; logged out
الرئيسية / العلاقات الخليجية ــ الروسية بدأت فصلاً جديداً عبر 4 محاور لشراكة آمنة تخدم مصالح الطرفين

العدد 145

العلاقات الخليجية ــ الروسية بدأت فصلاً جديداً عبر 4 محاور لشراكة آمنة تخدم مصالح الطرفين

الخميس، 02 كانون2/يناير 2020

شهدت العلاقات الخليجية ـ الروسية تحولات هامة خلال السنوات القليلة الماضية، تبددت معها كثير من الشكوك والمخاوف التي اكتنفت العلاقة بين الجانبين، والتي يعود بعضها لعقود ممتدة منذ الحقبة السوفيتية، والبعض الآخر فرضته التطورات في سوريا منذ عام 2011م، وتناقض الرؤى والمواقف بشأن الملفين السوري والإيراني. وقد كان ذلك حصاد جهد وسعى دؤوب من الجانبين لصياغة تفاهمات ترتكز على قاعدة صلبة من المصالح المشتركة التي تؤسس لشراكة مستقبلية مستقرة ومتنامية بين الطرفين. لعل من أبرز محطاته زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التاريخية لروسيا في أكتوبر 2017م، التي مثلت نقلة نوعية في العلاقة الخليجيةـ الروسية باعتبارها الأولى من نوعها وما يتضمنه ذلك من دلالات هامة، ونظرًا لما أسفرت عنه من اتفاقات دفعت العلاقات الروسية ـ السعودية لمستويات غير مسبوقة من التعاون. تلى ذلك توقيع "إعلان الشراكة الاستراتيجية" بين الإمارات وروسيا خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لروسيا في يونيو 2018م، في تحول جوهري آخر في العلاقات الخليجية ـ الروسية حيث يمثل هذا الإعلان التاريخي قاعدة هامة لإطلاق التعاون بين الجانبين في مختلف المجالات على أساس من المصالح المتبادلة للطرفين. وقد أكدت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجوابية للمملكة العربية السعودية والإمارات، يومي 14 و15 أكتوبر 2019م، على التوالي، الانطلاقة الجديدة للعلاقات الخليجية الروسية، وكونها توجه ثابت وخيار استراتيجي في السياسة الروسية والخليجية على السواء، وكان للزيارة أهمية ودلالة خاصة، بالنظر لكونها الأولى منذ أثنى عشر عامًا حيث كانت زيارة الرئيس بوتين الوحيدة للدولتين عام 2007م.

لعل أبرز حصاد القمم السابقة هو تجاوز العقدة الإيرانية في العلاقات الخليجية الروسية، وتأكيد انفتاح موسكو وتوجهها الجاد نحو تطوير التعاون والشراكة مع دول الخليج، وأن التفاهمات والشراكة الروسية الإيرانية لم ولن تكن على حساب الشراكة الاستراتيجية بين موسكو ودول الخليج. إن روسيا تعتبر منطقة الخليج جوار استراتيجي لها، وتنطلق من مفهوم ورؤية للأمن الجماعي في المنطقة، وأكدت موسكو كونها شريك يفي بتعهداته، لا يتدخل في الشأن الداخلي لشركائه ولا يتلاعب باستقرارها لخدمة مصالحه على حساب أمنها والأمن والاستقرار الإقليمي، فموسكو تدعم احتواء الأزمات والخلافات، وتؤكد على أهمية الحلول التوافقية عبر الحوار والمفاوضات المباشرة بين الأطراف المعنية، الأمر الذى أكسبها احترام وثقة الشركاء الخليجيين، وشجع على بناء شراكات مستقرة معها، لا تتأثر بأي تطورات داخلية، ولا تختلط فيها الأوراق، ولا توظف فيها المصالح كأدوات ضغط لخدمة أهداف أحد الأطراف على حساب الطرف الأخر. لقد تغيرت السياسة الروسية جذريًا مقارنة بسابقتها السوفيتية وأصبحت أكثر برجماتية وميلاً لتطوير الشراكات المتعددة ذات العائد للأطراف كافة، وبلورة تفاهمات استراتيجية حول القضايا محل الاهتمام المشترك مع دول الخليج. وفى ضوء الاتفاقات والتفاهمات التي تم التوصل إليها بين الجانبين يتضح عدة محاور تمثل آفاق رحبة لإطلاق الشراكة الخليجية الروسية في المستقبل.

أولها، التعاون في مجال الطاقة والذي سيظل حجر زاوية في الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، ويتصدره التنسيق في سوق الطاقة في إطار صيغة "أوبك +" لمواجهة انخفاض الأسعار باعتباره تحدى هام للجانبين يؤثر على الأمن القومي لكليهما بمفهومه الواسع. يعزز هذا توقيع ميثاق تعاون طويل الأمد في إطار صيغة "أوبك+" خلال القمة السعودية الروسية الأخيرة، وجاء الميثاق تتويجًا للتفاهمات بين الطرفين منذ عام 2016م، حول ضبط مستوى الأسعار من خلال التحكم في حجم الانتاج، وكانت الدول المشاركة في اتفاق "أوبك+" قد وافقت على الميثاق في يوليو 2019م، والذي يضمن تعاون دائم ويعطي صبغة رسمية للتعاون بين 24 دولة منتجة للنفط من داخل وخارج منظمة "أوبك" تقودها روسيا والسعودية. وتمت الموافقة حينها على الوثيقة في مستهل اجتماع بمقر منظمة "أوبك" في فيينا بحضور ممثلي الدول الـ14 الأعضاء في "أوبك" والدول الـ10 التي تحالفت معها من خارج المنظمة. ويعتبر الميثاق ثمرة جهد دبلوماسي سعودي ـ روسي، وأشار الأمين العام لمنظمة "أوبك"، محمد باركيندو، إلى أن الميثاق سيستمر إلى "الأبد"، الأمر الذي يدعم استمرار الشراكة في سوق النفط كدعامة أساسية للشراكة الخليجية الروسية في المستقبل.

ولا يقتصر الأمر على التنسيق لضبط الأسعار، فهناك آفاق رحبة للاستثمارات المشتركة بين الجانبين في مجال الطاقة، فقد أعلن صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي في 8 أكتوبر 2019م، عن افتتاح أول مكتب تمثيلي له في السعودية، ليكون بذلك أول مؤسسة استثمارية روسية تفتتح مكتبًا تمثيليًا لها في المملكة مما سيعزز العلاقات الاستثمارية بين البلدين ويعطيها زخمًا أكبر. في هذا الإطار وقعت شركة "أرامكو" السعودية والصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة اتفاقية لشراء حصة في "نوفوميت"، وهي شركة روسية متخصصة في صناعة مضخات عالية التقنية للقطاع النفطي. وأعلنت شركتي "غازبروم نفط" و"أرامكو" استعدادهما لإطلاق مشروع رائد حول استخدام الذكاء الاصطناعي في الاستكشاف الجيولوجي، وتتضمن الخطط المطروحة إنشاء معهد روسي ـ سعودي في مجال الطاقة. وسبق وأن تم إطلاق صندوق مشترك روسي سعودي بقيمة 10 مليارات دولار لتمويل مشاريع مشتركة عدة، البعض منها في قطاع خدمات حقول النفط بمبلغ إجمالي يزيد عن المليار دولار، بالإضافة إلى الاستثمار في قطاعي إنتاج النفط والغاز بأكثر من ملياري دولار.

ثانيها، التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وتشكل الطاقة النووية 20% من الطاقة المولدة بالعالم، ويُنظر إليها كمصدر ضخم للطاقة وعلى سبيل المثال يحتوي الكيلو جرام الواحد من اليورانيوم أو البلوتونيو المستخدم على طاقة تعادل 3.5 مليون كيلوجرام من الفحم، الأمر الذي يسمح بإطلاق مشروعات تنموية عملاقة وتحقيق قفزات في معدلات النمو. وتعتبر روسيا أكبر مصدري المفاعلات النووية في العالم حيث قامت بتشييد 39 مفاعلًا في 9 دول حتى يوليو 2018م، منها قيام مؤسسة الطاقة النووية الروسية الحكومية "روس أتوم"، التي تملك خبرة تزيد عن سبعة عقود في المجال، ببناء أربعة مفاعلات نووية في الصين تبلغ قدرة كل منها 1200 ميجاوات، اثنان منها في محطة تينوان النووية، واثنان في محطة شوداباو. كما أن روسيا هي الشريك الأساسي للهند في تطوير قدراتها النووية للاستخدامات السلمية، والمتمثلة في محطة كودانكولام (KKNPP) ، ودخلت الوحدة الأولى من المحطة التشغيل في يوليو 2013م، وتم الانتهاء من اختبارات الوحدة الثانية من المفاعل في يوليو 2016م، واتفق البلدان على إنشاء 6 وحدات جديدة على الأقل خلال العقدين القادمين. كما تقوم "روس أتوم" بتشييد محطة "أكويو" للطاقة النووية في مدينة مرسين جنوب تركيا، وهي الأولى من نوعها، وتتضمن بناء 4 مفاعلات تبلغ الطاقة الإنتاجية لكل منها 1200 ميجاواط بتكلفة 20 مليار دولار، ومن المقرر دخول أول مفاعلات المحطة حيز التشغيل عام 2023م، ويتلقى 200 من الأتراك التدريب في روسيا بهذا المجال، ويعتبر معهد الطاقة الروسي أكبر المعاهد المتخصصة في العالم، وقام بإعداد وتدريب 150 ألف خبير في المجال.

وهناك تعاون هام بين دول الخليج وروسيا في هذا المجال لاسيما السعودية والإمارات. فمنذ عام 2017م، يتم تنفيذ "خريطة طريق" لبرنامج تعاون بين مؤسسة "روس أتوم" ومدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية تتضمن إنشاء وتشغيل المفاعلات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتطوير البنية التحتية النووية والبحثية. وفى هذا السياق نظمت مؤسسة "روس أتوم" ندوات في الرياض والدمام عام 2018م، حول التقنيات النووية الروسية الحديثة، وخيارات التعاون مع المؤسسات المحلية في إطار مشروع بناء محطة للطاقة النووية في السعودية وفي دول ثالثة، بالإضافة إلى الخطوط العريضة لإمكانات التعاون في مجالات أخرى. وكان البلدان قد وقعا اتفاقية للتعاون في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية بين "روس أتوم" ومدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة خلال زيارة ولى العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لروسيا عام 2015م، وتمثل الاتفاقية أساسًا قانونيًا للتعاون بين الدولتين في المجال النووي ويتضمن ذلك إنشاء واستخدام المفاعلات النووية المخصصة لإنتاج الطاقة والأبحاث العلمية، وتقديم الخدمات المتعلقة بمعالجة الوقود النووي المستنفد، وإنتاج النظائر المشعة واستخدامها في الصناعة والطب والزراعة، وتأهيل الكوادر في مجال الطاقة النووية، وتنص الاتفاقية على تشكيل لجنة تنسيقية لإجراء مزيد من المشاورات حول التعاون المستقبلي في المجال، وتشكيل لجان عمل مشتركة لتنفيذ مشاريع عملية ودراسات علمية.

وتعتبر روسيا شريك واعد للمملكة في إطار الخطط السعودية لبناء مفاعلين كهروذريين ضمن خطة لإنشاء 16 مفاعل نووي خلال السنوات العشرين المقبلة بتكلفة تفوق الـ 80 مليار دولار بهدف تقليص استخدام النفط والغاز في توليد الطاقة الكهربائية، وتتنافس روسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة والصين وفرنسا على الفوز بعقد إنشاء أول محطة من هذا النوع في السعودية. وقد أكد كيريل كوماروف، نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة "روس آتوم" الروسية، أن المؤسسة مستعدة للمساعدة في بناء محطات كهروذرية في المملكة بتقنيات عالية وبأعلى معايير للسلامة والأمان النووي.

كذلك، هناك آفاق رحبة للتعاون بين روسيا والإمارات في هذا المجال، وقد تم تجديد مذكرة التفاهم المبرمة بين مؤسسة "روس أتوم" ومؤسسة الإمارات للطاقة النووية للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية على هامش زيارة الرئيس بوتين للإمارات يوم 15 أكتوبر. وكان قد تم إبرام المذكرة عام 2017م، وتتضمن إطارًا عامًا للتعاون بين الجانبين في العديد من مجالات قطاع الطاقة النووية السلمية، بما في ذلك إنشاء مركز للعلوم النووية في الإمارات، والاستثمار في تطوير محطات الطاقة النووية وإدارة دورة الوقود النووي، وتدريب مواطني دولة الإمارات، وغيرها. وتقوم مؤسسة الإمارات للطاقة النووية بإنشاء مشروع محطات براكة للطاقة النووية السلمية في منطقة الظفرة في إمارة أبو ظبي على ساحل الخليج العربي، والتي تتضمن أربع محطات للطاقة النووية يتم إنشاؤها في وقت واحد، وتصل قدرتها الإنتاجية إلى 5600 ميجاواط، وذلك بالتعاون مع شركة "كيبكو" الكورية الجنوبية، وتساهم روسيا في المشروع ببعض المعدات والتقنيات.

ثالثها، مجال الفضاء، الذي يعتبر ساحة التنافس الدولي في المستقبل المنظور، وعليه تتسابق القوى الكبرى من أجل الهيمنة واستغلال الطاقات الكامنة به. وهناك تعاون واسع بين الإمارات وروسيا يتم في إطاره تدريب رواد الفضاء الإماراتيين وإطلاقهم إلى المحطة الفضائية الدولية، وفق الاتفاقية الموقعة بين البلدين في الأول من أكتوبر 2015، وذلكمن خلال مركز "جاجارين" الروسي لإعداد رواد الفضاء الذي قام بتدريب رائدي فضاء من الإمارات، وفى 9 أكتوبر 2019م، عاد أول رائد فضاء إماراتي وعربي، هزاع المنصوري، من المحطة الفضائية الدولية على متن مركبة الفضاء الروسية "سويوز" بعد أن قضى 8 أيام هناك. سبق ذلك إطلاق قمر "ياسات 1 بي" الإماراتي في أبريل 2012م، بواسطة صواريخ روسية.

كما إن هناك تعاون واسع النطاق أيضًا بين موسكو والرياض في مجال الفضاء حيث تم إطلاق 13 قمر صناعي سعودي للاتصالات والملاحة والاستشعار عن بعد بواسطة صواريخ روسية إلى مدار حول الأرض كان أخرها "سعودي سات 4" في 21 يونيو 2014م، وتتيح"رؤية 2030" التي تهدف إلى جعل المملكة العربية السعودية مركزًا للابتكار العالمي آفاق رحبة للتعاون بين الجانبين في هذا المجال. وتم بالفعل خلال زيارة الرئيس بوتين للرياض يوم 14 أكتوبر توقيع اتفاقية بين الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة، والشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني "تقنية TAQNIA" حول التعاون في مجال الفضاء، ويتضمن ذلك إطلاق الأقمار الصناعية من السعودية، وتطوير وتحديث المجمع الفضائي الصاروخي روسي الصنع "ستارت - 1"، واتخاذ خطوات علمية وإنتاجية مشتركة من قبل الخبراء الروس والسعوديين فيما يتعلق بإنشاء مكونات إضافية للمجمع الفضائي بغية رفع مواصفاته والطلب عليه في السوق، وإطلاق الأقمار الصناعية الصغيرة الروسية والسعودية إلى مدار الأرض المنخفض.

كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة "روس كوسموس" الفضائية الروسية ولجنة الفضاء السعودية للتعاون الشامل بين الوكالتين الفضائيتين الروسية والسعودية، ويتضمن ذلك التعاون في مجال الرحلات المأهولة والملاحة الفضائية، وإعداد وإرسال رائد فضاء سعودي إلى المحطة الفضائية الدولية. وأشار مدير عام المؤسسة، ديميتري روجوزين، إلى أن روسيا تسعى لنشر بضع محطات تابعة لمنظومة "جلوناس" الروسية للملاحة الفضائية في أراضي المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج حيث أن دقة إشارة الملاحة الفضائية تزداد مع زيادة عدد المحطات.

رابعها، التعاون الاقتصادي، ويتضمن ثلاثة محاور أساسية هي: زيادة حجم التبادل التجاري بين الجانبين، وتنمية الاستثمارات المشتركة، وتشجيع السياحة الروسية لدول الخليج. فقد شهد التبادل التجاري بين روسيا والسعودية قفزة خلال العامين الأخيرين حيث ارتفع من 491 مليون دولار عام 2016م، إلى مليار دولار عام 2018م، ويسعى الطرفان إلى مضاعفة التبادل التجاري بينهما ليصل إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2024م، وخلال زيارة الرئيس بوتين للرياض تم توقيع اتفاقية لافتتاح ملحقيتين تجاريتين في موسكو والرياض، ومذكرة تفاهم تتضمن توسيع تصدير المنتجات الزراعية من روسيا إلى السعودية على النحو الذي يسهم في الارتقاء بمستوى التبادل التجاري بين البلدين.

كما تمثل الإمارات شريك تجارى ومستثمر هام وواعد بالنسبة لموسكو فالإمارات ثاني أكبر اقتصاد عربي، وأحد أهم الاقتصادات العالمية، وتتطلع لتعزيز مكانتها ضمن منظومة الاقتصاد العالمي انسجامًا مع رؤية الإمارات 2021، واستعدادًا لمئوية الإمارات 2071م، وتعد الإمارات أكبر الشركاء التجاريين لروسيا في منطقة الخليج العربي، وارتفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 3.4 مليار دولار عام 2018م. وقد اتخذت روسيا خلال الأعوام الماضية بضعة خطوات لتعزيز التبادل التجاري بين البلدين منها افتتاح مكتب تمثيل تجاري لها في السفارة الروسية في أبو ظبي عام 2017م، وتعد الإمارات مركز إعادة التصدير المفضل للمنتجات والسلع الروسية في المنطقة والذي يتيح للمصدرين الوصول إلى نحو ملياري مستهلك في الأسواق المحيطة. ووفقًا لمجلس الأعمال الروسي ــ الإماراتي، الذي بدأ أعماله عام 2005م، تبدي الشركات الروسية اهتمامًا متزايدًا بالمعارض الكبرى التي تقام في دبي بما في ذلك معرض جالفو الذي شهد مشاركة روسية واسعة.

من ناحية أخرى، تسعى روسيا إلى جذب الاستثمارات الإماراتية في قطاعات عدة، وفي نوفمبر 2018م، عُقد في موسكو المنتدى الاستثماري "أبو ظبي موسكو"، شارك فيه 10 شركات حكومية و400 شركة خاصة من الجانبين، وجاء المنتدى في إطار فعاليات أسبوع الاستثمار الإماراتي ــ الروسي، بهدف تطوير الشراكة الاقتصادية والعلاقات الاستثمارية بين البلدين، واستغلال الآفاق الواسعة لتطوير العلاقات بينهما في مختلف المجالات. وقد نجح البلدان في إطلاق مجموعة من الاستثمارات المشتركة من أبرزها الاستثمار المشترك بين الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة وشركة مبادلة الإماراتية في حوالي 40 صفقة مشتركة في روسيا بقيمة تتجاوز 2 مليار دولار أبرزها في مطار بولكوفو بمدينة سان بطرسبورج الروسية، ومشاريع بمشاركة شركة موانئ أبو ظبى، إلى جانب الاستثمارات في مجال البتروكيماويات، وأخرى في مجالي الزراعة والغذاء بقيمة 19 مليار روبل (300 مليون دولار)، بالإضافة إلى استثمار حوالي 10 مليار روبل في مجموعة شركات "افكو" المتخصصة في منتجات الزيوت والدهون في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذى تقوده روسيا ويضم خمس دول هي: روسيا وكازاخستان، وبلوروسيا، وأرمينيا، وقرجيزستان. كذلك الاستثمارات الإماراتية في الأقاليم الروسية ومنها جمهورية الشيشان الروسية. كما ترحب موسكو بمشاركة رجال الأعمال الإماراتيين في إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في مصر والمشروعات الاقتصادية التي تنفذها في دول عربية وإفريقية أخرى.

من ناحية أخرى، تم توقيع مجموعة من الاتفاقات لدفع الاستثمارات المشتركة بين موسكو والرياض في مجالات عدة، منها اتفاق بين شركة سابك ومجموعة (YESN) بشأن المساهمة المشتركة في بناء مصنع للميثانول في الشرق الأقصى من روسيا في مدينة سكوفورودينو، بطاقة إنتاجية 1 مليون طن من الميثانول سنويًا واتفاقية بين شركة "سالك" السعودية والصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة بشأن الفرص الاستثمارية في قطاعي الزراعة والغذاء، والتأسيس لشراكة روسية سعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني، ويتضمن ذلك البحث والتنفيذ المشترك لمشاريع استثمارية جذابة في مجال الإنتاج الزراعي وتربية الحيوانات في روسيا، مما يساعد على تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية وزيادة حجم الاستثمارات المتبادلة بين البلدين. كما حصلت 4 شركات روسية على رخص استثمارية لمزاولة الأعمال في السعودية، في مجالات البناء والتطوير العقاري وتقنية المعلومات والاتصالات والاستشارات الإدارية والهندسة المعمارية.

أما فيما يتعلق بالمحور الثالث فقد أصبحت دول الخليج إحدى المقاصد السياحية الروسية ومنطقة جذب للسياح الروس حيث زادت حركة السياحة بين روسيا والإمارات على نحو كبير وزار الإمارات العام الماضي حوالي 900 ألف سائح روسي. وهذا الرقم مرشح للتضاعف بعد إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين في 17 فبراير من العام المنصرم. ومن المتوقع أيضًا زيادة حركة السياحة الروسية للمملكة العربية السعودية مع تفعيل عدد من مذكرات التفاهم التي تم توقيعها بين البلدين أهمها تلك المتعلقة بمجال السياحة وتسهيل منح تأشيرات الزيارة لمواطني البلدين، وتهيئة الظروف لجذب السياح الروس إلى المملكة وتعريفهم بمناطق الجذب السياحي بها خاصة الشواطئ ومناطق ممارسة رياضة الغوص في البحر الأحمر.

وأخيرًا، يأتي التعاون العسكري التقني كأحد المجالات الهامة للتعاون الخليجي ــ الروسي، وتعتبر الإمارات أهم شركاء روسيا الخليجيين في هذا المجال، ففي فبراير 2015م، وقعت روسيا والإمارات العربية المتحدة مذكرة تتيح تزويد مدرعة "أنيجما" الإماراتية بمنظومة "أ-أو 220 أم"، وذلك على هامش معرض الأسلحة الدولي "آيدكس 2015" في أبو ظبي، وكان المعرض قد شهد حضورًا روسيًا قويًا، حيث شاركت شركات التصنيع العسكري الروسي بنماذج ومعدات جديدة بمواصفات تقنية متميزة. كما تم توقيع مذكرة نوايا بين روسيا والإمارات حول شراء الأخيرة مقاتلات "سو-35" الروسية الملقبة بـ"وحش" سلاح الجو الروسي. ومن أبعاد التعاون العسكري الهامة بين البلدين تحديث الأسلحة الروسية التي بحوزة الإمارات، ومنها عربات القتال المدرعة من طراز "بي.إم.بي - 3" التي تستخدمها القوات المسلحة الإماراتية.

كما بحث الرئيس بوتين والعاهل السعودي التعاون العسكري التقني بين البلدين، خاصة توريد منظومات "إس-300" أو "إس-400" للمملكة، وسبق أن عرض الرئيس بوتين على المملكة، في أعقاب الهجوم على منشأتين حيويتين لشركة "أرامكو" السعودية في 14 سبتمبر الماضي، شراء منظومات الصواريخ الروسية للدفاع الجوي، وهناك مفاوضات جارية بهذا الخصوص منذ العام 2017 . إن العلاقات الخليجية الروسية قد بدأت فصلاً جديدًا من تاريخها باتجاه شراكة مستقبلية آمنة وواعدة تخدم مصالح الطرفين، وتسهم في تلبية تطلعات الشعوب نحو الأمن والتنمية والتحديث.

مجلة آراء حول الخليج