; logged out
الرئيسية / إعادة تحالفات المنطقة يعزز مصالحها ويحفظ أمنها

العدد 152

إعادة تحالفات المنطقة يعزز مصالحها ويحفظ أمنها

السبت، 01 آب/أغسطس 2020

تقع الدول العربية المغاربية الخمس، الجزائر، تونس، ليبيا، المغرب وموريتانيا ضمن مجال جيو-استراتيجي وحيوي في قلب العالم، فموقعها الجغرافي شمال القارة الإفريقية وعلى تخوم أوروبا الجنوبية، وكذلك امتدادها وارتباطها الثقافي والتاريخي بدول الشرق الأوسط الملتهبة على مر التاريخ، أهلها للاحتكاك المباشر مع مختلف الأحداث والتغيرات المحيطة بها وتفاعلها معها دائمًا.

فعلى مدار قرون عدة شكلت العديد من الأحداث التاريخية والتدخلات مصير ومستقبل منطقة المغرب العربي وكذلك حددت شكل العلاقات فيما بين دولها وكذلك تحالفاتها الخارجية. إن فهم ما جرى تاريخيًا في المنطقة من حيث الصراعات والأمن وتدخل مختلف القوى الخارجية فيها مهم جدًا لفهم الحاضر كذلك رسم ملامح مستقبل المنطقة.

القوى المتدخلة  و المتصارعة في المنطقة المغاربية: ما الدروس التي يقدمها لنا التاريخ؟

وجدت منطقة المغرب العربي منذ ما قبل التاريخ نفسها ضمن تجاذبات القوى العظمى السائدة في كل حقبة تاريخية. فمع بزوغ فجر الحضارة، ووصول الفينيقيين إلى سواحل تونس والجزائر وتأسيس حضارتهم، في نفس وقت نمو وتوسع الإمبراطورية الرومانية وسطوتها العسكرية، ظهر احتكاك مباشر مع القرطاجيين، وهم ورثة الفينيقيين الذين استقروا في منطقة المغرب العربي وبالضبط فيما يعرف حاليًا بتونس، ولد هذا الاحتكاك حروبًا مستمرة وطويلة أضعفت ودمرت مع مرور الوقت أقاليمها وممالكها المتوارثة في المنطقة من قرطاجنة إلى نوميديا إلى موريطانيا. و قد لعب فيها انقسام هذه الممالك و تحالفاتها المتقلبة مع العدو الروماني دورًا بارزًا في القضاء عليها بالتدريج.

فكل قوة كانت تظهر على الساحة المغاربية و بدل العمل على التوحد مع بقية القوى  في المنطقة لمواجهة الخطر الخارجي، كانت تلجأ إلى تحالفات مؤقتة مع العدو في كثير من الأحيان للقضاء على القوى المحلية المنافسة، مما جعل المنطقة تخضع باستمرار لنفوذ القوى الخارجية.

وحتى مع انحصار النفوذ الروماني وتشتته، انتقل مركز القوى إلى البيزنطيين في الشرق، وظلت المنطقة المغاربية ضمن هذا النفوذ لعدة قرون، ومع الهجمات المتكررة للونداليين على أركان بقايا الإمبراطورية الرومانية في الغرب وتقويض الإمبراطورية البيزنطية في الشرق، لم تستطع الشعوب المغاربية من استغلال الفرصة لتشكيل مصيرها، وخضعت مجددًا لنفوذ القوى القادمة من وراء البحر، التي لم تنجلي إلا مع قدوم العرب الفاتحين من شبه الجزيرة العربية.

شكل وصول الإسلام إلى المنطقة، علامة مهمة في تشكيل ملامحها بصورة مختلفة تمامًا عما كان سائدًا قبل وصول العرب، فظلت المنطقة المغاربية ضمن نفوذ الإمبراطورية الإسلامية المتوسعة باختلاف دولها و كأحد ولايتها  التابعة (ولاية القيروان). إلا أن بداية ضعف الدول الإسلامية المركزية في صورتها الامبراطورية، سمحت بظهور العديد من الانقسامات في المنطقة وبدأت تظهر العديد من الدويلات، فظهرت الدولة الرستمية في المغرب الأوسط (الجزائر حاليًا)، والمرابطون في المغرب الأقصى، وظهرت نواة الدولة الفاطمية في تونس قبل أن تتوسع وتنتقل شرقًا نحو مصر. و تقلبت أحوال الدول و تشتت بين دويلات متنافسة مجددًا، لم تستطع المنطقة التوحد سوى لفترة محددة بعد سيطرة الموحدين تقريبًا على المنطقة من تونس شرقًا إلى المغرب الأقصى غربًا.

ومع بداية استرجاع القوى الأوروبية أنفاسها خاصة في الجزيرة الإيبيرية والضعف الذي أصاب الممالك الإسلامية المتصارعة في الأندلس وسقوطها مجددًا وعودتها لمحيطها الأوروبي، بدأ فصل جديد من تاريخ المنطقة في التشكل، مع هجرات النزوح الجماعي للأندلسيين وكذلك الهجمات المتزايدة للقوى الأوروبية الصاعدة وظهور قوى جديدة تحاول التوسع والسيطرة على العالم الإسلامي، متمثلة في العثمانيين، خاصة مع انتشار أعمال القراصنة العثمانيين في البحر المتوسط. لجأ سكان المنطقة إلى القوى الخارجية مجددًا طلبًا للمساعدة، و لم يجد العثمانيون أفضل من هذه الفرصة لبسط نفوذهم على المنطقة، بعد احتلالهم لمعظم مناطق المشرق العربي و قضائهم على المماليك في مصر، سيطر العثمانيون على معظم المنطقة المغاربية (باستثناء المغرب الأقصى الذي قاوم التوسع العثماني و حافظ على استقلاليته).

هناك اتفاق واسع على أن الوجود العثماني في المنطقة العربية بما فيها المغاربية شكل مرحلة توقف للتطور الطبيعي للمنطقة و أخر تطورها، لأنه طيلة فترة سيطرة العثمانيين على المنطقة لم تزدهر المنطقة لا فكريًا و لا حضاريًا و لا اقتصاديًا، بل يتفق معظم الملاحظين على تراجعها في كافة الأصعدة بعد أن كانت مركزًا حضاريًا رائدًا.

يضاف إلى هذا، التنازل السهل عن هذه المنطقة والتخلص منها ضمن صراعات الدولة العثمانية مع القوى الأوروبية، فعدم تدخل الباب العالي في مواجهة الغزو الفرنسي للجزائر سنة 1830م، وهي التي كانت محاصرة منذ 1827م، (علما أن الجزائريين ساهموا بقوة في معركة نافرين التاريخية إلى جانب الدولة العثمانية في نفس السنة وتلقوا خسائر كبيرة أسهمت في إضعافهم) يشكل علامة استفهام جدية في هذا الشأن. وبعدها توالت التنازلات عن كل من تونس والمغرب وليبيا ضمن مخططات الحماية الأوروبية.

إن هذه الأحداث التاريخية، بلا شك تبين وقوع منطقة المغرب العربي ضمن صراعات مختلف القوى المتنافسة وتدخلاتها مما أثر بلا شك على أمن المنقطة وعلى تطور دولها عبر مختلف الحقب.

ولعل التغييرات الأحدث عهدًا خلال القرن الماضي، من خلال خضوع المنطقة تقريبًا لشكل ما من أشكال الاستعمار الأجنبي والصراعات التي خاضتها من أجل التحرير والاستقلال، تعد الأكثر تأثيرًا على شكل النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي ورثته عقب هذه الأحداث. يضاف إلى هذا استمرار محاولة العديد من القوى الأجنبية التدخل في الشؤون الداخلية أو محاولة استقطابها في إطار تعزيز نفوذها وتحقيق مصالحها الجيو-استراتيجية.

التاريخ الأحدث  للتدخلات الخارجية في المغرب العربي: هل يعيد التاريخ نفسه؟

كان يحذو الزعماء الوطنيون المغاربة في كل من تونس والمغرب والجزائر في خضم نضالهم من أجل الاستقلال تحقيق الوحدة المغاربية، بل أبعد من ذلك، تحقيق وحدة شمال إفريقيا. وأبرز مثال على ذلك النص الصريح لبيان أول نوفمبر المفجر للثورة التحريرية الجزائرية على تحقيق وحدة شمال إفريقيا ضمن إطارها العربي والإسلامي.

ومع تنامي حركات المد التحرري تجزأت المنطقة إلى عدة دول مستقلة حاولت كل دولة بناء ذاتها الخاصة في ظل التركة الاستعمارية الموروثة من جهة، وكذلك في ظل تحالفاتها الخارجية وفق التصورات التي كان ينادي بها أو يطمح إليها بناة الدول الوطنية عقب استقلالها من جهة أخرى. وفي ظل عالم شديد الاستقطاب خلال الحرب الباردة، سرعان ما تبددت الآمال لتحقيق الوحدة المغاربية وتنامت الانقسامات بين دول المنطقة واختلفت توجهاتها، فمع تداعيات حرب الرمال بين المغرب والجزائر سنة 1963م، تعمقت الأزمة تدريجيًا بين الجارين بعد ظهور أزمة الصحراء سنة 1975م، واستمرارها إلى يومنا هذا. أصبح كل بلد مغاربي يبحث عن تحالفاته الخارجية التي تدعم توجهه ومواقفه، مما فتح المنطقة على مصراعيها مجددًا أمام التدخلات الخارجية. فبين توجه شيوعي مناوئ للغرب، وجدت كل من ليبيا والجزائر في الاتحاد السوفيتي حليفًا استراتيجيًا لدعم سياستها الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى بعض الدول الحليفة وذات التوجه المشابه مثل مصر الناصرية خلال ستينيات القرن الماضي وكذلك الصين الشيوعية وكوبا. وتوجه ليبرالي، قادته المملكة المغربية وتونس، التي وجدت حلفائهما التقليديين في الغرب، خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى دول الخليج العربية التي نسجت علاقة استراتيجية مع المملكة المغربية.

بلا شك كان لكل حليف خارجي ولكل طرف مغاربي أهدافه واستراتيجيته في المنطقة، فبالنسبة للقوى الاستعمارية التقليدية، كفرنسا تحديدًا، سعت للحفاظ على علاقات متميزة مع كل من تونس والمغرب، بحيث يشكل لها تحالفها مع بعض دول المنطقة موطأ قدم دائم ويحافظ على مصالحها السياسية والاقتصادية والثقافية من جهة، وكذلك يشكل حصارًا على غريمها السابق، الجزائر، بعد اختيارها توجه مختلف. يتجلى هذا التدخل بصورة واضحة في الدعم الفرنسي للرؤية المغربية لحل مشكل الصحراء، وهو موقف مخالف للرؤية الجزائرية.

أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فموقفها المتخوف من تغلل الاتحاد السوفيتي في المنطقة و وقف هذا التمدد، جعلها تبحث عن موطئ قدم في المنطقة، فكان المغرب الحليف الاستراتيجي. وبالمثل سعى الاتحاد السوفيتي سابقًا لنفس الأهداف مع كل من الجزائر وليبيا.

شكل التنافس الأمريكي ــ السوفيتي سابقًا، فرصة لكلا الطرفين للمساهمة في تشكيل المشهد الأمني والتنافس العسكري في المنطقة من خلال إطلاق سباق تسلح بين الجارين الغريمين، الجزائر والمغرب وليبيا بصورة أقل حدة. حيث اعتمد كل منها على مصدر أساسي للتسليح وبناء قوة ردعه الخاصة، الجزائر تقليديًا تعتمد على السلاح الروسي، في حين يعتمد المغرب على السلاح الأمريكي. وتتسابق الجزائر والمغرب على الأسلحة المتطورة، الأولى من أجل تحقيق مرتبة "القوة الإقليمية"، في حين تسعى الأخرى إلى حماية أمنها واستقرارها الذي يمتد بحسب ما رسمته، إلى الصحراء الغربية جنوبًا. غير أن الواقع يتحدث عن صراع روسي -أمريكي على المنطقة ليس إلا، إذ احتل المغرب المرتبة الأولى في قائمة زبائن الأسلحة الأمريكية عام 2019م، على صعيد منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بحوالي 10.3 مليار دولار، بينما تمركزت الجزائر في المرتبة الثالثة بين زبائن روسيا، بنسبة ثمانية في المائة بعد الهند والصين. ومثلت مشترياتها ما نسبته 30 في المائة من حجم المشتريات في إفريقيا، لتتضاعف صفقات شراء الأسلحة من طرف الجزائر أكثر من 277 مرة، والمغرب بـ1460 مرة، وفق مركز ستوكهولم لأبحاث السلام. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أن صفقات التسلح مع المغرب تسهم في تعزيز الأمن القومي الأمريكي، لأنها تسهم في تمكين أمن أحد الحلفاء الرئيسيين لأمريكا الذين يتمتعون بقوة كبيرة في شمال إفريقيا، كما تعتبر وكالة التعاون الأمريكية أن تسليح المغرب بأحدث معدات الحروب، سيساعده في ردع التهديدات الإقليمية.

ويبدو أن التدخلات في ليبيا، البلد الغني بالموارد النفطية، اتخذت مسارًا مختلفًا مقارنة بين التدخل المدفوع بالتنافس بين المغرب والجزائر. فمع السياسات المتهورة لحاكم ليبيا آنذاك، العقيد معمر القذافي، ومحاولته المتكررة لزعزعة الأمن في عدة أماكن من العالم ومساهمته في أعمال تخريبية في عدة مناطق. أخذت التدخلات في ليبيا منحى تأديبي في البداية، من خلال فرض عقوبات دولية وحصار جوي تحت مظلة الأمم المتحدة. لتتغير المواقف بعدها ويتحول إلى حليف مهم بعد تنازلات وتغيير جوهري في توجهات حكام ليبيا آنذاك. وكان الدافع الاقتصادي واضحًا في تشكيل هذا التحول، من خلال محاولة مختلف الأطراف الاستفادة من الكعكة الليبية، ومع سخاء حكام ليبيا آنذاك بدفع مليارات الدولارات مقابل رفع العقوبات، تغيرت بوصلة التدخل في ليبيا من عداء إلى ود سياسي مغلف بصفقات اقتصادية مغرية.

 

الصراع والأمن في منطقة المغرب العربي بعد عام 2011: التدخلات الخارجية؟

أشعلت وفاة البائع المتجول، البوعزيزي أواخر سنة 2010 م، في تونس، الدولة المغاربية التي كانت تبدو هادئة نسبيًا، المنطقة المغاربية والعربية بأسرها. أطلقت سلسلة من الانتفاضات والأحداث المربكة أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، فيما أطلق عليها اسم الربيع العربي. و رغم أن الأحداث في المنطقة اتخذت مسارات مختلفة حسب الدول، إلا أن التشابكات بينها واضحة، خاصة من حيث تداعياتها الأمنية و دور التدخلات الخارجية فيها.

ففي تونس الأهدأ نسبيًا، بالرغم من أن التغييرات اتخذت منحى ذو طابع سياسي، إلا أن الإرباكات الأمنية سرعان ما احتلت المشهد، وظهر التحدي الأمني بصورة واضحة في البلاد مع تنامي الاغتيالات المدفوعة بأهداف سياسية وكذلك وصول قوى سياسية ذات امتدادات وتحالفات دولية إلى السلطة، واعتمادها الواضح على أطراف خارجية سواء في الدعاية الإعلامية من خلال القوة الناعمة لهذه الأطراف أو التمويلات الخارجية، التدخل القطري والتركي واضح بهذا الخصوص. كما وجدت أطراف خارجية أخرى موطئ قدم لها من خلال أنشطة المنظمات غير الحكومية المثيرة للجدل والمرتبطة عادة بأجهزة استخبارات أجنبية معروفة من خلال تمويل أنشطتها وتقويه انتشارها وسط المجتمع.

وظلت التغييرات في المغرب داخلية بالدرجة الأولى، إلا أن الوضع الاقتصادي الهش للمملكة و لجوئها المستمر لطلب المساعدة الخارجية، سواء من دول حليفة أو من مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي، جعل من السهل تدخل مختلف الحلفاء لاحتواء الاستقرار المهم في المملكة المغربية، من خلال تقديم حزم المساعدات و الاستثمارات.

و إن نجت الجزائر من حدوث هزات سياسية مثلما وقع في بقية دول المنطقة، إلى حين، إلا أنها لم تسلم على ما يبدو من تداعيات الأحداث المحيطة بها خاصة الأزمة المشتعلة في ليبيا.

الأزمة الليبية، التي شكلت أكبر تحد وتهديد أمني للمنطقة منذ اندلاعها سنة 2011م، ولازالت، لعبت وتلعب التدخلات الأجنبية من عدة أطراف الدور البارز في توجيه تطوراتها. فاتخذ التدخل في البداية غطاءً دوليًا تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لحماية المدنيين الليبيين، مع تحفظ عدة أطراف إقليمية آنذاك مثل الجزائر خوفًا من التداعيات الأمنية لخروج الأمور عن السيطرة وتحول ليبيا إلى وكر للجماعات الإرهابية المسلحة بعد انتشار السلاح، ويبدو أن جزءًا من هذه التخوفات وجد طريقه للتحقق، بعد تعرض الخاصرة الشرقية الجزائرية لأعمال إرهابية مؤلمة استهدف مركز صناعتها النفطية الحيوية (تفجيرات مركب الغاز لتقنتورين) في الصحراء الحدودية مع ليبيا سنة 2013م.

برغم سقوط العقيد القذافي ونظام حكمه في ليبيا، لم تستقر الأمور، وهذا راجع بصورة واضحة لتدخل العديد من الأطراف الإقليمية في دعم مختلف الفرقاء الليبيين المتنافسين والمتصارعين حول السلطة.

وبذلت جهود عدة في محاولة لتثبيت اتفاق وحل سياسي للأزمة بوساطة إقليمية معتبرة خاصة من المغرب، إلا أن نتائجه على أرض الواقع لم تكن مشجعة. وتعززت الانقسامات بين أطراف الأزمة، التي سعت جاهدة لتعزيز مواقفها من خلال اللجوء إلى طلب التدخل الخارجي المباشر، مثلما يحدث مع التدخل التركي في غرب ليبيا، الذي سرعان ما تحول إلى تواجد دائم و سيطرة على مراكز عسكرية مهمة خدمة لمصالح تركيا في المنطقة. وهناك بعض الجهود الإقليمية المتواصلة لإيجاد حل سياسي للأزمة واحتواء تداعياتها الأمنية مثل المبادرة المصرية مؤخرًا، لأن الأزمة أصبحت تشكل تهديدًا للأمن القومي لعدة دول، كمصر والجزائر والدول الأوروبية شمال البحر الأبيض المتوسط، وهذا راجع بالدرجة الأولى لانتشار السلاح وسيطرة مجموعات مسلحة وميلشيات غير نظامية على الأوضاع في عدة مناطق ليبية، التي تشكل ممونًا ومصدرًا مباشرًا للعمليات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.

 كما أن غياب دولة مركزية متحكمة في ليبيا، جعلها مركزًا لمختلف الأعمال غير الشرعية، كالاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية وتجارة السلاح، مما يغذي التهديدات الأمنية في المنطقة بأكملها.

إن تطورات الأزمة الليبية، تبرز بلا ما يدع مجالا للشك، التهديدات الأمنية التي تواجه منطقة المغرب العربي والانقسامات الناتجة أساسًا من التدخلات الأجنبية في شؤون المنطقة. بالإضافة إلى عدم قدرة دول المنطقة في بلورة حلول إقليمية لمشاكلها الداخلية. فاتحاد المغرب العربي يظل هيكلاً معطلاً برغم الأزمات التي مرت بها المنطقة، ولم يحفز قادة المنطقة على إعادة بعث الاتحاد وإعطائه دورًا في الاستجابة للتحديات المشتركة التي تواجه المنطقة، أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا.

إن استقرار منطقة المغرب العربي وازدهارها مرهون بمدى قدرة دول المنطقة على أخذ زمام المبادرة والتحرك بصورة جماعية ومنسقة لمواجهة التدخلات الخارجية المزعزعة لاستقرار المنطقة. مع ضرورة إعادة بناء تحالفاتها الداخلية و الخارجية بما يعزز مصالحها المشتركة  الجماعية و يحفظ أمنها و حقوق شعوبها في مواردها، بدل إتاحة الفرص لقوى خارجية للاستفادة منها و تحقيق مصالحها على حساب شعوب المنطقة. لذا يجب إعادة تفعيل اتحاد المغرب العربي و بعث الروح مجددًا في هياكله حتى تتمكن من التدخل و إيجاد حلول لمشاكل المنطقة، خاصة حل الأزمة الليبية بعيدًا عن تدخلات أطراف بعيدة عن المنطقة.

إن الإطار الطبيعي للوحدة المغاربية هو محيطها العربي والإسلامي، باعتبار الأمن القومي العربي مسألة مشتركة وحيوية من المحيط إلى الخليج، وبالتالي يعتبر العمل المشترك والتنسيق مع بقية الدول العربية الشقيقة في إطار جامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي أمرًا حاسمًا لضمان استقرار وأمن المنطقة المغاربية والعربية على السواء.

مقالات لنفس الكاتب