; logged out
الرئيسية / الولايات المتحدة وأوروبا في حقبة ما بعد ترامب: مبادرات إيجابية وحلول متعثرة

العدد 159

الولايات المتحدة وأوروبا في حقبة ما بعد ترامب: مبادرات إيجابية وحلول متعثرة

الأحد، 28 شباط/فبراير 2021

لقد عم الارتياح مختلف أنحاء أوروبا عند أداء الرئيس جوزيف بايدن اليمين الدستورية في 20 يناير 2020م، منهيًا بذلك أربعة أعوام من الاضطراب في ظل إدارة ترامب؛ الذي كانت رئاسته هي الأكثر اضطرابًا على صعيد العلاقات عبر الأطلسية، ليس فقط من خلال التشكيك في الركائز الأساسية للعلاقات الثنائية كمنظمة حلف شمال الأطلسي، بل أيضًا إصراره على أن الاتحاد الأوروبي تم تشكيله بهدف استغلال الولايات المتحدة، ووصفه الاتحاد الأوروبي على أنه أحد أكبر خصوم الولايات المتحدة. وبطبيعة الحال، قوبلت إدارة بايدن بدرجة عالية من الحماس والترحيب.

 

ولقد وعد الرئيس بايدن في خطابه إلى وزارة الخارجية بتاريخ 4 فبراير 2021م، بحقبة جديدة من التعاون؛ إذ تحدث عن الحاجة إلى استعادة التحالفات والانخراط في العالم عقب ما وصف إياه بــ "سنوات الإهمال". وبشكل عام، فإن العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا لا تزال متكاملة ومترابطة بشكل كبير، استنادًا إلى العديد من القيم المتماثلة والآراء الدولية المشتركة. ولهذا السبب، فمن الطبيعي الاعتقاد بأن الأربعة أعوام المنصرمة اتسمت بالكثير من الانحراف الذي سرعان ما سيتم تصحيحه.

 

ومن جانبها استجابت المفوضية الأوروبية بشكل سريع من خلال اقتراح "جدول أعمال بين الاتحاد الأوروبي-الولايات المتحدة بخصوص التغير الدولي" حيث يتناول الإجراءات المشتركة بشأن قضايا كالتصدي لجائحة كوفيد-19، وتغير المناخ والمعايير التجارية وتعزيز الديمقراطية والتطور التكنولوجي. ومع ذلك، فإن الحماس الذي أعرب عنه كلا الجانبين يخفي الحقيقة المتمثلة في أن العودة إلى الوضع السابق يعد أمرًا بعيد الاحتمال؛ فبينما ستتحسن العلاقات عبر الأطلسية بلا شك، إلا أنها ستكتفي فقط بتغير رؤية ومنظور كلا الطرفين، الأمر الذي يقتضي وجود إدارة حريصة.

 

ومن الضروري أخذ جانبين بعينهما في الاعتبار عند النظر إلى مسار علاقات الولايات المتحدة-أوروبا في ظل إدارة بايدن؛ ويتمثل أول جانب في وجود عدد كبير من المسائل الخلافية بين الولايات المتحدة وأوروبا ، فمن ناحية التجارة، فإن إعلان الرئيس بايدن الفوري الذي يصيغ خطة التجديد الاقتصادي لديه في مرحلة ما بعد كوفيد-19 بوصفها تعزز المنتجات الأمريكية بقوة، لهو كفيل بالإبقاء على درجة من الصدام التجاري، مما يجعل من غير المرجح نجاح جهود تجديد التجارة عبر الأطلسية والشراكة الاستثمارية كما كانت متصورة في ظل إدارة أوباما.

 

وثمة إشكالية أكبر وموضع جوهري للخلاف عندما يتعلق الأمر بمسائل خصوصية البيانات والدور الذي تلعبه الشركات التكنولوجية العملاقة، نظرًا لأن معظم تلك الشركات أمريكية. كما أن قرار محكمة العدل الأوروبية الذي وصم نظام حماية الخصوصية الحالي لكل من الولايات المتحدة/الاتحاد الأوروبي بأنه غير كافٍ على صعيد حماية خصوصية البيانات، قد جعل من مشاركة البيانات الكلية وتبادل المعلومات أمرًا أكثر تعقيدًا. وكذلك تأتي كيفية تنظيم الشركات التكنولوجية العالمية وفرض الضرائب عليها كنقطة خلاف رئيسية أخرى، لأنه، الاتحاد الأوروبي، اتخذ زمام المبادرة في تفكيك القوة التي تتمتع بها تلك الشركات.

 

أما الجانب الآخر الذي يجب أخذه في الاعتبار فيتمثل في التحرك نحو ما وُصف بأنه الاستقلال الاستراتيجي داخل أوروبا. وتتفهم أوروبا بأن إدارة بايدن ستكون منشغلة بالمسائل المحلية في بداية الأمر. وبالرغم من هذا، فهناك اعتقاد بأن توجهات أمريكا المستقبلية لا تزال أدنى من ناحية الموثوقية والقابلية للتوقع وأن المشكلات العالمية لا يمكن أن تنتظر حتى تقوم الولايات المتحدة بتصفية تحدياتها المحلية؛ ولهذا، طالب أشخاص مثل الرئيس الفرنسي ماكرون والممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بوريل، بالمزيد من الاستقلالية الأوروبية، مصرين على أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لن يكونا متفقين دومًا أو يكون لهما نفس المصالح المتماثلة.

 

والسؤال المطروح هو كيف سيُقًدم هذا التقييم على أرض الواقع. من المؤكد أن إدارة بايدن سوف تسعى لرؤية أوروبا تتولى مسؤولية أكبر فيما يتعلق بجيرانها سواء كانوا في أوكرانيا أو بيلاروسيا أو البلقان أو حتى الشرق الأوسط. ومع ذلك، لا يعني هذا أن أوروبا ستُولى تلك المسائل نفس الأولوية التي تراها واشنطن. ويبقى كذلك خطر احتمال إخفاق أوروبا على أرض الواقع وعدم قدرتها على الإيفاء بتوقعات الحليف الأمريكي. ولهذا، ستظل مسألة تقاسم الأعباء العامة في مقدمة جدول أعمال الولايات المتحدة-أوروبا.

 

وبالنسبة لبعض القضايا المحددة على صعيد السياسة الخارجية، فهناك بشكل عام اتفاق فيما يخص إيران ومنطقة الخليج؛ حيث يرغب الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا وبريطانيا العظمى) في رؤية الولايات المتحدة وهي تعود إلى الاتفاق النووي الإيراني، بيد أنهم يتفقون على أنه لا يمكن لهذا أن يتم ما لم تبدأ إيران في العودة مجددًا إلى الامتثال إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. وعلاوة على ذلك، فلقد أيدت أوروبا اتفاق متابعة مع إيران من أجل التعامل مع المسائل المتعلقة بتدخل إيران في المنطقة وبرنامج الصواريخ البالستية الإيراني. ولقد تحدث كل من وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا حول الحاجة إلى هذا الاتفاق؛ كما دعا الرئيس الفرنسي ماكرون لاتفاق نووي جديد وفي نفس الوقت عرض المساعدة في تسهيل المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران. وبشكل عام، ترى أوروبا أن الكرة في الملعب الإيراني فيما يتعلق بإعادة خطة العمل الشاملة المشتركة إلى حيز التنفيذ.

 

وثمة توافق أقل فيما يتعلق بروسيا والصين؛ فبينما تتفق الآراء على رفض كلا من التدخل الروسي في الانتخابات، وبشأن ضم جزيرة القرم، والسياسة الروسية في سوريا، يتقلص التوافق حول الأدوات السياسية التي يجب استخدامها لتحقيق تعاون روسي أكبر: كما يُنظر إلى محاولات استخدام محفزات فيما يتعلق بروسيا بالكثير من الشك في واشنطن. فعلى سبيل المثال، تَلَقًى خط أنابيب الغاز ورث ستريم 2 الألماني مع روسيا الكثير من النقد من جانب الولايات المتحدة.

 

وفيما يخص الصين، ترى أوروبا الصين على أنها "شريك ومنافس وخصم ممنهج" في نفس الوقت، حيث لا تفضل أوروبا استراتيجية تفكيك العلاقات عوضًا عن المشاركة. ويتعارض هذا بوضوح مع بيانات السياسة الأمريكية التي وصفت الصين بأنها التهديد رقم واحد الذي يجب التصدي له. ويُنظر إلى اتفاق الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين المتفق عليه نهاية عام 2020 بصورة سلبية في واشنطن. وبينما تتفق أوروبا على أن هناك الكثير من جوانب السياسة الصينية التي يتعين مجابهتها، تؤكد أوروبا كذلك على أهمية الاحتفاظ بالصين بوصفها شريكًا عندما يتعلق الأمر بمسائل كتغير المناخ. لذا، ستواصل أوروبا مقاومة السياسات المتصلبة تجاه الصين، وستستمر عوضًا عن ذلك في إعمال العديد من الآليات التي من شأنها السماح بالحوار المتواصل.

 

سوف تشهد العلاقات عبر الأطلسية تجددًا من حيث أنشطتها وأهدافها مع إعمال إدارة بايدن لسياساتها؛ لكن هذا لا يمثل ببساطة عودة إلى حقبة ما قبل ترامب بالنظر إلى التحولات الكلية التي تقع على الساحة العالمية. وعلى غرار باقي العالم، سيتعين على أوروبا أن تجاهد للتعامل مع الولايات المتحدة، تلك التي تحمل نظرة استراتيجية مختلفة عن الماضي.

مقالات لنفس الكاتب