; logged out
الرئيسية / شركات النفط الصخري الأمريكية على شفا الإفلاس و تعافي السوق مرهون بالفائض

العدد 150

شركات النفط الصخري الأمريكية على شفا الإفلاس و تعافي السوق مرهون بالفائض

الثلاثاء، 23 حزيران/يونيو 2020

على مدى الأشهر القليلة الماضية، انتشرت جائحة فيروس كورونا المستجد، أو كوفيد – 19، في جميع أنحاء العالم، مما تسبب في أزمات صحية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة على كوكب الأرض. وقد أثرت إجراءات الإغلاق، التي طبقتها أغلب دول العالم، لمنع تفشي الوباء على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك قطاع الطاقة، بعد أن أبطأت هذه الإجراءات الاحترازية حركة النقل والتجارة والنشاط الاقتصادي في كافة أنحاء العالم.

بحسب منظمة الصحة العالمية، تسبب فيروس كورونا المستجد في إصابة ما لا يقل عن 4,3 مليون شخص، ووفاة حوالي 294 ألف شخص حتى 14 مايو 2020م، ولمنع تفشي هذا الوباء اللعين، فرضت العديد من الدول (120 دولة على الأقل) إجراءات مختلفة لمنع حوالي 4.1 مليار شخص، (أكثر من نصف سكان العالم) من مغادرة منازلهم أو السفر، مما أدى إلى حدوث تأثيرات متعددة وعميقة على قطاع الطاقة العالمي. وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه معرفة طبيعة ومدى هذه التأثيرات بشكل كامل، إلا أنه من الواضح أن هذا القطاع قد تلقى عدة صفعات قاسية ومؤلمة نتيجة التدابير الاحترازية التي تطبقها معظم حكومات العالم لتقييد حركة الأفراد من خلال عمليات حظر التجول وغلق الحدود والمطارات والموانئ والمصانع وغيرها. فهذا التقييد يساهم بشكل ملحوظ في تراجع الطلب على الطاقة بكافة أنواعها. وبحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، فإن كل شهر يمر مع استمرار إجراءات الإغلاق الاقتصادي، يعني تراجع الطلب السنوي على الطاقة بنسبة 1.5 في المائة. وتقول الوكالة أيضًا إنه من المحتمل تراجع الطلب على الطاقة بنسبة 6 في المائة خلال عام 2020، وهو ما يعادل سبعة أمثال معدل التراجع في الطلب على الطاقة الذي تم تسجيله أثناء الأزمة المالية العالمية التي تفجرت عام 2008م. وفي الوقت نفسه، سيكون انخفاض الطلب على الطاقة في الدول الأغنى أكبر خلال العام الحالي، حيث سيتراجع في الولايات المتحدة بنسبة 9 في المائة وفي الاتحاد الأوروبي بنسبة 11 %.

ومن ناحية أخرى، توقعت وكالة الطاقة الدولية تراجع الطلب العالمي على النفط خلال العام الجاري 2020م، بمقدار 9 ملايين برميل يوميًا بما يعادل نحو 9 % مقارنة بالعام الماضي ليصل إلى أقل مستوياته منذ 2012م. وبحسب تقرير الوكالة، فإن شهر أبريل الماضي شهد تراجع استهلاك الوقود بمقدار الثلث تقريبًا ليصل إلى أقل مستوى له منذ 1995م. وكانت حركة النقل البري بالسيارات والشاحنات قد تراجعت بنسبة تتراوح بين 50  % و 75  % في المناطق التي تتم فيها عمليات الإغلاق، في نهاية مارس الماضي مقارنة بالعام الماضي.

وبشكل مشابه، انخفض نشاط الطيران في جميع أنحاء العالم بنسبة 60 % في نهاية مارس 2020م، مقارنة بالعام الماضي. وتتوقع رابطة النقل الجوي الدولي (IATA) أن ينخفض نشاط الطيران إلى أقل من 65 % مما كان عليه في عام 2019 م، في الربع الثاني من عام 2020م، مما سيؤثر على الطلب على وقود الطائرات والكيروسين.

وفي نفس السياق، أشار تقرير منظمة «أوبك» عن أسواق النفط لشهر أبريل الماضي إلى أن أسواق النفط تمر حاليًا بـ«صدمة تاريخية» مفاجئة وغير متوقعة بسبب فيروس كورونا، موضحًا أن تدهور الطلب بلغ في بداية الربع الثاني من العام الحالي نحو 12 مليون برميل يوميًا (مجمل الطلب العالمي نحو 100 مليون برميل يوميًا) مقارنة بالطلب في الوقت نفسه من العام الماضي. وأن نحو 60 % من هذا الانخفاض هو بسبب تقلص استهلاك وقود المواصلات (البنزين والديزل ووقود الطيران)، نتيجة خطوات الوقاية من الفيروس بالانكفاء في المنازل لأسابيع عدة في كثير من دول العالم والتباعد الاجتماعي والإغلاق التام تقريبًا للأسواق، باستثناء الصيدليات ومحال بيع الأغذية.وتتوقع «أوبك» أن يؤدي هذا التدهور في الطلب العالمي على النفط إلى استمرار تدني الطلب 12 مليون برميل يوميًا خلال الفصل الثاني من عام 2020م، وأن ينكمش الطلب 6 ملايين برميل يوميًا خلال الفصل الثالث من عام 2020م، أي طوال فصل الصيف، ومن ثم إلى تقلص 3.5 مليون برميل يوميًا في الفصل الرابع من عام 2020م. بمعنى أن تقلص الطلب على النفط سيستمر طوال هذا العام، لكن مع تحسنه تدريجيًا بنهاية العام.

ومن جهة أخرى، أدت جائحة كورونا إلى تسريع وتيرة التخلي عن الفحم في العديد من الدول الأوروبية، والهند والصين وفي مناطق من الولايات المتحدة. فإلى جانب أن استخدام الفحم لإنتاج الكهرباء أصبح غير مربح من الناحية الاقتصادية وغير مقبول من الناحية الاجتماعية، خاصة مع توافر الغاز الطبيعي الرخيص وانتشار مصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب نشاط الجماعات البيئية المعارضة للفحم، من المتوقع أن تقود كورونا إلى تراجع الطلب على الفحم خلال عام 2020 م، بنسبة 7.7 في المائة، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى انخفاض الطلب العالمي على الكهرباء بأكثر من خمسة في المائة على مدار العام.

كما ساهم تفشي جائحة كورونا أيضًا في استمرار تراجع استهلاك الغاز الطبيعي في أوروبا خلال الربع الأول من العام الحالي. حيث جاءت إجراءات الإغلاق لتزيد من وتيرة هذا التراجع، حيث من المتوقع انخفاض الطلب العالمي على الغاز بنسبة 5 % خلال العام الحالي، وهو أول تراجع من نوعه منذ 2009م، ويمثل صدمة شديدة لصناعة الغاز التي اعتادت على النمو المطرد.

وبالنسبة لقطاع الطاقة المتجددة، أدت جائحة فيروس كورونا المستجد إلى اضطراب سلاسل إمدادات مستلزمات تشغيل محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية. حيث تسبب الفيروس في توقف تشغيل حوالي 11 في المائة من توربينات طاقة الرياح في العالم، بحسب نشرة بلومبرج لتمويل الطاقة الجديدة. كما تعطلت أعمال تشييد محطات الرياح الجديدة بسبب القيود المفروضة على العمال، وتأخر الحصول على الموافقات الرسمية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ دخول مشروعات طاقة الرياح في الصين والولايات المتحدة بنسبة تتراوح بين 10 و50 % مرحلة التشغيل خلال العام الحالي. وفي قطاع الطاقة الشمسية، أدى إغلاق المصانع وتعطل الإنتاج في جميع أنحاء الصين إلى تأخير صادرات الألواح الشمسية والمكونات الأخرى، ما عطَّل سلسلة الإمدادات لمشاريع عدة في آسيا وأستراليا. وفي هذا السياق، قدر المراقبون حجم الخسائر جراء انتشار وباء كورونا بنحو 2.24 مليار دولار من مشاريع الطاقة الشمسية في الهند وحدها، والتي تعتمد على الواردات الصينية في 80 في المائة من الوحدات الشمسية التي تستخدمها. ومن ناحية ثانية، من المرجح أن تتسبب جائحة كورونا أيضًا في تراجع إنتاج البطاريات الصينية، وبالتالي توجيه ضربة قاصمة لأسواق السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة.

وفيما يتعلق باستهلاك الكهرباء، أدت إجراءات الإغلاق الكامل لمنع تفشي وباء كورونا المستجد إلى خفض الطلب على الكهرباء بنسبة 20 % أو أكثر، مع تأثيرات أقل لعمليات الإغلاق الجزئي. وبعد إزالة آثار تحسن الطقس على استخدام الكهرباء في العالم، أدى الإغلاق الكامل إلى خفض الطلب اليومي على الكهرباء بنسبة 15 % على الأقل في فرنسا والهند وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة وشمال غرب الولايات المتحدة.

كورونا "تكمم" أسعار الطاقة

كانت إجراءات الإغلاق لمنع تفشي جائحة كورونا هي السبب الأهم في انهيار أسعار النفط الخام من حوالي 70 دولارًا للبرميل في 6 يناير 2020 م، إلى مستويات تقترب من 30 دولار للبرميل في السوق العالمية، وقت كتابة هذه السطور. كورونا أيضًا تسبب في حدوث انخفاض هائل في سعر الغاز الطبيعي ليصل إلى حوالي 5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بعدما كان يقترب من 12 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في بداية عام 2020م، وفقًا لمؤشر Dutch TTF الفوري.

وفي هذا السياق، توقع كثير من الخبراء أيضًا تراجع أسعار الغاز الطبيعي المسال في المدى المنظور بموجب العقود المرتبطة بسعر النفط العالمي. ورغم عدم تأثر صادرات الغاز الطبيعي المسال في العموم، فإن جائحة كورونا تسببت في خفض أسعار تأجير ناقلات تصدير هذا الغاز. حيث انخفضت هذه الأسعار من 85 ألف دولار لليوم في بداية يناير الماضي إلى 37500 دولار لليوم في نهاية فبراير الفائت.

ومن جهة أخرى، ستكون الشهور القادمة حاسمة لمستقبل الطاقة في العالم في ضوء قيام عدد كبير من شركات الطاقة الكبرى بخفض وتحجيم خطط إنفاقها الرأسمالي على مشروعاتها الجديدة في ظل حالة الفوضى التي تشهدها صناعة الطاقة العالمية حاليًا بسبب جائحة كورونا وتراجع الأسعار العالمية للنفط والغاز. حيث أعلن عدد من شركات الطاقة العالمية عن عزمهم إعادة النظر في خطط الإنفاق الرأسمالي لعام 2020م. وتعد شركة إكسون موبيل الأمريكية مثالاً بارزًا في هذا الصدد. حيث أكدت هذه الشركة، التي كانت تخطط لزيادة استثماراتها بقيمة تتراوح بين 30 إلى 35 مليار دولار سنويًا خلال الفترة من 2020 إلى 2025م، على أنها سوف تخفض خطتها الاستثمارية للعام الحالي والتي تقدر بحوالي 33 مليار دولار. وتشير بيانات "وود ماكينزي"، إلى أن أكبر شركات النفط الأمريكية والأوروبية تواجه خطر الخسارة بنحو 175 مليار دولار نقدًا إذا بلغ متوسط سعر خام برنت 38 دولارًا للبرميل على مدى العامين المقبلين.

ومن بين الآثار المهمة أيضًا لانتشار جائحة كورونا على قطاع الطاقة العالمي خسارة المليارات من أسعار أسهم شركات النفط والغاز الكبرى في أسواق المال العالمية نتيجة انهيار السعر العالمي للنفط بشكل كبير في وقت قصير.  فعلى سبيل المثال، تبلغ القيمة السوقية لشركة بريتش بتروليوم العملاقة حاليًا حوالي نصف ما كانت عليه في بداية العام تقريبًا، نتيجة تراجع سعر برميل النفط الخام من 67 دولار في 1 يناير الماضي إلى حوالي 30 دولار في وقت كتابة هذا التقرير.

كذلك من المتوقع أن تقترب شركات النفط الصخري الأمريكية من الدخول في "سيناريو مخيف"، ربما يقودها إلى "الإفلاس الحتمي" مع استمرار تداعيات جائحة كورونا، ودخول الطلب على النفط إلى "مستويات متدنية" غير مسبوقة بالولايات المتحدة. حيث أدّت ثلاثية، لم تجتمع من قبل، تشمل تراجع الطلب وامتلاء مستودعات التخزين وانهيار الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، إلى صعوبة استمرار هذه الشركات "في ظل الظروف الراهنة". وفي هذا السياق، توقّع متخصصون "عدم صمود" هذه الشركات "كثيرًا"، مع بقاء أسعار النفط الأمريكي في نطاق أقل من 20 دولارًا للبرميل، ورهنوا بقاء غالبية الشركات بـ"دعم الحكومة الفيدرالية النقدي"، مشيرين إلى أن استمرار الوضع الراهن إلى نهاية العام، سيقود في الغالب إلى إفلاس حوالي 60 % من هذه الشركات.

مستقبل غامض

يؤكد كثير من المراقبين على أن قطاع الطاقة العالمي سوف يواجه وقتًا عصيبًا طالما استمرت عمليات الإغلاق لفترة أطول. وسوف تظل هذه العمليات قائمة في المدى المنظور، خاصة من غير المتوقع ظهور عقار فعال لعلاج هذا الوباء، أو لقاح مضاد للفيروس قبل نهاية العام الحالي على أقرب تقدير، وبالتالي سيظل تقليل التواصل بين الناس هو الأسلوب الوحيد الأكثر فعالية للحد من احتمالات العدوى.

أما تخفيف عمليات الإغلاق فسوف يؤدي إلى استعادة مستويات معقولة للنمو في الاقتصاد العالمي وبالتالي استعادة مستويات استهلاك الطاقة إلى ما كانت عليه قبل ظهور هذه الوباء، مع احتلال آسيا لمركز الصدارة. ولكن في هذه اللحظة، لا يوجد دليل على أن مثل هذا السيناريو محتمل في المدى القصير، رغم بدء عدد من دول العالم في تخفيف الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي وباء كورونا المستجد. ففي تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية لشهر أبريل 2020م، تنبّأ صندوق النقد الدولي بأن الناتج الاقتصادي العالمي سينخفض بنسبة 3 % عام 2020م، وأن التأثيرات القاسية للوباء، بما في ذلك انتشار البطالة وغلق الأعمال، ستستمر في 2021م، أو ما بعده. وإجمالا، توقع صندوق النقد الدولي بلوغ الخسارة التراكمية للناتج المحلي الإجمالي العالمي في عامي 2020 و2021م، بفضل الوباء، حوالي 9 تريليونات دولار، وهو مبلغ أكبر من اقتصادات اليابان وألمانيا مجتمعة. وتشير هذه البيانات وغيرها من البيانات الحديثة إلى أن فكرة أن الصين والهند والدول النامية الأخرى ستستأنف قريبًا مسار استهلاكها التصاعدي للطاقة، وبالتالي تنقذ صناعة الطاقة العالمية، تبدو بعيدة المنال. ففي 17 أبريل الماضي، كشف المكتب الوطني الصيني للإحصاءات أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد قد تقلص بنسبة 6.8 % خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020م، وهو أول انخفاض من نوعه منذ 40 عامًا. وعلى الرغم من أن المسؤولين الحكوميين يقومون بفتح المصانع وغيرها من الأعمال الرئيسية ببطء مرة أخرى، يعتقد معظم المراقبين أن تحفيز نمو كبير في الصين سيكون صعبًا للغاية بالنظر إلى أن المستهلكين الصينيين، الذين أصيبوا بصدمة بسبب الوباء وإجراءات الإغلاق المصاحبة له، يكرهون القيام بعمليات شراء جديدة أو الاتجاه للسفر، أو السياحة وما شابه. كما يجب الأخذ بالاعتبار أيضًا أن التباطؤ في الصين سيكون له عواقب وخيمة على اقتصادات العديد من الدول النامية التي تعتمد على سياحة تلك الدولة أو وارداتها من النفط والمواد الخام الأخرى. فالصين، تعتبر الوجهة الرائدة لصادرات دول الخليج وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. ومع إغلاق المصانع الصينية أو تشغيلها بطاقة منخفضة، سوف ينخفض الطلب الصيني على منتجات هذه الدول ، مما يتسبب في خلق صعوبات اقتصادية كبيرة لهذه الدول. وكنتيجة لكل هذا، يبدو أن احتمال عودة الاستهلاك العالمي من الطاقة إلى مستويات ما قبل الوباء في أي وقت قريب متواضع للغاية.

وهناك اتجاه آخر من المرجح أن يحفزه وباء كورونا في التأثير على مستقبل الطلب على الطاقة في العالم: وهو اعتماد أكبر على العمل عن بعد من قبل الشركات والحكومات والجامعات والمؤسسات الأخرى. وحتى قبل اندلاع الوباء، بدأت العديد من الشركات والمنظمات في الاعتماد بشكل أكبر على عقد المؤتمرات عن بعد والعمل من المنزل لتقليل تكاليف السفر ومشقته. ومن المؤكد أن طول فترة العمل عن بعد سيكون لها تأثير كبير على استخدام الطاقة: حيث سيقود الناس أقل، ويقللون من استهلاكهم للنفط، بينما سيعتمدون بشكل أكبر على استخدام الكهرباء.

وفيما يتعلق بمستقبل السوق العالمي للنفط، يرى عدد من المتخصصين أن أي بوادر تعاف لأسعار النفط العالمية من الممكن أن تبدأ في الربع الثالث أو الأخير من العام الجاري، مع تخفيف إجراءات العزل العام في عدد من دول العالم، ومع بدء تنفيذ اتفاق "أوبك بلس"، الذي تم التوصل إليه في 12 أبريل الماضي. وقد نص هذا الاتفاق، الذي جاء بعد محادثات مارثونية بين الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية، على قيام تكتل "أوبك بلس"، المكون من 23 دولة، بخفض الإنتاج بمقدار 9.7 مليون برميل من النفط بحلول نهاية يونيو من العام الجاري، على أن يستمر خفض الإنتاج بعد ذلك (7.7 مليون برميل يوميًا حتى نهاية عام 2020م، و5.7 مليون برميل يوميًا حتى أبريل 2022م). ويعد هذا الخفض أكبر 4 مرات من الخفض القياسي السابق المسجل في 2008م.

ومع ذلك، يشكك كثير من خبراء الطاقة في إمكانية حدوث أي تعاف ملموس في أسعار النفط خلال العام الحالي. حيث خلص استطلاع لوكالة "رويترز" في نهاية شهر إبريل 2020م، إلى أن أسعار النفط تتجه صوب مزيد من الانخفاض هذا العام حتى مع تخفيف الدول للقيود المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. كذلك أظهر الاستطلاع أن تخفيضات الإنتاج التي نص عليها اتفاق "أوبك بلس" لن يكون لها أثر كبير على سوق النفط.  وتوقع الاستطلاع، الذي شمل 45 محللاً، أن يبلغ متوسط أسعار خام برنت 35.84 دولار للبرميل في 2020م. ويستند هذا التوقع بشكل رئيس على توقعات متشائمة بألا تلتزم كثير من الدول المصدرة للنفط باتفاق "أوبك بلس". وفي هذا السياق، ثمة توقعات بأن تظل أسعار النفط في السوق العالمي عند مستوى يتراوح بين 20 و30 دولارًا للبرميل، حتى نهاية النصف الأول من 2020م، وإذا ما تحسن الطلب العالمي، حسب سيناريو التفاؤل في نهاية 2020م، فقد يرتفع سعر النفط إلى حدود 45 دولارًا للبرميل، على أن يكون عام 2021 م، بداية المزيد من التحسن والوصول إلى أسعار ما قبل كورونا.

على أية حال، يتغافل أولئك الذين يتوقعون استمرار صدمة انهيار أسعار النفط العالمية الحالية لفترة طويلة أنه متى ما طال الوضع الحالي فسيواجه العالم، على الأرجح، صدمة نفطية أخرى، ولكن في الاتجاه المعاكس تمامًا، وذلك عندما ترتفع الأسعار لتتجاوز حدود المائة دولار مرة أخرى. وفي تقديري، توجد أربعة أسباب رئيسية يمكن أن تقود إلى هذا المستوى المرتفع من الأسعار مرة أخرى في المدى المتوسط والطويل، لعل من أبرزها:

أولاً: أن الأسعار المنخفضة للنفط ستشجع الاستهلاك الكبير، وسترفع الطلب بشكل قوي، وهي معادلة تدرس في مادة مبادئ الاقتصاد، ولا تحتاج معجزة لحصولها.

ثانيًا: إن أي حقل نفط في العالم له احتياطيات مقدرة، وينخفض إنتاجه تدريجيًا، وهو ما يجعل النفط في دائرة السلع الناضبة مع مرور الوقت.

ثالثًا: لأول مرة منذ ثلاثين عامًا يقوم رئيس أمريكي بدعم ارتفاع أسعار النفط، بسبب تغير وضع الولايات المتحدة من مستهلك يدفع بأسعار نفط منخفضة إلى منتج أدت به هذه الصناعة لخلق فرص عمل بالملايين، وبالتأكيد لن يكون من السهل تعويضها.

رابعًا: في ظل انخفاض الأسعار فإن الحكومات والشركات النفطية ستحجم، في الغالب، عن الاستثمار في الحقول الجديدة، وأيضًا في توسعة -وربما حتى في صيانة -مشروعاتها الحالية، فمَن ذلك الذي سيستثمر في قطاعٍ أسعاره لا يحقق الأرباح المرجوة؟ وهو ما سيؤدي، على الأرجح، إلى خروج منتجين كثر من المصدرين الحاليين، وبالتالي سيعود التوازن في سوق النفط العالمية.

وفي النهاية، يمكن القول إنه لا أحد يعرف على وجه التحديد ما إذا كان سوف يتم احتواء فيروس كورنا بسرعة في الأيام القادمة أم أنه سيصبح وباءً متفشيًا على نطاق واسع. ومع ذلك، وفي كلتا الحالتين، من المرجح أن يستمر "الشلل" الذي أحدثه هذا الفيروس اللعين في قطاع الطاقة العالمي حتى نهاية هذا العام، على الأقل، خاصة مع استمرار حكومات العالم المختلفة في عمليات العزل وإجراءات المباعدة الاجتماعية. ومن المنتظر ألا يتعافى هذا القطاع مرة أخرى (حتى مع التخلي عن الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي جائحة كورونا) دون التخلص من الفوائض المتزايدة في السوق العالمية. وهذا الأمر لن يتحقق، في الغالب، إلا بالتعاون الوثيق بين اللاعبين الرئيسيين في سوق الطاقة العالمي، وفي مقدمتهم السعودية وروسيا والولايات المتحدة.

الخطير في الأمر هو إمكانية أن تتحول حالة "الشلل" الراهنة في قطاع الطاقة العالمي بسبب أزمة كورونا إلى حالة من "العجز التام" في ضوء الخسائر الهائلة المتوقعة للدول الرئيسية المصدرة للنفط. وهو الأمر الذي تؤكده توقعات وكالة الطاقة الدولية، والتي تشير إلى إمكانية توقف كثير من مشروعات الطاقة المستقبلية في كثير من هذه الدول نتيجة حدوث عجز هائل في موازنات هذه الدول في ضوء أنها تحتاج إلى سعر يتراوح ما بين 49 إلى 95 دولارًا للبرميل أو أكثر لتحقيق التوازن في ميزانياتها، ويوضحها الشكل المرفق.

مقارنة بين سعر التعادل في موازنات الدول الخليجية الرئيسية لعام 2020 وبين سعر خام برنت في 19 مارس، وهو 28 دولارًا للبرميل

وبالرغم من شدة هذا التحدي، تستطيع الأطراف الفاعلة في قطاع الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي التعامل مع أزمة كورونا على أنها فرصة لإعادة التركيز على الاستدامة على المدى الطويل. وبموجب هذا التوجه، بإمكان شركات الطاقة الخليجية الاستثمار في المجمعات الكيميائية والصناعية التي تُوفر وسيلة للاندماج والتكامل على طول سلسلة القيمة. أما المنهج الاستراتيجي الأكثر طموحًا فيجب أن يتعامل مع جائحة كورونا باعتبارها فرصة لإعادة تشكيل قطاع الطاقة بشكل جذري، والتأهب للتحوُّل العالمي طويل المدى بعيدًا عن الموارد القائمة على النفط والغاز. وتتطلب هذه الاستراتيجية خطوات جريئة في العديد من المجالات، مثل  قيام الجهات المعنية في قطاع الطاقة الخليجي بشراء أصول عالمية بالأسعار المنخفضة حاليًا من أجل التوسع في الصناعات التحويلية النهائية، وذلك من شأنه أن يضمن الوصول إلى الأسواق الدولية. وبشكل أكثر طموحًا، تستطيع هذه الجهات أيضًا أن تُمهد الطريق لاحتضان شركات الطاقة النظيفة والمتجددة، وهو الأمر الذي سوف يمكنها من تحقيق أقصى قيمة ممكنة للتصدير والتحويل من احتياطاتها المتبقية. وهذه رؤية جريئة، لكننا نعتقد أنها تُمثل أفضل طريق للمضي قدمًا. وبالتالي، يجب على الدول الرئيسية المصدرة للطاقة ألا تأمل فقط في عودة الماضي، بل يتعين عليها أن تنتهز فرصة / أزمة  كورونا للتحول في المستقبل.

مقالات لنفس الكاتب