; logged out
الرئيسية / القاهرة والجزائر مؤثرتان في التوافق لعلاقات مصر و رفض الجزائر للعسكرة

العدد 152

القاهرة والجزائر مؤثرتان في التوافق لعلاقات مصر و رفض الجزائر للعسكرة

السبت، 01 آب/أغسطس 2020

منذ بداية التدخل الفرنسي الأطلسي في ليبيا في فبراير 2011م، صنف النزاع الليبي من قبل الأمم المتحدة على أنه حالة تشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين، وعليه تم اتخاذ التدابير طبقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما كررته كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي ابتداءً من القرار 1973، الصادر في سنة 2011م، "وإذ يقــرر أن الحالــة في الجماهيريــة العربيــة الليبيــة مــا زالــت تــشكل تهديــدًا للــسلم والأمن الدوليين، وإذ يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة"، وبعد مرور ما يزيد عن تسعة سنوات من النزاع، تفاقمت الأوضاع في ليبيا وزادت درجة وحدة تأثيراتها على السلم والأمن الدوليين نتيجة التدخلات الأجنبية التي عطلت كل مشاريع التسوية السياسية والأمنية المحلية، الإقليمية والدولية، وكان أكثر وصفًا لهذه الحالة وبأكثر دقة ما قدمته السيدة ستيفاني وليامز، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، في إحاطة إلى مجلس الأمن في شهر مايو 2020م :" ما نزال نشهد تحشيدًا عسكريًا مثيرًا للقلق نتيجة قيام الجهات الأجنبية الخارجية الداعمة بإرسال الأسلحة المتطورة والفتاكة بشكل متزايد دون توقف، ناهيك عن تجنيد المزيد من المرتزقة لطرفي النزاع.. وكما كان الحال في مرات عدة، رأينا مشاركة مباشرة من أطراف أجنبية في العمليات سواء بطائرات مسيرة أم من خلال وجود أنظمة دفاع جوي على الأرض، وذلك في انتهاك صارخ لحظر التسليح".

وعليه نتساءل في ظل هذه الأوضاع الكارثية والسوداوية التي تقدمها التقارير الأممية الدورية في كل مرة عن الحالة الليبية، عن إمكانية إيجاد الحلول السلمية لهذا الوضع المتفجر؟ وماذا يمكن للجزائر أن تقدمه من إسهامات لتسوية سلمية للمعضلة الليبية من أجل استقرار المنطقة المغاربية؟ ومن بيده مفاتيح التسوية بعد تجربة مؤتمر برلين الدولي؟ وكيف نتصور دورًا مطلوبًا ومأمولاً لدول الجوار؟

أولاً: مؤتمر برلين والمعوقات الجيوسياسية.

مثل مؤتمر برلين فرصة تاريخية لاختبار جدية القوى الدولية والإقليمية والمحلية في ليبيا لوضع حد نهائي للصدام العسكري وتناقضات المصالح الدولية في النزاع الليبي، حيث استطاعت الدبلوماسية الألمانية أن تجمع ستة عشر دولة ومنظمة دولية فاعلة تحت مظلة الأمم المتحدة في 13 يناير 2020م، شارك في المؤتمر كل الفاعلين الأساسيين في النزاع الليبي بما فيهم طرفي النزاع الداخلي فائز السراج ممثل حكومة الوفاق، وخليفة حفتر ممثل الجيش الوطني الليبي، فضلاً عن الأطراف الدولية المنخرطة في النزاع الليبي كل من فرنسا، إيطاليا، روسيا، وتركيا، إضافة إلى باقي دول مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا والصين، إلى جانب دولتا الجوار الجزائر ومصر. وفي الواقع، فإن الدبلوماسية الألمانية لم تكن متفائلة إلى حد كبيير بمستقبل تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين، حيث اعتبرته المستشارة الألمانية، انجيلا ميركل، وبكل واقعية:" أنه خطوة صغيرة إلى الأمام نحو السلام" إدراكًا منها بحجم التدخلات الخارجية وانخراطها في النزاع المسلح، ولم يخف وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، تلك الواقعية السياسية مصرحًا لوسائل الإعلام بعد انتهاء المؤتمر :" المشاركون نجحوا في الوصول إلى مفتاح يمكن به حل أزمة ليبيا، والآن يتعلق الأمر فقط بوضع المفتاح في القفل وفتح باب الحل" لقناعته بأن المشكل في الإرادات السياسية الدولية المتناقضة التي لا تزال غير مقتنعة بتوقيت وظروف حل باب التسوية السياسية الليبية رغم امتلاكها لمفاتيح الحل. وكانت النقاط الخمسة والخمسين لمخرجات مؤتمر برلين تعبيرًا صريحًا لهذا التناقض، في محتوى التوصيات وفي آليات متابعتها وتنفيذها، فمن حيث المرجعية السياسية والمبادئ التي يجب أن تحكم العملية السياسية، كانت تعبيرًا عن نص توافقي لإرضاء كل الأطراف الحاضرة، فيه الكثير من الليونة والميوعة، حيث تستند على مشاريع التسوية ابتداءً من الاتفاق السياسي الموقع سنة 2015م، رغم الرفض المطلق الذي يبديه مجلس النواب والجيش الوطني الليبيين تجاهه، ومرورًا بالمبادئ المتفق عليها في باريس وباليرمو (إيطاليا) وأبوظبي، وهو انعكاس لصراع الإرادتين الفرنسية –الإيطالية تجاه النزاع في ليبيا، وتلميحًا للدور الذي تقوم به اللجنة الرفيعة المستوى لرؤساء ودول حكومات الاتحاد الإفريقي المعنية بليبيا، والدور الذي تؤديه جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي ودول الجوار، إضافة طبعًا إلى دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والممثل الخاص للأمين العام.

ومن حيث مضمون العملية الأمنية، تمحور مؤتمر برلين على إعادة تذكير كل الأطراف الحاضرة في المؤتمر والغائبة عنه، بكل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن لا سيما تنفيذ حظر الأسلحة بموجب القرار 1970، الصادر سنة 2011م، ومجموعة القرارات الملحقة به، الذي بقي حبرًا على الورق لمدة تسعة سنوات من صدوره، والدعوة لإنهاء كل التحركات العسكرية من قبل أطراف النزاع أو تلك الداعمة له بشكل مباشر في جميع الأراضي الليبية، مع امتناع جميع الأطراف الفاعلة عن أي نشاط من شأنه تأجيج النزاع بما في ذلك تمويل القدرات العسكرية أو تجنيد المرتزقة.

بعد ستة أشهر من مؤتمر برلين، اجتمع مجلس الأمن على مستوى وزراء الخارجية تحت رئاسة وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، الذي أكد مرة أخرى تشاؤمه لمرحلة ما بعد برلين:" في الوقت الذي أغلق فيه العالم بأكمله حدوده، بسبب كوفيد 19، استمرت السفن والطائرات والشاحنات المحملة بالأسلحة والمرتزقة في الوصول إلى المدن الليبية" مطالبًا الأطراف الدولية بوقف ما سماه "بالعبثية الساخرة"، ولن يتم ذلك حسبه إلا عبر تفعيل العملية السياسية من خلال عناصرها الأساسية، المتمثلة في الامتثال التام لحظر الأسلحة، ودعم متفق عليه من قبل المجتمع الدولي من أجل عملية سلام تقودها الأمم المتحدة، ووقف دائم لإطلاق النار، يمكن مراقبته.

أزعم في هذا الاتجاه، أن العبثية الساخرة التي أشار إليها وزير الخارجية الألماني، والتي ستبقى تؤثر على كل المساعي الحميدة والوساطات من أجل أية تسوية سياسية ممكنة أو محتملة للنزاع الليبي، يمكن تفسيرها بالمقاربة الجيوسياسية التي تفسر لنا بصورة شاملة وموضوعية طبيعة التدخلات الخارجية في ليبيا ودرجة التعقيدات التي تقف حجر عثرة في طريق كل المشاريع والمساعي الرامية لإيجاد تسوية سلمية مستقبلية لإنهاء الاقتتال الداخلي في ليبيا، حيث كانت إحدى مؤشراتها المباشرة بعد انعقاد مؤتمر برلين مباشرة من خلال الصدام الفرنسي-التركي، وفق رؤيتين وإرادتين متناقضتين، عبر عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بقوله: "نرى في الفترة الأخيرة بواخر تركية محملة بمرتزقة سوريين يصلون إلى الأراضي الليبية، وهو ما يتناقض صراحة مع ما التزم به الرئيس أردوغان في مؤتمر برلين، ويعد عملاً إجراميًا في حق أمن كل الأوروبيين ومنطقة الساحل"، كما هاجم الرئيس الفرنسي الموقف الروسي المتناقض في ليبيا :" من خلال تواجد مليشيات عسكرية روسية خاصة، مجموعة فاغنر، وليس جنود الجيش الروسي".

 لم يخف الرئيس أردوغان طموحه الجيوسياسي في ليبيا، حيث نشر مقالاً في مجلة "بوليتكو" بعنوان" طريق السلام في ليبيا يمر عبر تركيا" يبرر فيه الموقف التركي الذي يدعم حكومة فائز السراج في إطار الاتفاقيات العسكرية والأمنية التي وقعها معه من أجل ما سماه محاربة الإرهاب، الاتجار بالبشر والتهديدات الأمنية الدولية، وقد أدى تناقض المصالح التركية-الروسية-الفرنسية في الساحة اللبيبة إلى تعقيد كل خيارات التسوية السلمية، ويتضح ذلك بنقل الصراعات الجيوسياسية من سوريا إلى ليبيا، تقريبا بنفس الأدوات والوسائل، تصدير المرتزقة، الدعم العسكري لطرف على حساب طرف آخر، والتعقيد الأكبر في جانبه الجيوسياسي، أن تركيا صدرت نزاع شرق المتوسط على الموارد الطاقوية بين اليونان وقبرص إلى المياه الإقليمية الليبية، بموجب ما تسميه الاتفاقية الأمنية والاتفاقية البحرية، علمًا وأن تركيا أردوغان فعلت الاتفاقية بموجب المصادقة عليها في البرلمان بينما حكومة الوفاق الليبية لا تمتلك الشرعية السياسية والقانونية لتفعيل تلك الاتفاقيات، باعتبارها حكومة انتقالية ولغياب مصادقة البرلمان مع فقدان الشرعية الدستورية المعطلة. وقد أدى هذا التدخل العسكري إلى التصعيد العسكري وعرقلة مخرجات مؤتمر برلين.

كان المشهد الصدامي البحري في البحر المتوسط بين فرنسا وتركيا، على بعد 200 كلم من المياه الإقليمية الليبية، بتاريخ 10 يونيو 2020م، بين الفرقاطة الفرنسية "كوربي" التي كانت في دورية بحرية في إطار مهام الأمن البحري للحلف الأطلسي في المتوسط وباخرة نقل بحرية تنقل 54 حاوية باتجاه ليبيا، التي تخضع للحصار البحري بموجب قرارات مجلس الأمن، وعندما عزمت البحرية العسكرية الفرنسية على تفتيش الباخرة لشبهة تهريبها للسلاح، واجهتها ثلاث فرقاطات تركية عسكرية كانت بالقرب منها بإنذارات الرادار استعدادًا لإطلاق الصواريخ، وقد أظهرت هذه الحادثة درجة الصراع على النفوذ في ليبيا بين تركيا وفرنسا العضوين الفاعلين داخل الحلف الأطلسي. ومن نتائج هذه الحادثة إعلان فرنسا التجميد المؤقت لوسائلها العسكرية التي كانت تساهم بها في العملية الأطلسية "حارس البحر" Sea Guardian في المتوسط، بسبب ما سمته بفشل الحلف الأطلسي في الفصل في نزاعها البحري مع تركيا وما عبر عنه الرئيس الفرنسي:" بالمسؤولية التاريخية والإجرامية لتركيا في ليبيا".

يمكن تحديد أهداف التدخل العسكري والأمني التركي الذي عمق من درجة النزاع في ليبيا، في البحث عن المجال الحيوي البحري في المياه الإقليمية الليبية لاستخدامها كورقة ضغط في المفاوضات المتعثرة حول استغلال والتنقيب على الغاز في منطقة شرق المتوسط، للضغط على اليونان وقبرص بالأساس، بتوظيف قبرص التركية، كمجال بحري للتوسع في البحر المتوسط من الشرق إلى غرب المتوسط، وفي الوقت ذاته، عودة الحلم العثماني الجديد الذي يحمل عباءته الرئيس أردوغان، وعينه على صفقات إعادة البناء للشركات التركية. 

يمثل التمدد التركي الجيوسياسي في ليبيا امتدادًا للتنافس الفرنسي-الإيطالي داخل الدائرة الأوروبية فيما يخص إدارة النزاع في ليبيا، حيث ساهم في بداية النزاع في ليبيا من تصعيد حدة التناقضات الداخلية، وذلك لأسباب جيوسياسية خاصة بكل دولة، يتم اختزاله أساسا في النزاع بين شركة إيني الإيطالية وشركة توتال الفرنسية، حيث كانت شركة الطاقة الإيطالية تحتكر أكثر من 35 بالمائة من الغاز في ليبيا في فترة نظام القذافي، وقد أدى النزاع الفرنسي-الإيطالي إلى إضعاف موقف دول غرب أوروبا تجاه الأزمة الليبية، تاركًا الفراغ الأمني لتواجد تركي-روسي، كان من نتائجها المباشرة على إيطاليا ابتداءً من سنة 2013م، استقبال موجات الهجرات السرية باتجاه جزيرة لمبيدوزا أكثر من 40 ألف مهاجر سنة 2013م، وما يزيد عن 170 ألف مهاجر في سنة 2014م، بسبب الفوضى داخل ليبيا. 

انطلاقًا من هذه التحديات الجيوسياسية التي تزيد من تعقيد النزاع الليبي، كيف يمكننا أن نقيم المقاربة الجزائرية لحل المعضلة الليبية في الاتجاه الذي يساهم في تحقيق استقرار الإقليم بما فيه الأمن القومي الجزائري؟

ثانيًا: المقاربة الجزائرية لحل المعضلة الليبية: المبادئ والمعوقات.

يقوم التصور والإدراك الجزائري تجاه النزاع في ليبيا على مجموعة من الأسس والمبادئ التي تضبط سلوكها في السياسة الخارجية، أولها، أن ما يجري في ليبيا يمس عمق الأمن القومي الجزائري، لتقاربها الجغرافي السياسي على امتداد الشريط الحدودي الذي يقارب الألف كلم على طول حدودها الشرقية، وقد اكتوت في سنة 2013م، من خلال الهجوم الإرهابي المتعدد الجنسيات على مصنع الغاز بمنطقة تيقنتورين في جنوب الجزائر، الذي انطلق من ليبيا عبر الجنوب الجزائري ومثل لأول مرة أكبر تهديدًا للأمن الطاقوي الجزائري. كما أن حالة الفوضى في ليبيا أدت إلى نشاط الجماعات الإرهابية بكل أشكالها من القاعدة إلى داعش مرفقة بجماعات الجريمة المنظمة التي تمتهن كل أشكال الجريمة من الاتجار بالبشر، المخدرات، السلاح، وتدفق المرتزقة، حيث تدق الجزائر ناقوس الخطر محذرة من تكرار الحالة السورية في ليبيا ومحاولات صوملة المنطقة وفق منطق أمراء الحرب الذين يؤدون دور الوكلاء لمصالح القوى الخارجية.

ثانيًا، ترفض الجزائر كل أشكال التدخلات الخارجية في الساحة الليبية لا سيما بعد التصعيد العسكري والنية التركية لبناء قواعد عسكرية على حدودها وفق مناطق النفوذ الجديدة، حيث تحاول فرنسا لعب ورقة الجنوب الليبي في إطار مشروع الساحل الإفريقي وعملياتها العسكرية في شمال مالي من خلال قوات برخان التي تنتشر في خمسة دول جنوب الجزائر، وهو ما تعتبره منطقيًا رهانات الحلم الفرنسي في صحراء الجزائر حيث الموارد الطاقوية الحيوية والمنطقة التي بنت فيها فرنسا الاستعمارية قوتها النووية من خلال التجارب النووية المريرة.

ثالثًا، تحاول الجزائر الجديدة ما بعد بوتفليقة لعب ورقة الثقل الدبلوماسي بعد فترة الفراغ التي فرضها مرض الرئيس السابق، وهو ما جعلها تقترح في قمة برلين الدولية أن تقوم باستضافة الفرقاء الليبيين في حوار شامل في الجزائر من أجل المصالحة الوطنية وبعث مسار الحوار، وهو الدور الذي تريد الجزائر لعبه من خلال ما تم تجسيده في التوصيتين 32 و 33 من مخرجات مؤتمر برلين، الذي يشدد على الدور المهم لدول الجوار في عملية تحقيق الاستقرار في ليبيا مع الاستفادة من الاتصالات الثنائية من أجل حث جميع الأطراف الليبية على الدخول في وقف لإطلاق النار والمشاركة في العملية السياسية تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. وفي هذا الإطار، سعت الدبلوماسية الجزائرية إلى تحريك المياه الراكدة ما بعد مؤتمر برلين من خلال الاتصالات مع الأطراف الدولية المعنية بالنزاع الليبي، واستضافة كل من رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، وغريمه فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية، بهدف تسهيل الحوار الليبي-الليبي من منطلق أن النزاع الليبي لا يحل إلا من طرف الإرادة الليبية ذاتها، وتصوراتها لا تخرج عن مشروع التسوية الأممي الذي تم تكريسه في توصيات مؤتمر برلين، الذي يرمي إلى إطلاق مسار الحوار السياسي خارج ليبيا، يدرس إمكانية إصلاح المجلس الرئاسي بصيغة (1+2) وتسمية رئيس وزراء جديد ونائبيه، وتكليفه بتشكيل حكومة وفقًا للتفاهمات التي تم التوصل إليها في نوفمبر 2017م، في تونس حول اختصاصات كل من المجلس الرئاسي والحكومة، على أن يتم عرض الحكومة على مجلس النواب للتصويت على منحها الثقة، وبذلك يتم وضع حدا نهائيًا للمرحلة الانتقالية الطويلة التي تآكلت شرعيتها وأدت إلى المزيد من الانقسامات على كل المستويات.

بطبيعة الحال، فإن هذا الدور المطلوب للجزائر لا يمكن تصوره خارج ضغوطات ومعوقات اللعبة الجيوسياسية الدولية، التي لا تزال تفرض إرادتها على الداخل الليبي، ومن شروط نجاح أي دور دبلوماسي من أجل استقرار المنطقة، يتطلب تفعيل الآليات الردعية داخل مجلس الأمن لوقف التدخلات الخارجية، وفرض العقوبات على انتهاكات حظر الأسلحة وتدفق المرتزقة، مع منع إقامة أية قاعدة عسكرية أجنبية في الأراضي الليبية لتجنب تقاسم النفوذ وإعادة استنساخ التجربة السورية حيث الصراع الروسي-التركي على المجالات الحيوية البحرية والموارد الطاقوية من جهة، والنزاع الفرنسي-الإيطالي على الطاقة وإعادة البناء، من جهة أخرى.

ثالثًا: سيناريوهات تسوية النزاع الليبي.

إن طبيعة النزاع الليبي باعتباره نزاع جيوسياسي بامتياز، بتعدد أطرافه الإقليمية والدولية، التي انعكست سلبًا على الأطراف الداخلية، تطرح سيناريوهين محتملين لمستقبل التسوية السياسية على المدى القريب، تتمثل في السيناريو الاتجاهي والسيناريو الإصلاحي.

يفترض السيناريو الاتجاهي أن تظل الأوضاع على ما هي عليه، حيث تبقى تصر القوى الدولية المنخرطة في النزاع على إمداد طرفي النزاع بالأسلحة لتعزيز نفوذها في المناطق الحيوية، وقد يشتد النزاع المسلح في المناطق النفطية لا سيما في خليج سرت الغني بالنفط، حيث تحاول تركيا فرض إرادتها العسكرية والأمنية بحثًا عن قواعد عسكرية بحرية لتوظيفها في نزاعها البحري والطاقوي مع دول شرق المتوسط، ومحاولة جر مصر إلى الانخراط المباشر في النزاع المسلح لإضعاف تحالفاتها الطاقوية مع اليونان وقبرص، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الداخلية وتعطيل العملية السياسية استمرارا للنظرة التشاؤمية التي طرحها وزير الخارجية الألماني، فيما سماها بالعبثية الساخرة، في حالة إبقاء موقف مجلس الأمن سلبيًا تجاه الأحداث الجارية.

أما السيناريو الإصلاحي، يقوم على مجموعة من الإرادات المحلية والإقليمية الإيجابية، يفترض نجاح الدور الإيجابي لدول الجوار في تفكيك الارتباطات الظرفية للأطراف الليبية مع القوى الخارجية، ونزعم أن الدور المصري-الجزائري لما تملكهما من عناصر القوة داخل ليبيا يسمح لهما بالتأثير في الاتجاه التوافقي الليبي الداخلي، حيث التأثير الجغرافي، القبلي والمجتمعي لكلا الدولتين، يضاف إليهما العلاقات السياسية لمصر مع مجلس النواب والجيش الوطني بقيادة، خليفة حفتر، في منطقة شرق ليبيا، يسمح لهما بدفع الحوار السياسي، خصوصًا بعدما طرحت القاهرة رؤيتها انسجامًا مع مؤتمر برلين، ولتجنب النفوذ التركي في محيطها الجيوستراتيجي، وهو ما يتوافق مع الرؤية الجزائرية الرافضة لكل الخيارات العسكرية الأجنبية في حدودها الشرقية، ومؤشرات هذا السيناريو، زيارة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى الجزائر بعد طرح مبادرة القاهرة للحوار السياسي، الجزائر لديها كل الحظوظ في حالة توافق العاصمتين المحوريتين على دفع الأطراف الليبية على تقديم التنازلات بما يخدم السيادة الليبية ووحدتها الترابية، وهو سيناريو مرغوبًا فيه ومطلوبًا من كل الشعب الليبي لوقف الكوارث الإنسانية التي حلت به منذ التدخل الفرنسي-الأطلسي في سنة 2011م. 

مقالات لنفس الكاتب