; logged out
الرئيسية / دور العسكرية الخليجية في أزمة كورونا.. الاستعداد لاستلام ملف الأمن العملياتي

العدد 150

دور العسكرية الخليجية في أزمة كورونا.. الاستعداد لاستلام ملف الأمن العملياتي

الثلاثاء، 23 حزيران/يونيو 2020

تشبه العلاقات الدولية قبيل اندلاع وباء كورونا حال العالم فيما بين الحربين الأولى والثانية. وصل عالمنا حالة احتقان تدفع لتحولات حادة تشبه الحرب العالمية الثانية، جراء عوامل عدة كتحركات أمريكا الترامبية المخالفة لثوابت النظام الدولي، وطعن المنظمات الدولية من الأونروا إلى الصحة العالمية إلى البيئة إلى كل القواعد المنظمة للعلاقات الدولية. ولم يكن الخليج العربي بعيدًا عن أجندة تلك التحولات، ثم هبت عاصفة كورونا فسرعت من تحرك جسم العالم وهو في حالة خدر ، فظهرت تحركات تشبه التشنجات ولا تشبه ردات الفعل على أقل تقدير. وفي هذه الورقة سنتفحص مدى تأثير كورونا على الأمن الخليجي من زاوية الركائز التي تقوم عليها منظومة الأمن، كركيزتي الجاهزية الخليجية، وركيزة الحاجة الدائمة لحليف استراتيجي.

1-تحديات الأمن الداخلي

الجاهزية العسكرية الخليجية

-تعني الجاهزية قدرة القوات على القتال وتنفيذ المهام المسندة إليها في كل الأوقات. وتطرح دول العالم كافة أمر الآليات المتوفّرة للإبقاء على جاهزية القوات لحين الحصول على لقاح مضاد طرحًا جادًا على كل المستويات، وتكمن المعضلة في طبيعة بنى القوات المسلّحة وهياكلها، بفروعها كافة، التي كانت ولا تزال، حاضنة وناقلة للأمراض في آن معًا لكثر عدد الجند وصعوبة تباعدهم في أسلحة البحرية والجوية خصوصًا والتي ستتأثّر جاهزيتها نتيجة لانتشار الوباء مما قد يتطلب وضع وحدات بأكملها في الحجر الصحي لعدة أسابيع، والحمد لله القوات الخليجية حتى الآن في مأمن.

-لم تصدر بيانات عن الجيوش الخليجية أو أي معلومات حقيقية عن إصابة أفراد القوات المسلحة واعتبارهم جزء من الرقم الوطني، وفي ذلك حصافة حتى لا تنكشف الجاهزية العسكرية، ويكفي أن نتذكر إقالة قبطان حاملة الطائرات "يو أس أس روزفلت" الكابتن بريت كروغر من منصبه بعد أن أفشى سر الجاهزية، مما أدى لانتشار أمر كشف عدم الجاهزية للإعلام تماشيًا مع القيم الديموقراطية مما أخرج من الخدمة 4 حاملات طائرات أمريكية عملاقة وما لا يقل عن 5،000 جندي من الخدمة في مواجهة الصين، ومن ثم إيران. وقد ذهب بعض المحلّلين العسكريين توصيف الأمر بأنه انهيار للمنظومة السائدة وتقويضٌ لجاهزية القوات العسكرية.

- من أبرز تداعيات جائحة كورونا، أن بعض الدول الخليجية قد رفعت حالة الاستعداد لدى جيوشها لتساعد في عملية عسكرة الشارع فيما لو لم تكن قوات الأمن والحرس الوطني كافية.

-الجاهزية العسكرية، في القوات الخليجية، تستند إلى قاعدة من الاعتبارات كالتطابق بين الاستراتيجيات المعتمدة وقدرة القوات على مواجهة التحديات المطروحة، كالتحدي الإيراني وحرب اليمن .   وهناك بعد مالي في مسألة الجاهزية يُستخدم للحصول على ميزانيات إضافية، خارج الميزانيات السنوية المقررة، وما يرافقها من أسلحة جديدة أو أخرى بحاجة للتحديث، كلما حانت الفرصة.

مظاهر التحديات الداخلية

تسنى لوزراء الداخلية بدول مجلس التعاون الخليجي التنسيق الأمني بين دول المجلس، في الأسبوع الأول من أبريل2020م، أي بعد شهر من وصول الأزمة للخليج. و رشح عن اجتماعهم التأكيد على أهمية تعزيز التعاون والتنسيق في المجالات الشرطية والأمنية بين دول المجلس بما يخدم المصالح المشتركة. مما يشي بأن الجائحة لم تعامل معاملة التهديدات الإيرانية أو العراقية التي مرت على الخليج؛ وربما كشف ذلك عن نظرة من زاوية معينة لمواجهة التهديدات غير العسكرية (الوبائية) ضمن اتفاقيات التعاون الخليجي. رغم أن الجائحة أظهرت سقوط عدد كبير من الضحايا، كما أظهرت ارتفاعًا عالميًا كبيرًا في الجرائم الإلكترونية وبيع السلع المزيفة ونشر الأخبار الزائفة فضلاً عن استمرار التهريب والاتجار بالمخدرات. كما أن البيان لم يذكر إشارة للتعاون الخليجي للتحضير لعودة الحياة تدريجيًا إلى طبيعتها، أو ما يسمى الحياة بعد كورونا .

لم تعلن أية دول خليجية استخدام قانون التعبئة العامة رغم صدوره منذ عقود، فقد صدر مثلا بمرسوم في الكويت منذ 1980م، ويعطي الدولة حق وضع مقدرات البلد لصالح المجهود الحربي في حالة الصراعات والكوارث الطبيعية والأوبئة. كما يسهل فرض حظر التجول، لكن دول الخليج لم تفعل حتى حالة التعبئة الجزئية واستعيض عنها بقوانين صممت لكورونا، فيما أهملت التعبئة العامة ربما خوفًا من السمعة السيئة لـ"عسكرة الشارع" حين إنزال الجيش مع إنه أكثر فعالية فجزء من تدريب الآلاف من رجال القوات المسلحة السنوي هو لتنفيذ التعبئة العامة. وهم الأحق فلخبرتهم الطويلة القاسية، ولسلامة أركان منظمتهم، ووضوح الأهداف، والأولويات، يكون العسكر هم الأكثر استقرارًا في مواجهة الارتباك حين تكون أعصاب الشارع مشدودة في الأزمات، كما أن التعامل مع «كورونا» أفضل اختبار لمعنى قوة الدولة الشاملة، العسكرية، والبشرية والاقتصادية، والاجتماعية، والمعنوية. لقد كان من جراء غياب التعبئة العامة كان من تبعاته :

-ظهور عمال في مدينة دبي الإماراتية في 18 أبريل 2020م، يكسرون حظر التجوال، الذي تفرضه السلطات بسبب وباء فيروس كورونا المستجد.حيث إن عمال شركات المقاولات نزلوا للشوارع، احتجاجًا على قرار يمنعهم من الخروج خارج إمارة دبي، وقصر حركتهم فيها فقط.

-تبع ذلك بأسبوعين احتجاج بمعسكر إيواء في الكويت من قبل بعض الوافدين المخالفين لقوانين الإقامة والحجر المنزلي، ثم تفجر حالة من الشغب، حيث تجمعوا وطالبوا بسرعة إنهاء إجلائهم، ورددوا هتافات تندد بتعامل حكومتهم معهم. وقد حاول البعض مهاجمة قوات الأمن الكويتية، وهو ما دفعها إلى إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

-كما كان من المظاهر السلبية ماورد عن مركز جنيف للسياسات الأمنيةGeneva Centre for Security Policy (GCSP)حول ترويج متشددين إسلاميين للإسلام المتطرف ويدعون أتباعهم لاستغلال التراخي الأمني سواء بالنشاط عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الدعوات لرفض الحظر والصلاة الجماعية فوق أسطح المساكن.

عسكرة الشارع الحكيمة

باستطاعة القيادات العسكرية الخليجية تعديل أولويات المهام لتتناسب مع مجمل الأوضاع العامة، كما هي الحال في القوات العسكرية للدول الكبرى الأخرى.فقد تريثت بعض الدول الخليجية في تفعيل دور القوات المسلحة ولعل الاطمئنان الذي ساد الشارع الكويتي مثلاً بعد نزول الشرطة والحرس الوطني لتسيير الحظر الجزئي خير دليل على الشعور الذي تعنيه «عسكرة الشارع الحكيمة» لأهداف تصب لصالح المواطن؛ يضاف له قيام الجيش ببناء المستشفى الميداني، ونزول أطقمه الطبية للفحص والعلاج. والجيش بصفة عامة في دول الخليج مخزن للموارد البشرية المنضبطة والمدربة والقادرة على الحركة، يدعمها معنويًا الحزم وروح القتال والمبادرة، كما يدعمها ماديًا بيئة تسهيلات كثيرة، كالمعدات والقواعد والمعسكرات، والمطارات، وسلاح الهندسة القادر على إقامة المستشفيات الميدانية في وقت قياسي، والخدمات اللوجيستية، لنقل الإمدادات الحيوية، ومصداقية وسرية الاتصالات العسكرية، كما أن الاطمئنان من قبل المجتمع جراء مشاركة القوات المسلحة يعني أن يسدّ الجيش ومجندو قوات الاحتياط والحرس الوطني نقص الشرطة المدنية، لحماية المنشآت الحكومية والمخازن ومصادر المياه، لوقف نوازع الشر في نفس كل عابث يستغل وقت الأزمة.

2-التحديات الخارجية

الوضع في الخليج

-بتغريدة الرئيس الأمريكي ترامب، 22 أبريل 2020م، ارتفع منسوب تصعيد التوتر مع إيران،فقد تضمنت تعليمات صادرة عن القائد الأعلى للقوات المسلحة (ترامب) لسلاح البحرية الأمريكية في مياه الخليج بتدمير أية زوارق إيرانية، إذا ما تحرشت بالسفن الأمريكية في البحر. وهو قرار-رغم عدم تقليديته- استند إلى إن 11 زورقًا حربيًا تابعًا للحرس الثوري الإيراني قامت مرارًا وتكرارًا بسلوكٍ خطيرٍ ومضايقات ضد السفن البحرية الأمريكية العاملة في المياه الدولية. مما يعني تدحرج الأوضاع إلى اشتباك بين الطرفين، أو اندلاع حربٍ مباشرةٍ مكلفة ومدمرة للمنطقة.

-   في تلك الأثناء، أطلقت إيران قمرًا اصطناعيًا وصل مداره المُعدّ بنجاح، ما أثار موجة نقدٍ شديدةٍ وتجديدٍ لأجواء النزاع والمواجهة العسكرية فطهران تنوي التمكن من "إطلاق رأس نووي،" باستخدام التقنية عينها. وعندما تنجح إيران في إطلاق أول قمر صناعي عسكري،ويعني ذلك نظريًا أنه أصبحت لديها إمكانيات إطلاق صواريخ عابرة للقارات، وإن صح هذا التقدير فسيعد ذلك تطورًا خطيرًا في المواجهة المتصاعدة مع واشنطن.

- لم يتوقف عامل النفط عن هز المنطقة كالعادة وكان شكله هذه المرة ما تعرضت له الأسواق العالمية من انهيار في أسعار الخام الأمريكي وتقلص في أسعار النفط الأخرى، و باستطاعة المراقب التكهن بنشوب اشتباكاتٍ عسكريةٍ محدودة من شأنها رفع أسعار النفط الخام إلى مستوياتٍ أعلى بقليل مما هي عليه الآن، كما يطالب بذلك قطاع منتجي النفط الأمريكي. كما أن لإيران مصلحة موازية في التأثير والاستفادة من ارتفاع أسعار النفط، وتبقى الخشية من تدهور الأوضاع وانزلاقها نحو أمر قائم .

-يمكن وصف التراجع الأمريكي في العراق بأنه أقل من الاستراتيجي وأعلى بكثير من التكتيكي. فقد أخلت في العراق، قاعدة «كي 1 الجوية» (K1 Air Base) في كركوك، وهي القاعدة الثالثة التي سُلّمت للعراقيين خلال شهر بعد قاعدتي القائم غرب الأنبار، والقيارة جنوب الموصل، وقد سيقت تبريرات منها أن بعض القواعد تعرضت كثيرًا لاعتداءات مستمرة. ولا زالت أسباب التصعيد في العراق كثيرة بينهما نجاح طهران في تجيير «كورونا» لرفع مستوى التعاون مع الأوروبيين عبر آلية «انستكس». و بسبب الضربات الصاروخية ضد قاعدتين عراقيتين بهما قوات أمريكية، كما يمكن من التصعيد وضع واشنطن رجالها تحت مظلات باتريوت في 30 مارس 2020م.

-تعرض الخليج للابتزاز الغذائي أمر وارد ،ففيروس كورونا هو المحرك الرئيس في تبادل الأدوار الدولية. فقد وضع الوباء 2.5 مليار إنسان في الحجر المنزلي عالميًا، فالمزارعون لن يذهبوا لمزارعهم، الدول التي تصدر الغذاء لدول الخليج قد توفي بالتزاماتها قصيرة الأمد فقط، أما بعد ذلك فتبعات غير محسوبة منها تقنين التصدير، ففي ظل فيروس كورونا بالكاد يكفي بعض الدول إنتاجها ذلك الموسم، فقيدت روسيا، أوكرانيا، كازاخستان من دقيق القمح والسكر وزيت دوار الشمس والحنطة السوداء والخضراوات. وظهور نزعة قومية قد تعرض دول الخليج للابتزاز، فما الذي يمنع باكستان والهند وسريلانكا وفيتنام من تعليق جميع عقود تصدير الأرز والشاي والسكرالجديدة تحسبًا لتغير السعر، وبحجة تقييم كفاية مخزونها للاستهلاك الداخلي. ثم المعاملة بالمثل كما كنا نبيع النفط، فالغذاء أولى أن يتحول إلى سلعة استراتيجية.

3- كيفية التعامل مع تبعات كورونا المستقبلية

تحفبعض المخاوف بدور العسكري الخليجي في مواجهة كورونا، فنزولهم للشارع يعني التعرض المباشر للوباء، وارتفاع عدد الجنود القابعين في الحجر الصحي، مما يعني المساس بالكفاءة العملياتية للجيش لأداء مهامه في أعقاب الأزمة، فانتشار الوباء في العسكر يعني فرض الإغلاق على جميع القواعد العسكرية لتقليص اتصال الجنود مع الناس؛ والخيارات المتاحة والممكنة لدول الخليج في مواجهة هذه المتغيرات والتحديات ليست قليلة،ومنها:

- ضرورة أن تبلغ دول مجلس التعاون بعضها البعض بنواياها فيما يتعلق بتخفيف القيود المفروضة لمواجهة الوباء مع الأخذ بعين الاعتبار أن الصورة الوبائية ليست واحدة في جميع الدول. كما عليها تفعيل قنوات التواصل وتبادل المعلومات ومراقبة تغير البيئة الأمنية وتحركات من هو في خانة حليف كما يراقب من هو في خانة التحدي الإقليمي.

-على صانع القرار العسكري الخليجي إدراك معنى توقف جميع برامج التدريب والمناورات المحلية والإقليمية، وإلغاء سفر وتحرّكات بعض العسكريين المناط بهم تتبع سير الاتفاقيات الأمنية، بالإضافة إلى توقف برامج التحديث للمعاهدات، فنحن بلدان تعتمد على استيراد أسلحتها، مما يعرّضنا للانكشاف الأمني، جراء حال عدم وصول القطع والذخائر.

-كما أن عليه إدراك أن الشلل الأمريكي بزمن «كورونا» غير مبرر وغير مقبول، فالوباء قد أصاب الحشد والحرس الثوري في العراق وإيران أيضًا، كما أصاب الأمريكان، لكنهم يسيرون على استراتيجية وليس تكتيك آني. صحيح أنه في زمن «كورونا» تتسع مساحات المسكوت عنه، لكن أضعف الإيمان هو أن نطالب واشنطن بالوفاء بالتزاماتها الإقليمية جراء تشكّل فراغ استراتيجي شمال الخليج . فمن قواعد الانسحاب في المستوى التكتيكي تدمير ما تتركه لحرمان العدو. لكن بذريعة التراجع أمام «كورونا» يسلّم التحالف الدولي كل يوم قاعدة ومعسكرًا في العراق كاملة لـ «القوات العراقية». وهو الاسم التضليلي لفصائل «الحشد الشعبي»، والتي هي اسم حركي لـ «الحرس الثوري». فـ «كورونا» التي يفر منها الأمريكان هي «الحرس الثوري».

-إن أهم دور للعسكرية الخليجية في أزمة «كورونا» هو الاستعداد لاستلام ملف أمن الخليج في جانبه العملياتي، فأشد ما أقلق المراقب الخليجي هو تبدد الوهم الاستراتيجي، جراء إعلان القيادة المركزية للجيش الأمريكي في العراق وسوريا عن إعادة انتشار قواتها في المنطقة انسحابًا أمام انتشار جحافل «كورونا»، فالمعنى المهذب للانسحاب الأميركي عادة هو حين يستخدم رجال البنتاغون ألفاظًا شديدة المراوغة، كإعادة تمركز مؤقت لقواتهم، فحذار من هيمنة قناعات، أخذت شرعيّتها من عصر ما قبل «كورونا».

-لقد كان ولا يزال لكورونا القدرةعلى خلق مناخات استراتيجية قابلة للاشتعال؛ فالنزعة الفوضوية التي طبعت تعامل العالم معها سيفضي بدول العالم إلى تبني نزعة عدوانية تنافسية فيما بينها للتعويض عن خسائرها. وفي تقديرنا أن هناك فترة زمنية بعد انحسار كورونا، ولن تخلو من الصراعات التي نرجح منها ثلاثة أشكال:

- حروب الدواء؛ فرغم صدور قرار أممي بإجماع 193 دولة يطالب بإتاحة ’اللقاحات المستقبلية’ لفيروس كورونا بصورة عادلة،إلا أن هناك حرب مستترة بين مختبرات الأبحاث واللقحات،حيث تخوض فيه العديد من الشركات المصنّعة سباقًا مع الزمن للعثور على لقاح ناجع مع ما يرتّب عليها مثل هذا التحدّي من عبء مالي كبير،ثم ربح مالي أكبر.وقد تتدخل الحكومة الأمريكية لدعم وحماية الاقتصاد الصحي فيها ومثل ذلك روسيا والصين والأوربيين، ولن يكون التعاون الذي طلبته منظمة الصحة بنفس النبل الذي تتوقعة بقية الدول ومنها دول الخليج العربي.

- حروب الغذاء، فقد شحت منتجات كثيرة في الأسواق، وفشلت دول في تشغيل آليات مواجهة معضلة الأمن الغذائي في ظل كورونا،والتي ربما لم تتعدى داخليًا حملات توعية لكبح سلوكيات الهلع والشره بين المواطنين.اما المعركة الخارجية فبين المصدرين والموردين،وحجة دول المنشأ هي التداعيات السلبية على سلاسل توريد الأغذية ،كالخلل في حركة شحن وإغلاق الحدود،والمطارات.فيما تتهمها الدول المستوردة بفرض قيود على التصدير خوفًا من طول أمد أزمة كورونا، وتعرض الاحتياطي الاستراتيجي لديها للنفاد. أو للجشع الذي دفع بسكب الحليب في المجاري أو إعدام المحاصيل بحجة تعطّل طرق الإمداد، بينما السبب هو منع إغراق السوق. ولعل المخرج من براثن الأسر الغذائي تتلخص في خطوات لازال بالإمكان القيام بها، منها وضع ضمانات مع الدول المصدرة للغذاء لتأمين الإمداد منها، وشروط حمائية تمنع تأميمها. كما يتوجب على دول الخليج الأخذ الفوري باقتراح الكويت إنشاء شبكة أمن غذائي متكاملة خليجية موحدة لتحقيق الأمن الغذائي النسبي لدول المنظومة. كما أن دول الخليج منفردة ملزمة بإعادة النظر في ميزانية العام الجديد غير الغذائية، لتخفيف الآثار السلبية لانخفاض سعر النفط.

- لقد كان النفط تاريخيًا مؤججًا للصراعات،وصدمة انخفاض الطلب الحالية ضخمة لدرجة أنها تخطت كل التوقعات،وقد تقود إلى صراعات بين المنتجين،وليس ببعيد عنا تذكر أن ذريعة صدام لاحتلال الكويت كانت تهمة إغراق السوق بالنفط . وستستمر حروب الأسعار وأطرافها أوبك وأوبك+ ووكالة الطاقة المناوئة لهم. كما أن المستوردين سيدفعون بالأمور إلى ساحة الصراع خصوصًا حين تتعذر الشركات والدول المصدرة بأنها لا تستطيع تسليم شحنات خام للعملاء بسبب الجدوى الاقتصادية الضعيفة.

أخيرًا

إن على دول الخليجي أن تعي أنها لا زالت تعيش في بيئة أمنية سيئة الجيرة،يضاف إليها الآن إنها جارة سيئة ومريضة ومعدية، وقد غيّر الوباء مفهوم الدولة القوية والقوة العسكرية ،فالدولة القوية توسع بعد كورونا ليشمل أكثر من مجرد القوة العسكرية، خاصة بعد ثبوت أهمية الأطباء والمعدات الطبية في مواجهة الفيروس والاقتصاديين والشرطة لتسيير الحياة، مما يعني إعادة توطين مفهوم القوة الشاملة في ذهن صانع القرار السياسي ،فالقوة الشاملة للدولة التي تجاوزت كورونا تتمثل فى القدرة السياسية وهي القدرة الداخلية، والقدرة الدبلوماسية وهي القدرة الخارجية، والقدرة الاقتصادية، والقدرة العسكرية والقدرة المعنوية. كما أن على صانع القرار إدراك أن العالم كله في طريقه للتغير من الأساس بعد أن تلقى هذه الضربات الاقتصادية العنيفة، ما قد يدفعه إلى تطوير إمكانياته المدنية على حساب النفقات العسكرية.مما يعني زوال رفاهية وفرة السلاح في وقت يجزم فيه كل دارس للتاريخ بتشكّل فراغات دولية، حيث ستتهافت الذئاب الدولية للقفز على الفراغات كطريدة مستباحة. كما سيكون هناك انكفاء دول تجاوزتها «كورونا» لتصطف في طابور الدول الفاشلة، وخيبة أمل الكثير من دول افتخرت بأنها قابلة للعولمة المصابة نفسها بفيروس كورونا، دون أن تتعافى حتى الآن .كما أن من متطلبات مواجهة مايشبه كورونا مستقبلا إدراك أن التاريخ يشهد أن الحروب تساهم في دفع عجلة الممارسات والابتكارات الطبية، وفي تقديرنا أن العالم بصدد شن هجوم على كورونا بدل الموقف الدفاعي والهجوم على «كورونا» مطلوب عبر طب الحروب أو المعارك والصراعات «Battlefield medicine»؛ فالمشتركات بين طب الأوبئة وطب الحروب كثيرة، منها كثرة الإصابات الجماعية وتشابهها وحدوثها فجأة، وتكون الاستعدادات لتلقّي الإصابات على عجل، كما يتم بناء مستشفيات ميدانية ومخيّمات ومحاجر بنفس سرعة ونسق ما يحدث في الحروب. وقد طوّر طب الحروب مبادئ يمكن الاستعانة بها، فصحيح أن للجميع الحق في العلاج، لكن الأولوية في العلاج بيد الطبيب؛ لذا هناك نظام التمييز والتصنيف، لكن الأهم تأهيل الكوادر بدورات للفريق الطبي والفريق المساند.

مجلة آراء حول الخليج