في تنمية تلك العلاقات وتطويرها.

     توجد عقبات وصعوبات عديدة أمام عملية تطوير العلاقات بين الدول العربية وآسيا الوسطى، فالطريق ليس ممهدًا أو مفروشًا بالورود، يأتي في مقدمة تلك العقبات عدم وجود سواحل لدول آسيا الوسطى على البحار المفتوحة، الأمر الذي يحرم الطرفين من عميلة النقل البحري الذي يعتبر أقل وسائل النقل تكلفة. هذا إلى أن بعض القوى الإقليمية والدولية لا تريد للطرفين العربي وآسيا الوسطى أن يتقاربا، حيث ترى هذه الأطراف الخارجية أن تنمية العلاقات بين الدول العربية ودول آسيا الوسطى ليس في مصلحتها، فهي لا تريد للشعوب الإسلامية التقارب مع بعضها، ولا تريد لدولها الاستفادة من طاقاتها البشرية ومواردها الطبيعية.

     ولكن مهما كانت تلك العقبات، فإنه حينما تتوفر الإرادة لدى الدول العربية ودول آسيا الوسطى، وفتح حوار جاد حول سبل تنمية التعاون بينهما، فإن التغلب على تلك العقبات يكون في متناول الطرفين، وإيجاد البدائل العملية لتلك العقبات، خاصة أن التعاون لن يكون مقتصرًا على السلع والمنتجات التي تتطلب النقل البحري، ولكن توجد كثير من مجالات التعاون التي إذا تم البدء من خلالها فمن شأنها تذليل كافة العقبات التي تقف أمام الدول العربية ودول آسيا الوسطى في إقامة علاقات تعاون مثمرة للطرفين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب وباحث في الشؤون الآسيوية      

 

مجلة آراء حول الخليج