; logged out
الرئيسية / استراتيجية الدفاع الخليجية تعتمد على 6 ركائز للاعتماد على الذات

العدد 148

استراتيجية الدفاع الخليجية تعتمد على 6 ركائز للاعتماد على الذات

الأربعاء، 29 نيسان/أبريل 2020

في مواجهة البيئة الجيوسياسية التي أصبحت أكثر تعقيدًا في السنوات الأخيرة،تحتاج الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي إلى أن تصبح أكثر مضي قدمًا في بناء الأمن بالاعتماد على الذات والتوجه نحو صناعة الدفاع. فإن دول مجلس التعاون الأكثر إنفاقًا على الأسلحة المستوردة، ما يجب على مجلس التعاون الخليجي التركيز على تطوير قاعدة محلية لتصنيع الدفاع لتعزيز قدرة المنطقة في مواجهة التهديدات التقليدية التي تتراوح بين الخطر الإرهابي والهجمات السيبرانية.

        وسيتطلب ذلك رؤية جديدة لسياسة الدفاع، تركز على بناء الطائرات بدون طيار وأنظمة الكمبيوتر والاتصالات والقدرات الاستراتيجية الأخرى، وستؤدي هذه التغييرات إلى إعادة تشكيل الموقف الأمني ​​لدول مجلس التعاون الخليجي بحيث يصبح قادرًا على التعامل مع الخارج ويتعامل بدرجة أقل مع الموردين الأجانب، في مقابل مزيد من بناء القدرات المحلية لصناعة الدفاع المحلية. كل هذا لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها، ولكن إذا بذلت دول مجلس التعاون الخليجي جهودًا متضافرة للتحرك في هذا الاتجاه الجديد، فأكيد أنها خلال عشر سنوات ستغير قدرتها الدفاعية وعلاقاتها مع الأصدقاء والأعداء.

        تعد دول مجلس التعاون الخليجي الست مجتمعة، ثالث أكبر منفق في العالم على مجال الدفاع، بميزانية مشتركة تزيد على 100 مليار دولار أمريكي سنويًا.يجب الآن تحويل هذه القوة الشرائية الكبيرة إلى قوة صناعية. لا يزال الإنتاج الدفاعي المحلي يمثل نسبة ضئيلة من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من الجهود القوية للتوطين منذ الثمانينات. هناك حاجة إلى مقاربة جديدة بشكل كبير إذا أرادت الشركات المصنعة للأسلحة في دول مجلس التعاون الخليجي تغيير قواعد اللعبة الاقتصادية والأمنية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، واجه أكبر موردي الدفاع في الشرق الأوسط مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تقلبات سياسية مفاجئة تضع درجة كبيرة من عدم اليقين، فيما يتعلق بالسياسات الدفاعية والخارجية لهذه البلدان في ضوء موجة من التغييرات الأخيرة غير المحتملة على المستوى الوطني. كما يتم الآن إعادة تقييم السياسات والاتفاقات القديمة العهد المتعلقة بالأمن الدولي في المنطقة من قبل جميع أصحاب المصلحة المعنيين، وهذا المناخ الجيوسياسي يخلق عددًا من السيناريوهات المحتملة، أين تصبح عملية تصدير المنتجات العسكرية والمعدات أو المنصات والأنظمة محدودة، إن لم يتم تقليصها؛ كما يمكن للمستوى القديم للتعاون العسكري والأمن الإقليمي أن يتقلص تدريجيًا؛ و هنا يتعين على دول مجلس التعاون الخليجي الآن أن تخطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الدفاع و الأمن باعتباره السبيل الوحيد الموثوق به للمضي قدمًا.

أولاً، توصيف شامل لاقتصاد الدفاع في دول مجلس التعاون الخليجي

      إن إلقاء نظرة عامة على سوق الدفاع بدول مجلس التعاون الخليجي يشير إلى أنه من المتوقع أن يسجل معدل نمو سنوي يتجاوز 2٪ خلال الفترة المتوقعة 2019-2024م، حيث تجبر التوترات الجيوسياسية الحالية في منطقة الشرق الأوسط دول مجلس التعاون على التركيز لتعزيز قوتها العسكرية، وبالتالي جذب الاستثمارات في قطاع الدفاع، و من المتوقع أن يؤدي وجود دول عالية الإنفاق في المنطقة إلى دفع نمو السوق خلال الفترة القادمة، كما تدرك دول المنطقة ضرورة تحسين شركات تصنيع الدفاع المحلية، ربما هذا من شأنه أن يجعل جهود هذه البلدان في هذا المجال تثمر عن فرص للسوق في السنوات القادمة.

              من المتوقع حسب التقارير الموجودة أن يزداد الإنفاق العسكري في السعودية، بسبب طموحاتها لتقوية وتحديث قواتها المسلحة، بسبب التحديات الأمنية المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط، ففي عام 2017م، بلغت ميزانية الدفاع السعودية 69.4 مليار دولار، مما يجعلها ثالث أكبر منفق للدفاع في العالم، بعد أمريكا والصين. بعد أن خفضت ميزانية الدفاع منذ عام 2015م، حيث جعلت التعليم أولوية قصوى في مخصصات الميزانية.

          ثانياً، الصناعة الوطنية العسكرية: الفرص والتحديات:   

        إن الحديث عن الصناعات الوطنية العسكرية يقودنا إلى الحديث عن التجربة السعودية التي تعتبر من أبرز النماذج، حيث أنها من الدول الأولى في المنطقة التي أنشأت المؤسسة العامة للصناعات العسكرية عام 1949م، وبدأ أول خطوط إنتاجها عام 1953م، وفي عام 1985م، دمجت مصانعها الدفاعية في مؤسسة الصناعات الحربية، سعيًا إلى إنتاج أسلحة خفيفة ومتوسطة، وتجميع دبابة ليوبارد وتطويرها، وكذلك قطع غيار وهياكل الطائرات، فضلاً عن إنتاج أجهزة الاتصالات. ورغم ذلك، فإن الصناعات العسكرية السعودية لم تف إلا بنسبة محدودة من الاحتياجات العسكرية الضخمة. أما في مشروع "رؤية السعودية 2030" فتشمل على أربعة ركائز لتطوير الصناعات الدفاعية؛ وهي: توطين الصناعات العسكرية بنسبة 50 % مقارنة بـ2 في المائة حاليًا، وتوسيع دائرة الصناعات المتقدمة مثل صناعة الطيران العسكري، وإقامة المجمعات الصناعية المتخصصة في المجال العسكري، وتدريب المواطنين وتأهيلهم للعمل في مجال القطاعات العسكرية. وهي ركائز من شأنها تحسين الصناعة العسكرية الوطنية السعودية، والتقليل من التبعية للخارج في هذا المجال.

        أما بالنسبة لدولة الإمارات فقد قامت في ديسمبر 2014م، بإنشاء شركة الإمارات للصناعات العسكرية (إديك)، لتعزيز الإمكانيات الدفاعية، ومن الجيد أن هذا ساهم في تنظيم وتطوير الصناعات العسكرية الوطنية، وخدمة الاستراتيجية الخاصة بالتحول إلى الإنتاج العسكري المتطور لتلبية الحاجات المحلية. وقد قامت الإمارات أيضًا بتصميم وتطوير وتصنيع طائرات دون طيار؛ مثل "يبهون يونايتد 40"، وأنتجت منها سلسلة "يبهون سمارت آي 1"، و"يبهون آر 2"، و"يبهون آر"، و"يبهون آر إكس"، و"يبهون إتش"، و"يبهون سمارت آي". وفي مجال التصنيع البحري، أنتجت سفينة حربية متعددة الأغراض؛ هي "أبو ظبي كلاس"، كما قامت القوات المسلّحة الإماراتية بتصنيع سفينتين طول الواحدة 55 مترًا، تسمّى "فلج 2". ومن الصناعات البحرية العسكرية زورق "أبو ظبي مار"، والقوارب من طراز "إم آر تي بي 16"، التي تصنعها شركة أبو ظبي لبناء السفن.

          من خلال تقييم التهديدات المتغيرة في المنطقة وتحليل الاتجاهات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تطوير سيناريوهات مختلفة تحدد القدرات العسكرية التي تحتاجها، حيث تتحول الاتجاهات في الحرب بعيدًا عن الأسلحة التقليدية لصالح القدرات غير المتماثلة، مثل الطائرات الجوية بدون طيار (UAVs) والدفاع السيبراني والقوات الخاصة،  و هذا من شأنه خلق فرصة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للتعاون والتطوير المشترك، لأن الموارد التكنولوجية والبشرية المناسبة لهذه الأغراض أقل صعوبة من تصميم وصنع طائرة هجومية أو نظام صاروخي، ومع ذلك لا تزال تتطلب خبرة عميقة يجب ترقيتها بسرعة لاقتناص الفرص.

         يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي بناء نظرة تطلعية، مدركة للعالمية والاتجاهات الإقليمية والمحلية، لتحديد وترتيب أولويات القدرات على التوطين. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي الضغوط المالية والتوازن مع الحفاظ على القدرة الجوية الموثوق بها إلى قيام دول مجلس التعاون الخليجي بتحديد أولويات الطائرات بدون طيار على الطائرات التقليدية، إلى جانب بناء رادع موثوق في الحرب غير المتماثلة أقل تكلفة بكثير من الأسلحة التقليدية. حيث تبلغ تكلفة كل من Typhoon Eurofighterالتي اشترتها المملكة العربية السعودية والكويت حوالي 140 مليون دولار أمريكي لكل منهما، وعلى النقيض من ذلك، تكلف الطائرات العسكرية الأمريكية، مثل طائرة ريبر، أقل من عشر كلفتها، ويريد سلاح الجو الأمريكي تطوير نماذج أرخص بكثير وأكثر فاعلية.

              تحولت مخاطر النزاع الناجم عن الحرب الواسعة النطاق إلى مخاطر متزايدة من تهديدات من جهات فاعلة من غير الدول. نتيجة لذلك، يمكن إعطاء الأولوية للقوات الخاصة. توظف قيادة العمليات الخاصة الأمريكية لمكافحة الإرهاب 4٪ فقط من إجمالي عدد الرجال والنساء في القوات المسلحة الأمريكية. إجمالي قوة مكافئة لدول مجلس التعاون الخليجي بأكملها سيكون أقل من 15000مقاتل. تطوير قدرات أكثر قابلية للإدارة يناسبحقائق قيود القوى العاملة بين المواطنين في المنطقة. وهذا يسمح لدول مجلس التعاون الخليجي بتركيز إنفاقها على تنظيم وتجهيز وتدريب القوات الخاصة ذات القدرات المستهدفة الأكثر صلة باحتياجات دول مجلس التعاون الخليجي مثل مكافحة الإرهاب.

ثالثًا-تقديم إطار عمل حول كيفية تنظيم صناعة الدفاع وتطويرها:

       إن الحديث عن "تطوير" قدرات الدفاع يتطلب فهم شامل للثغرات الموجودةفي جهاز الأمن / الدفاع، حيث يجب أن يسلط الاستعراض الاستراتيجي للقدرات الضوء على الفجوات الرئيسيةالتي يجب معالجتها من خلال توجيهات التنمية المحددة، والتدخلات بين السياسات والتعاون الدولي، وهو ما من شأنه أن يساعد على تحديد القدرات ذات الأولوية، وهو الأمر المساعد على اتخاذ خطوات ملموسة لسد الثغرات وتعزيز القدرات المستهدفة.

         بعدها من الجيد إعداد خطة استراتيجية تحت إشراف القادة الوطنيين والوزراء كل منهمسوف يهدف إلى بناء نظام بيئي لصناعة الدفاع في سبيل الاحتياجات الأمنية لمجلس التعاون الخليجي. ويتطلب تطوير القدرات الدفاعية للأمة بنجاح وضع نظام بيئي متجانس ومزدهر يجب أن يكون قادرًا على تلبية احتياجات كل من الحرب التقليدية وتنمية القدرات غير المتماثلة.إن النهوض بالقدرات التقليدية وتوطينها بشكل فعال ينطوي تقليديًا على سياسة تعويض. هناك حاجة ماسة إلى إرشادات استراتيجية واضحة ونظام إيكولوجي متكامل ومنسق لصناعة الدفاع والشراكات الدولية المطلوبة لزيادة فرص التوطين الفعال. فيما يتعلق بقدرات الدفاع الموجهة نحو المستقبل، مثل الأمن السيبراني والطائرات بدون طيار فإن الاعتبارات المضافة تنطوي على وجود تمويل للمشروع، والبحث والتطوير والموهبة العلمية، واللوائح الداعمة والمؤسسات الوطنية لدمج وتنسيق الجهود في جميع أنحاء جهاز الدفاع.

رابعًا، تنفيذ خطة التصنيع -ستة مواضيع رئيسية:

       إذا أرادت دول مجلس التعاون الخليجي أن تبني قاعدة صناعية مستدامة ونابضة بالحياة لتصنيع الدفاع وتطوير النظم، فيجب أن تحدد مجموعة واضحة من الأهداف؛ الطريقة التي يعتزمون تحقيقها؛ الجدول الزمني الذي يخططون فيه لتحقيق أهدافهم. تتكون خطة تصنيع الدفاع من ستة عناصر مهمة: قيادة قوية؛ برنامج تعويض معزز فعال؛ إستراتيجية عقود شراء جيدة التنسيق؛ عقود تصنيع أصلية منظمة تنظيما جيدا؛ أهداف واضحة لنقل التكنولوجيا؛ وخطة لتوسيع الإنتاج المحلي بهدف الوصول في نهاية المطاف إلى بناء القدرة على التصدير. وسوف نقوم بتفصيلها كما يلي:

1. رعاية الحكومة العليا: تتطلب صناعة الدفاع الناشئة في دول مجلس التعاون الخليجي دعمًا ثابتًا طويل الأجل من الحكومة الوطنية. بالتأكيد، هناك بالفعل علامات على التغيير، حيث أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي إحدى الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، حيث وضع صانع القرار فيها طريقًا لتطوير صناعتها الدفاعية المحلية، أين قامت القيادة العليا للحكومة بإصلاح هيكل صناعة الدفاع في عام 2014 لإنشاء منصة واحدة للمصنعين، و أنشأت شركة الإمارات للصناعات الدفاعية (EDIC)، من خلال دمج الأصول المملوكة من قبل ثلاث شركات دفاع رئيسية في دولة الإمارات العربية المتحدة و هي شركة مبادلة للتنمية، شركة التعاون القابضة ومجموعة الإمارات للاستثمارات المتقدمة.

        من خلال إنشاء منصة واحدة للصناعة الدفاعية، تأمل دولة الإمارات العربية المتحدة في تحقيق التآزر من خلال الجمع بين شركات خدمات الدفاع التكميلية، كما يهدف إلى تسريع تطوير القدرات التكنولوجية وخلق وظائف جديدة عالية المهارات لمواطني دولة الإمارات. مثل هذا الكيان المشترك هو نموذج لدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، حيث أن توحيد الصناعةمن المرجح أن يؤدي إلى شراكات أقوى مع مصنعي المعدات الأصلية، كما يوضح دور القيادة العليا لدولة الإمارات العربية المتحدة في إنشاء EDICأهمية الرعاية الصناعية من أعلى مستويات الدولة. هنا يمكن القول إنه من المحتمل أن تكون هناك جهود مماثلة لتبسيط وتوحيد شركات الدفاع في أجزاء أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يجعل قادة الحكومات التصنيع العسكري أولوية أعلى.

2. تعزيز برنامج OFFSET

        ما يُسمى بعقود أوفسيتOffset agreement أو العمليات المتقابلة، هي تلك التي تجبر المزودين الأجانب على الاستثمار في المشاريع الصناعية المحلية، حتى يتسنى لهم تجنب مزيد من التكاليف الباهظة، ومن ثم سينعكس ذلك على تزويد العاملين المحليين بمزيد من الخبرة المعرفية المتطورة.في العديد من أنحاء العالم، فإن أهم آلية لتعزيز القدرة الدفاعية المحلية هي برنامج أوفسيت Offset agreement. هذا هو ترتيب التعويض الصناعي الذي تتطلبه الحكومات الشرائية كشرط لشراء السلع والخدمات من الموردين الأجانب. وهي تأتي في شكلين أساسيين: الإزاحة المباشرة، حيث يكون ترتيب التعويض في شكل مساعدة فيما يتعلق بالقدرة الدفاعية للمشتري (على سبيل المثال المحليإنتاج مكونات الأجهزة العسكرية المشتراة) وغير المباشرة، حيث تكون المساعدة غير عسكرية.

       كانت برامج الأوفست في أربعة من دول مجلس التعاون الخليجي الستة (الاثنان ذات الميزانيات العسكرية الأصغر، قطر والبحرين، ليس لديها مثل هذا البرنامج) كبيرة. لكن رغم ذلكبعد أن أنفق مئات المليارات من الدولارات على واردات المواد الدفاعية، كان هناكالقليل من التنمية الدفاعية المحلية لإظهار ذلك.

      على الرغم من تأخر تطوير صناعة الدفاع، إلا أنه من المتوقع أن تقوم دول مجلس التعاون الخليجيبتجميع مليارات الدولارات، حيث من المتوقع أن تتراكم لدى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ما يقرب من 25 مليار دولار من التعويضات غير المستقرة بين عامي 2012 و2022م، وسلطنة عمان 2.2 مليار دولار أمريكي أخرى.

       من جهة أخرى من المهم أن نفهم لماذا حققت برامج أوفسيت فيدول مجلس التعاون الخليجي حتى الآن نتائج قليلة من حيث تطوير قاعدة محلية لصناعة الدفاع. لسبب واحد، كانت معظم برامج الأوفسيت غير مباشرة، حيث أدى برنامج اليمامة السعودي البريطاني، على سبيل المثال، لشراء يوروفايتر تايفون Eurofighter Typhoons بقيمة تعاقدية 8 مليارات دولار، إلى استثمارات في مصفاة لتكرير السكر ومشاريع بتروكيماوية وأدوية وإعادة تدوير نفايات الزيوت.

       كما كانت متطلبات إزاحة المحتوى المحلي منخفضة وضعيفة للغاية، فالكويتعلى سبيل المثال، يحتوي على 35٪ فقط من المحتوى المحلي، مقارنة بقيمة الاستيراد، بينما في المملكة العربية السعودية لا تفرض عقوبة إذا فشل البائع في الارتقاء إلى مستوى معين من جانبه في الصفقة، كما كان لبرنامج الإمارات العربية المتحدة عتبة أعلى، مع متطلبات المحتوى المحلي بنسبة 60 ٪ وعقوبات لعدم الوفاء بشروط العقد. ومع ذلك، فقد واجه البرنامج عددًا من العقبات في دول مجلس التعاون الخليجي والتي مكنت فقدان مليارات الدولارات من القيمة المحتملة، وتشمل هذه النقاط ما يلي:

• أهداف غير محددة بوضوح بسبب ضعف التنسيق بين الوكالات الحكومية.

• لا توجد "قائمة تسوق" لمشاريع الأوفسيت المستهدفة.

• العقود لا تتجزأ إلى قطع صغيرة، مما يضعف القدرة على تحقيق أقصى قدر من القوة الشرائية.

• أهداف البائع والمشتري غير متوافقة، حيث أن البلد المستورد يريد خلق فرص عمل، ويريد بلد البائع الاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من الوظائف، فالسابق يريد الحصول على التكنولوجيا الهامة التي يستهدفها، في حين أن الأخير يتردد في إطلاقها ومشاركتها.

3. نظام قوي وعملية شراء دقيقة:

       لا يمكن لسياسة التعويضات الناتجة عن برنامج أوفسيت أن تنجح بدون عملية ترجمة الاستراتيجية المتبعة إلى تحديد دقيق لقائمةالمشتريات التي سوف يستفاد منها مباشرة صناعة الأسلحة المحلية. في دول مجلس التعاون الخليجي، كانت المشتريات صعبة بسبب نظام معقد في اتخاذ القرارات، بدءًا من خطة تطوير القدرات من خلال تنفيذها عبر المشتريات والبرمجة.عادة في الدول الأخرى، تصدر وزارة الدفاع خطة تنمية القدرات للقوات المسلحة، ثم تُترجم إلى متطلبات البرنامج التي تتطلب حلولًا للبرامج، مثل المركبات البرمائية، التي يتم الحصول عليها في عملية شراء يتم فيها اختيار البائعين وإعداد العقود، ثم تدير وزارة الدفاع البائع لتنفيذ البرنامج.

        هذا الأمر أكثر صعوبة، وهنا تكافح مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتطوير رؤية كاملة للمشتريات من التخطيط إلى التنفيذ، لقد أصبح هذا الأمر أكثر تعقيدًا بسبب حقيقة أنه من الصعب التوفيق بين أهداف الجيش والقوات البحرية والقوات الجوية وإنشاء برامج تآزر. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج وزارات الدفاع في دول مجلس التعاون الخليجي إلى قدرات محسّنة للقيام وإدارة عملية الشراء الكاملة من البداية إلى النهاية. وهنا يمكن أن تتعاون وزارات الدفاع والمالية والتجارة مع بعضها البعض لتنسيق المشتريات من خلال وكالة حكومية واحدة تقوم بتوحيد أوامر شراء الدفاع وبناء القاعدة الصناعية والتحكم في عملية الشراء.

4. العودة إلى عقود تصنيع المعدات الأصلية:

        تجعل العقود القائمة على أساس تلقي المقاول الرئيسي من الشركة المصنعة للمعدات الأصلية بموجب العقد الرئيسي، إنها شكل من أفضل الممارسات التي تضمن وجود تدفق نقدي طويل الأجل للمقاول من المصدر وأن جودة الإنتاج مستدامة. وقد أدت الاتفاقات الخاصة والفرص التي قدمها حلف شمال الأطلسي مثلا مع لاعبين محليين في صناعة الدفاع إلى دعم إضافي في تعزيز أجندة التعريب من خلال عقود متتالية يتم تنفيذها بواسطة شركات تصنيع المعدات الأصلية الدولية الكبيرة. لقد تم العمل بذلك في تركيا، على سبيل المثال، من خلال عدد من عقود OEMالأصلية التي تغطي مقاولي المعدات الأصلية الرئيسيين مثل: General Dynamicsو Boeingو Airbusو Raytheonومع اللاعبين الأتراك المحليين مثل: TAI ، HEMAو Aselsanعلى سبيل المثال لا الحصر.

       كان من الصعب للغاية تنفيذ هذا الترتيب في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب اللوائحالتي تقوم بتقييد العقود اللاحقة لشركات الدفاع التي تملك ما لا يقل عن 51٪ من الشركات المحلية. نتيجةً لذلك، يجب على شركات تصنيع المعدات الأصلية الأجنبية إدارة أعمالها التجارية مع الشركاء المحليين. في بعض الأحيان، اختلفت أهداف الجانبين، حيث من جهة يريد الشريك المحلي تطوير التكنولوجيا وتوطينها، بينما يرغب مصنع المعدات الأصلية الأجنبي في التقليل إلى أدنى حد من التعرض والوفاء بالتزاماته والإجازة من جهة أخرى. وبالتالي، فإن هذا يترك مجالاً لصناعة الدفاع في دول مجلس التعاون الخليجي لتهيئة بيئة تنظيمية داعمة أكثر تعالج هذه المشكلات من أجل تمكين عقود تصنيع المعدات الأصلية بشكل أكثر فعالية وقابلية للتنفيذ.

5. نقل التكنولوجيا

       يتطلب تطوير صناعة الدفاع المحلية استثمارات كبيرة في المنشآت والمعدات؛ كما تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي أيضًا إلى تطوير قاعدة مهارات من خلال نقلالتكنولوجيا من البلدان المتقدمة، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلى دول الخليج. تقليديا، ومع ذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تسعى إلى استيعاب التكنولوجيا، وإضافة إلى إن أجزاء هامة من الصناعة الدفاعية التي تعمل بها دول مجلس التعاون الخليجي حاليًا تتطلب عمالة كثيفة، وبالتالي عندما يكون هناك نقل للتكنولوجيا، فإنها في نهاية المطاف تستخدم العمالة الوافدة لتنفيذ التكنولوجيا الأجنبية، ما يجب على دول مجلس التعاون الخليجي معالجته.

6. توسيع الإنتاج المحلي للتصدير:

        في البداية، يجب على الحكومات توفير التمويل الأولي للشركات الجديدة التي تعمل في شراكة مع مصنعي المعدات الأصلية الأجانب كجزء من برنامج أوفسيت، وبمجرد بدء التشغيل، تقوم الشركة بتكوين روابط لأجزاء متجاورة من سلسلة الإنتاج، مما يخلق فرص عمل وشبكات إنتاج تطور الصناعة المحلية مع توفير العمالة الأجنبية منخفضة التكلفة إلى مصنعي المعدات الأصلية. ومع نمو الشركة المحلية، يتطور سوق محلي مزدهر حوله، وتستفيد الشركة من الروابط التي قامت بها لأجزاء أخرى من سلسلة الإنتاج. في هذه المرحلة، تكتسب الشركة المصنعة للمعدات الأصلية فرصة لبناء قاعدة عملاء أكبر في البلد مع تطوير شريك محلي يمكن أن يكون في النهاية جزءًا من النظام البيئي العالمي للبائع. عند نقطة معينة، تكون الشركة المحلية قادرة على التصدير، بعد أن طورت الخبرة المتقدمة.  حاليًا، يقوم عدد من مصنعي الدفاع الحاليين في دول مجلس التعاون الخليجي بتصدير المعدات والمكونات ولكن على نطاق محدود، مثلا في حالة الإمارات العربية المتحدة، أقامت شراكة مع شركة بوينغ في عام 2009م، لتزويد شركة تصنيع الطائرات الأمريكية بمكونات لتثبيت الأسطح في ذيول الطائرات، وهي الآن مورد المستوى 1.

        هذه إشارات واعدة للحجم المحتمل لأسواق التصدير، إذا كان لدول مجلس التعاون الخليجي أن تتطورصناعة دفاع أكبر، ستكون الهند هدفًا رئيسيًا للمبيعات من دول مجلس التعاون الخليجي، حيث إن نيودلهي تنفق 51 مليار دولار أمريكي سنويًا على الدفاع، وهو سادس أكبر ميزانية عسكرية في العالم. على الرغم من أن الهند لديها طموحات لتوسيع الإنتاج الدفاعي المحلي والتصدير، فلا يزال من المحتمل وجود فجوات يمكن لشركات دول مجلس التعاون الخليجي سدها.

رابعًا-ما هي الأولويات الحالية؟

         توفر النقاط السابقة نظرة معينة على كيفية قيام دول مجلس التعاون الخليجي ببناء صناعة دفاع محلية يمكنها أن تدعم بشكل مثالي القدرات التقليدية والموجهة نحو المستقبل. لبناء قدراتها، لدى دول مجلس التعاون الخليجي بعض القرارات الحاسمة التي يجب اتخاذها، ويمكن حصرها فيما يلي:

1. تحديد خريطة طريق:

       مع مشاركة من جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين، بما في ذلك وزارات الدفاع، يجب أن تقرر القوات المسلحة والوزارات المدنية الرئيسية (مثل المالية والاقتصاد والتجارة) القدرات المحددة الأكثر أهمية بالنسبة لكل دولة لتوطين الصناعة العسكرية، فمن خلال جمع جميع أصحاب المصلحة المهمين معًا، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي تحديد تسلسل القدرات اللازمة للتدقيق في الأولويات، والاستثمار فيها وتوطينها.

2. استهداف النقاط الرئيسية في سلسلة الإنتاج:

       سيتعين على الحكومات تحديد القدرات التي تنوي تطويرها محليًاوما هي الأجزاء التي سيقومون بتصديرها أو استيرادها، بما يتماشى مع القدرات ذات الأولوية في خريطة الطريق، وسيكون عليهم أن يضعوا في الاعتبار الآثار الجيوسياسية لقرارهم والهدف من زيادة توطين صناعة الدفاع الخاصة بهم.

3. الانخراط في دبلوم الدفاع:

       تجدر الإشارة إلى أن الدبلوماسية الدفاعية تعمل بشكل أفضل عندما تعمل جنبًا إلى جنب مع الدبلوماسية السياسية والاقتصادية، مع مراعاة حقيقة أنها تتناول عددًا من القضايا الحساسة، سوف تتطور السياسة الخارجية وستظل هناك مناطق رمادية يجب التنقل فيها بعناية. لسبب واحد، يتم دائمًا فحص اتفاقيات الدفاع التي أبرمتها الدول الغربية والمتعاقدين العسكريين الأكثر تقدماً من قبل الجمهور من منظور إنساني.على هذا النحو، ينبغي أن تواصل الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي اختيار شركائها الدوليين لهذا المسعى الذي يتماشى مع اعتبارات السياسة الخارجية الخاصة بهم، كما يجب أن تكون المعايير الرئيسية لاختيار شراكات الدفاع قائمة على أساس، أولاً، أن تكون لدى الدولة الشريكة شركة تصنيع المعدات الأصلية التكنولوجيا المطلوبة؛ ثانياً، أن يكون الشريك مستعدًا و لديه الرغبة في توطين الإنتاج في دول مجلس التعاون الخليجي؛ ثالثًا، أنهم يرون دول مجلس التعاون الخليجي كحلفاء طويل الأجل في السعي لتحقيق أهدافهم الخاصة.

4. تحفيز النظام البيئي:

      من الأهمية بمكان أن تركز دول مجلس التعاون الخليجي على إمكانات التكنولوجيا العالية والقيمة العالية واختيار الشراكات الدولية التي تعزز أهدافها، كما سيتعين عليها تطوير مجموعة من المواهب -بدءًا من البرامج التعليمية لتعزيز العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات -لضمان استدامة القدرات، وعليهم أن يصمموا سياسات وأنظمة التصنيع لتعزيز نظام بيئي دفاعي يخدم المصالح الوطنية لعقود قادمة.

الخاتمة:

         على مدار العشرين عامًا الماضية، حاولت دول مجلس التعاون الخليجي تحسين أدائها على صعيد بناء اقتصاد دفاعي قوي، من خلال عقود المشاريع المشتركة، والمجموعات، وغيرها من التدابير. فعلى الرغم من أن هذه الترتيبات لها بعض المزايا، إلا أنها محدودة في مقدار ما يمكنها تحقيقه، حيث وعلى سبيل المثال، منحت الصفقات المشتركةمع الشركات المصنّعة للمعدات الأصلية اللاعبين المحليين إمكانية وصول أكبر إلى التكنولوجيا. ومع ذلك، يفرض البلد المصنع للمنتوج الأصلي قيودًا على التقنيات التي يمكن نقلها، مما يترك للمشترين في بعض الأحيان هامش تصدير أقل. وبالمثل، تضمن الاتفاقات الموضحة أن يتم إنفاق نسبة مئوية من قيمة العقد فيالمنطقة، ولكن لا تحدد أين أو كيف يتم هذا الاستثمار؟، ونتيجة لذلك، تتركز عادةً في عمليات التصنيع الأساسية، مثل تجميع المكونات التي تمت صناعتها في مكان آخر وشحنها، كما أنه غالبًا ما تتكون القوى العاملة في هذه المشاريع من المغتربين بدلاً من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي.

         إن الميزانيات الدفاعية لدول مجلس التعاون الخليجي، إذا تم تنظيمها بشكل صحيح، يمكن أن تكون وسيلة لدفع النمو الاقتصادي وخلق الوظائف وتطوير القطاعات الصناعية والتكنولوجية الأكثر تطورًا في المنطقة. هناك فرصة لواضعي السياسات لتنمية التوطين الصناعي بسبب حاجتهم المستمرة إلى إنفاق مبالغ كبيرة على الدفاع بسبب عدم اليقين الجيوسياسي، وحاجتهم إلى البحث عن مزيد من الكفاءة والقيمة. وبناءً عليه يمكن القول إن دول مجلس التعاون الخليجي أمام فرصة حقيقية لكي تخطو خطوات عملاقة في مجال توطين الصناعات العسكرية، والتقليص شيئًا فشيئًا من فاتورة الاستيراد، وبالتالي التبعية للخارج.

 

 

مجلة آراء حول الخليج