; logged out
الرئيسية / دور الإعلام صناعة الرأي العام والاصطفاف خلف أهداف رؤية 2030

العدد 147

دور الإعلام صناعة الرأي العام والاصطفاف خلف أهداف رؤية 2030

الأربعاء، 04 آذار/مارس 2020

 قبل الخوض في غمار أي نقاش من شأنه أن يشغل الرأي العام، لابد أن نسأل أنفسنا ماذا سيضيف هذا النقاش للصالح العام، وكيف سيستفيد به المجتمع.

مع الأسف يغيب هذا السؤال عن أغلب نقاشاتنا، ويغيب عن أغلب القائمين على أجهزة الإعلام على الرغم من أن الجزء الأكبر من دورهم في الأساس ينصب على تنظيم أفكار الرأي العام وتنمية مدارك المجتمع لرفع الوعي.

القاعدة البسيطة التي يدرسها الطلاب في كليات الإعلام، والتي تقول بأن وسائل الإعلام مهما بلغت قدراتها لا تستطيع تشكيل وتوجيه الرأي العام بشكل كامل، لكنها تستطيع ترتيب أفكار النقاش العام، وتحديد أهمية الموضوعات التى تشغل المواطن، وهو دور لا يقل أهمية وخطورة عن استمالة المجتمعات لجانب معين، ولتوضيح الفارق علينا أن نسأل أي قضية أهم وأولى بأن تشغل الرأي العام؟ بدلاً من أن نسأل أي وجهة نظر نريد أن نقنع بها الرأي العام؟، فكل متلقى لديه قاعدته المعرفية وموقفه المسبق الذي سيحدد كيف يستقبل المعلومات التى تبثها وسائل الإعلام لكن يمكن لوسائل الإعلام وضع قضية ما في رأس أولويات الناس وحثهم على التفكير بها والانشغال بها لتنتج نقاش مجتمعي واسع، وبالتالي موقف عام حول هذه القضية بدلاً من قضايا أخرى أقل أو أكثر أهمية.

هذا بالضبط ما تقوم به مواقع التواصل الاجتماعي (صنيعة الرأي العام) الآن بعد أن تسرب هذا الدور من بين أيدي القائمين على الإعلام، وصارت مواقع التواصل الاجتماعي هي التى تحدد الموضوعات الرائجة والأعلى متابعة، وأيها يتم التعتيم عليه والتغاضي عنها مهما بلغت أهميتها وبالتبعية استغل محبي الظهور هذه الفكرة وصار هناك مفتعلي الموضوعات الأعلى متابعة عن طريق افتعال الأزمات وتحولت هذه الصفات البغيضة إلى وظيفة تسويقية.

المشكلة الخطيرة في هذا الترتيب الذي تسير الأمور وفقا له، أن ترتيب الموضوعات التى تشغل الرأي العام صارت لعبة في أيدي مجموعة من المدعين، ومفتعلي الأزمات، ويسير من خلفهم أغلب القائمين على وسائل الإعلام سواء كانت فضائيات أو جرائد أو إذاعات، دون تفكير.

لقد تخلت هذه الوسائل الإعلامية عن دورها طواعية، ودون مقاومة لهذا الكم من الركاكة، وضعف المعلومات، بل ولا جدوى للنقاشات التى تقودها جماعات الثقافات المحدودة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، دون أدنى ضابط أخلاقي أو معرفي.

تنتقل النقاشات كما هي إلى البرامج الفضائية، دون أن يسأل معدى هذه البرامج ماذا ستضيف هذه النقاشات للشأن العام، أي القضايا أولى بلفت نظر المجتمع وتوجيه تفكيرهم وطاقاتهم إليها، هل ستشكل هذه النقاشات فارقاً في حياة المواطن وما القيمة المضافة إليه، وتحت هذه التصنيفات يمكن أن نضع عشرات النقاشات التى انجرف القائمون على الإعلام وراءها في الشهور القليلة  بل السنوات وانشغلوا بالجري وراء شخصيات زائفة تفتعل مواقف وأزمات كل فترة لمجرد الظهور الإعلامي، ودون أن نفهم السبب الذى تورطت أغلب المواقع الإخبارية ومعدى البرامج والصحفيين وبعض المدعين بالزعامات الدينية والسياسية والاجتماعية وغيرهم في البحث عن ردود أفعال مختلف الأطراف حول هذه الأزمات التى يعرفون جيداً أنها مفتعلة وهدفها الظهور الإعلامي فقط.

وصار من السهل أن تستيقظ في الغد لتجد كل قنوات التليفزيون وأصدقاءك ومعارفك يناقشون تصريح أو رأى أو موضوع طرحه أحد نجوم مواقع التواصل الاجتماعي الذين أصبح لديهم آلاف المعجبين، أو بمعنى أدق "مريدين" ، هؤلاء الأشخاص في الغالب يتسمون بالسطحية وعدم القدرة على تناول أي قضية حقيقية بعمق، نظراً لظروف عدة منها أن الهدف من النقاش لا يستهدف سوى جمع أكبر عدد من الإعجاب والمشاركات حتى إشعار آخر واصطياد قضية جديدة تحوز عدد أكبر من الإعجاب والمشاركات الوهمية، ودون أدنى محاولة للبحث والتمحيص لتكوين رأى عام حول أياً من هذه القضايا.

ومن هذا المنطق فإن هؤلاء لا يجيدون سوى افتعال الجدل والأزمات ولا يصمد أياً منهم أمام أي نقاش حقيقي، لذلك يكون الحل السحري هو البحث عن قضية جديدة ينشغل بها الرأي العام قبل أن تحسم القضية الأولى وهكذا.

والنتيجة أنه لم تعد وسائل الإعلام قادرة على العمل المتصل حول موضوع بعينه لتكوين معرفة عميقة حوله تمكن الرأي العام من اتخاذ موقفاً منه، صارت أغلب نقاشات الرأي العام مبتسرة تتسم بالسطحية وعدم الدقة ناهيكم عن الاستناد إلى مصادر مشبوهة وغير دقيقة للمعلومات. إن إدراك صناعة الرأي العام تتطلب تحمل من القائمين على صناعة الإعلام إدراك اللحظة الفارقة في عمر الوطن، والعمل على رفع وعى المجتمع بدلاً من المتاجرة بأحلام البسطاء.

ليس ذلك فقط بل يجب على القادة والمسؤولين عن شؤون الوطن أن يبادروا بالتصدي لمثل هذه القضايا بما لهم من ثقل معلوماتي وحب جماهيري ومعرفة بطبائع الشعوب وبما يتماشى مع العادات والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمع، وقبل ذلك بما يتحملوه من مسؤولية وتفويض شعبي لرعاية مصالحهم، كل ذلك من شأنه وقف هذه الهجمات الشرسة التي تنال من إنجازات المجتمع ووحدته الوطنية وتماسك نسيجه الاجتماعي.

إن هذه الخطوة تعكس المشاركة الفاعلة والواعية لجميع أبناء الشعب السعودي وكافة أجهزته الإعلامية خاصة والمؤسسية عامة في تحقيق الاصطفاف المجتمعي وتحصين الرأي العام والوقوف خلف القضايا الكبرى والتفاعل مع أهداف رؤية المملكة 2030م والتي قال عنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد " يسرني أن أقدم لكم رؤية الحاضر للمستقبل التي نريد أن نبدأ العمل بها اليوم للغد، بحيث تعبّر عن طموحاتنا جميعاً وتعكس قدرات بلدنا". هذه الوثيقة التي تضع تصوراً واضحاً ورؤية طموحة وتعد الخطوة الأولى في التوجه الجديد نحو بناء "مستقبل أفضل".

هي خطة ما بعد النفط للمملكة العربية السعودية تم الإعلان عنها في 25 أبريل / نيسان من العام 2016م، أعدها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان، وتضمنت خططاً واسعة لقطاعات مختلفة منها اقتصادية واجتماعية وتنموية، وذلك عبر تنفيذ إصلاح اقتصادي وفق خطط وضعت بالتعاون مع اختصاصيين سعوديين ودوليين، على أن تنجز في 2030 متضمنةً 3 تقسيمات رئيسية هي اقتصاد مزدهر، مجتمع حيوي، ووطن طموح.

برامج عدَّة بدأ تنفيذها ومهدت الطريق أمام بناء هذه الرؤية، أبرزها، برنامج إعادة هيكلة الحكومة برنامج الرؤى والتوجهات، برنامج تحقيق التوازن المالي، برنامج إدارة المشروعات، برنامج مراجعة الأنظمة، برنامج قياس الأداء. ولضمان تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030 يتم العمل على إطلاق مجموعة من البرامج التنفيذية والتي سيكون لها كبير الأثر الكبير في تحققها ومنها على سبيل المثال لا الحصر: برنامج التحول الاستراتيجي لشركة أرامكو السعودية، برنامج إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات العامة، برنامج رأس المال البشري، برنامج التحول الوطني برنامج تعزيز حوكمة العمل الحكومي، برنامج التوسع في التخصيص، برنامج الشراكات الاستراتيجية. وقد حدد مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة العربية السعودية 10 برامج ذات أهمية استراتيجية للحكومة لتحقيق "رؤية المملكة العربية السعودية 2030" والتي أقرها مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في 25 أبريل / نيسان 2016م، وتعتبر هذه البرامج استكمالاً لبرنامجين تم إقرارهما سابقاً وهما "برنامج التحول الوطني 2020" الذي أطلق في 6 حزيران من العام الماضي ويهـــدف إلـــى تطويـــر العمـــل الحكومـــي وتأســـيس البنيـــة التحتيـــة اللازمة واســـتيعاب طموحاتهـــا ومتطلباتهـــا. و"برنامج التوازن المالي 2020" الذي أطلق في 22 سبتمبر/ أيلول 2016م، وصيغت آليات عمله وفق حوكمة الرؤية التي أقرت في 31 مايو / أيار 2016م، وتأتي البرامج الـ 12 لتدعم تحقيق "رؤية المملكة العربية السعودية 2030" في جعل اقتصاد المملكة أكثر ازدهاراً ومجتمعها أكثر حيوية، متمسكاً بالقيم الإسلامية وبالهوية الوطنية الراسخة.

ولتحقيق هذه الرؤية إضافة لما أوردناه سابقاً يجب أن يعمل الإعلام على خدمة القضايا الوطنية وتوضيح صورة المملكة في الخارج والتصدي لأجندات الإعلام المغرض، وتبني مواقف المملكة العادلة من القضايا الإقليمية والدولية، وأن يقف بقوة ضد الشائعات ويتصدى للفكر المتطرف والإرهاب وتصحيح صورة المملكة المغلوطة التي تروج لها الجماعات والدول التي تعمل ضد المملكة في الداخل والخارج.

إن مستقبل المملكة مبشر وواعد، بإذن الله، وتستحق بلادنا الغالية أكثر مما تحقق. ولدينا قدراتٌ سوف نقوم بمضاعفة دورها وزيادة إسهامها في صناعة هذا المستقبل ندعو الله أن يوفق ولاة الأمر والقائمين على شؤون البلاد والعباد لما فيه خير بلادنا الحبيبة وحفظها من الحاقدين والطامعين والحاسدين.

مجلة آراء حول الخليج