; logged out
الرئيسية / الربيع العربي مجددًا .. التوقعات والمخاوف

العدد 143

الربيع العربي مجددًا .. التوقعات والمخاوف

الأربعاء، 06 تشرين2/نوفمبر 2019

بداية، لا يوجد ما يمنع مطالبة الشعوب بحقوقها إذا كانت مشروعة تقرها القوانين والمواثيق والأعراف، ما يتضمنه العقد الاجتماعي المبرم بين الدولة والمواطن، ووفق ما يناسب الدولة وشعبها، وعلى هذه الأسس تفجرت ثورات الربيع العربي التي قامت بها الشعوب في موجتها الأولى في نهاية عام 2010م، والتي تعاملت معها بعض الأنظمة العربية وفق رؤيتها في ذلك الوقت سواء أكان هذا التعامل ناجح أم فاشل، أما في الموجة الثانية التي بدأت مؤخرًا في لبنان والعراق فتتعامل معها الحكومات بالمفروض عليها من قوى داخلية نافذة، أو قوى إقليمية، ووفق ما تسمح به التركيبة السياسية الحاكمة التي تعرقلها الطائفية والمحاصصة والمرتبطة بدول خارجية ذات نفوذ قوي يفوق نفوذ وقدرات السلطات المحلية في هذه الدول التي تشهد مظاهرات في ظاهرها مطالب اجتماعية، لكن ما لبثت أن انتهت إلى مطالبات سياسية والرغبة في هدم السلطة القائمة، و هذا تكرار لما انتهت إليه مظاهرات الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي.

أثبتت الموجة الأولى من هذه المظاهرات، أن الشعوب العربية غير مؤدلجة ولا تضع حدًا فاصلاً بين المطالب من جهة، والتداعيات من جهة أخرى، ولا تقيم حواجز بين الداخل والخارج كونها مظاهرات شبابية تواقة لما تسميه الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ولذلك من السهل أن تخترق هذه المظاهرات أجهزة استخبارات أجنبية أو دول إقليمية لها مصالح وأجندات، ففي الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي، اخترقت إيران وتركيا وقطر وحزب الله وحماس هذه المظاهرات ما أدى إلى ظهور جماعات الإسلام السياسي علنًا لأول مرة، وقفزت جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة بدعم مادي وسياسي معلن من جانب هذه الأطراف الخارجية إضافة إلى أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي التي وجدت في هذه المظاهرات ما يحقق لها (الفوضى الخلاقة) سواءً كانت هذه الدول هي التي أشعلت هذه المظاهرات، أو ركبت موجتها واعتبرتها الأداة الأسرع لتحقيق هذه الفوضى.

لكن للأسف هذه الفوضى التي تستمد مقومات انتشارها من داخل الدول العربية ذاتها، مستمرة على ما يبدو فلم تتحصن دول الموجة الثانية ضد أسباب اندلاع هذه المظاهرات، ولم تستوعب المتغيرات، سواءً كان ذلك بتجاهل المطالب والاحتياجات نتيجة لعدم رشادة الحكم، أو لتدخل دول إقليمية في إدارة هذه الدول، أو لتركيبة المحاصصة التي تجيد فن شد الحبل لتعطيل الدولة، وهذا ما نراه في النموذج اللبناني والعراقي، والقاسم المشترك بين مظاهرات الدولتين هو "إيران"، ثم تأتي بعد ذلك عوامل أخرى، فضغوط إيران على بغداد وبيروت لم تجعل للنظام الحاكم في الدولتين القدرة على الإصلاح وتبني سياسات خارج إطار المحاصصة والطائفية التي يرتهن لها النظامين، كون نظام طهران صاحب اليد العليا في العراق ولبنان، و يريد تكريس الطائفية لضمان الهيمنة وامتداد ولاية الفقيه إلى هذه الدول عبر وكلائه من الميليشيات المسلحة، وهذا ما يتجلى في دور الحوثيين في اليمن، وحزب الله في بيروت، وميليشيات الحشد الشعبي في العراق.

في الموجة الثانية، واضح أن المتظاهرين في العراق ولبنان يعبرون عن رفض المشروع الإيراني في البلدين، ويقابل ذلك عجز الحكومات المحلية عن مقاومة هذا المشروع أو رفضه ، لأنه مشروع بالقوة المسلحة والتحكم في الحكومات عبر مندوبين ساميين في ثوب وزراء أو قادة ميليشيات.

ولكن لا يبدو أن ما ترتبت على الموجة الأولى من مخاطر ماثلًا أمام المتظاهرين الآن، وعليه فإن المخاوف تتركز حول ما إذا استطاعت إيران والميليشيات الموالية لها من كسر شوكة إرادة المتظاهرين، أي الإرادة الشعبية المناهضة للوجود الإيراني، فإنها سوف تفرض هيمنتها بشكل أكثر علانية في الدولتين ولن تترك هامشًا للحكومات المحلية، أو الأحزاب والطوائف الأخرى، أي سيقفز حزب الله على السلطة في لبنان واعتبار اتفاق الطائف في ذمة التاريخ، والخوف من هذا السيناريو جدي لأن حزب الله الأكثر تنظيمًا وتسليحًا وهيمنة على مفاصل الدولة اللبنانية، خاصة في عدم وجود طرف آخر منظم، كما لا توجد قيادة للمتظاهرين تحدد سقف المطالب وتحاور الدولة وفقًا لمطالب متدرجة يمكن تحقيقها، وتواجه الاختراق وتوجيه الشارع المتفاعل.

وفي العراق حيث المشهد أكثر دموية، قد ينهك العراقيون ويكرس الوجود الإيراني، أو قد ينجح العراق في استعادة دولته من الاختطاف الإيراني، وهذا السيناريو يتطلب دعمًا للعراقيين ولكن هذا الدعم يبدو معطلًا، وأن الاعتماد على الذات هو خيار العراقيين بمفردهم.

مقالات لنفس الكاتب