array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التحولات الديمقراطية والحريات في دول الخليج

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2011

تتسم الديمقراطية العربية بشكل عام بسمة الولادة الحديثة، إذ لا تعود في جذورها التاريخية إلا إلى بدايات منتصف القرن الماضي،بعد أن كانت تلك الدول تحت قبضة الاستعمار، الذي ما فتئ يزول عن صدرها حتى باشرت في بناء هيكلها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والذي من دون شك تعرض إلى انتقادات كثيرة على مختلف المستويات بسبب عدم مواكبته للممارسة الديمقراطية منذ انطلاق المسيرة الوطنية لكل دولة على حدة.

بعد أن شعرت الأنظمة الحاكمة بفقدان الشرعية لنظامها السياسي القائم، وبعد ازدياد المطالبة داخل الأنظمة بضرورة توسيع هامش الحرية والتحرر الليبرالي كحرية التعبير والصحافة وتشكيل الأحزاب السياسية والانتخابات.. إلخ، سعت الدول العربية عموماً إلى الانفتاح السياسي والتحول الديمقراطي.

ولم يحظَ موضوع الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في دول الخليج العربية سوى باهتمام قليل من قبل المهتمين والباحثين، وجرت العادة، خاصة في الدراسات الأكاديمية الغربية، النظر إلى تلك الدول من زاوية اقتصادية بحتة، كمنتج للنفط ومستهلك للبضائع الأجنبية، ومدى تأثيرها في الاقتصاد العالمي وإلى حد ما دورها (أو دور بعضها) في حركة السياسة الإقليمية.

لذا فإن الكتابات حول طبيعة النظم السياسية في الخليج وعلاقتها بعامل الاستقرار الداخلي والمنطقة قلّما بُحثت، وفي أكثر الأحوال يتم التعاطي مع المنطقة كما لو كانت مجرد بئر نفط بحاجة إلى حماية أجنبية من أطماع دول الجوار، وأن شعوبها متخلفة عن الركب الحضاري وتقتات على ثقافات وانتماءات عفا عليها الزمن، فهم من وجهة النظر هذه مجرد أثرياء يعبثون بكميات هائلة من النقد ويبعثرونها هنا وهناك، هذه الصورة النمطية الماثلة في أذهان عرب وأجانب كلما ذكر الخليج وأهله أخذت بالتغيّر، وحظي الوضع السياسي في المنطقة خلال العقد الماضي باهتمام أكثر جدية وإن كان في مراحله الأولى، بحيث إن دراسات مستفيضة لشؤونه الداخلية، السياسية منها بشكل خاص، بدأت تظهر في الحقلين الأكاديمي والصحفي.
ويعد مفهوم الديمقراطية من أهم المفاهيم العالمية في القرن العشرين، حيث أُطلق على عملية تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متماسكة فيما يُسمى (عملية البناء السياسي)، ويشير المفهوم إلى هذا التحول بعد الاستقلال -في الستينات من هذا القرن- في آسيا وإفريقيا بصورة جلية، وتبرز أهمية مفهوم الديمقراطية في تعدد أبعاده ومستوياته، وتشابكه مع العديد من المفاهيم الأخرى مثل التنمية السياسية والتخطيط والإنتاج والتقدم.

والمقصود بالتنمية السياسية هنا هو تحديد وقياس مدى عمق وترسخ البناء القانوني - المؤسساتي للدولة الحديثة بأجهزتها وتنظيماتها المختلفة، السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، السلطة القضائية، وهذا يقود بالضرورة إلى تحديد درجة وسعة المشاركة السياسية في اتخاذ القرار واستبدال العلاقات العمودية (التراتبية) البيروقراطية، بالعلاقات الأفقية (الديمقراطية) التي تحكم العلاقة بين الحاكم (السلطة) والمحكوم (المجتمع) عبر إبرام عقد اجتماعي بينهما يحدد واجبات وحقوق الطرفين.

وتُعدُّ التجربة الديمقراطية في سلطنة عمان في مقدمة التجارب الديمقراطية في دول الخليج العربية، ومن التجارب الديمقراطية الفريدة في التحول الديمقراطي البطيء والمتدرج في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وذلك لما تتميز به عمان من مزايا تختلف عن بقية دول المنطقة، حيث تتميز التجربة الديمقراطية العُمانية بعدد من الخصائص التي تشترك بها سلطنة عمان، ودول الخليج والدول العربية بشكل عام، وقد لا نبالغ كثيراً إذا قلنا إنّ دول العالم الثالث بشكل عام تشترك في هذه الخصائص، ولعل أبرز ما يميز التجربة العُمانية ما يلي:

* الدور المركزي للقيادة السياسية، وعلى رأسها السلطان قابوس، في قيادة المسيرة الديمقراطية، إذ استطاع بحنكة سياسية أن يوطد حكمه في البداية بتأمين الجبهة الداخلية، وتحقيق الأمن والاستقرار، ثم أطلق مسيرة النهضة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية بوتيرة متسارعة، وأخيراً، السياسية بخطوات متأنية ومتدرجة، بحيث لا يتعرض النظام السياسي إلى تغييرات سريعة ومفاجئة تؤثر في استقراره.

* الانفتاح السياسي المتدرج والحذر، ومحاولة التوفيق ما بين الثوابت في القيم والتقاليد في مجتمع قبلي، ومتطلبات الحياة العصرية، فقد بدأ التحرك الديمقراطي مبكراً منذ عام 1981م، لكن بطريقة تدريجية وبجرعات مخففة لا تحدث ضرراً للنظـام القائـم، خصوصاً في حالة القفز وحرق المراحل، فالعملية بدأت متواضعة، لكنها لم تتوقف أو تتراجع، وإنما تسير إلى الأمام، وإن كانت بخطى بطيئة.

* التكامل بين عناصر التنمية المختلفة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فقد بدأت عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية مبكرة، ونظراً للإمكانات التي يوفرها النفط والغاز، فقد تم بناء بنية تحتية متقدمة مهدت الطريق لعملية البناء الاجتماعي والتحول الديمقراطي.

* قابلية الاستمرارية في التطوير والتحديث، ولاسيما بعد تبني دستور مكتوب، والالتزام بالاستمرار في إجراء الانتخابات في مجتمع يتقدم بخطى حثيثة في مجالات التعليم والصحة وتمكين المرأة، وفي ظل ظروف دولية مؤاتية لنشوء الديمقراطية وتعزيزها، واحترام حقوق الإنسان.

ولنأخذ مثال التجربة الديمقراطية في عمان التي لا تزال في مراحلها الأولى، وهي تحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد، وتعاون القيادة والمجتمع، ممثلاً في هيئات الحكم المحلي ومنظمات المجتمع المدني، للانطلاق معاً لتطوير هذه التجربـة وتفعيلهـا، فـالديمقـراطيـة لـيست مجرد إجراءات ومؤسسات سياسية: دستور، ومجلس استشاري، وانتخابات دورية، إذ لا بد من توفر ثقافة سياسيـة، ومجموعة من القيم والاتجاهات والمشاعر، التي تشجع على الممارسة الديمقراطية الفاعلة من جانب الحكام والمحكومين. التجربة الديمقراطية العُمانية شأنها شأن كثير من تجارب التحول الديمقراطي في كثير من دول العالم الثالث، لا تزال في مرحلة مبكرة من مراحل بناء النظام الديمقراطي المكتمل، وبالتالي فإن هذه التجربة تواجه الكثير من التحديات والعقبات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية المحلية، وكذلك بعض التحديات الخارجية التي تفرضها ظروف إقليمية ودولية، قد تؤثر سلباً في المسار الديمقراطي.

إن إنجاز المشروع الديمقراطي في دول الخليج العربية يتطلب تلاقي إرادتين في آن واحد، الأولى: إرادة جماعية تستهدف تحقيق الديمقراطية وتفعيل المشاركة السياسية، ويتضح ذلك من خلال الأجندة الإصلاحية التي تتبناها القوى السياسية والمجتمعية، وقدرتها على تحويل أفكار النخبة إلى قناعات مجتمعية تضغط في اتجاه الإصلاح والتغيير والمشاركة البناءة، والثانية: قبول النُّخبة الحاكمة للتعددية السياسية والفكرية، وقدرتها على التأقلم مع إرهاصات التحول والتغيير الديمقراطي، وتقبل حركة النقد والتقييم الداخلي مهما بدت قاسية وغير مألوفة.

وتنقسم الأطروحات المقدمة في هذا الشأن إلى قسمين، الأول: القراءة المدرسية التي تحاكي النظريات الغربية ولا تخرج عن سياقاتها الفكرية، والتي يرى الكثيرون أنها تسير خارج النسق القيمي للمجتمع، وأنها تنقل سلطة التشريع المخصوصة لله -جل شأنه- إلى الناس أو جزء منهم، فيما يرى آخرون أن منشأ الديمقراطية في العالم العربي جاء كمطلب استعماري لتمكين المحتل من إدارة البلاد بصورة غير مباشرة. هذه القراءة المدرسية لم تُقدم معالجة حقيقية لإشكاليات الديمقراطية، ولم تلب الحاجات المتزايدة لدى الأجيال الحديثة، بل توقفت عند نقد الفكرة الغربية ورفضها.

والقسم الثاني توسع في البحث، لكنه توقف عند نقد الواقع السياسي القائم، والدعوة إلى تطبيق الديمقراطية، باعتبارها الحل الأمثل لمجتمعات الخليج، لكنهم لم يقدموا تصوراتهم وقراءتهم المحلية للديمقراطية، بل اكتفوا بالدعوة إلى استنساخ التجربة الغربية بكل تفاصيلها، وافترضوا أن نجاح الديمقراطية في دولة، يعني نجاحها في كل الدول دونما استثناء، وبغض النظر عن التفاوت الثقافي، واختلاف البيئات الاجتماعية، في تعميم مخل مازالت الدول غير الغربية تُعاني من آثاره.

ويسود اعتقاد عند منظّري الديمقراطية بعدم إمكانية نقل الديمقراطية من بيئة إلى أخرى بكامل حمولتها. فالبيئة العربية بما فيها من تعقيدات، تختلف عن البيئات الأوروبية، والنمط الاجتماعي والثقافي السائد في الدول الآسيوية مغاير لما هو موجود في الغرب، الأمر الذي يستدعي من النخب الخليجية المعنية بالمسألة الديمقراطية تجديد تفكيرها ورؤاها عند التعامل مع الوضع الخليجي، وإبداع ديمقراطية من نسيج هذه البيئة. وطبقاً لمؤرخ الديمقراطية في القرن التاسع عشر (أليكس توكفيل) فإن للنظام الديمقراطي أنواعاً عديدة، يصح لكل شعب أن يختار منها النوع الذي يتفق مع تاريخه وتقاليده.

 

 

مجلة آراء حول الخليج