; logged out
الرئيسية / الخليج والثورة الصناعية الرابعة

العدد 146

الخليج والثورة الصناعية الرابعة

الأحد، 02 شباط/فبراير 2020

مع دخول العالم في مرحلة الثورة الصناعية الرابعة، يطرح أبناء دول مجلس التعاون الخليجي عدة أسئلة مهمة مؤداها: هل استعدت دول مجلس التعاون للانخراط في الثورة الصناعية الرابعة؟ وهل وفرت متطلباتها؟ وهل مستعدة للتعامل مع مخرجاتها؟ وهل تستطيع المنافسة؟ وغيرها من الأسئلة التي تتعلق بخوض غمار التحدي والدخول في معترك هذه الثورة .. لذلك خصصت مجلة (آراء حول الخليج) الملف الرئيسي لهذا العدد عن هذه القضية، وبدوره طرح الملف سؤالًا رئيسيًا وهو" هل سندخل مرحلة الثورة الصناعية الرابعة كمشاركين أم كمتفرجين؟"، وجاءت إجابات المتخصصين كما هي منشورة، لكن للحقيقة تسير المملكة العربية السعودية ومعها دول مجلس التعاون نحو الثورة الصناعية الرابعة بخطىً مهمة، وتعمل بجدية لأن تكون مشاركة لا متفرجة، وتسعى لأن تكون فاعلة وإيجابية لا بعيدة أو سلبية، لأن المستقبل مرتبط بالتفاعل مع العالم ومستجداته في إطار صيغة تشاركية تضمن تحقيق الأهداف في إطار منافسة تحكمها الجودة والتعامل مع معطيات العصر بدون تأخير أو إبطاء في ظل تطور سريع لا ينتظر المتردد.

كما أن المملكة ودول الخليج العربية تمتلك مقومات الانخراط في الثورة الصناعية الرابعة كمشاركة وفاعلة، ومن بين هذه المقومات، تمتلك أهم مقوم وهو "الإرادة " والتصميم والمضي قدمًا نحو مستقبل أكثر إنتاجًا، وأكثر اعتمادًا على النفس، وأكثر رغبة في تحقيق الاكتفاء الذاتي على الأقل عند الحد المرضي والممكن وفي المجالات التي تتعلق بالاحتياجات الضرورية لشعوبها، ثم تأتي بقية المقومات المادية الأخرى والتي مع أهميتها، تظل تحتاج إلى الإرادة والعزيمة ثم التخطيط السليم والتنفيذ الدقيق والمتابعة.

دول مجلس التعاون استفادت من دروس الحقب الماضية، كما استفادت من عوائد النفط، وأدركت من خلال التجارب أنه من الضروري ترتيب الأولويات لدخول عصر الثورة الصناعية الرابعة، ومنها توطين العمالة الماهرة المتخصصة في مختلف المجالات، ولتحقيق ذلك أدركت أهمية التعليم وجودته وقدرته على توفير الخريج الذي يحتاجه سوق العمل لتوطين العمالة بعد الدور الكبير الذي قدمته العمالة الوافدة بمساهمتها في بناء نهضتنا خلال العقود الماضية، لكن وبعد أن ازداد عدد الخريجين في دول مجلس التعاون الخليجي كان لزامًا علينا استيعابهم في سوق العمل والاعتماد على العمالة الوطنية في المجالات القادرة على العطاء فيها.

وقد حققت دول مجلس التعاون نهضة تعليمية استفادت في تأسيسها من التجارب العالمية الناجحة في إنشاء المدارس والجامعات، إضافة إلى الابتعاث الخارجي الذي وفر كفاءات وطنية مؤهلة، وكذلك التوسع في التعليم التقني، والتدريب على رأس العمل، والتعاون الوثيق بين القطاعين الحكومي والخاص، مع أن هذا ليس نهاية المطاف، بل لابد من المزيد من الخطط والرؤى للاستمرار في تحديث المناهج وتطويرها بما يتناسب مع احتياجات المستقبل، وعدم الاكتفاء بمناهج تقليدية لا تصلح لطلاب القرن الجديد.

وجاءت الرؤى الوطنية (2030) المتوائمة مع رؤية الأمم المتحدة للتنمية لتجد أرضية مناسبة في المملكة ودول مجلس التعاون، بل وجدت تطلعات داخلية فرضتها المتغيرات الاقتصادية وفي مقدمتها أهمية تنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الاقتصادية، نظرًا لأوضاع وسياسات أسواق النفط العالمية المتقلبة، وكذلك بدائل الطاقة والتوجه نحو الطاقة الجديدة والمتجددة، مع انخفاض أسعار النفط، كل ذلك جعل دولنا تسير بخطىً سريعة نحو الثورة الصناعية الرابعة وتقنياتها ومنتجاتها التي تناسب مجتمعاتنا ذات النسبة العالية من الشباب القادرين على التعامل مع تقنيات هذه الثورة، وفي المملكة العربية السعودية وضعت الدولة خارطة طريق مبكرًا هي رؤية 2030 وحددت محاورها وعملت على تنفيذها سواء بإحلال وتوطين الاقتصاديات الرقمية، أو توطين العمالة، مع تعديل المناهج التعليمة وزيادة تشغيل المرأة والشباب والحد من البطالة، وكذلك الدخول بقوة إلى قطاع الخدمات والسياحة وغير ذلك، وفتح الباب أمام توطين الصناعات المختلفة.

في المرحلة المقبلة يجب زيادة مشاركة القطاع الخاص بفعالية في الصناعات الحديثة وتكنولوجيا الإنتاج الرقمي، مع توسيع المشاركة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص والتي بدأت بطرح جزء من أسهم أرامكو السعودية للاكتتاب، ما يعد من أهم المؤشرات على توسيع المشاركة في الشركات الحكومية الكبرى، مع ضرورة التركيز على فتح الأسواق الخليجية للاستثمارات في مجال الصناعات الرقمية ومكونات الاقتصاد المعرفي ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة بما يواكب الأسواق العالمية بمنح تسهيلات وإعفاءات جمركية وغيرها، وعلى الجهات المسؤولة على التعليم ضرورة مواكبة العصر وتهيئة الخريجين للأعمال الجديدة حتى لا نضيف أرقامًا جديدة للبطالة حيث تشير الدراسات إلى أن أكثر من 50% من وظائف المستقبل في العقد الجديد من الألفية الميلادية الثالثة ستكون وظائف جديدة غير الموجودة حاليًا.

وفي المقابل يجب على الحكومات زيادة نسبة المشاركة في المشروعات والشركات الكبرى إسوة بالمشاركة في عملاق صناعة النفط "أرامكو"، وعلى طريقة مشروعات "نيوم" وإفساح المجال للشباب و المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي يأتي بعضها ضمن مشروعات الثورة الصناعية الرابعة، مع زيادة الشراكات مع الخارج خاصة التكتلات الصناعية الإقليمية والعالمية التي تحقق المزيد من الانفتاح على التكنولوجيا في إطار تعدد الشراكات مع مختلف دول العالم، والبحث عن أسواق جديدة غير التقليدية، مع التوسع في مقايضة النفط مقابل التكنولوجيا في إطار تعاون بناء لتوطين الخبرات والصناعات العالمية ولاسيما من دول شرق آسيا المستورد الرئيسي للنفط من منطقة الخليج، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص للدخول في مجال الصناعات الاستراتيجية والثقيلة ، ومنها صناعة الأسلحة للعمل على تحقيق القدر الكافي من الاكتفاء الذاتي، مع التحول نحو التكامل المثمر في المجال الصناعي بصفة خاصة بين دول مجلس التعاون الخليجي على ضوء المزايا النسبية لكل دولة خليجية، والاستفادة في ذلك من تجارب التكتلات الاقتصادية الكبرى لإيجاد نواة صلبة لقيام تكتل اقتصادي خليجي خصوصًا أننا قطعنا شوطًا كبيرًا لتحقيق هذا التكامل في إطار مجلس التعاون الخليجي.

مقالات لنفس الكاتب