; logged out
الرئيسية / ما يجري امتداد للربيع العربي وصفقات لتقسيم المنطقة واستنزاف ثرواتها وقواتها

العدد 152

ما يجري امتداد للربيع العربي وصفقات لتقسيم المنطقة واستنزاف ثرواتها وقواتها

الأربعاء، 29 تموز/يوليو 2020

ترتكز سياسات الدول الكبرى على اعتبارات مصالحها في المقام الأول، وهي تعتبر أن مصادر الثروات الطبيعية في العالم ينبغي أن تخضع لسيطرتها وهيمنتها، لأنها هي التي تحولها إلى مقومات وخدمات تحقق الرفاهة وتيسر سبل العيش لسائر الدول الأخرى. وبرغم أن الأمم المتحدة أنشئت في أعقاب الخسائر البشرية الهائلة التي خلفتها الحروب، واعتمدت ميثاقًا يضمن الأمن والاستقرار والسلام في العالم، ويعمد إلى حل النزاعات دون اللجوء إلى خيارات الحرب، فيبدو أن الواقع الآن يشهد شعارات مضللة، ونزيفًا مستمرًا للدماء والأرواح يجري تغافله ما دام يحدث خارج حدود الدول الكبرى، لتستفيد هي في النهاية من تجريب السلاح وصفقات تصنيعه مع ادعاء الحماية وفرض الأمن.

التدخلات التركية في ليبيا

قرّر أردوغان تكرار تجربة اعتدائه السافر على سوريا في ليبيا، وقام بنقل أكثر من 15 ألف من المرتزقة التابعين له في سوريا إلى ليبيا، ثم أرسل 1600 ضابط تركي إلى ليبيا لقيادة العمليات التي سيقوم بها المرتزقة على الأرض، وبرّر هذا العدوان السافر على سيادة ليبيا بأنّه تحرّك لحماية ودعم حكومة الوفاق في مواجهة الجيش الوطني الليبي. ولم يكن هذا هو السبب الحقيقي ولكن الأوضاع المتردية في ليبيا شجعت أردوغان على التورّط طلبا لسدّ حاجة تركيا للغاز وموارد الطاقة، إذ يربو استهلاكها للطاقة على ما قيمته 40 مليار دولار.

وُقِّعت اتفاقية الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق في ليبيا في ديسمبر 2019م، بما يسمح لتركيا بإنشاء منطقة اقتصادية في البحر المتوسط، والسيطرة على حركة السفن وأنابيب الغاز في المنطقة، وحق التنقيب عن الغاز. وهي اتفاقية تفتقد الشرعية وتتعارض تمامًا مع القانون الدولي. ما يمارسه أردوغان في ليبيا اليوم يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي لدول شرق المتوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى التهديد غير المباشر لمصالح الدول الأوروبية، خصوصًا في جنوب أوروبا الذي يعتمد أمنها الاقتصادي على موارد الطاقة المنتَجَة في البحر المتوسط.

تصر تركيا على الاحتفاظ بوجودها العسكري المتنامي في غرب ليبيا وتدفع بحكومة الوفاق الوطني للمضي قدمًا نحو الشرق والاستيلاء على مناطق أكثر أهمية استراتيجية بعد إزاحة الجيش الوطني الليبي خارج طرابلس والاستيلاء على قاعدة الوطية الغربية. وأطلقت تركيا تهديدات صريحة في 5 يونيو الماضي بأن قاعدة الجفرة الجوية التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي، وهي الأكبر في البلاد، ومدينة سرت ذات الأهمية الاستراتيجية هما الهدفان التاليان على قائمة أهداف حكومة الوفاق الوطني.

أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، ومع رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح "إعلان القاهرة" في 6 يونيو الماضي، كمبادرة حلّ سياسي للأزمة لإنهاء الحرب الأهلية وإعادة بناء الدولة الوطنية الليبية، ولقيت المبادرة دعمًا دوليًا واسعًا. وفي 4 يوليو هاجمت طائرات حربية مجهولة الهوية قاعدة "الوطية" الجوية غربي ليبيا، بعد ساعات فقط من اختتام وزير الدفاع التركي خلوصي أكار زيارته إلى طرابلس، وهي زيارة أكدت التزام تركيا العسكري تجاه غرب ليبيا وإحباط حفتر ومؤيديه الأجانب. واعتبر المراقبون هذا الهجوم ضربة قوية للقيادة التركية، و"صفعة" على جبين أردوغان، وساهم ذلك بشكل مفاجئ في وقف تقدم مليشيات حكومة "الوفاق"، غير الدستورية، ومرتزقة أردوغان. وكانت مليشيات "الوفاق" قد دخلت القاعدة منذ أسابيع قليلة فقط بعد هجوم سريع مدعوم بطائرات مُسيَّرة تركية، ونشرت منظومة صواريخ "هوك" التركية بدلًا من أنظمة الدفاع الجوي من نوع "بانتسير". وتوضح صور الأقمار الصناعية لقاعدة "الوطية"، أن منظومة صواريخ "هوك" بالذات تضررت أو ربما دُمرت في الهجوم. لم تكشف تركيا وحكومة "الوفاق" عن حجم الخسائر التي تكبدتها من جراء الهجوم، لكن الأهم هو المعنى الرمزي الكامن وراء الهجوم الذي أفسد خطط أنقرة الطموحة للاستيلاء على المناطق الاستراتيجية في ميناء سرت وقاعدة الجفرة الجوية.

استعدادات ومناورات في الشأن الليبي

شهدت سواحل البحر المتوسط خلال فترة قصیرة عددًا من المناورات العسكریة أبرزها حسم 2020 المصریة وإعلان تركیا عن مناورات "بربروس"، و"درغوت رئیس، "و"تشاكا باي"، إلی جانب إعلان فرنسا عن عزمها إجراء مناورات بحریة مع قبرص والیونان ومصر. ویرى الخبراء العسكریون أن ارتفاع وتیرة المناورات البحریة دلیل واضح علی رسائل واضحة خاصة من مصر حول جاهزیة قواتها في حال تجاوز الخط الأحمر الذي حدده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ليبيا وهو سرت – الجفرة، كما أن فرنسا تسعی لبعث رسالة بأنها لن تترك البحر المتوسط لتركیا لتعبث فیه عبر التنقیب عن الغاز خارج الاتفاقات الدولیة. وقد بدأت دول حلف الناتو خاصة إیطالیا وفرنسا والیونان وقبرص في تنفیذ مناورات بهدف الضغط على تركيا ومنعها من أي عمليات عسكرية في هذه المنطقة.

المناورات المصرية هي للتأكيد على القدرة على حماية أمنها القومي، ولن يكون مسرح العمليات في ليبيا وسواحلها في صالح تركيا على الإطلاق. واللافت للانتباه خلال المناورة المصریة حسم 2020 على الحدود المتاخمة لليبيا تنفيذ القوات الخاصة البحریة لإغارة ناجحة علی هدف ساحلي باستخدام الزوارق السریعة التي تم دفعها من علی حاملة المروحیات من طراز "ميسترال" التي يملك الجیش المصري منها قطعتين. وتتمیز الحاملة باحتوائها علی أماكن إعاشة لـ 658 فردًا مقاتلًا، كما يمكنها استیعاب حتی 70 مركبة مدرعة أو 40 دبابة أبرامز، وتسمح حظیرة المروحیات بحمل 35 مركبة مدرعة، أو حمل من 12 إلى 20 مروحیة متوسطة وثقیلة أو 35 مروحیة خفیفة، بخلاف السطح الذي يمكنه استیعاب 6 مروحیات من مختلف الأنواع تستطیع الهبوط علی 6 نقاط موزعة علیه.

تواصل الإمارات العربية المتحدة ومصر وفرنسا وروسيا دعمها لليبيا، فقد سلمت روسيا أسطولًا من 14 طائرة مقاتلة من طراز MiG-29 Fulcrum وقاذفات Su-24 Fencer إلى الجفرة في أواخر مايو. وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن "سرت والجفرة خط أحمر" لمصر أثناء جولته في قاعدة على الحدود المصرية الليبية، حيث شاهد الطائرات المقاتلة وهي تقلع في عرض واضح القوة. وقال للعسكريين المصريين "كونوا مستعدين للقيام بأي مهمة هنا داخل حدودنا أو -إذا لزم الأمر -خارج حدودنا".

تمتلك تركيا في الغالب دفاعات جوية على ارتفاعات منخفضة، وطائرات بدون طيار من طراز Bayraktar TB2، ومستشارين عسكريين على الأرض في ليبيا. وقد عززت القوى العاملة في حكومة الوفاق الوطني من خلال دفع آلاف المليشيات السورية للقتال إلى جانبهم ضد الجيش الوطني الليبي. لقد أظهرت تركيا بالفعل استعدادها لفرض عضلاتها العسكرية في ليبيا. في يونيو، على سبيل المثال، طارت طائرات F-16 التركية عبر البحر المتوسط وأجرت تدريبات لمدة ثماني ساعات قبالة الساحل الليبي في رحلة ذهاب وإياب على مسافة 2000 كيلومتر. كان ذلك دليلاً واضحًا على قدرة القوات الجوية التركية على التدخل في الصراع الليبي. كما أن فرقاطات الصواريخ الموجهة التابعة للبحرية التركية، وهي سفن حربية أمريكية سابقة من طراز أوليفر هازارد بيري، تعمل قبالة الساحل الليبي حيث ساعدت بنشاط في الدفاع عن المجال الجوي لطرابلس. في 1 أبريل، أطلقت إحدى الفرقاطات طائرة SM-1 سطح-جو على طائرة بدون طيار تابعة للجيش الوطني الليبي.

يمكن للبحرية التركية الاستمرار في تقديم مثل هذا الدعم بل وربما ردع الطائرات الحربية المصرية من مهاجمة الأراضي التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني بالقرب من الساحل. ومع ذلك، ستحتاج تركيا إلى قوة جوية جوهرية أكثر من الطائرات بدون طيار فوق الأجواء الليبية في حالة التدخل العسكري المصري الكبير من جانب الجيش الوطني الليبي. يمكن لتركيا تزويد طائراتها من طراز F-16 بالوقود في الجو لتواصل طيرانها إلى ليبيا دون الحاجة إلى مطارات، ولكنها ستبقى في ساحة المعركة لفترات محدودة نسبيًا قبل القيام برحلة طويلة للعودة إلى الوطن. ويعني ذلك تحديًا لوجيستيًا أمام الحفاظ على الدوريات الجوية القتالية خاصة وأن الجزائر وتونس المجاورتين رفضتا الطلبات التركية باستخدام قواعدها الجوية. وفي المقابل فليس لدى مصر مثل هذه المشكلة نظرًا لقربها من ساحة المعركة. خيار آخر قد تتخذه تركيا هو نشر طائرات F-16 وطائرات هليكوبتر هجومية في القواعد الجوية الغربية الليبية، وهو ما سيمثل تطورًا خطيرًا للغاية. مرة أخرى، حتى في مثل هذا السيناريو، ستظل مصر تتمتع بميزة نظرًا لأن تركيا لن تخاطر على الأرجح بمهاجمة القواعد الجوية في مصر نفسها. وحتى النشر الكبير للقوات الجوية والبرية والبحرية التركية في منطقة الحرب الليبية لن يكون كافيًا إذا كان الأمر يتعلق بحرب فعلية مع الجيش المصري.

وفقًا لتصنيف القوة العسكرية لعام 2020م، تمتلك مصر اليوم جيشًا أقوى من تركيا، حيث تحتل مصر المرتبة التاسعة وتركيا في المركز الحادي عشر. طائرات F-16 التركية مسلحة بصواريخ جو-جو AIM-120 AMRAAM طويلة المدى، وتعتبر طائرات رافال المصرية أكثر تقدمًا من طائرات F-4 Phantom IIs القديمة في تركيا. تمتلك مصر طائرات حربية أباتشي AH-64 بينما لا تزال تركيا تدير طائرات AH-1W Cobras. وعلى الأرض، إذا أرسلت تركيا إلى ليبيا دباباتها من طراز Leopard II الألمانية الصنع ودبابات M60 Patton الأمريكية الصنع فستواجهها طائرات M1A1 Abrams أمريكية الصنع. وبينما سيتعين على تركيا نقل مدرعاتها عبر البحر المتوسط فإن مصر ستضطر فقط لتسييرها عبر الحدود. بطبيعة الحال فإن مثل هذا التصعيد الخطير بين هاتين القوتين العسكريتين الرئيسيتين هو بالتأكيد أمر ليس مرغوبًا فيه لأي من الجانبين بالنظر إلى مدى تكلفته وخطورته.

السد الإثيوبي

تخلفت إثيوبيا عن حضور اجتماع في العاصمة الأمريكية واشنطن نهاية فبراير الماضي، كان مخصصًا لإبرام اتفاق نهائي مع مصر والسودان، بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد الذي تبنيه أديس أبابا منذ 2011م، أبدت مصر تأييدها للاتفاق الذي جاء برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي ووصفته بأنه عادل ومتوازن، وأن غياب أديس أبابا مخالفة صريحة للقانون والأعراف الدولية، واتفاق إعلان المبادئ المبرم عام 2015م، الرفض الإثيوبي للاتفاق تزامن مع لغة دبلوماسية أعنف لمسؤوليها، بدأت بإعلانها ملء خزان السد في يوليو، أي بعد نحو 4 أشهر فقط، وهو الموقف الذي واجهته مصر بتكثيف تحركاتها الدبلوماسية لحشد دعم دولي لموقفها الرافض لأي إجراء أحادي يؤدي لأضرار على حصتها المائية في مياه نهر النيل.

تٌعَدُّ تعبئة خزان السد، الذي تصل قدرته الاستيعابية إلى 74 مليار متر مكعب من المياه، بين أبرز النقاط الخلافية. لكن وزير الخارجية المصري أكد أن بلاده أبدت مرونة وقبلت جدول الملء الذي طرحته إثيوبيا، ووجدت أنها تستطيع أن تتعامل مع فكرة الملء الأول الذي يستغرق عامين، ثم بقية مراحل الملء التي تستغرق 4 سنوات، وفقًا لجدول محدد. كان من الأهمية -فيما يتعلق بالملء-إدخال قواعد مرتبطة بما إذا أتى جفاف خلال فترة الملء، وكيف يؤثر هذا الجفاف على معدلات الملء. تمت صياغة جميع هذه المحددات والتوافق حولها، وإصدار جداول تحدد كميات المياه القادمة، وكميات المياه التي يتم تصريفها، سواء في ظل الظروف الطبيعية أو في ظل ظروف الجفاف.

ترتكز السیاسة المائیة المصریة على توطید علاقات التعاون مع باقي دول حوض النیل وضرورة حسن إدارة وتنمیة موارد وطاقات النهر المائیة، مع الحرص على عدم المساس بحقوق مصر التاریخیة في میاه النیل، وفقًا للاتفاقیات الدولیة، ومبادئ القانون والأعراف الدولیة. وقد أبرمت مصر مجموعة من الاتفاقیات الخاصة تضمنت نصوصًا صریحة حول عدم إقامة أي مشروعات على مجرى النهر أو فروعه تقلل من نسبة تدفق المیاه، أو تؤثر على كمیة المیاه الواردة إلى مصر.

لابد أن تستند أية تسوية على مجموعة القواعد القانونیة الخاصة بالأنهار الدولیة، واتفاقیات وقرارات الأمم المتحدة، وأحكام القضاء الدولي، والسوابق الدولیة في المعاملات الدولیة الثنائیة والجماعیة، فضلاً عن الاتفاقیات الثنائیة التي أبرمتها مصر مع دول حوض النیل. وفى حالة توتر النزاع واستمراره نتیجة فشل التسویة الودیة – وهذا ما یجب تجنبه بأي حال – يكون اللجوء إلى التحكیم الدولي أو القضاء الدولي (إذا تحققت موافقة الطرف الآخر في النزاع على اللجوء إلى أي من الوسیلتین)، وهنا لابد من توافر الأسانید القانونیة، التي تؤكد الحقوق، باعتبار أن النزاع سیتم البت فیه من خلال هیئات مستقلة تعتمد على حكم القانون دون غیره.

لا بد أن يواكب جهود التسوية ویدعمها إیمان حقیقي بأهمیة التعاون مع دول حوض النیل، بما یراعي حقوق الجمیع، ویحقق مصالحهم. إن اتخاذ خطوات سریعة وفعالة للانفتاح على إفریقیا وتكثیف التبادل التجاري والتعاون المشترك وتشجیع الاستثمارات المصریة مع دول حوض النیل أصبح حتمیًا. ويتعزز هذا بالبحث في مشروعات للتنمیة المشتركة، وتقدیم كل صور التكامل والمساعدات الفنیة، والاستغلال الأمثل للنهر لمصلحة الكل، وزیادة مصادر الطاقة، وإزالة أخطار بناء السد. لابد من فتح صفحة جدیدة مع إثیوبیا تقوم على تبادل المصالح، وتكثیف الجهود الدبلوماسیة والشعبیة معها، والتواصل المستمر لمناقشة الجوانب الفنیة والهندسیة المترتبة على بناء السد، ووسائل تفادى الآثار الضارة على دول المصب، مع التنسیق المستمر بین مصر والسودان لضمان موقف موحد.

الخيار العسكري

رسميًا، ترفض مصر التكلم عن أي خيار عسكري للتعامل مع النزاع، بل إنها وجهت اللوم إلى رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد عندما تحدث في أكتوبر الماضي عن استعداد بلاده لحشد الملايين للدفاع عن السد في مواجهة أي حرب، الأمر الذي اضطره لتقديم توضيح يؤكد أن حديثه فُهِم على وجه خاطئ. لكن أيضًا، رغم ذلك، فإن استبعاد التعامل العسكري تمامًا في أي مرحلة مقبلة أمر غير صحيح، بحسب مراقبين يشيرون إلى تلميحات مبطنة من الجانبين -ربما مجرد تلويح أو تهديد-تؤكد استعداد كل طرف للدفاع عما يعتقد أنه حقوقه إلى أبعد الحدود. ولن تقف مصر مثلا عاجزة حال احتمال تعرُّضها للجفاف جراء حجز المياه خلف بحيرة سد النهضة الإثيوبي.

وتتعلق تلك التلميحات باجتماعات رفيعة عقدها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع القادة العسكريين في بلاده لمراجعة استعداد وخطط تأمين البلاد مع احتدام الأزمة، وهو الأمر الذي كرره أيضًا وزراء إثيوبيا الأسبوع الماضي. وقد استبعد السيسي، في أكثر من مناسبة، اللجوء إلى الخيار العسكري، مشيرًا إلى أن مصر تعوّل دائمًا على الحلول السلمية والدبلوماسية لمشكلة سد النهضة.

ملاحظات ختامية

- إن ما يجري هو امتداد لأفكار الربيع العربي والشرق الأوسط الكبير، والصفقات المكملة لها بتقسيم دول المنطقة واستنزاف قواتها وثرواتها، ولكن بطرق مبتكرة، ويبدو أن الأحداث تؤكد تسريبات عن تبني أوباما وهيلاري مشروعًا لإنشاء قطب سني تسيطر فيه تركيا على الشمال الإفريقي والسودان وآخر شيعي تسيطر فيه إيران على العراق وسوريا ولبنان. والوسيلة إشعال حروب أهلية واسعة تحت غطاء المذهبية أو القبلية أو الديانة حسب الظروف الاجتماعية والتركيبة السكانية في كل منطقة. أجهض المشروع بسبب تحرك الجيش المصري لإنهاء حكم الإخوان في مصر والمواقف الرائعة لدول الخليج العربي، وفَشَلِ هيلاري في الانتخابات وفوز ترامب الرافض لسياسات أوباما. وتسعى الولایات المتحدة لاستعادة القوة الاقتصادیة والهیمنة العالمیة وتحقیق استراتیجیة الخروج من الشرق الأوسط، والدخول إلى آسیا والمحیط الهادئ. وتبقى أهدافها الرئیسیة في المنطقة ممثلة في الحفاظ على توازن القوى وما يخدم مصالحها، وتعزیز استقرار أسواق الطاقة العالمیة من خلال ضمان التدفق الحر للنفط والغاز.

- كانت تركيا تهدد بنقل المليشيات إلى أوروبا، والآن فقد نقلتهم إلى ليبيا ودعمتهم بالأسلحة والذخائر تحت بصر الجميع. وعندما تبدأ هذه المليشيات بمناوشات قد تتطور إلى مواجهات بين تركيا ومصر فلن يعرف أحد متى وكيف ستنتهي. وربما تُدفع القوات الموالية لحكومة الوفاق إلى عملية تختبر فيها رد الفعل، وتراقب مصر عن كثب التحركات التركية، وفي حال تحول وحداتها إلى وضع الهجوم فسيكون الرد المصري مفاجئًا وسريعًا ومؤثرًا، وفي النهاية فلن تستفيد تركيا ولن تنجح في العبث بثروات الشعب الليبي.

- خلال لقاء الرئيس السيسي ومشايخ وأعيان القبائل الليبية الممثِّلة لأطياف الشعب الليبي بكافة ربوع البلاد منذ أيام تحت شعار "مصر وليبيا شعب واحد ومصير واحد" قال: إن الهدف الأساسي للجهود المصرية على كافة المستويات تجاه ليبيا هو تفعيل الإرادة الحرة للشعب الليبي، من أجل مستقبل أفضل لبلاده وللأجيال القادمة من أبنائه. كانت الزيارة برهانًا على الرغبة في الوحدة والسلام، والخلاص من المليشيات الغازية، وتأكيدًا على ما أعلنه البرلمان الليبي بطلب تدخل القوات المصرية. وطلب الرئيس ألا يتجاوز أحد خط سرت والجفرة، والتباحث من أجل وحدة وسلام ليبيا، وأن تجاوز هذا الخط سيضطر الجيش المصري للتدخل حماية للأمن القومي المصري.

- تتجه إثيوبيا إلى التعنت غير المبرر في مخالفة للأعراف والقوانين التي تفرض وجود اتفاقات ملزمة لإدارة السدود، وبرغم الاستفزازات الإثيوبية اتجهت مصر إلى مجلس الأمن ثم الاتحاد الإفريقي وقد تعاود اللجوء إلى مجلس الأمن، وتأمل في التوصل إلى اتفاق دون اللجوء إلى مواجهات عسكرية.

- أمام دول مجلس التعاون أن تستمر في تنويع مصادر الأسلحة، وتوطين هذه الصناعات وتكاملها، وأن تستوعب مجالات التسليح الحديثة، وأن تعزز تبادل المعلومات والخبرات وأنشطة التدريب، وأن تستفيد من المنافسة بين القوى الأعظم. وينبغي أن يٌنظر إلى التوترات الحالية على أنها دعوة لمراجعة القوة الذاتية، وتحقيق أكبر قدر من الردع. وقد وجدت مصر دائمًا دعمًا وتأييدًا قويًا من السعودية والإمارات، في مواقفها من كل القضايا، وهو ما يؤكد وحدة المصير العربي، وأن التضامن العربي هو السبيل إلى حماية الأمن القومي العربي.

مقالات لنفس الكاتب