; logged out
الرئيسية / تظل المصالح الأمريكية ثابتة وبقاء دورها العسكري في الشرق الأوسط دون تغيير

العدد 159

تظل المصالح الأمريكية ثابتة وبقاء دورها العسكري في الشرق الأوسط دون تغيير

الأحد، 28 شباط/فبراير 2021

لم يشهد التاريخ الحديث إدارة مثل إدارة دونالد ترامب، فبعد انتخابه على وعدٍ بتغيير أسلوب واشنطن الاعتيادي في القيام بمهامها، نظر ترامب إلى الإجراءات التشغيلية التقليدية والاعتيادية بوصفها جزء من المشكلة، واعتمد أسلوبًا متقلبًا (عبر منهج قيادة مغاير)، كما عمل على شخصنة السياسة الأمريكية الخارجية بدرجة غير مسبوقة.

 

ومن ناحية أخرى يعود انتخاب الرئيس بايدن بدرجة كبيرة إلى الوعد بالعودة إلى "الإطار الطبيعي" وترجع الكثير من وعوده الانتخابية -كالعودة إلى الاتفاق الإيراني-إلى إدارة أوباما، الذي استندت إنجازاته الرئيسية على صعيد السياسة الخارجية إلى الإجراءات متعددة الأطراف ومنها: اتفاق باريس للمناخ وإبرام الاتفاق الإيراني والتخلص من الأسلحة الكيميائية من سوريا بوساطة الأمم المتحدة، والتي أجريت جميعها في إطار الشراكة أو المفاوضات الفعالة. ولقد كانت رسالة السياسة الخارجية الرئيسية لحملة بايدن الانتخابية بمثابة عودة إلى تعددية الأطراف بما يتناقض تمامًا مع النهج الانفرادي لترامب.

 

وبينما حققت تلك الرسالة نتائجًا طيبة في الحملة السياسية الأمريكية، فإنها لم ولا تلقى قبولًا حسنًا من قبل الشركاء الأمنيين لأمريكا في الشرق الأوسط، حيث الهاجس الرئيسي في أن تكون إدارة جو بايدن ما هي إلا فترة ولاية ثالثة لإدارة أوباما، وذلك فيما يخص المسألة الأمنية في الشرق الأوسط. إن هذا الأمر يقلق الشركاء الأمريكيين لسببين، الأول: النظر إلى الاتفاق الإيراني (الذي وعد بايدن بإحيائه) على أنه ساذج في أفضل الأحوال ومقابلته بالاستياء الشديد، ثانيًا: اعتبرت استجابة إدارة أوباما إلى الربيع العربي ولا سيما نقص الدعم الموجه إلى الرئيس الأسبق مبارك في مصر خيانة لشركاء أمريكا منذ أمد طويل، وأخيرًا، نُظر إلى الاستجابة الضعيفة لاستخدام سوريا للأسلحة الكيميائية بما يتنافى تمامًا مع "الخط الأحمر" المعلن عنه على أنها استجابة غير جدية في مواجهة حليف إيران المحدد.

 

إن إدارة بايدن ليست إدارة أوباما، كما أن الأشخاص الذين عادوا للحكومة مرة أخرى يُفترض أنهم قد تعلموا من أخطائهم ومن دراسة نجاحات وإخفاقات ترامب حينما لم يكونوا ضمنها. ستكون هناك أوجه تباين في السياسة من ترامب إلى بايدن، لكن أيضًا سيكون هناك استمرارية على بعض الأصعدة، وفيما يلي عدة مجالات يمكننا أن نتوقع الاستمرار فيها:

 

تنافس القوى العظمى كأحد محاور الأمن القومي

تتشارك كل من إدارتي ترامب وبايدن الرؤية التي بدأت مع المراجعة الدفاعية الأمريكية لعام 2010م، والتي تتمثل في أن كلا من روسيا والصين استفادتا من تورط الولايات المتحدة في الحروب في أفغانستان والعراق في توسيع نفوذهما في مجالات أخرى على حساب الولايات المتحدة. إن الجدال الذي شمل الآن ثلاث إدارات يكمن في أن الولايات المتحدة قد غرقت في حروب لا نهاية لها في الشرق الأوسط دون إحداث تأثير يذكر، وكل هذا مع تجاهل تحديات أمنية واقتصادية خطيرة شكلها التصاعد الروسي والصيني.

وللوهلة الأولى يبدو وكأن التواجد العسكري في الشرق الأوسط سيتراجع بصورة حادة، إلا أن النظرة المتفحصة تشير في الواقع إلى اكتساب الشرق الأوسط أهمية للولايات المتحدة، فإذا كان من شأن الانسحاب الأمريكي أن يولد فراغًا قد تملأه روسيا أو الصين، فإن التأكيد على تنافس القوى العظمى يعني أن هذا الانسحاب لن يحدث أو على أقل تقدير سيعاد صياغته. وعلى غرار الحرب الباردة عندما لم يكن هناك شيء يُدعى بلد ليس ذا أهمية أو بلد فاشل، فمن المقرر أن تجد البلدان الصغيرة أنفسها في موقف يتم خلاله استمالتها باستمرار من قبل القوى العظمى.

 

المعركة ضد داعش والحركات المشابهة

لقد تضرر خبراء إدارة بايدن المختصين بسياسة أوباما تجاه الشرق الأوسط من جراء تفشي داعش، وهو ما اعتبره البعض نتيجة للانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011م، وثمة اتفاقية الآن تقضي بأن فك الارتباط الأمريكي -في حال لم تتم إدارته بعناية -يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وهو ما سيتطلب عودة الولايات المتحدة للتصدي للعمليات كما في عام 2014م، إن أوجه التعقيد المتعلقة بالمعركة ضد القاعدة وداعش وصمود تلك الحركات وأخرى مثلها باتت الآن أمورًا مقبولةً، ومن المقرر أن يتواصل الإجراء العسكري والسياسي ضدها في عهد إدارة بايدن.

 

التصدي للتوسع الإيراني

تنظر كل من إدارة بايدن وإدارة ترامب إلى إيران بوصفها أحد عوامل زعزعة الاستقرار في المنطقة، إذ تطمح إلى تقويض جيرانها وبسط سيطرتها على حساب الولايات المتحدة والغرب. وثمة تباين في التكتيكات في كيفية مواجهة ذلك: إذ رأت إدارة ترامب بأن "أقصى قدر من الضغط" والذي شمل العقوبات غير المسبوقة مع المواجهة العسكرية من شأنه أن يغير النهج الإيراني، فيما تعهدت إدارة بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي، الأمر الذي من شأنه أن يُسقط بعض (لكن ليس جميع) العقوبات الخاصة بحقبة ترامب في مقابل وضع قيود على البرنامج النووي الإيراني. كما تعهدت إدارة بايدن بضم الشركاء الإقليميين والكونجرس في المفاوضات إلى جانب إدراج الأعمال الإيرانية الإقليمية المزعزعة للاستقرار وتطوير الصواريخ على جدول المناقشات.

 

وبالنظر إلى الاثنتين معًا، فإننا نرى أن كلا من إدارتي ترامب وبايدن يتشاركان أهدافًا متشابهة، لكنهما يختلفان في أسلوب التخطيط. إن النجاح لم يكن حليف ترامب وقد يستعصي أيضًا على بايدن، بيد أن الأهداف واحدة.

 

تعزيز قدرات الشركاء كأحد الجهود الرئيسية

 

تتبنى إدارة بايدن التطلع الأمريكي طويل الأمد المتمثل في تمكين شركائها في كافة أنحاء العالم من الدفاع عن أنفسهم ضد الاعتداء بأقل قدر من المساعدة الأمريكية. ومن شأن ذلك أن يسمح للولايات المتحدة بالتركيز على اهتماماتها الرئيسية ممثلة في الدفاع عن الولايات المتحدة نفسها. وستواصل الجهود العسكرية الأمريكية الأساسية في الشرق الأوسط مساعدة الشركاء الأمنيين كالمملكة العربية السعودية من أجل بناء جيوش قوية ومؤهلة يمكنها ردع، وعند الضرورة، هزيمة القوى العدائية.

 

وعلى تلك الأصعدة ستسمر الأهداف الأمريكية وكثيرًا من الرؤى السياسية. ومع ذلك، فمن المقرر أن يكون هناك مجالات تختلف فيها السياسة الأمنية الإقليمية لإدارة بايدن بصورة ملحوظة عن ترامب، وهي كالتالي:

 

إعادة تأسيس خط فاصل بين الأهداف الاقتصادية والأمنية

 

كانت إحدى أكثر مبادرات ترامب المثيرة للجدل هي توجيه الدولة وإدارات الدفاع بدراسة الأثر الاقتصادي لمبيعات الأسلحة بهدف اعتمادها. وعلى خلاف الممارسة المتبعة في معظم البلدان الأخرى (التي لا يكون لمعظمها صناعات أسلحة في حال لم تكن تصدرها)، لم يكن ذلك موضع دراسة قط في مبيعات الأسلحة الأمريكية. وخلال الممارسة الفعلية، كان ذلك معيارًا مزدوجًا، حيث كان لكل عملية بيع أسلحة أثر اقتصادي إيجابي في أمريكا، بينما لكل عملية بيع أسلحة ضائعة أثر سلبي.

 

ومن جهتها، استغلت حملة بايدن النفور الأمريكي المتأصل حيال صادرات الأسلحة واتهمت ترامب بمنح بعض الدول "حرية تصرف كاملة" طالما أنها اشترت الأسلحة الأمريكية. ومن المتوقع بأن تعود إدارة بايدن إلى معيار مبيعات الأسلحة الأمريكية، عندما لا يُنظر في الأثر الاقتصادي في عملية الاعتماد.

 

عندما ينظر المرء عن كثب إلى المصالح والإجراءات الأمريكية على صعيد أمن الشرق الأوسط، فيمكنه رؤية استمرارية الأهداف أكثر بكثير من تناقضها، وتلعب الأيديولوجية والشخصنة دورًا أقل بكثير مما يُعتقد عمومًا. وهذا ليس مستغربًا، ففي نهاية المطاف، يخضع الزعماء الأمريكان للمساءلة أمام مواطنيهم الذين يتوقعون حماية المصالح الأمريكية والنهوض بها. ولقد ظلت المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط مستقرة بصورة ملحوظة على مدى عقود، وقد تعطي إدارة بايدن الأولوية لتلك المصالح بترتيب مختلف، كما يمكن أن تنتهج سبلًا مختلفةً لتحقيق تلك الأهداف. ومع ذلك، تبقى المصالح الأمريكية ثابتة وستضمن كذلك بقاء الجهود العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط دون تغيير تقريبًا.

 

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعكس آراء أي وكالة حكومية أمريكية

مقالات لنفس الكاتب