; logged out
الرئيسية / الإعلام البيئي بدون كوادر متخصصة وهو إعلام مناسبات بلا استراتيجية

العدد 147

الإعلام البيئي بدون كوادر متخصصة وهو إعلام مناسبات بلا استراتيجية

الأربعاء، 04 آذار/مارس 2020

تثار من حين لآخر نقاشات حول الإعلام البيئي، ودوره في التوعية بالمشكلات البيئية المختلفة التي تعاني منها دول مجلس التعاون الخليجي؟ وما هو موقعه في الخريطة الإعلامية؟ وهل من مسؤولياته نشر الثقافة البيئية في المجتمع وشرح السياسات البيئية؟ وهل من استراتيجية للإعلام البيئي في الخليج العربي؟ وهل تتوفر في الدول الخليجية الكوادر الإعلامية المتخصصة في الإعلام البيئي؟ وغيرها من القضايا العديدة المرتبطة بالإعلام البيئي.

الإعلام البيئي

الإعلام البيئي هو أحد تخصصات الصحافة والإعلام، وهو يختص بالقضايا ذات الصلة بالطبيعة والبيئة وانعكاس حالتيهما على مجمل حياة البشر: الصحية، والاقتصادية، والسياسية، والسياحية، والثقافية، والتراثية وغيرها. وهو أيضًا حلقة وصل بين العلوم المتعلقة بالبيئة والجمهور، ويهدف إلى تشكيل رأي عام للمجتمع تجاه حماية البيئة ومواردها لاستفادة الجيل الحالي والأجيال المستقبلية.

ويمكن تعريفه بأنه "جمع المعلومات والتحقق منها وإنتاجها وتوزيعها وعرضها فيما يتعلق بالأحداث والاتجاهات الحالية والقضايا المرتبطة بالبيئة". ويمكن تتبع جذور ونشأة الإعلام البيئي في سبعينات القرن الماضي في كتابة الطبيعة ومع عقد "مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية" في استكهولم عام 1972م. فباختصار الإعلام البيئي أداة تعمل على توضيح المفاهيم البيئية من خلال إحاطة الجمهور المتلقي والمستهدف للرسالة والمادة الإعلامية البيئية بكافة الحقائق والمعلومات الموضوعية (الصحيحة) بما يسهم في تأصيل التنمية البيئية المستدامة، وتنوير المستهدفين لتكوين رأي صائب في الموضوعات والمشكلات البيئية المثارة والمطروحة.

فشل السوق وفشل السياسات Market Failure and Policy Failure

حتى نفهم دور وموقع الإعلام البيئي نوضح أولاً السياسات البيئية وموقع الإعلام مهنا. حيث تهدف السياسة البيئية إلى تصحيح الإخفاقات (أوجه القصور أو الفشل) السوقية والتنظيمية الخاصة بالسياسات بهدف سامي وهو تحسين جودة البيئة ونوعية الحياة للمواطنين وكذلك الحفاظ على الموارد الطبيعية من أجل تحقيق خطط التنمية المستدامة. من الناحية المثالية ينبغي تصميم السياسة البيئية لتعظيم الفوائد الصافية للمجتمع من خلال تحقيق المستوى الأمثل لجودة البيئة.

هناك مزيج من أدوات السياسة بيد أي حكومة بحيث يمكنها استخدامها لمعالجة أو التأثير على السياسة البيئية في أي دولة كانت. أدوات السياسة الأكثر أهمية هي اللوائح (التشريعات) البيئية والأدوات الاقتصادية المبنية على قانون السوق (المحفزات مثلاً).

إلا أنّ هناك طريقة أخرى (المنهج الإقناعي) تستخدم بالإضافة إلى الطريقتيْن المذكورتيْن آنفًا للتأكد من التنفيذ الفعّال للسياسات وللتعويض عن أوجه فشل السوق. هذا المنهج يسعى إلى تغيير وجهات النظر والأولويات بدمج الوعي والمسؤولية البيئية في عملية اتخاذ القرار على مختلف الأصعدة (الأفراد والشركات، الدولة ككل أو أقاليمها المختلفة). وتستخدم هذه الطريقة الضغط الاجتماعي والديني لتوضيح أهمية المسؤولية البيئية للأفراد والمنظمات. ويمكن لهذا المنهج المقنع أن يأخذ شكلاً من أشكال التعليم والتدريب مثلاً أو جعل الناس يدركون المخاطر المحدقة بهم وكذلك يشمل هذا الأسلوب تأمين المعلومات والمعرفة. وللإعلام دور مهم جدًا يجب أن يلعبه في إكمال هذه الأداة (المنهج الإقناعي).

وكذا على المستوى الكلي في مجال البيئة، يمكن تقسيم السياسات البيئية إلى سياسات بيئية سابقة أو "وقائية" Precautionary ولاحقة "تصحيحية" Corrective. فلدينا عدد من أدوات السياسة الوقائية مثل دراسات تقييم الأثر البيئي قبل بدء المشروع، وإنشاء المناطق المحمية والتخطيط البيئي والتوعية البيئية، وكذلك عدد من أدوات السياسة التصحيحية، مثل إعادة نشر الصناعات، واحلال التكنولوجيات القديمة بأخرى صديقة للبيئة والرصد البيئي. وهنا نجد أن وسائل الإعلام تلعب دورًا مؤثرًا على حد سواء كأداة احترازية للتحذير من التهديدات البيئية المحتملة، وفي الوقت نفسه، اقتراح حلول تصحيحية وكذلك كونها أداة مراقبة.

دور محوري مزدوج للإعلام

من نافلة القول إن الإعلام يلعب دورًا مؤثرًا في المجتمعات الحديثة. وفيما يختص بالسياسات البيئية يلعب الإعلام دورًا محوريًا وخاصة في تعزيز الوعي والتثقيف والتوعية البيئية. وفي الحقيقة، إن وسائل الإعلام المختلفة، كالصحف والإذاعة والتلفاز وأيضًا وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، تمتلك دورًا مزدوجًا. فمن ناحية، تساعد وسائل الإعلام على شرح السياسات والقوانين والخطط البيئية للعامّة والشركات...الخ، ومن ناحية أخرى، تعكس الوسائل الإعلامية مخاوف وطموحات وآمال العامّة والصناعة المتعلقة بمختلف المشكلات البيئية وتقوم نتيجة لذلك بالضغط على صانعي القرار لحل مشكلات بيئية معينة بطرق ترضي جميع الأطراف وتضمن نجاح واستمرارية هذه الحلول.

مما لا شك فيه أن مهمة الإعلام البيئي بالدرجة الأولى في نشر التوعية والثقافة البيئية، بأسلوب وبلغة وبتقنيات سلسة بسيطة ومفهومة وجذابة للمواطنين. ومن مهام الإعلام البيئي كذلك، الاهتمام بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وحمايتها بصفة دورية ومستمرة وعلى مدار السنة، وليس بطريقة موسمية أو ظرفية أو حسب المناسبات. فالهدف هو خلق أجيال واعية ومسؤولة بيئياً، عن طريق الوعي والثقافة والإدراك البيئي، وهذا لا يتحقق بطبيعة الحال إلا بتوفير المعلومات والبيانات والمعطيات والإحصاءات المتعلقة بالبيئة.

الإعلام البيئي في الخليج العربي

ويعتبر الإعلام في الخليج العربي، حالة مثيرة للاهتمام. فإذا أخذنا في الاعتبار العدد الكبير من المغتربين العاملين في المنطقة فسنجد أن الإعلام المنشور باللغة الإنجليزية يمتلك دورًا بارزًا وأكثر تغطية للأحداث البيئية وفي الوقت ذاته، يمتلك الإعلام المتحدث باللغة العربية دورًا لا يقل أهمية.

إلا أن الطرق التي يغطي بها الإعلام باللغتين العربية والإنجليزية الأحداث المتعلقة بالبيئة مختلفة بعض الشيء، ففي البداية يختلف الاتجاهان في مستوى الاهتمام بتناول موضوع البيئة. وعلى الرغم من أن تلك المشكلات تؤثر في المواطنين من كل الأعمار والأديان والحضارات والجنسيات. وفي كثير من الأحداث التي تنظم باللغة العربية تتم تغطيتها باللغة العربية فقط وكذلك في حالة الأحداث باللغة الإنجليزية، فسنجد أن التغطية تكون باللغة الإنجليزية فقط.

إضافة إلى ذلك، تبدو وسائل الإعلام المتحدثة باللغة الإنجليزية أكثر نضجًا في منهج تناولها للمواضيع والسياسات البيئية – ويبدو ذلك جليًا من عدد المقالات التحليلية والمجال الواسع للمواضيع البيئية التي يتم تناولها. أمّا فيما يتعلق بوسائل الإعلام المتحدثة باللغة العربية (مع بعض الاستثناءات بالطبع) فهي تميل إلى نقل أو وصف المعلومات – من دون إجراء أي تحليلات – مرتبطة بالبيئة. إن التحليل والحوار هما عوامل أساسية في رفع مستوى الوعي البيئي، وكذلك نشر الرسالة بين العموم وتعزيز اهتمام الشعب وخاصة الأطفال والشباب بالمشكلات البيئية. ويبدو أن هذيْن العامليْن مفقودان في كثير من الأحيان في الإعلام البيئي.

وبشكل عام، في الخليج العربي، يمكن القول بأن الإعلام لا يبدي اهتمامًا كافيًا بالمشكلات البيئية، إذا ما قورن بالإعلام الغربي مثلاً. فالقضايا التي تتعلق بالسياسة والاقتصاد والرياضة والفن والموسيقى تأخذ أفضلية وأولوية على القضايا المتعلقة بالبيئة.

وفي الواقع، ترتبط المشكلات البيئية بكل تلك المواضيع السابقة من سياسة واقتصاد وفن وغيرهم، وهكذا فمن المفروض أن تظهر بشكل بارز في الإعلام. لكن يقتصر الاهتمام بالبيئة على الفترات التي توافق أحداثاً مهمّة مثل مؤتمر التغير المناخي أو عند حدوث كارثة بيئية خطيرة.

ويمكن للإعلام أن يستفيد من تكنولوجيات وطرق التقديم الحديثة لنشر رسالته للشعب أو صانعي القرار، وبالإضافة إلى ذلك يجب على الإعلام أن يستخدم مصطلحات غير معقدة ويتبنى نظرة متفائلة للمشكلات البيئية. ويعتبر ذلك أساسيًا لنجاح الإعلام فيما يتعلق بالمواضيع البيئية وسيمكن وسائل الإعلام من أخذ دورها الصحيح في توجيه وربما صنع السياسات البيئية التي هي متطلب أساسي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة على أرض الواقع.

خلاصة القول، يمكننا القول بأننا نفتقر للكادر الإعلامي المتخصص والمتمرس والمؤهل في الإعلام البيئي بالمقارنة بالمجالات الأخرى كالسياسة والرياضة والفن. فالإعلام البيئي المتخصص ما زال في مرحلته الجنينية ويعاني من غياب استراتيجية إعلامية بيئية، وما زال إعلام مناسبات يبرز عند ظهور المشاكل والأزمات البيئية وخلال المناسبات البيئية فقط، كالاحتفال باليوم الوطني للبيئة أو اليوم العالمي للبيئة.

وتجدر الإشارة هنا أنه ليست وسائل الإعلام المنوطة بها هذا الدور في مجال البيئية فالقضايا البيئية ليست من اختصاص وسائل الإعلام والمؤسسة الحكومية التي تشرف على قضايا البيئة فقط لا غير، وحيث أن البيئة هي مسؤولية الجميع كما أسلفنا. فهنا، يجب الاهتمام بالمجموعات المؤثرة في المجتمع لخدمة القضايا البيئية، كالجمعيات الأهلية ومراكز الفكر والرأي، والنوادي والاتحادات الرياضية، والجمعيات الثقافية والدينية... إلخ لما لهم من دور إعلامي توعوي تثقيفي مكمل لوسائل الإعلام التقليدية.

ويجب الإشارة أيضًا للتحديات التي تواجه الإعلام البيئي وعلى رأسها الكوادر المؤهلة ونقترح هنا أن يتولى أحد المراكز البحثية عقد دورات تدريبية لدفع قدرات الإعلاميين البيئيين في الخليج العربي. وكذا يواجه تحدي كبير أخر يتمثل في ضرورة توافر قاعدة معلومات بيئية موثوقة تكون تحت تصرف الأجهزة والمؤسسات الإعلامية والبيئية.

إن الإعلام البيئي يلعب دورًا مهمً اكونه يخاطب الجميع ويؤثر في صنع السياسات بالإضافة إلى دوره في التوعية البيئية، كما سيلعب دورًا متعاظمًا نظرًا لكون البعد البيئي جزءًا لا يتجزأ في كافة أهداف التنمية المستدامة وخطط التنمية 2030 وهو دور ملح ومستمر ومتجدد.

ونظرًا لأهمية الإعلام البيئي والحاجة إلى تكوين كوادر إعلامية متخصصة في مجال البيئة لتنظيم حملات إعلامية بيئية للمواضيع الهامة الطارئة أو ذات الأولوية ومن أجل تعزيز دور الإعلام البيئي ليكون مشاركًا على نحو فعال وتشجيع التواصل بين الإعلاميين البيئيين مع الخبراء والمتخصصين والمهتمين. وبناء على ما سبق ولأهمية الإعلام البيئي في المرحلة القادمة فيدعو كاتب المقال مركز الخليج للأبحاث والجهات والهيآت المهتمة الأخرى للتعاون من أجل تنفيذ برنامج تدريبي للإعلام البيئي لرفع كفاءة الإعلاميين البيئيين في الخليج.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مدير برنامج أبحاث الاستدامة – مركز الخليج للأبحاث

 

شكل رقم 1: رسم مبسط لتوضيح الدور المزدوج للإعلام البيئي

 

 

 

 

 

 

مقالات لنفس الكاتب