; logged out
الرئيسية / تحديات الإعلام الخليجي: الهواة و الاجتهاد الشخصي المبني على جهل الآخر

العدد 147

تحديات الإعلام الخليجي: الهواة و الاجتهاد الشخصي المبني على جهل الآخر

الأربعاء، 04 آذار/مارس 2020

تحميل    ملف الدراسة

كيف يمكن أن نقرأ تأثير الاعلام على القضايا المتداولة والمطروحة في الساحة الخليجية؟ وهي قضايا حساسة ومصيرية؟ هذا السؤال الذي سوف أحاول أن أجيب عليه بحلوه ومره (إن صح التعبير)، فنحن أمام تغير يمكن أن يوصف بأنه (هائل) في سباق التأثير على الرأي العام وتكوين القناعات والتي نتيجتها يزداد (الولاء السياسي) و (الوطني) في بلد ما أو ينقص، تهدأ المجتمعات أو تثور. من الصدف أن يكون تكليفي بكتابة هذا الموضوع من قبل إدارة مجلة (آراء حول الخليج) أن يتم في نفس الوقت اختطاف حسابي في الواتس اب WhatsApp  حيث سبب لي إزعاجا غير مسبوق وقضيت أيامًا أكتب لأصدقائي أن ما يأتيهم من حسابي هو (لست أنا)، فقام من اخترق الحساب بطلب ما من الأرقام التليفونية المخزنة في جهازي، على أساس أن المتصل هو أنا! وكان يمكن أن يستخدم ذلك الاختراق بوضع   كلمات أو عبارات أو صور خارجة عن المألوف، فيوقعني في حبائل الاتهام القانوني وباسمي ورقم تليفوني، اكتشفت بعد ذلك أن عددًا من الأصدقاء قد حدث لهم مثل ذلك الاختراق بشكل أو بآخر في وقت أو آخر. إذا نوعًا من الإعلام الجديد (الإعلام الرقمي) يكتسح الساحة وهي ساحة خطيرة يمكن كما تستخدم للنفع أو تستخدم للتهديد والتزييف والوعيد والابتزاز! على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدول في السياسة والاقتصاد والاجتماع معًا، فكم هو خطير تطور الإعلام في صورته الرقمية في حياتنا [1]لقد كان (الإعلام التقليدي) يعتمد على وكالات الأنباء والمراسلين، أصبح مع الزمن ينقل من وسائل التواصل الحديثة فبدأت التلفزيونات والإذاعات بل وحتى الصحف تنقل عن تلك الوسائل، فهي حولت الشخص إلى مراسل في التو والساعة وشاهد على الحدث بل وفي كثير من الأوقات منشئ الحدث.

أنواع الإعلام: الإعلام اليوم منظومة واسعة فهو متعدد الوسائل وأيضًا متفاعل مع المنظومات الاجتماعية الأخرى سواء التعليمية أو السياسية أو الاجتماعية أو الإدارية أو القانونية أو الأخلاقية، هو متشابك معها، فاعل فيها ومنفعل بها. والإعلام في الخليج يحمل تلك التعددية كما يحمل تلك الازدواجية، إيجابي في حال وسلبي في حال آخر، فقد أصبحت مجتمعات الخليج الأكثر في استخدام وسائل الإعلام التقليدية والجديدة بسبب الوفرة المالية من جهة والاحتكاك بالعالم المفتوح من جهة أخرى.

الإعلام الخليجي متنوع من حيث:

1-  الملكية: وسائل الإعلام في الخليج تتعدد ملكيتها منها الإعلام الخاص، كما في ملكية الصحف الكويتية أو السعودية ( مؤسسات شبه عامة) ومنها الملكية المباشرة للدولة كما الإذاعات المحلية الرسمية و محطات التلفزيون، في مكان آخر نجد أن شبكات التلفاز في الخليج إما تدار نيابة عن الدولة أو هي ملكية ( خاصة) ظاهرًا و لكن للدولة كلمة وازنة في إدارتها، إنما المشترك في كل ذلك هو أن ( الدولة) الخليجية تشرف من خلال مؤسساتها المباشرة أو من خلال القوانين الملزمة التي تصدرها على المحتوى الذي تنتجه تلك المؤسسات الإعلامية وتؤثر في برامجها، و في ساحة الإعلام الجديد (فيس بوك، تويتر ، استجرام ،يوتيوب وغيرها ) من الوسائط الجديدة للمواطن القدرة على الوصول والتعبير من خلالها و لكن في معظم دول الخليج نجد أن القانون (صارم) في ملاحقة من يخرج عن القواعد القانونية أو الأخلاقية الموضوعة أو يتناول الموضوعات السياسية دون تحوط [2]، يعاقب هؤلاء بصرامة. من الملاحظ أيضًا أن القانون الناظم لوسائل الإعلام بشكل عام (التقليدية) في دول الخليج يختلف جزئيًا أو كليًا من دولة إلى أخرى، وظهرت أجهزة متابعة في الدولة لم تكن معروفة في السابق كمثل (إدارات الجرائم الإلكترونية) قبلها كان القانون العام ينظم الصحافة والتلفزيون والإذاعة، ولم يستطع هذا القانون العام أن يغطي أشكال الخروقات التي يحدثها الإعلام الرقمي الجديد لذلك صدرت مصفوفة تشريعات جديدة خصيصًا لهذا الإعلام الجديد[3].

2-    من حيث التدريب والمهنية : هنا نجد الأمر أكثر تعقيدًا، ففي وسائل الإعلام ( التقليدية) إذاعة وتلفزيون وصحافة و ما جاورها نجد أن ( المهنية) بمعناها الواسع ضعيفة في كثير من تلك الوسائل، فهي تعتمد ( في القطاع الخاص) على يد عاملة غير مكلفة ماليًا وبالتالي غير مدربة، و في القطاع العام تخضع لمجموعة من قواعد و قرارات التوظيف في الدولة المعنية، كما أن كثيرًا منها يُشغل موظفين يرتقوم في درجات الترقية البروقراطية أكثر منهم فنيين ومتخصصين، وبعض وسائل الإعلام تهتم (بالأدلجة ) دون وعي بالتغيرات الحاصلة في وعي الموطن فينفر منها ويضعف الإقبال عليها .. لذلك ينكشف الإعلام في دول الخليج على الخارج، وكثيرًا ما يكون ذو مصداقية منخفضة لدى المتلقي، فيعتمد المتلقي على وسائل أخرى خارجية، وهي في الغالب أيضًا مسيرة ولكن ربما بأكثر مهنية. طبعًا من المهم أن نعرف أن الإعلام بشكل عام لا بد أن تكون له أجندة إما ظاهرة وإما خفية [4] فلا وجود لإعلام ( في أي مكان دون أجندة) [5] إلا أن الأهم أن يكون هناك ( منظومة أخلاقية) للإعلامي و تدريب مهني في اختيار الموضوعات و طريقة الحوار و متابعة المعلومات واستخراجها من مصادرها و الكثير من الموضوعية Impartiality    ( الكثير من الا تحيز) و فوق ذلك الثقافة العامة للإعلامي التي تساعده على القيام بمهمته على أفضل وجه ، وفي الكثير من وسائل الإعلام الخليجي نلاحظ نقصًا كبيرًا في التدريب ويفقد كثير من العاملين واحدة أو أكثر من تلك المزايا المذكورة سلفًا .

3-  غلاظة التخاصم وقباحة الحوار : أصبح تعريف ( الأخبار المزيفة) مفهوما نعيش معه كل يوم بل كل ساعة، و الإعلام الخليجي ليس استثناءً، فهو من حيث Fake News  ( تزييف الاخبار) متقارب مع غيره في الفضاء العالمي، على رأس وسائل ( الأخبار المزيفة) الإعلام الرقمي، ولكن ليس مقصورًا عليه، فهناك من يقوم بتزييف الأخبار أو الإضافة إليها أو ( تحسينها او تشويهها ) من أجل الأهداف التي يراد تحقيقها ،ولقد تعاظم ذلك في فضائنا الخليجي بعد ما عرف بـ ( الأزمة الخليجية)[6] التي أحدثت شرخًا في المنظومة الخليجية وخاصة في الفضاء الإعلامي و احتشد الفرقاء إعلاميا كل يدافع عن وجهة نظره، ولكن ليس بأقل من تحميل الخلاف كمية هائلة من ( الأخبار المزيفة) أو ( الأخبار المزيدة و المنقحة) المبالغ فيها، مما دفع أهل الاعتدال في الخليج للمطالبة بأن يبقى الخلاف في إطار ( الاختلاف السياسي) ولا يخاض فيه على المستوى الإعلامي [7] .

الأخبار الكاذبة: الاخبار الكاذبة ليست مفهومًا جديدًا، مع الأسف بعض القادمين الجدد على المجال (الإعلامي و الاتصال) يعتقدون أن ذلك المفهوم نشأ مع حملة السيد دونالد ترامب، و انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2016م، هم أبعد عن الحقيقة، و هي أن مفهوم الأخبار الكاذبة كان لها مسميات أخرى قبل ذلك بكثير ، كانت في فترة تسمى ( الصحافة الصفراء) وفي فترة أخرى تسمى ( التلاعب بالعقول)، ولعلي هنا أشير إلى كتابين قديمين صدرا منذ فترة   ويفرقا في تاريخ النشر ربع قرن تقريبًا، الأول هو للمؤلف هيلبرت شللير ،( توفى عام 2000م) والكتاب صدر بالإنجليزية عام 1973م، بعنوان (إدارة العقول ) وترجم إلى العربية، ونشر من خلال سلسلة عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة في الكويت عام 1999م، تحت عنوان مختلف جزئيًا هو ( المتلاعبون بالعقول ) و الكتاب متوفر على الشبكة الدولية، أما الكتاب الثاني فهو ( من يدفع للمُزمر) أو ( نافخ المزمار ) وصدر عام 1999م، ولم يترجم إلى العربية، وكان عنوانه الفرعي ( وكالة المخابرات الأمريكية والحرب الثقافية) ، وهو رصد تفصيلي كيف قامت الوكالة، إبان الحرب الباردة، بتمويل و التحكم في محتوى المنشور ( صحف و محطات تلفزيونية) الموجهة إلى المعسكر الآخر ، العنوانان السابقان يشيران إلى فكرة ( الأخبار الكاذبة) بأنها فكرة قديمة، ولكنها انتشرت أكثر ، و انتقلت من الخواص إلى ( العوام) بالمعنى الاجتماعي بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة.

الاخبار الكاذبة في الفضاء الغربي الصناعي يُنتبه إليها بسرعة نسبية، ويستجاب لها بدرجات مختلفة من أجل حصر سمومها، وتكون الاستجابة اقتصادية، قانونية، و ثقافية، تلك المضادات تفعل فعلها إلى درجة كبيرة في حصر الخسائر ، الموضوع في الذهن ما كتب أخيرًا وتحدث عنه كثيرون، وهو حصول شركة دراسات ودعاية ( كيمبرج انلاتيكا) على معلومات من الفيس بوك ( أحد أهم وسائل التواصل الاجتماعي) و استخدمت تلك المعلومات في الترويج لحملة السيد دونالد ترامب في الانتخابات 2016م، سرعان ما استجيب لذلك الأمر اقتصاديًا فقد سقطت أسعار اسهم الفيس بوك في البورصة حوالي 9% كما استجيب لها قانونيًا من خلال استدعاء صاحب شركة فيس بوك للمثول أمام لجنة تقصي حقائق في الكونجرس الأمريكي و أيضًا بمصفوفة قوانين في الاتحاد الأوروبي و في الولايات المتحدة من أجل التضييق على احتمال تسريب معلومات شخصية لطرف ثالث دون علم المواطن المشارك، كما تمت الاستجابة ثقافية بتدهور (صدقية) الفيس البوك لدى المشاركين، كما لم يحدث من قبل . الشركة الأم سوف تعاني كثيرًا قبل أن تعود إلى (صحتها) المهنية بسبب تلك (المضادات) التي تم اتخاذها على أكثر من صعيد. ذلك في الفضاء الغربي \ الصناعي، أما في الفضاء العربي، ومع هذا الاستقطاب غير المسبوق بين عدد من المعسكرات السياسية\ الثقافية في فضائنا العربي، فإن كل تلك المضادات إما غير ممكنة في الواقع أو غير مؤثرة. لأن الفضاء العربي (الإعلامي والتواصلي) غير منظم، فكثيرون يستخدمون (الاخبار الكاذبة) وكأنها أداة شرعية لدفع وجهة نظرهم إلى العامة، في هذا المقام يزيد من صعوبة الموقف ضعف شديد في المهنية، فالإعلام بشكل عام في فضائنا العربي، هو تقريبًا مهنة من لا مهنة له، وأضف اليها المشاركون في وسائل التواصل الاجتماعي، بعضهم يسير على طريقة (الدفع للمُزمر) أي خلق منصة للترويج إلى أخبار أو مواقف أو تشهير بأشخاص أو دول (مدفوعة الأجر) وآخرون يشاركون في العزف، أما عن جهل أو قلة خبرة أو بحث عن شهرة! و يبدو أن وسائل التواصل الاجتماعي في بعض الفضاء العربي تفقد بريقها من حيث الصدقية، ففي دراسة تمت العام الماضي من قبل المجلس الوطني للإعلام في دولة الإمارات، وذكرت في أحد اللقاءات التي نظمها (منتدى الإعلام العربي) 3\4 ابريل 2017م، أن صدقية وسائل الاتصال لدى المشمولين في الدراسة هي فقط 26 % للفيس بوك ، و 8% للصحافة المطبوعة ، و 30% للتلفزيون، وهي نسب كاشفة، ربما تختلف في مجتمعات أخرى ،ولكنها تقول لنا إن الأخبار أو الموضوعات التي توضع على تلك المنصات المختلفة، تؤخذ بالكثير من الحذر من الجمهور ،ولكن أي جمهور ، المؤسف أن تلك الأرقام لم توضح سوية الجمهور المستطلع، إلا أننا نستطيع القول بشيء من الثقة إن ( الجمهور الذي يتوفر له الاطلاع على منصات إعلامية مختلفة) يمكن أن يتوفر له شيء من المناعة في استقبال وتمحيص الأخبار (الكاذبة)، إلا أن تلك الفكرة العامة تعطلها ففكرة أخرى ، وهي أن المجتمعات ( المستقطبة) كما هي المجتمعات العربية اليوم، يميل جمهورها إلى تصديق ما يرغب في حدوثه، ولا يتوقف كثيرًا ليعرف أو يمحص الأخبار ما دامت تحقق له شيئًامن (الراحة) النفسية، في الغالب هو يصدق ما يحب و يميل إلى تكذيب ما يكره . هي ببساطة آلية نفسية، يمكن أن نرصدها لدى (المساهم) في شركة، فإن سمع أن الأسهم قد ارتفعت يصدقها دون تردد، أما إن كان الخبر أنها خسرت، يرغب في عدم التصديق أو التشكيك! الإجابة التي يتوقعها القارئ هي إجابة السؤال: ما العمل؟ مع الأسف ليس هناك أدوات يمكن الاستفادة منها في رفع كفاءة نظام المناعة الثقافي لدى الجمهور العربي والخليجي، حيث لا النظام التعليمي يساعد على رفع عوامل المناعة عن طريق التفكير النقدي، ولا النظام السياسي يفعل ذلك عن طريق تقنين واع للحريات، والنظام الاجتماعي بقادر على رفع نسبة المناعة عن طرق تحديد واع لقيم الأفضلية والتميز، ولا النظام الاقتصادي بقادر على خلق كفاءة إنتاج وخفض مستوى الاستهلاك. أمام هذه المعضلة الثلاثية سوف يبقى التضليل سيد الموقف والاستقطاب هو السائد والعملة الرديئة تطرد العملة الجيدة!! إلا أنه من المهم القول إن هناك مناعة ما لدى الجمهور الخليجي ملاحظة في العديد من الدراسات فهو متوافق إلى حد كبير في فهمة للقضايا الاستراتيجية الكبرى.

قضايا رئيسية للإعلام في دول مجلس التعاون:

الأول : قضايا الأمن و السياسة الخارجية : ثلاث مشكلات رئيسية في هذا الملف تواجه الجمهور الخليجي على المستوى الإعلامي الأولى إيران ،والثانية التوترات القائمة بين دول المجلس، و الثالثة هي الموقف من ( حركة الإخوان المسلمين) رغم تعدد الرؤية النسبية تجاه هذه القضايا فإن الدراسات تلحظ أن موقف الرأي العام الخليجي منها متقارب جدًا، فاستطلاعات الرأي تقول لنا هناك موقف سلبي من إيران يكاد يكون تقريبًا مجمع عليه [8]بسبب تدخلاتها في المنطقة العربية و في دول الخليج بالذات، أما الموقف الثاني فعلى الرغم من الخلاف السياسي بين بعض دول المجلس والدوحة، إلا أن الرأي العام الخليجي يميل إلى الوصول إلى حل وسط في هذا القضية ويرغب في عدم التصعيد. أما الموقف من حركة الإخوان المسلمين فهناك رأي محدود يرى الوصول معها إلى حل وسطي هو الطريق الأفضل، أما الأغلبية فترى إنها تحمل (أفكارًا انقلابية) لا تناسب الاستقرار في دول الخليج[9].

ثانيًا : القضايا الاجتماعية : بجانب القضايا الثلاث الرئيسية هناك القضية الاجتماعية التي تحوز على اهتمام الجمهور الخليجي إعلاميًا وخاصة دور ومكانة المرأة في مجتمعات الخليج وتأخذ القضايا الاجتماعية حيزًا مختلفًا عليه في الإعلام الخليجي و هو حيز يقع بين ( المتشددين) و ( الحداثيين) إن صح التعبير ،ونجد هذا الأمر ظاهرُا جليًا في وسائل التواصل الاجتماعي، بعضها يؤيد حقوق المرأة و مساواتها بالرجل وفتح أبواب العيش الكريم لها، وآخرون يرون في المرأة ( عورة) ذلك الموقف الاجتماعي لم يحسم ولا يتداول إلا قليلاً في وسائل الإعلام التقليدية (الإذاعة و التلفزيون وحتى الصحف) أما في وسائل الإعلام الجديد ( الرقمي) فهو يكاد يسود في المناقشات والتعليقات، وبسبب حساسيته فإن السلطات الرسمية لا ترغب في التدخل في النقاش العام، مع ميل لإصلاح بعض المساقات التعليمية الخاصة بالمرأة و بالموضوع الاجتماعي ككل.

ثالثا: في القضايا العامة: ففي ضوء الانقسام الحاد على القضايا العربية العامة فإن المتابع الخليجي يسير في الغالب مع ذلك الانقسام مثل الموقف من الولايات المتحدة والموقف من إسرائيل والقضية الفلسطينية وطريقة الحصول على الحقوق الفلسطينية، هنا نجد ذلك الانقسام لدى الجمهور في دول مجلس التعاون واضحة مثلها مثل الانقسام على المستوى العربي العام.

الإعلام الخليجي بين المهنية والرسالة

لا يجادل كثيرون حول أن الإقليم الخليجي في هذه المرحلة يقف أمام مفترق طرق، فهناك ضغوط إقليمية ودول تطرح مشروعات سياسية وهمها الرئيسي هو التوسع ومد النفوذ (إيران – تركيا) وهناك دول عالمية تنظر إلى المنطقة بارتباك مثل كثير من دول غرب أوروبا وهناك الولايات المتحدة التي ترسل رسائل في بعض الأوقات متضاربة تجاه دول الخليج وقضاياها المركزية، أما من الشرق فإن لروسيا والصين رغبات سياسية واقتصادية. في هذا الفضاء المضطرب تجد أن دول الخليج بشكل عام هي مكان (تصويب) إعلامي كثيف، فهناك وسائل إعلام متعددة المستويات قادمة من تلك الأماكن، كمثال ب ب سي عربية من بريطانيا (إذاعة وتلفزيون)، قناة 24 العربية من فرنسا وأيضًا إذاعة مونت كارلو ويتبعها قناة آر تي الروسية وأيضًا قناة من ألمانيا ويعقبها قنوات من الولايات المتحدة وكثير من القنوات العربية التابعة لإيران أو أحد أذرعها وتبث بالعربية، أما الفضاء الرقمي فهو أيضًا مشبع بعدد ضخم من المدونين. ولأن القوى المعادية للوضع الخليجي ترغب في إضعاف مقاومة الرأي العام المحلي (الخليجي) من أجل تمرير رسائلها المؤدلجة، لذلك فإنها تضخ الكثير من الأخبار المزيفة يساعدها في ذلك قلة من (الموتورين) المحليين وخاصة في الإعلام الرقمي.

                   (وتحاول تلك الوسائل بشكل عام أن تبدو للملتقي إنها محايدة، ففي الحورات تحرص على استضافة شخصيات لها مواقف (تدافع) عن الخليج وأخرى (تهاجم) وللمتلقي العادي أن ذلك (معقول) إلا أن القطبة الخفية هنا أن سوية المتحدث المناوئ عادة ما تكون ذات قدرة عالية على التعبير أما المقابل الخليجي فعادة يستضاف الأقل قدرة وغير القادر على فهم المقصود (فتسجل نقاط على الموقف الخلجي في الوقت الذي تظهر أنها محايدة!)

أمام هذا التحدي الهائل يجد الإعلام الخليجي نفسه في معركة تتوسع ساحاتها وتتعدد موضوعاتها، على الرغم من ذلك فإن الرأي العام الخليجي لا يزال متماسكًا في القضايا الرئيسية على الأقل بموقف متقارب وبعضه يقاوم ذلك السيل من الأخبار المزيفة[10] التي تقدم تحت عباءة الفقه أو السياسة [11]

المهنية: يتفق المختصون على أن جمهور الإعلام ( أي إعلام) هم ثلاث شرايح واسعة ،واحدة هي مع رأيك وأخرى مضادة تمامًا لرأيك و الثالثة محايدة، تلك المضادة لرأيك لا يجب أن تتعب في إقناعها لان لها قناعات ثابتة أو شبه ثابتة، أما التي معك فهي توافق على كثير مما تقول، ( اللعب) إن صح التعبير على ساحة الشريحة الثالثة، وهي شريحة تريد أن تعرف وفي نفس الوقت تنتظر أن تسمع ما هو عقلاني ومنطقي، وهي الشريحة التي يتوجب أن يركز عليها الإعلام الخليجي من أجل كسبها، من جهة أخرى يجب عدم إهمال أي’ ( أخبار كاذبة) و يتوجب تفنيدها بشكل عقلاني لا صرف النظر عنها أو تكذيبها بشكل هامشي وغير محترف . ونحن في فضاء الإعلام اليوم في حالة سباق لا يهدأ ولا يعرف الليل أو النهار.

الخلاصة

أصبح الإعلام اليوم صناعة متشعبة الأدوات، يحمل فلسفة ويحتاج إلى أدوات ترفده ومراكز بحث تدعمه ويوزع من خلال مؤسسات مختلفة ومتناقضة، وتدرس تأثير مداخله وتأثير مخارجه. الإعلام يحتاج إلى رافعة (يومية ودؤوبة) فلا يترك للمهنيين ذوي الثقافة في مجالات اجتماعية متعددة فقط بل يساهم السياسيون بوعي في وضع أجندته اليومية تقريبًا، لذلك نرى في الغرب أن هناك عمل مبرمج لما يعرف بـــ( الإيجاز الصحفي اليومي) في دوائر صنع القرار، بل إن مسؤولين كبار يطلون يوميًا من خلال وسائل التواصل الحديثة لإرسال رسائل ينشغل بها العالم ، مثال على ذلك تغريدات الرئيس دونالد ترامب ، و أخرى للرئيس إيمانويل ماكرون وآخرون على اتساع رقعة العالم ، فمن له قضية يجب أن يضع هو الأجندة لها ويحدد أولوياتها ولا ينتظر البيروقراطية أو الموظفين للقيام بذلك !   وقد أشرنا إلى العدد الكبير من مواقع الإعلام (القديم والحديث) الموجه إلى العقل العربي والخليجي من خارجه أغلبها معادي، فكم لدينا من تلك الوسائل التي تتحدث ب (لغتهم) أي اللغات الأخرى مثل الفارسية أو التركية والفرنسية أو الإنجليزية وتتعامل بثقافتهم؟ قلة القليل! في هذا الفضاء الإعلامي ذو المصادر المفتوحة لم يعد هناك مكان للهواة، كما لم يعد هناك مكان للاجتهاد الشخصي المبني على جهل بالغير، علينا أن نقوم بمعرفة الآخر معرفة علمية حقيقية مع درس أدواته ووضع الخطط لمواجهة تلك الرسائل القادمة منه بحصافة ومهنية لزرع الثقة في جمهورنا.

 

[1]يمكن ان يسبب ذلك اختلاف بين دول او جماعات في المجتمع او خلاف بين اعضاء في الاسرة الواحدة وتشويه لصورة البعض   ليس الافراد فقط ولكن الدول أيضا .

[2]كثير من دول العالم تصدر تشريعات تلاحق المسيئين ولكن تقدم التقنية تفتح لهؤلاء ابواب جديدة لاختراق تلك القوانين.

[3]البعض يرى ان هذه القوانيين ( صارمة) الى حد المس بحرية الرأي التي يتص عليها بعض الدساتير المعمولة في بعض دول الخليج

[4]في عام 1999 شهر مارس نشرنا كتاب في سلسلة عالم المعرفة بعنوان ( المتلاعبون بالعقول) لهربت ا شيللر ( مترجم) يتحدث عن الاعلام في الولايتت المتحدة ويناقش الاساطير الخمسة في الاعلام : اسطورة الفردية و الاختيار الشخصي، الحياد ، الطبيعة الانسانية الثابتة ، غياب الصراع الاجتماعي، التعددية الاعلامية ( كل ذاك اساطير في نظر الكاتب، كما يرى انه ( ليس هناك اعلام الا وراءه اجندة ما )! ( متوفر مجانا على الشبكة العالمية)

[5]قد تكون اقتصادية ( شركان الاعمال الكبرى او تكون ثقافية او سياسية)

[6]تفجرت في 5 يونيو 2017 و حملت معها الكثير من   غلاضة التخاصم ،ودخل على خطها اما جهلة او مستفدين من اجل اضرام نار الفتة بين الاشقاء

[7]مقال محمد الرميحي ( كيف ننزع الكراهية من ازمة الخليج) نشر في جريدة الشرق الاوسط 12 اغسطس 2017

[8]عدى جيوب صغيرة ( متعاطفة) مع ايران لسبب اديولوجي !

[9]من اجل تفاصيل في هذه الموضوعات اكثر و اعمق انظر المرجع السابق دراسة ديفد بلوك ( قضايا الامن في دول مجلس التعاوم من وجهة نظر شهوبها.)

[10]انظر على سبل المثال /: محمد الرميحي ، خرافة سبع حبات زيتون ، الشرق الاوسط 13 اغسكس 2016

[11]انظر الرميحي : فساد التعبير في وسائل التواصل ، الشرق الاوسط 3 اغسطس 2019

مقالات لنفس الكاتب