; logged out
الرئيسية / أزمة سد النهضة بين الاعتبارات المصرية والمصالح الدولية

العدد 164

أزمة سد النهضة بين الاعتبارات المصرية والمصالح الدولية

الأحد، 30 أيار 2021

تعتبر المصادر المائية عنصراً أساسياً في الاستقرار والتنمية، ومصدراً للصراع والتوترات في الوقت نفسه، باعتبارها أصل الحياة، ومبرراً طبيعياً للبقاء، ومن المأثور التاريخي قول هيرودوت "مصر هبة النيل". وهنا تعد أزمة سد النهضة الإثيوبي من الأزمات الإقليمية المستعصية والمعقدة، في ضوء تعارض الرؤية والمصالح الإثيوبية مع المصالح الحيوية لكل من دول المصب مصر والسودان، ذلك بسبب التداعيات السلبية الاقتصادية والاجتماعية لإنشاء السد وما يسببه من نقص في حصة كل من مصر والسودان من المياه.

تتعامل مصر مع قضية سد النهضة وتأثيراته باعتبارها قضية أمن قومي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بالإضافة لما قد يسببه من دمار لمدن السودان وأراضيها في حال تدميره أو انهياره حتى لو بشكل جزئي، وهذا ما جعل أوساطاً سياسية وإعلامية تصف هذا الملف بـ "الشائك والعالق".

تتبنى الدولتان مصر والسودان موقفاً موحداً رافضاً لسياسة الأمر الواقع التي تنتهجها إثيوبيا بشأن تشغيل السد وملئه بما لا يراعي الحقوق المائية لدولتي المصب. ومن جانبها تُعبر إثيوبيا إعلامياً عن رغبتها في التوصل لحل يرضي دولتي المصب؛ لكنها ترفض وساطة اللجنة الرباعية وتتمسك بالوساطة الإفريقية. في المقابل، تتمسك كل من مصر والسودان بالوساطة الدولية. وبالمحصلة لم تنجح المبادرات والجهود المبذولة لاحتواء الأزمة حتى الآن.

أولاً: المطامع الإسرائيلية في مياه النيل:

احتلت مسألة المياه مكانة في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي قبل إنشاء الدولة وبعدها، وذلك نظراً لطبيعة المشروع الصهيوني القائم على الهجرة والاستيطان، وهذا ما يفسر العمل على الربط بين المستوطنين والأرض عبر العمل الزراعي. فلقد ظلت الطموحات المائية حاضرة لدى مؤسسي إسرائيل خلال اتفاقات ترسيم الحدود التي سبقت قيام دولتهم، وهذا ما جعل "هرتزل" خلال المؤتمر الصهيوني الأول يعتبر أن مستقبل فلسطين واعد إذا ما حُلت مشكلة الري على نطاق واسع، وهذا ما أكده عام 1903م، عبر اقتراح مشروع لتوصيل مياه النيل إلى سيناء ومن ثم إلى النقب وفلسطين، وبناء عليه طلب من الحكومة المصرية الموافقة على إقامة مستوطنات يهودية في سيناء لمدة 99 عاماً، وتوصيل جزء من مياه النيل إليها، وهذا ما رفضته كل من مصر وبريطانيا.

كثيرة هي مساعي إسرائيل للسيطرة على المصادر المائية في المنطقة، ويلخص ذلك قول رئيسة الوزراء الإسرائيلية "غولدامائير" في أعقاب حرب 67 بأن التحالف الإسرائيلي مع تركيا وإثيوبيا يعني أن أكبر نهرين في المنطقة (النيل والفرات) سيكونان في قبضة إسرائيل. ولا أدل على ذلك من رمزية علم إسرائيل وحتى قبل قيامها، والذي اتخذ من نهري النيل والفرات حدوداً لإسرائيل الكبرى.

كما أثير موضوع توصيل مياه النيل لإسرائيل خلال وعقب التوقيع على اتفاقية (كامب ديفد) بين مصر وإسرائيل؛ لكن مصر كانت ترفض على الدوام إمداد أو بيع مياه النيل لإسرائيل، وذلك لأسباب فنية وسياسية وأخرى قانونية مرتبطة بالمعاهدات والقوانين الدولية بشأن الأنهار المشتركة. بالمحصلة ظل ملف المياه يعتبر ملفاً رئيساً في كل الترتيبات واتفاقيات التسوية مع إسرائيل، أو أنه كان مثار خلاف وفشل لمحاولات أخرى.

ثانياً: السياق التاريخي لمشروع سد النهضة:

برزت أزمة سد النهضة في الإعلام بقوة خلال حكم الرئيس "محمد مرسي" لمصر عام 2012م، حين استغلت إثيوبيا عدم الاستقرار السياسي في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير 2011م، وبدأت في عام 2012م، بالشروع في بناء "سد النهضة الكبير" على النيل الأزرق وهو أهم روافد نهر النيل الرئيسة.

وتعود الطموحات الإثيوبية في السيطرة على مياه النيل إلى عقود مضت، حيث ترجع جذور مشروع سد النهضة على اختلاف مسمياته إلى خمسينيات القرن الماضي (1956-1964م) وكان المفترض أن تموله الولايات المتحدة، بهدف تطويق المشروع الناصري والضغط عليه، وفعلاً نفذ مكتب الولايات المتحدة لاستصلاح الأراضي مشروعاً مسحياً لتحديد موقع إنشاء السد أواخر حكم الامبراطور "هيلا سيلاسي" آخر الملوك الإثيوبيين. وتعطل المشروع بفعل الانقلاب على الملكية في إثيوبيا من قبل ضباط الجيش عام 1974م، ولاحقاً انزوى المشروع في ظل الحكم العسكري المدعوم من السوفييت. وعلى مدار العقود اللاحقة ظل عائق التمويل هو السبب في عدم تنفيذ المشروع.

مع نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي تمت الإطاحة بالحكم العسكري في إثيوبيا ووصل للسلطة "ميليس زيناوي" والذي قامت رؤيته الاقتصادية التنموية على استغلال الموارد المائية للبلاد، وجعل بلاده مركزاً إقليمياً للطاقة، وذلك عبر إقامة مجموعة من السدود على 12 نهراً، وفعلاً نفذ جزءاً من مشروعه الطموح ما بين (2002-2009م)، وحينها لم ينشب خلاف مع دول المصب؛ لأن تلك السدود لم تؤثر على حصتها من مياه النيل بشكل ملحوظ.

ظل سد النهضة يمثل التحدي الأكبر بالنسبة لإثيوبيا لعدة أسباب، أولها: التمويل، حيث تُقدر تكلفة المشروع المبدئية بنحو 5 مليارات دولار، وهو مبلغ كبير لدولة فقيرة تصنف كأحد أكبر المتلقين للمساعدات الدولية. ثانيها: الأبعاد السياسية والأمنية الكبيرة المرتبطة ببناء السد، جراء تأثيره المباشر على الأمن المائي لمصر، بمعنى دخول إثيوبيا في أزمة مع مصر التي تمتلك ثقلاً سياسياً وعلاقاتٍ مميزة مع الغرب.

ثالثاً: تمويل سد النهضة:

معروف أن دولة فقيرة كإثيوبيا لا تستطيع تمويل مشاريع السدود ذاتياً، وتعتمد في ذلك على التمويل الخارجي من المؤسسات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي، والذي عادة ما يرتبط باشتراطات سياسية وتدخلات خارجية.

اتخذت مصر سابقاً خلال سعيها لتمويل السد العالي بأسوان (1960-1970م)، قراراً وطنياً بالتخلي عن التمويل الدولي وتمويل سدها العالي من وارداتها المحلية، وقام الرئيس "عبد الناصر" آنذاك بتأميم قناة السويس وتحويل عائداتها لتمويل السد العالي. تعرضت مصر على إثر ذلك للعدوان الثلاثي عام 1956م، والذي جلب القطيعة في علاقات مصر بالغرب، في حين فتح الباب أمام علاقات متينة وتحالف مع الاتحاد السوفيتي الذي مول ثلث تكلفة المشروع، بالإضافة للخبرات الفنية اللازمة. وظلت مصر بعد التحول نحو المعسكر الغربي في نهاية السبعينيات توظف مركزها القانوني وثقلها السياسي في منع تمويل السدود على حوض النيل، وذلك استناداً لاتفاقيات تقسيم مياه النيل 1929م، واتفاقية 1959م.

استغلت إثيوبيا فترة عدم الاستقرار السياسي في مصر عقب الإطاحة بالرئيس مبارك 2011م، وانشغال المؤسسة العسكرية في ترتيب الوضع الداخلي، وقامت بوضع حجر الأساس لسد النهضة، وقد اتخذت من أجل ذلك إجراءات راديكالية لتوفير التمويل من الاقتصاد المحلي بكل الوسائل، كان آخرها إصدار سندات للإثيوبيين في الخارج موجهة لتمويل السد. وتشير التقديرات إلى أن الحكومة تمكنت من جمع حوالي مليار دولار عام 2014م، أي ما يعادل خمس قيمة المشروع المبدئية، وتوقفت الأعمال في السد عام 2015م، بسبب نفاد التمويل.

التمويل الأمريكي لمواجهة النفوذ الصيني في إفريقيا: صراع على المكانة الجيوبوليتيكية

مع بروز الصين كقوة عظمى تنافس الولايات المتحدة على المسرح الدولي؛ عملت الصين على تعزيز حضورها الدبلوماسي؛ سعياً للتمدد عالمياً وخصوصاً في إفريقيا، حيث بدأت تلعب الدور الذي لعبه الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، فقامت بتقديم مساعدات وقروض ميسرة لدول إفريقيا الفقيرة وبدون شروط معقدة مثلما تفعل مؤسسات التمويل الغربية، شيئاً فشيئاً أصبحت الصين أكبر المستثمرين في عدة دول إفريقية، وبالتالي تعزز نفوذها هناك، حيث ركزت جُل أعمالها واستثماراتها في الموارد المائية عبر تمويل وبناء سدود في عدة دول إفريقية. ويبدو أن الصين اتخذت من إثيوبيا -المنافس القديم لمصر-موطئ قدم لتأمين دورها المستقبلي في منطقة حوض النيل وإفريقيا عموماً، خصوصاً وأن إثيوبيا معروفة تاريخياً برفضها للاستعمار والإمبريالية الغربية.

بدأت الشركات الصينية استثماراتها في إثيوبيا فعلياً عام 2002م، حين مولت سد (تكيزي) بقيمة 224 مليون دولار، وفي 2012م، برز الوجود الصيني بشكل أكبر حين قررت استثمار 500 مليون دولار في سد (جايب3) على نهر أومو جنوب إثيوبيا، الأمر الذي أثار حفيظة كينيا المتضرر الرئيسي من السد، لكن شيئاً لم يعرقل التعاون الصيني ـ الإثيوبي في المجال الكهرومائي.

تجنبت الصين تقديم تمويل مباشر لبناء السد خوفاً من غضب مصر التي تمتلك فيها استثمارات متنامية، لكنها قدمت عام 2013م، قرض بقيمة 1.2 مليار دولار لإنشاء خطوط الكهرباء والبنى التحية المرتبطة بالسد، وفي أبريل 2019م، قدمت قرضاً بقيمة 1.8 مليار دولار بهدف توسيع وإصلاح شبكة الكهرباء في إثيوبيا، ذلك مقابل منح الشركات الصينية جزءاً من عقود السد المربحة، إلى جانب العديد من الشركات الغربية والأمريكية.

من ناحيتها اندفعت الولايات المتحدة للإعلان في مارس 2020م، عن نيتها استثمار خمسة مليارات دولار في إثيوبيا عبر مؤسسة تمويلية (DFC)، والتي تتمتع بقدرات تمويلية ضخمة، وقد أنشئت هذه المؤسسة خصيصاً لخدمة المصالح السياسية الخارجية للولايات المتحدة وعلى رأسها مواجهة النفوذ الصيني في إفريقيا. وكانت أمريكا قد برهنت على حسن نيتها عبر منحها الضوء الأخضر لصندوق النقد الدولي نهاية 2019م، لتقديم قرض لإثيوبيا بقيمة 2.9 مليار دولار لدعم الاقتصاد الإثيوبي. وبات واضحاً سبب الاندفاع الأمريكي لدعم الاقتصاد الإثيوبي في محاولة للحد من النفوذ الصيني المتنامي هناك.

في الواقع تمتلك جميع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وغيرها من الدول النافذة شركات تعمل في سد النهضة، وبالتالي أصبحت مصالح الشركات الغربية والصينية تقف في مواجهة المصالح المصرية، رغم امتلاك مصر المسوغات الشرعية القانونية والتاريخية؛ لكن الفرص الاستثمارية الواعدة في إثيوبيا، ومكانتها كقاعدة للنفوذ الصيني في شرق إفريقيا جعلت الدول الكبرى تتغاضى عن مشروعية المطالب المصرية وعدم الضغط على إثيوبيا. ويبدو أن القروض الغربية والصينية السخية زادت على ما تحتاجه إثيوبيا لتمويل السد، وعزز موقفها في مواجهة مصر، وجعلها تتبنى خطاباً عدوانياً تجاه مصر والمضي قدما في تشغيل وملء السد سواء باتفاق مع دول المصب أو بدون؛ غير آبهة بالنتائج.

رابعًا: التعنت الإثيوبي مقابل شرعية الموقف المصري

منحت كل من مصر والسودان الفرصة للوساطة الإفريقية؛ لكنها لم تعد تثق بتلك الوساطة بعد أن أيقنت أنها لا تمثل أي ضغط حقيقي على إثيوبيا، بل توفر لإثيوبيا غطاءً عبر المماطلة وكسب الوقت والاستمرار في فرض واقع على الأرض، ذلك دفع الطرفين المصري والسوداني إلى اللجوء إلى غطاء دولي لحل الأزمة، والمطالبة بتدخلات دولية خصوصاً من الولايات المتحدة للضغط على إثيوبيا.

وكان الرئيس السيسي قد صرح في أكتوبر 2019م، أمام وفود دولية عن تطلع مصر لاتفاق يحقق المصالح المشتركة لكل من مصر والسودان وإثيوبيا، وأكد على ضرورة العمل على ألا تكون الأنهار العابرة للحدود مصدراً للصراع، بعيداً عن الأفعال أحادية الجانب. وذلك تأكيداً وترسيخاً لما جاء بإعلان المبادئ بشأن سد النهضة مارس 2015م، الذي تم التوقيع عليه في الخرطوم بين الدول الثلاث، مؤكداً على أهمية نهر النيل كمصدر للحياة ومصدر حيوي لتنمية الشعوب الثلاثة، ويشير إلى أن الغرض الرئيس لسد النهضة هو توليد الطاقة والمساهمة في التنمية الاقتصادية لإثيوبيا. ويتضمن الإعلان عشرة مبادئ أهمها: التعاون على أساس تفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب بمختلف مناحيها، وحسن النوايا، ومبادئ القانون الدولي. ومبدأ عدم التسبب في ضرر بالغ يتعرض له أي طرف. ومبدأ التسوية السلمية للمنازعات عبر التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا. وإذا لم تنجح المفاوضات في حل الخلاف، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق أو الوساطة.

غير مُستغرَب إذن موقف مصر الرافض لقيام إثيوبيا بخطوات أحادية الجانب، وأهمها الملء الثاني للسد، وهو ما تم الاتفاق عليه في إعلان المبادئ عام 2015م، لكن المستغرب جداً هو تجاوز إثيوبيا لتلك التفاهمات، وعدم إدانة ذلك من القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وموقفها السلبي تجاه مصر.

وهنا يبرز التساؤل، لماذا لا تدعم الولايات المتحدة موقف مصر، وتضغط على إثيوبيا؟ أم أن المصالح الأمريكية ومن ورائها مصالح حليفتها إسرائيل تتطلب إدخال مصر في أزمة حيوية ووجودية كأزمة سد النهضة؟!

كانت مصر قد لمّحت مراراً وفي مناسبات مختلفة أن فشل مساعي تسوية الأزمة بالمفاوضات سيفتح الباب أمام جميع الخيارات. كما شرعت في تنفيذ خطوات فنية وخطط بتكلفة تقدر مئات مليارات الجنيهات في قطاع الري للتخفيف من المخاطر والآثار السلبية للملء الثاني لسد النهضة. وكان رئيس الوزراء الإثيوبي "أبي أحمد" قد حدد موعد الملء الثاني للسد ليكون خلال موسم الأمطار المقبل، أي خلال شهري يوليو وأغسطس 2021م.

ورداً على التهديدات المصرية بإمكانية التدخل العسكري ضد السد، صرّح "أبي أحمد" أنه "إذا كان هناك حاجة للحرب مع مصر بسبب السد، فهناك استعداد لحشد ملايين الأشخاص"، ويؤكد في الوقت نفسه على أن المفاوضات هي السبيل لحل الجمود.

يبدو أن إثيوبيا تسعى جاهدة وتستعد لإتمام المرحلة الثانية من ملء السد خلال يونيو الحالي، حيث بدأت فعلياً بالأعمال التجهيزية لهذه الخطوة، والتي تحذر منها مصر والسودان دون اتفاق أو تنسيق معهما. ويأتي ذلك مع اقتراب موعد الانتخابات الإثيوبية، حيث يستغل رئيس الوزراء الإثيوبي "أبي أحمد" أزمة سد النهضة لدعم موقفه في الانتخابات. ومؤخراً تم تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في 5 يونيو، وقيل إنها ستعقد بعد التشاور مع الأحزاب الإثيوبية. يُذكر أن هذا التأجيل الثاني بعد أن تأجلت العام الماضي بسبب كورونا. إضافة إلى ما تعانيه الحكومة الإثيوبية من تحديات على صعد مختلفة، فهي تواجه أزمة تمرد إقليم تيغراي شمالي البلاد، وتقوم بحملات عسكرية ضد "جبهة تيغراي" المتمردة، والتي صنفتها الحكومة مؤخراً كمنظمة إرهابية، إلى جانب جماعة "أونق شني" المحسوبة على إقليم الأروميو.

يرى مراقبون أنه لا توجد أي إشارات لرغبة إثيوبيا للتعاطي مع الرسائل المصرية والسودانية، وهذا ما دفع مصر لإطلاق تهديدات شديدة اللهجة بأن أي مساس بالحقوق المائية سيدفعها لاتخاذ إجراءات من شأنها زعزعة الاستقرار في المنطقة، وذلك في تلميح واضح إلى أن مصر قد تقدم على خيارات أخرى غير دبلوماسية وأن عدم التوصل لاتفاق سوف يفضي إلى نزاع مسلح قد يهدد أمن المنطقة بأكملها.

خامسًا: الجهود الدولية لحل الأزمة: هل تنجح الوساطة الأمريكية؟!

أعلنت مصر في وقت سابق عن فشل جولة المفاوضات الأخيرة التي جرت في عاصمة الكونغو الديمقراطية (كينشاسا) حول سد النهضة إبريل الماضي، حيث رفضت إثيوبيا حينها كل المقترحات التي قُدمت لملء وتشغيل سد النهضة على نحو يحقق المتطلبات الإثيوبية؛ لكن دون إضرار ملموس على دول المصب.

قام مؤخراً المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي "جفري فيلتمان" بجولة إفريقية لإجراء مباحثات مع أطراف الأزمة، لكن الواضح أن تلك الوساطة لم تؤد إلى أي اختراق بسبب تعنت إثيوبيا وقيامها بإجراءات أحادية الجانب، عبر إصرارها تنفيذ المرحلة الثانية من ملء السد. ويتأكد ذلك مع الشواهد السابقة في السياق التفاوضي حول الأزمة، وإصرار إثيوبيا على إفشال أي جهود لتسوية الأزمة.

أصدرت الخارجية الأمريكية بياناً في 14 مايو الماضي حول نتائج زيارة مبعوثها للمنطقة، أكدت فيه التزام الولايات المتحدة بالعمل مع الشركاء الدوليين لإيجاد حل للقضايا الإقليمية الهامة بما فيها قضية سد النهضة الإثيوبي والنزاع الحدودي بين السوادان وإثيوبيا.

قال فيلتمان إنه "ناقش" مخاوف مصر والسودان المائية حيال سد النهضة، في محاولة للتوفيق بين احتياجات إثيوبيا التنموية ومصالح دولتي المصب المائية، كما ناقش استئناف المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي على وجه السرعة، وبناءً على إعلان المبادئ الموقع عام 2015م، كما أكد المبعوث الأمريكي على التزام بلاده بتقديم الدعم السياسي والفني لتسهيل وإنجاح المفاوضات.

من الواضح هنا أن واشنطن قد تخذل القاهرة، فالوساطة الأمريكية لم تحقق أي اختراق، بل يمكن القول إنها لا تتجاوز كونها أداة للتسويف وإضاعة الوقت لصالح إثيوبيا، ويمكن وصفها بالمتحيزة وغير النزيهة.

سادسًا: "الاستثمارات الخليجية" ودعم حل أزمة سد النهضة

تمتلك دول خليجية استثمارات في إثيوبيا تقدر بحوالي 1.5 مليار دولار، تتركز غالبيتها في القطاع الزراعي ومشاريع أخرى مرتبطة بالمياه وتوليد الطاقة الكهربائية، وقد ازدادت تلك الاستثمارات في الآونة الأخيرة. ويمكن للدول الخليجية استخدام استثماراتها في الاقتصاد الإثيوبي عموماً، وفي المشاريع المرتبطة بالمياه تحديداً للضغط على إثيوبيا لتقبل باتفاق شامل وملزم يحافظ على المصالح المائية لجميع الأطراف، كما يمكن الاستفادة من المواقف الخليجية وعلاقاتها السياسية ونفوذها الاقتصادي لدعم مصر في أزمة سد النهضة.

مقالات لنفس الكاتب