array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 162

الأمن الغذائي في إفريقيا يتطلب استراتيجيات للتنمية وتنظيم الأسواق وحماية المزارعين

الأحد، 30 أيار 2021

لقد ألقت الأزمة الصحية العالمية الناجمة عن انتشار وباء فيروس كوفيد 19، في الأشهر الأخيرة، بظلالها على الأزمة الغذائية في إفريقيا وجزء كبير من العالم النامي. ومما يدعو إلى الأسف أن هذا لا يعني أن أزمة الأمن الغذائي في البلدان الإفريقية قد عولجت بنجاح. فأسعار المواد الغذائية الأساسية لا تزال مرتفعة في أنحاء واسعة من القارة، ولم تعالج العوامل الهيكلية التي تكمن خلف الأزمة التي حدثت في السنة الأخيرة. وليس هذا هو الوقت لنسيان هذه الأزمة. بل إن المتابعين يعتبرون الأزمة التي شهدها العام السنة الماضية "ناقوس خطر" بالنسبة للبلدان النامية. ولذلك فإن هذا هو الوقت للتنبه لذلك الخطر، ولكي تعترف البلدان الإفريقية وشركاؤها في التنمية بالحاجة الملحة للتصدي لأزمة الأمن الغذائي.

هل تعاني إفريقيا من أزمة جوع؟

لقد تجلت الأزمة الصحية العالمية التي اندلعت مطلع عام 2020م، في حدوث زيادة هائلة في أسعار الأغذية -ولا سيما الأغذية الأساسية -مقترنة بحالات نقص وتقلص في المخزونات الغذائية. ونتيجة لذلك، فقد الفقراء في العديد من البلدان الإفريقية قدرتهم على الحصول على الغذاء.

وإن شهد الوضع هذه السنة تحسناً إلى حد ما مقارنة بأسوأ أيام الأزمة التي شهدتها السنة الماضية حين أدى ارتفاع الأسعار وصعوبة الحصول على المواد الغذائية الأساسية إلى حدوث أعمال شغب تتصل بالأزمة الصحية. وكان من الضروري، من ثم، زيادة المعونة الغذائية الطارئة زيادة هائلة لمنع حدوث مجاعة في عدة بلدان إفريقية. ومع ذلك، تظل أسعار المواد الغذائية الأساسية تفوق مستويات ما قبل الأزمة. ويضاف إلى ذلك أن آثار الانخفاضات في الأسعار في السوق الدولية لم تنتقل إلا بشكل ضعيف إلى الأسواق المحلية في العديد من البلدان الإفريقية التي لا تزال فيها الأسعار مرتفعة.

إن حالة الأمن الغذائي للبلدان الإفريقية تثير القلق، فمن بين مختلف بلدان العالم التي تواجه حالياً أزمة أمن غذائي وعددها 36 بلداً، هناك 21 بلداً إفريقيا؛ وتشير التقديرات إلى أن هناك الآن ما يزيد عن 300 مليون أفريقي يعانون من جوع مزمن -قرابة ثلث مجموع سكان القارة. وهذه الفئة من السكان الشديدة الضعف هي الأشد تأثراً بالتغيرات في مستويات أسعار الأغذية الأساسية التي تستأثر بجزء كبير جداً من ميزانيات أسرهم. والواقع أن نسبة ما تنفقه الأسر المعيشية الفقيرة من دخلها على المواد الغذائية تتجاوز بكثير 50 في المائة في العديد من البلدان الإفريقية.

ولذلك فإن من الواضح أن انعدام الأمن الغذائي لا يزال يشكل خطراً يتهدد قارة إفريقيا، ذلك لأن العناصر التي أفضت إلى حدوث الأزمة الغذائية لم تعالج. بل إنه يمكن النظر إلى الأزمة الغذائية باعتبارها تداخلاً بين أزمة إنتاج وأزمة أسعار. فقد نشأت أزمة الإنتاج عن تدني مستوى إنتاجية الزراعة في إفريقيا، وهو مستوى لا يجاري الطلب المتزايد. أما أزمة الأسعار فقد نجمت عن سوء أداء وتلاعب في سير عمل الأسواق. ولا تزال أزمة الإنتاج تشكل حتى اليوم تهديداً بنيوياً للأمن الغذائي في إفريقيا، ولم تُتخذ أي تدابير فعالة لضمان عدم حدوث أزمة أسعار جديدة في المستقبل القريب.

وقد كان للأزمة الصحية الراهنة أثر قصير الأجل تمثل في حدوث انخفاض نسبي في أسعار العديد من السلع الأساسية في الأسواق الدولية. وتراجعت الضغوط التضخمية الناشئة عن المضاربة في أسواق السلع الأساسية، وساعد انخفاض أسعار النفط في خفض تكاليف إنتاج وشحن بعض المحاصيل.

إلا أن الأزمة الراهنة تمثل، على المدى المتوسط -الطويل، تهديداً خطيراً للأمن الغذائي في إفريقيا مستقبلاً. فالواقع أن الأزمة تؤثر تأثيراً مباشراً على مستويات دخل وعمالة الفقراء في إفريقيا، مما يجعلهم أكثر تعرضاً للجوع. ويضاف إلى ذلك أن الأزمة قد أدت إلى تقلص رأس المال المتاح للاستثمار في الزراعة، وهو رأس مال نادر أصلاً. ثم إن الأزمة الحالية-بدلاً من أن تخفف من وطأة الأزمة الغذائية -قد أخذت فعلياً تبذر بذور أزمة غذائية أعمق وأشد حدة ستقع في المستقبل ما لم تُتَّخذ إجراءات لدرئها. ولذلك فإن من الأهمية بمكان فهم الدروس المستفادة من الأزمة الغذائية واتخاذ الإجراءات المناسبة لمساعدة البلدان الإفريقية في تحسين أمنها الغذائي وتحقيق الهدف الإنمائي الأول للألفية، ألا وهو: خفض نسبة الناس الذين يعانون من الجوع بمقدار النصف.

أزمة جوع في إفريقيا: فهم الأسباب وتعلُّم الدروس

لقد سلطت الأزمة الصحية الحالية التي شهدها العالم منذ بداية عام 2020م، الضوء على شدة تأثر الأمن الغذائي للبلدان الإفريقية بالصدمات الخارجية. فارتفاع الأسعار ونقص إمدادات المواد الغذائية الأساسية يؤثران تأثيراً شديد الوطأة على البلدان الإفريقية بصفة خاصة. وهذا يُعزى، إلى حد كبير، إلى أزمة الإنتاج الأعمق والأطول أمداً التي تؤثر على الزراعة الإفريقية. فإنتاجية الزراعة الإفريقية متدنية مقارنة بغيرها من مناطق العالم. بل إن ما هو أكثر مدعاة للقلق أن هذه الإنتاجية لم تشهد أي تحسن حقيقي على مدى العقود الماضية. فمستوى الغلة ومستوى الإنتاجية لكل عامل قد ظلا منخفضين، بينما سجلا زيادة في مناطق أخرى.

وبينما دخلت إنتاجية الزراعة الإفريقية في حالة ركود، ظل الطلب في المنطقة على المنتجات الزراعية يتزايد بسبب النمو السكاني السريع وعملية التحضر ونمو الدخل والتغيرات في أنماط التغذية. ونتيجة لذلك، تحول الكثير من البلدان الإفريقية في السنوات الأخيرة إلى بلدان مستوردة صافية للأغذية ومعتمدة على المعونة الغذائية بعد أن كانت مصدِّرة صافية للأغذية في فترة السبعينات من القرن الماضي. وتستورد البلدان الإفريقية حالياً قرابة 25 في المائة من احتياجاتها الغذائية. وبذلك فقد بلغت قيمة فاتورة الواردات الغذائية ما يزيد عن 51 مليار دولار في عام 2018م، ويضاف إلى ذلك أن المنطقة تعتمد في تلبية احتياجاتها الغذائية على استيراد بعض السلع الغذائية الأساسية مثل القمح (يُستورد بنسبة 45 في المائة) والأرز (يُستورد بنسبة 84 في المائة).

ويشير انتشار -بل وتردي -حالة انعدام الأمن الغذائي في إفريقيا إلى فشل خطير في استراتيجيات التنمية على المستويين الوطني والدولي. فالقطاع الزراعي في القارة ظل يعاني من الإهمال على مدى عقود -مما أفضى إلى حدوث الأزمة الغذائية خلال السنة الأخيرة. ويرجع هذا الإهمال، جزئياً، إلى سياسة التقشف المالي الشديد التي فُرضت على البلدان الإفريقية والتي قلَّصت بشدة حجم الدعم المقدم من الدولة لقطاع الزراعة. وقد تجلى ذلك في سوء حالة الهياكل الأساسية الريفية، وتدني مستوى شمولية الخدمات الإرشادية، وخفض دعم المدخلات والتمويل المقدم للمزارعين، وتراجع الاستثمار في أنشطة البحث والتطوير في القطاع الزراعي.

ونتيجة لذلك، أصبح المزارعون في إفريقيا الآن يفتقرون إلى القدرات اللازمة للتصدي للتحديات التي يواجهونها والتي تشمل تغير المناخ، والتصحر، والمنافسة في مواجهة الواردات الرخيصة، وسلاسل القيمة العالمية الشديدة التركز التي تهيمن على السوق العالمية للسلع الأساسية.

كما أن حالات النقص الغذائي الهائلة التي لوحظت في السنة الأخيرة تدل أيضاً على أهمية السيادة الغذائية بالنسبة للبلدان الإفريقية. وعندما تفاقمت الأزمة، تمثل رد فعل العديد من البلدان المصدِّرة للأغذية في المسارعة إلى اعتماد تدابير حمائية للحد من صادراتها الغذائية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ويُذكر، على سبيل المثال، أن 28 بلداً قد فرضت حظراً على التصدير خلال الأزمة الغذائية. وقد أدى هذا إلى تعريض تلك البلدان لمخاطر الاعتماد الكامل على الأغذية المستوردة وعلى المعونة الغذائية. كما أن هذا يطرح تحدياً قوياً أمام مبدأ الميزة المقارنة الذي كثيراً ما استُخدم لإقناع البلدان الإفريقية بتنمية المحاصيل النقدية على حساب الإنتاج المحلي.

ويرتبط تدني مستوى إنتاجية الزراعة الإفريقية ارتباطاً جزئياً أيضاً بعوامل دولية. ومن ذلك مثلاً أن الجهات المانحة المتعددة الأطراف قامت في الفترة بين عام 1980م، وعام 2018م، بتقليص مساعدتها الإنمائية الرسمية المقدمة للزراعة من 3.4 مليارات دولار إلى 500 مليون دولار -أي بانخفاض بلغت نسبته 85 في المائة. كما خفَّض المانحون الثنائيون دعمهم للزراعة بنسبة 39 في المائة، حيث تراجع هذا الدعم من 2.8 مليار دولار إلى 1.7 مليار دولار. أما المعونة المقدمة لأنشطة البحث والتطوير في القطاع الزراعي فقد كانت غير كافية إلى حد يرثى له. فالواقع أن ما نسبته 3 في المائة فقط من المعونة المتصلة بأنشطة العلم والتكنولوجيا والابتكار تُوجَّه نحو أنشطة البحوث الزراعية في أقل البلدان نمواً -التي يقع العديد منها في إفريقيا. ونتيجة لذلك، فإن إفريقيا هي واحدة من مناطق العالم التي سجل فيها الإنفاق على أنشطة البحث والتطوير في القطاع الزراعي انخفاضاً فعلياً منذ أوائل فترة الثمانينات من القرن الماضي.

كما كان للإعانات المرتفعة والتدابير الحمائية في القطاعات الزراعية للبلدان المتقدمة تأثير أيضاً على الزراعة الإفريقية من خلال حرمانها من جزء من أسواقها التصديرية. ونتيجة لذلك، انخفضت أسعار المنتجات المصدرة في الأسواق الدولية، مما أدى إلى انخفاض حوافز الإنتاج الزراعي. وفي غضون ذلك، ظلت البلدان الإفريقية تتعرض لضغوط قوية من أجل فتح أسواقها. وبالتالي، يضطر المزارعون الأفارقة إلى التنافس في مواجهة واردات أرخص في أسواقهم المحلية.

هل من حلول للأزمة الغذائية في إفريقيا: الطريق إلى الأمام

إن العوامل الرئيسية التي تكمن خلف الأزمة الغذائية الحادة التي تعرفها قارة إفريقيا لم تعالج معالجة كافية. وقد حان الوقت لاتخاذ إجراءات لإعادة إدراج مسألة الأمن الغذائي بقوة على جدول الأعمال الإفريقي والدولي. ويشير تحليل دقيق للأزمة إلى أن الإجراءات التي من الضروري اتخاذها ينبغي أن توجه بصفة خاصة نحو تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي: تحسين الإنتاجية الزراعية الإفريقية؛ وتحسين سبل المعيشة في المناطق الريفية؛ ومعالجة الاختلالات في الأسواق الدولية. وثمة ضرورة لاتخاذ إجراءات لا من قبل البلدان الإفريقية نفسها فحسب وإنما أيضاً من جانب شركائها في التنمية، ولاسيما من خلال التعاون بين بلدان الجنوب وفي سياق المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف.

معالجة مسألة الإنتاجية

من الواضح أن البلدان الإفريقية لن تستطيع تحسين أمنها الغذائي دون معالجة القيود التي تُبقي الإنتاجية الزراعية الإفريقية عند مستويات متدنية. وفي هذا الصدد، سيكون من الضروري أن تؤدي الدولة دوراً استباقياً إلى حد أبعد مما كان عليه الحال في السنوات الأخيرة. ومن المهم بصفة خاصة في هذا الصدد اعتماد تلك التدابير التي تُحسِّن إمكانية حصول المزارعين على المُدخلات الزراعية كالبذور والأسمدة ومبيدات الآفات. وفي الوقت الحاضر، يظل توفير المُدخلات ضعيفاً في العديد من البلدان الإفريقية. فمعدل استخدام الأسمدة، على سبيل المثال، يبلغ 8 كلغ/هكتار فقط في إفريقيا، بينما يبلغ متوسطه ما يزيد عن 100 كلغ/هكتار عالمياً. ويضاف إلى ذلك أن جُلَّ استخدام الأسمدة في إفريقيا يقتصر حالياً على المحاصيل التصديرية. والواقع أنه إذا ما أُخِذت في الاعتبار المحاصيل الغذائية وحدها، فإن معدل استخدام الأسمدة يبلغ 1 كلغ/هكتار فقط. إلا أن تجربة بلدان نامية أخرى تدل على أن من شأن توفير هذه المدخلات بأسعار مدعمة أن يساعد في رفع مستوى إنتاجية الزراعة. فقد تبين أن مخططاً اعتُمِد مؤخراً لتوفير مُدخلات مدعّمة في ملاوي، على سبيل المثال، قد أثّر تأثيراً إيجابياً بالفعل على مستوى الإنتاجية وحالة الأمن الغذائي خلال السنوات الأولى لتطبيقه.

وثمة تدبير هام آخر لتحسين الإنتاجية يتمثّل في منح الائتمانات للمزارعين الذين يحتاجون إلى رأس المال. والواقع أن السوق الريفية كثيراً ما تُعاني من نقص في الخدمات المالية المقدَّمة إليها، ويمكن للدول أن تتدخَّل إما لسد هذه الفجوة أو لتوفير حوافز لضمان قيام القطاع الخاص بتوفير تلك الخدمات. وفي الوقت الحاضر، تشير التقديرات إلى أن 5 في المائة فقط من مجموع السكان في معظم البلدان الإفريقية يتمتعون بإمكانية الوصول إلى النظام المصرفي، وأن هذا يقتصر في الغالب على المناطق الحضرية. ولذلك فإن الافتقار إلى إمكانية الحصول على الائتمانات يشكِّل أحد القيود الشديدة في المناطق الريفية في العديد من البلدان الإفريقية، وهو يحول دون تمكُّن المزارعين الناجحين من الارتقاء بمستوى إنتاجهم.

ولربما شكّلت أنشطة البحث والتطوير، على المدى الطويل، أهم عنصر من العناصر اللازمة لتحسين الإنتاجية الزراعية الإفريقية. وكثيراً ما قيل إنه من أجل تلبية احتياجات السكان المتزايدي العدد وتحقيق الأمن الغذائي، فإن إفريقيا تحتاج إلى ثورة خضراء خاصة بها. وهذا يتطلب زيادة هائلة في الموارد المخصصة حالياً لأنشطة البحث والتطوير التي تتناول تحديداً أوضاع الإنتاجية السائدة في البلدان الإفريقية. كما ينبغي للبلدان الإفريقية أن تُحسِّن توفير خدمات الإرشاد الزراعي من أجل ضمان نقل المعارف إلى المنتِجين بكفاءة وفي الوقت المناسب.

ويمكن للتعاون بين بلدان الجنوب أن يؤدي دوراً بالغ الأهمية في مساعدة البلدان الإفريقية في تحسين إنتاجية قطاعها الزراعي. كما يمكن لبلدان المنطقة أن تستفيد كثيراً من التعاون فيما بينها ومع غيرها من البلدان النامية التي واجهت أو تواجه صعوبات مماثلة. ولذلك ينبغي تشجيع تقاسم المعارف والخبرات الزراعية على نحو أكثر كثافة فيما بين البلدان النامية. ويضاف إلى ذلك أنه يمكن للبلدان النامية أن تتوخى تقاسم تكاليف أنشطة البحث والتطوير الزراعيين التي تعود عليها بمنفعة متبادَلة وذلك من أجل إتاحة زيادة الاستثمار في هذا المجال البالغ الأهمية.

تحسين سبل المعيشة في المناطق الريفية

بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات تؤدي بصورة مباشرة إلى المساعدة في رفع مستوى الإنتاجية، يمكن للبلدان الإفريقية أن تفعل الكثير لتحسين ظروف عمل ومعيشة المزارعين والأُسر المعيشية الريفية. ويتمثل أحد مجالات العمل هذه في تحسين البُنى التحتية الريفية. والواقع أن البُنى التحتية الرئيسية، كشبكات النقل وتوليد الطاقة الكهربائية والاتصالات، كثيراً ما تكون غير كافية أو غير موجودة في المناطق الريفية في إفريقيا. فنسبة الطرق المعبّدة في إفريقيا تبلغ 12 في المائة فقط -وهي النسبة الأدنى مقارنة بأي منطقة -بل إن هذه الطرق المعبّدة كثيراً ما تتردى حالتها نتيجة لسوء الصيانة. كما أن مستوى الحصول على الإمدادات الكهربائية متدنٍ أيضاً في هذه المنطقة، إذ تبلغ 24 في المائة مقارنة بما نسبته 69 في المائة في آسيا و90 في المائة في أمريكا الجنوبية، الأمر الذي يؤدي إلى إعاقة تنفيذ الكثير من الأنشطة مثل عمليات التجهيز والتبريد أو ضخ المياه الجوفية. ولذلك فإن تحسين البُنى التحتية يمكن أن يؤثر تأثيراً هاماً على الأمن الغذائي، ليس عن طريق تحسين شروط الإنتاج فحسب وإنما أيضاً من خلال المساعدة في توصيل المنتجات الزراعية إلى المستهلِكين على نحو أسرع وبكلفة أقل.

كما يمكن تحسين حالة الأمن الغذائي وسبل المعيشة في المناطق الريفية من خلال الحد من مخاطر تعرُّض المزارعين للتقلبات القصيرة الأجل في الأسواق، وعن طريق تحسين موقفهم التفاوضي إزاء كبار مشتري المنتجات الزراعية. وهذا دور كثيراً ما كانت تضطلع به في السابق مجالس التسويق -التي كانت تعرض سعراً ثابتاً على المنتِجين وتتفاوض مع المشترين بصورة مباشرة. إلا أنه قد تم حل مجالس التسويق هذه في العديد من البلدان الإفريقية. وعلى الرغم من أن بعض المجالس التسويقية كانت غير فعالة إلى حد بعيد وألحقت الضرر بالإنتاج الزراعي، فإن من المهم ملاحظة أن المجالس الزراعية التي تحسُن إدارتها يمكن أن تؤدي دوراً بالغ الأهمية في تحسين سبل المعيشة الريفية وحالة الأمن الغذائي.

وأخيراً، يجب عدم إغفال العنصر الأهم، ألا وهو سكان الأرياف أنفسهم. فالمزارعون في العديد من البلدان الإفريقية هم من الفقراء، وهم شديدو التعرُّض للصدمات كالفيضانات وحالات الجفاف والأمراض. وينبغي اعتماد التدابير المناسبة لضمان تمتُّع سكان الأرياف بظروف معيشة كريمة. وهذا يتطلب إيجاد شبكات لتوفير الحد الأدنى من الأمان لمساعدة السكان في الأوقات الصعبة لضمان قدرتهم على مواصلة مساهمتهم الضرورية في تحقيق الأمن الغذائي في المستقبل.

معالجة الاختلالات في الأسواق الدولية

إن تحسين حالة الأمن الغذائي في إفريقيا يتطلب أكثر من مجرد معالجة مسألة الإنتاج الزراعي. وقد أوضحت الأزمة الغذائية التي شهدها العام الماضي أن السوق الدولية للمنتجات الزراعية تعاني من عدد من الاختلالات التي تشكل تهديداً قوياً للأمن الغذائي في العديد من البلدان الإفريقية. ويشكِّل الانفجار الهائل الذي شهدته أسعار المواد الغذائية الأساسية في عام 2008م، مثالاً بارزاً على المخاطر التي تتهدد النظام الحالي، حيث يمكن لقدرة ملايين الناس على الحصول على الغذاء أن تُعوَّق من جراء ممارسات قلّة من المستثمرين الذين يسعون إلى الربح.

وثمة سمة أخرى من سمات السوق الدولية للسلع الأساسية تتمثل في الطابع المركّز لسلاسل القيمة العالمية. وهذا يعني عملياً، في أحيان كثيرة، أن المنتجين الزراعيين يواجهون عدداً محدوداً جداً من المشترين وبالتالي لا يتوفر لهم سوى قدر قليل من القدرة التفاوضية. وهذه حالة تدعو إلى قلق بالغ لأنها تقلِّل الحوافز المقدمة للإنتاج ويمكن أن تؤثر تأثيراً سلبياً على سبل المعيشة الريفية عندما يُضطر المنتجون لقبول أسعار لمحاصيلهم متدنية إلى حد غير معقول.

كما أن العلاقات التجارية العالمية تتسم أيضاً بتفاوت واسع كثيراً ما يكون على حساب القطاع الزراعي للبلدان الإفريقية. فالواقع أن المستويات المرتفعة للحماية والإعانات التي لا تزال سائدة في العديد من البلدان المتقدمة تُلحِق الضرر بالمنتجين الأفارقة من خلال حرمانهم من الأسواق في الخارج وكذلك من خلال إبقاء أسعار السلع الأساسية متدنية على نحو مصطَنَع. وقد أثارت البلدان الإفريقية وغيرها من البلدان النامية العديد من هذه القضايا في سياق جولة الدوحة من المفاوضات التجارية. ولذلك فإن من الضروري اختتام هذه الجولة أو التوصل في وقت مبكِّر إلى نتائج بشأن بعض المسائل المتصلة بالتجارة الزراعية الإفريقية.

خاتمة

ينبغي النظر إلى أزمة الغذاء في إفريقيا باعتبارها "ناقوس خطر"، فهي تبيِّن بكل وضوح مدى ضعف حالة الأمن الغذائي للبلدان الإفريقية. ومن أجل تفادي تكرُّر وقوع الأحداث التي شهدتها السنة الأخيرة، من الضروري تعلُّم الدروس المستقاة من الأزمة؛ ليس ذلك فحسب، بل إن من الضروري فعلاً اتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن.

وهناك قرارات صعبة يجب اتخاذها، فتحسين الأمن الغذائي للبلدان الإفريقية يقتضي من هذه البلدان والجهات الشريكة لها في التنمية أن تُدرج مسألة الزراعة من جديد وبقوة على جدول الأعمال وأن تعالِج العديد من العناصر التي أفضت إلى حدوث الأزمة في السنة الأخيرة. وهذا سيتطلب توفُّر موارد إضافية -سواء من حيث الاحتياجات المالية أو من حيث الإرادة السياسية. وسوف يحدث هذا بالضرورة على حساب تدابير وقطاعات أخرى. وسيتعين على البلدان الإفريقية نفسها وكذلك على الجهات الشريكة لها في التنمية أن تدفع ثمناً لتحقيق الأمن الغذائي وأن تُقيِّم ما إذا كانت مستعدة لدفع ذلك الثمن أو قادرة على دفعه.

كما أن تحسين حالة الأمن الغذائي في إفريقيا سيتطلب أن تعيد البلدان التفكير في استراتيجيات التنمية وتنظيم الأسواق العالمية. وقد يكون من الضروري حماية المزارعين والمستهلكين في السوق إلى حد ما بوسائل منها مثلاً إنشاء مجالس تسويق أو فصل بعض السلع الغذائية الأساسية عن المضاربة المفرطة. وإن إعادة تعريف أدوار الدول والأسواق، ومعالجة تنظيم عمل الأسواق، بغية تحسين الأمن الغذائي، هي من بين المهام التي يلزم الاضطلاع بها لا على المستوى القطري فحسب وإنما أيضاً بالشراكة مع بلدان أخرى، متقدمة ونامية. وينبغي إعادة النظر في المواقف التقليدية على ضوء المعاناة الرهيبة التي تسبِّبها أزمة غذائية كتلك التي شهدتها السنة الأخيرة.

والقضايا التي تنبغي معالجتها عديدة ومعقّدة. إلا أن التكلفة التي ينطوي عليها إغفال هذه القضايا باهظة جداً. وإذا لم يحدث أي تغيير، فسوف يكون حدوث أزمة غذائية أخرى أمراً ليس ممكناً فحسب بل ومؤكداً أيضاً. فمع استمرار النمو السكاني وتفاقم الآثار الناجمة عن تغير المناخ، قد تكون الأزمات التالية أشد وطأة.

مقالات لنفس الكاتب