array(1) { [0]=> object(stdClass)#13138 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 157

مبادرات خليجية عاجلة لتتناغم مع الديمقراطيين وتعزز جبهاتها الداخلية

الثلاثاء، 29 كانون1/ديسمبر 2020

د. عبد الله باحجاج

 كان عام 2020م، استثنائيًا، واستثنائيته لم تكن مسبوقة في التاريخ الحديث لدول مجلس التعاون الخليجي، فقد تفجرت فيه أزمتان بددت الموارد المالية الخليجية، هما انخفاض النفط وجائحة كورونا، ورحيل أخر مؤسسيين لمجلس التعاون الخليجي، ودخول لاعبين جدد للمنطقة الخليجية، في ظل استمرار الأزمات والتحديات الإقليمية والعالمية القديمة التي تسبب صداعات مزمنة للجغرافيا الخليجية، كلها التقت في هذا العام، وسيكون لها انعكاسات جوهرية على العام 2021م.

والانعكاسات المحتملة ستكون على الصعيدين، داخل كل دولة من الدول الست دون استثناء، وعليها كمجموعة خليجية، تسير منذ عام 2017م، في الاتجاه المعاكس لمسارها الطبيعي، ويخرج من رحم التشاؤم للعام 2020م، آمال ممكنة، تنضج قناعاتها انكشاف العدو الحقيقي للدول الست، وحاجة كل دولة منها، إذا لم يكن للوحدة، فالتضامن البنيوي الشامل إذا ما تمكنت الدول الست من تجاوز الخلاف الخليجي الذي تفجر عام 2017م.

ولن تتمكن الدول الخليجية من رؤية تلكم الآمال إلا إذا عملت الفكر، وأجرت مراجعة سياسية بعيدًا عن ضغوطات الأحداث الجسام التي تواجهها، والتي قد تشل التفكير، وينبغي أن تنطلق هذه المراجعة من تجربة خليجية ثرية مرت بثلاث مراحل أساسية، هي:

  • الحلم بالوحدة الخليجية.
  • ابتعاد الحلم منذ عام 2017م.
  • عودة الحلم بقناعات جديدة.

إذ أننا نرى أن أي دولة خليجية لن تتمكن لوحدها من مواجهة تحديات العام 2021م، وأن أمنها القومي مرتبط بوحدة جغرافياتها وانسجام ديموغرافيتها، ومن ثم فإن مصلحتها تكمن في كيان خليجي قوي، ومن هذه الأبعاد الاستراتيجية للخليج، سنرصد أهم تطورات وأحداث العام المنصرم 2020م، وكيف نستشف أن يكون لها تأثير مباشر على العام الجديد 2021م، وهذا يعني أننا سنتجاوز التعاطي التقليدي من حيث الرصد الكمي وعرضها كتوثيق للذاكرة، ونركز على تلك التي تشكل كبرى التحديات للدول الست، ومن ثم مدى الاستفادة من أحداثها في تشكيل المستقبل الخليجي الجديد، لعلها تشكل استلهامًا للفكر السياسي الخليجي المعاصر.

  • أحداث داخلية يبنى عليها المستقبل الخليجي.

خيم الحزن على الخليج كله، بوفاة أخر قائدين لمؤسسي المنظومة الخليجية التي تأسست 1981م، الأول السلطان قابوس بن سعيد في العاشر من يناير عام 2020م، والثاني وفاة الأمير صباح الأحمد في التاسع والعشرين من سبتمبر 2020م، وبرحيلهما تطرح مجموعة تساؤلات:

  • كيف تمت عملية انتقال السلطة بعد وفاة الراحلين؟
  • هل عملية الانتقال السلمي للسلطة في مسقط والكويت يمكن أن تشكل إلهامًا سياسيًا للمنطقة الخليجية؟
  • ما هو مستقبل مجلس التعاون الخليجي بعد رحيلهما؟

انتقال السلطة في مسقط والكويت.

عرف عن الراحلين، السلطان قابوس والأمير صباح، أنهما قائدان دبلوماسيان من الطراز الرفيع، وبوفاتهما ذهبت الاعتقادات بأن المنطقة فقدت رموز الوساطة، فقد اضطلع الراحلان بدورٍ مهم في تخفيف حدة التوترات في المنطقة الخليجية، وذهب الكثير من المراقبين والمتربصين بالخليج قبل وبعيد وفاتهما إلى سيناريوهات مخيفة، بددتها سريعًا، عمليتي انتقال السلطة في مسقط والكويت بصورة سلسلة وهادئة.

ففي مسقط، كان انتقال الحكم إلى السلطان هيثم بن طارق من ابن عمه الراحل السلطان قابوس وفق مقتضيات دستورية ومؤسساتية، وهي التي ضمنت هذا الانتقال، في وقت كانت الضبابية تحجب الرؤية عن قوة وفعالية الضمانتين " الدستورية " متمثلة في النظام الأساسي للدولة الذي فيه مواد أساسية تحدد كيفية انتقال الحكم، والمؤسساتية، متمثلة في مجلس الدفاع، ومجلس عمان " الدولة المعين والشورى المنتخب " التي حرصت على تطبيق وصية السلطان الراحل للسلطان الجديد بعد أن اتفق أفراد الأسرة الحاكمة على الاحتكام إلى الوصية.

 وكذلك الحال في الكويت، فقد شهد انتقال الحكم فيها نفس السلاسة والديناميكية عبر آليات دستورية ومؤسساتية منظمة، فحسب الدستور الكويتي، أعلن مجلس الوزراء، الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، أميرًا للبلاد بعد ساعات من إعلان وفاة أخيه الشيخ صباح الأحمد، وبحسب المادة " 6"  أدى الأمير الجديد اليمين قبل ممارسة صلاحياته في جلسة خاصة لمجلس الأمة، وبعد بضعة أيام تم تعيين مشعل الأحمد الجابر وليًا للعهد، رغم أن المادة الرابعة من الدستور تنص أن يعين ولي العهد خلال سنة على الأكثر من تولي الأمير الحكم، ويكون تعيينه بأمر أميري بناءً على تزكية الأمير ومبايعة من مجلس الأمة.

المنظومة الخليجية في عهد السلطان هيثم والأمير نواف

يظل الهاجس الخليجي من ميول مسقط نحو إيران قائمًا رغم عهدها السياسي الجديد، وكذلك بشأن موقفها من الوحدة الخليجية، في المقابل، تطرح تساؤلات حول مستقبل الرهان الأمني على المنظومة الخليجية بعد تطبيع علاقات ثلاث دول خليجية مع الكيان الإسرائيلي في عام 2020م، وبالتالي فهل الرهانات على المنظومة الخليجية لا تزال ضمن السيناريوهات السياسية للدول التي طبعت مع إسرائيل؟ وهل مسقط في عهدها الجديد ستكون مرنة في مواقفها الخليجية السابقة؟ كل الاحتمالات توضع داخل سلة واحدة الآن من حيث النظرة الشمولية، لكننا نرى هناك عوامل مستجدة داخلية وعالمية قد تدفع بصناعة كيان خليجي متضامن ومتصالح مع ذاته أكثر من السابق على الأقل.

  • الخليج في عهد السلطان هيثم.

حرص السلطان هيثم بن طارق منذ أول يوم تسلم فيه الحكم في سلطنة عمان، أن يكون واضحًا وشفافًا في مسار نهجه الخليجي، ففي أول خطابه أثناء تسلمه الحكم في الحادي عشر من يناير عام 2020م، أمام مجلس عمان المكون من مجلسي الدولة والشورى، أكد على المواصلة مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي للإسهام في دفع مسيرة التعاون بين الدول الست لتحقيق أماني شعوبنا ولدفع منجزات مجلس التعاون قدمًا إلى الأمام.

وهذه الفقرة فيها من الرسائل والدلالات ما يجعلنا نستشف موقف العهد الجديد في مسقط، وبالتالي، يفتح التفاؤل بمستقبل المنظومة الخليجية بعد رحيل مؤسسيها لفك جمود بعض المواقف لعدة اعتبارات، أولها، الحاجة الفردية والجماعية للتعاون المشترك والشامل بين الدول الست" اقتصاديًا وأمنيًا وعسكريًا واجتماعيًا " وثانيها، هاجس القادة الجدد في الخليج لمرحلة ما بعد رحيل المؤسسين، فقد ورثوا تركة ثقيلة من الإنجازات والإخفاقات في آن واحد بسبب تباعد المواقف، وتجاذبات السياسة الإقليمية والدولية، فهنا نراهن على فكر القادة الجدد في تجاوزها خاصة اذا ما انضم اليها البعد المالي والاقتصادي الناجم عن كورونا وانخفاض أسعار النفط.

والمتأمل في طبيعة عهد السلطان هيثم، سيلاحظ تبنيه مفهوم التجديد كأسلوب لتحديث النهضة العمانية التي أسسها الراحل السلطان قابوس، وقد اتخذ مجموعة إصلاحات كبرى أبرزها، إعادة هيكلة الدولة وتطوير المجتمع وبناء اقتصاد مستدام وفق رؤية عمان 2040م، تعتمد على ما نسبته " 80% " على الاستثمارات الأجنبية، وهذا يعني أن عهد السلطان هيثم، يضع في سلم أولوياته محيطه الخليجي وفق رؤية جديدة للمصالح المترابطة والمتداخلة كضرورة لنجاح الرؤية.

 من هنا نفهم خطوة استدعاء البعد الخليجي في خطاب العرش، فقد حرص من خلاله ومبكرا على توجيه رسائل للأشقاء بتوجهاته الجديدة القائمة على مفهوم تجديد الدولة العمانية، وبالتالي، فإن هذا الفكر سينسحب على الموقف العماني من المنظومة الخليجية وفق قاعدة التضامن والمصالح والمنافع المتبادلة، فهل تذهب طموحاتنا نحو انفتاح مسقط نحو الوحدة الخليجية أم إلى تحقيق اختراقات في التكامل والتضامن الخليجي / الخليجي؟ كلا الخياران مفتوحان.

‏وقد رصدنا تطبيقات ملموسة تدلل على بلورة النهج المتجدد لعهد السلطان هيثم، ومدى تناغم الأشقاء في الخليج معه، رصدناها في الإقبال السياسي الرفيع والمتعدد المستويات لتقديم التعازي للسلطان الراحل، مما كان لها من انعكاسات سيكولوجية العمانيين من الناحيتين السياسية والاجتماعية، ورصدناها في إدانة مسقط لهجمات الحوثيين على مرافق نفطية سعودية وتشجيعها الحوار، ورصدناها في تغيير سفيري السلطنة في الرياض وأبوظبي، واستبدالهما بسفيرين من الأسرة الحاكمة، ورصدناها في المشاركة الواسعة وغير المسبوقة لاحتفالات السلطنة باليوبيل الذهبي، ورصدناهما في البث المباشر والمشترك لبعض الإذاعات الخاصة في السلطنة مع شقيقاتها في السعودية والإمارات بمناسبة العيدين الوطنيين للمملكة والإمارات، ورصدناها في مدح صحف سعودية لأداء وزير الخارجية العماني الخ .

  • الخليج في عهد الأمير نواف

يطغى على فكر الأمير الجديد في الكويت الطابع الأمني والدفاعي والإنساني، إذ تقلد منذ تسع سنوات مهام نائب الحرس الوطني، كما شغل منصب وزير الداخلية لحوالي 12 عامًا. وكانت له تجربة سابقة في وزارة الدفاع، وأخرى في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وقد بدأ مساره المهني محافظًا لمنطقة حولي، على عكس شقيقه الراحل الذي كان دبلوماسيا، شرب فن الدبلوماسية منذ مراحل تأسيسه وتكوينه المهني.

وكل من تتبع تصريحات الأمير الجديد، وكذلك المنسوبة له، سيرى أن حكمه سيكون استمرارًا لنهج شقيقه الراحل، لكن ببصمات جديدة، لاختلاف المواقع الوظيفية التي صنعته كرجل دولة، لذلك نميل إلى الآراء التي ترى أن بعض الأمور الجوهرية قد تختلف في حكم الأمير نواف، كابتعاده عن الأضواء على عكس شقيقه، مما سيظهر فاعلين جدد على صعيد السياسة الخارجية مع الاحتفاظ بنفس السياسة الخارجية، خاصة دور الوساطة.

وهذا ما تحقق بعد رحيل الأمير صباح، حيث أوفد الأمير نواف وزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر الصباح إلى قطر لمواصلة مساعي الوساطة الكويتية، وفي ديسمبر 2020م، خرج وزير الخارجية للرأي العام، بتصريح نجاح الوساطة، وبقرب حل الأزمة بصورة متدرجة، وأعطى الانطباعات بحلها في قمة البحرين، ومهما كان البعد الخليجي/الخليجي مواتيا للوحدة أو للتضامن، فإنه يتوقف كذلك على البعد الدولي، فهل هو موات الآن؟

 

القوى الجديدة للتغيير في الخليج.

أبرزها:

- الحزب الديمقراطي الأمريكي بعد فوز بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية.

- عودة بريطانيا القوية للمنطقة.

- التواجد الإسرائيلي في الخليج.

- تزايد التأثير الليبرالي داخل المنطقة.

* صداعات الحزب الديمقراطي.

تمثل خسارة ترامب انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2020م، وفوز بايدن، وتوليه الحكم في العشرين من يناير عام 2021م، من بين كبرى التحديات التي ستواجه الدول الست، لكننا لسنا مع الطروحات التي تبالغ في حديته على بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وبالذات السعودية، وهى- تحليلات - تنم عن سوء تقدير للسياسة الدولية، ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الخليج عامة والسعودية خاصة، فمهما يكون رجل البيت الأبيض، جمهوريًا أم ديمقراطيًا – فحجم المصالح الكبرى مع الخليج، فوق كل الاعتبارات الظرفية أو الإشكاليات التي تنتجها السياسة الداخلية للدول، لأن سياسة الفن الممكن، تقوم على الحفاظ على حجم المصالح وتعزيز وليس الإفراط بها، فلا يمكن أن يغامر بايدن بمواقع جيواستراتيجة ومصالح اقتصادية وأمنية وعسكرية كبرى وحلفاء تاريخيين، ويدفع بها باتجاه روسيا والصين.

 فالعلاقات الأمريكية/الخليجية أكبر من ملف حقوق الإنسان، من المنظور الاستراتيجي الأمريكي، وهذا ليس تقليل من حجم تحديات رئاسة بايدن لأربع سنوات مقبلة، وإنما لتصويب الفكر بان الدعاية الانتخابية لبايدن لن ترسم سياسته الخارجية بالصورة التي تتخيل في اذهان بعض المحللين والخبراء، فهم يغرقون في قصور فهم السياسة التي من أبسط تعريفاتها والتي هي فن الممكن، فهل من الممكن أن تضر الإدارة الديمقراطية بمصالح واشنطن الاستراتيجية مع الخليج؟

 

هنا يبرز الوجه الآخر للسياسة، وهى سياسة المستحيل، فالسياسة لها وجهان الممكن والمستحيل، ويمكن أن ندرج موقف بايدن من الرياض، بأنها جاءت في سياقات الانتخابات الأمريكية لدواعي الفوز، واستغلالها بعد الفوز للتأثير على الخليج لاحقًا، وهذا التحدي العام والمشترك الذي يواجه الدول الخليجية الست، لأنه يتناغم مع مبادي وقيم الحزب الديمقراطي، وقد خبرناها منذ عهود جيمي كارتر وبيل كلينتون وباراك أوباما، وهى تتخذ من حقوق الإنسان والحريات والأقليات والديمقراطية وسائل ضغط لتحقيق مصالح جديدة في الخليج وفق قيمهم ومبادئهم الحزبية دون تعارض مع المصالح الأمريكية الكبرى.

 

لذلك، ستشهد دول الخليج الست عودة السياسة الأمريكية في عهد الديمقراطيين التي تذهب إلى انتقاد أوضاع حقوق الإنسان والحريات في الخليج، وإلى الوقوف من الأقليات والنخب، وربط بيع الأسلحة للخليج بتحسين واقع حقوق الإنسان والحريات، والدفع باتجاه تحقيق الديموقراطية والشراكة في صناعة القرار ، وعلى الدول الست، اتخاذ مبادرات عاجلة لتتناغم مع مرحلة الديمقراطيين المقبلة، كالانفتاح على بعض الجماعات وتعزيز ملفات حقوق الإنسان وحرية التعبير وإقامة مؤسسات المجتمع المدني المحصنة من الاختراقات الأجنبية، وتعزيز جبهاتها الداخلية، لأنها منطقة تدخلات واختراقات الديمقراطيين، وهذا يدفع باتجاه التفكير نحو الرهان على دولة المؤسسات والقانون لمواجهة مثل تلكم التحديات.

  • بريطانيا .. ترجع للخليج على خلفية التاريخ.

تعد بريطانيا من بين أهم اللاعبين الجدد / القدامى في منطقة الخليج، وعودتها القوية العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية، يحتم على الدول الست أن تفكر في كيفية الاستفادة منها بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي، وذلك لصناعة توازن إقليمي وعالمي، وإقامة شركات اقتصادية كبرى معها، يمكن من خلالها مواجهات التحديدات الجديدة، وقد اتخذت عودتها الجديدة أشكال متعددة، أبرزها، توسعة قواعدها في الخليج،  وإقامة قواعد عسكرية جديدة، وانتشار قواتها في المنطقة في ظل استمرار مبيعات الأسلحة والمنتجات العسكرية وزيادة استثمارات الجانبين المتبادلة.

وتلكم مؤشرات تدلل على تواجد بريطاني طويل الأجل في منطقة الخليج لاستعادة مكانتها التاريخية وفق استراتيجية عبرت عنها تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا السابقة عندما ربطت أمن بلادها بأمن الخليج " وهذا الربط سيقلص من حجم نواقص التفاهمات بشأن الأزمات الإقليمية، كسوريا التي تتباين فيها المواقف، فمثلا، هناك دول رئيسية في الخليج ترى رحيل الأسد بينما تعارضه لندن، بينما يميل موقف الديمقراطيين مع الموقف الخليجي.

وكذلك الخلاف بشان الملف الإيراني، حيث للندن مصالح تجارية ضخمة في إيران، والأحداث الأخيرة، كشفت للندن صحة الموقف الخليجي الذي يتجاوز البعد المذهبي كما كانت تعتقد لندن، إلى الخطر الحقيقي من طهران خاصة بعد امتلاكها الصواريخ الباليستية والصواريخ البحرية التي تجاهلها الاتفاق النووي بين إيران والغرب عام 2015م، وكذلك انتشار ميليشياتها في عدة عواصم عربية، شكلت من بين أهم مهددات الأمن على بعض الدول الخليجية عام 2020م، ويمكن أن تمس المصالح البريطانية في المنطقة، أما الأزمة اليمينة، فتتوافق المواقف البريطانية مع مواقف الخليج، فهي تقف مع اتفاق الرياض، وترى ضرورة تطبيقه كاملا ، وذلك لمصالحها في اليمن وخاصة الجنوب.

وحتى لو ظلت التباينات بين الجانبين في ملفات أخرى، أو تلكم الملفات، فقد وضعت الحكومة البريطانية في العام 2010م، وثيقة تُعرف باسم "مبادرة الخليج" أكدت فيها التزام المملكة المتحدة بعلاقاتها مع دول المنطقة، وتقديرها للمصالح الحيوية والأمنية والاستراتيجية للمملكة المتحدة فيها، وهذا عامل جديد، على الدول الست أن تعيد الكثير من المفاهيم والمسارات بسببه، لأن هناك طرفًا عالميًا له مصالح استراتيجية فيها، وبينهما ثقة تاريخية، عززتها باتفاقيات حديثة من بينها عسكرية.

  • الكيان الإسرائيلي .. اللاعب الجديد في المنطقة.

بعد توقيع ثلاث اتفاقيات بين ثلاث دول خليجية وإسرائيل عام 2020م، يصبح هذا الأخير من بين أهم اللاعبين الجدد في الخليج، ولن تكون أهدافه مثل أهداف اللاعبين الآخرين، وإنما سيسعى إلى ترسيخ وجوده في المنطقة الخليجية بعلاقات اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وبالذات سياحية، وكذلك عسكرية وأمنية، والقلق من استقواء بعض الفاعلين الخليجيين بهذا اللاعب، واعتباره قوة خارجية بديلة لحماية أمنها القومي، فهنا قد تتأجل الطموحات الخليجية حتى في المصالحة الشاملة وليس فقط في الوحدة الخليجية، إلا إذا كانت هذه الوحدة مصلحة إسرائيلية، مثل ما ستكون مصلحة بريطانية وأمريكية، وهذا سيتوقف على مسألة التطبيع الخليجي الكامل، ومستقبل تكوين منظومة إقليمية للأمن تشارك فيها إسرائيل.

 

لكنه سيحول حالة العداء بين طهران وبعض دول الخليج إلى عداء وجودي غير مسبوق، ويفجر احتقانات داخلية خاصة إذا ما برز العامل الثيولوجي فوق السطح، وهو محتمل على الأقل في ثلاث عواصم خليجية، ولنا في موقف مفتي عام سلطنة عمان من التطبيع، نموذجًا نبني عليه هذه الرؤية، لن نتوسع في هذا الملف رغم أهميته، وسنتركه للتفكير في مآلاته من منظور ما سبق، وما سيأتي ذكره في المحور التالي الذي نبدأ فيه بتساؤل يمثل خلاصة استنتاجية لما سبق، وهو:

 كيف ستتمكن الدول الخليجية من تأمين حصانة مجتمعاتها من الاختراقات الأجنبية " القديمة والجديدة " في عصر الجبايات؟ وهذا يجعلنا نفتح ملف تحول دول الخليج الست من دولة الرفاه إلى دولة الضرائب، وانعكاساته على علاقة السلطة الحاكمة بمجتمعاتها، وكيف تشكل بوابات مفتوحة للاختراقات لقوى التغيير الجديدة والقديمة في الخليج؟

 

 التحولات الاجتماعية وعصر الضرائب في الخليج

بدأ هذا العصر بصورة أكثر وضوحًا في عام 2020م، وقد أخذت سلطنة عمان زمام المبادرة الواسعة في سياق تعاطيها مع انخفاض أسعار النفط واندلاع كورونا، علمًا بأن بقية دول مجلس التعاون الخليجي قد سبقت مسقط نحو سباق الضرائب قبل أزمة كورونا، كضريبة القيمة المضافة التي رفعت بعضها من "  5% إلى 15%  " كالسعودية والإمارات، لكنها أي الدول الخمس لم تتوسع في سياساتها المالية المؤلمة اجتماعيًا عام 2020م، كما فعلت مسقط.

وقد تراوحت السياسات المالية العمانية بين إحالة الآلاف من الموظفين إلى التقاعد الإجباري، وفرض الضريبة الانتقالية، ولاحقًا سيتم فرض ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل ورفع الدعم عن الوقود وعن الماء والكهرباء ...الخ وضمنتها في خطة مالية مدتها أربع سنوات، ويبدو أن دول خليجية في طريقها إلى اتباع الخطوات نفسها، كالسعودية التي أعلنت على لسان أكثر من مسؤول كبير، أن موازنتها لن تتحمل الاستمرار في دفع مرتبات الموظفين إذا لم تتخذ سياسات مالية قاسية.

وتتخذ مثل هذه السياسات بعد أن رفعت أزمتا النفط وكورونا العجز التراكمي بصورة مقلقة في الدول الست كلها لعدة أسباب أبرزها اعتمادها على النفط وكذلك حالة الشلل الاقتصادي الناجم عن إغلاق حدودها وتعليق معظم الأنشطة الاقتصادية بسبب انتشار كورنا، وفي الوقت ذاته خسرت أسعار النفط نحو ثلثي قيمتها مع تراجع الاقتصاد العالمي، قبل أن تتعافى جزئيًا.

هل تفكر الدول الست في تداعيات سياساتها المالية على مجتمعاتها؟ ندعو إلى التفكير في هذا التساؤل من منظور ما سبق ذكره من تحديات سياسية وجيوسياسية ستواجه الدول الست عام 2021م، كإيران وتركيا والحزب الديمقراطي الحاكم في أمريكا والكيان الإسرائيلي في الخليج، فهم سيملكون المال، وسيتم توظيفه في بيئات خليجية فقيرة ومحتاجة ومتوترة، مما نتوقع تحول منظومة الولاءات والانتماءات من فوقية إلى أفقية، فكيف ستواجه الدول الست مجتمعة أو منفردة التحديات الداخلية والخارجية وجبهاتها الداخلية مخترقة؟

مقالات لنفس الكاتب