array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 164

مجلس التعاون الخليجي يقدم دروسًا للعرب والإنجازات تؤكد جدية التجربة

الثلاثاء، 29 حزيران/يونيو 2021

على الرغم من كون السعي إلى تحقيق الوحدة بين العرب يعد من الموضوعات الحيوية والمتجددة التي سيطرت على تاريخ العرب، وتطورت على المستوى الفكري والسياسي والاقتصادي العربي في العصر الحديث. إلا أنها اتسمت بالبطء والتعثر خاصة عند مقارنتها بما تم إنجازه في مناطق أخرى من العالم. وبالنظر إلى التغيرات السياسية والظروف الاقتصادية المتقلبة التي عرفتها الدول العربية خلال العقود الستة الماضية، تنوعت المبادرات وتشتت الجهود التي أطلقتها هذه الدول، حتى أنه لم يعد واضحًا الهدف النهائي التي تسعى الدول العربية إلى بلوغه. وكتوجه جديد أطلقت خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي مبادرات دون إقليمية بين عدة دول عربية أحد المداخل المتعددة لتحقيق التكامل، تمثل في ثلاثة تجمعات: مجلس التعاون لدول الخليج العربية (1981م)، مجلس التعاون العربي واتحاد المغرب العربي (1989م)، إلا أن التجمع الوحيد الذي بقي مستمرًا وخطى نحو الوحدة هو مجلس التعاون الخليجي حيث لم يعد لمجلس التعاون العربي أي وجود، في حين يظل مشروع اتحاد المغرب العربي معطلاً.

وفي ظل تنوع التجارب والمبادرات التي أطلقتها الدول العربية، تظل تجربة دول مجلس التعاون الخليجي العربية أكثرها تقدمًا على صعيد التكامل الاقتصادي، رغم الصعوبات

، ولعل الاقتراب من تحقيق الوحدة النقدية وإطلاق عملة خليجية موحدة دليل على ذلك باعتباره يشكل أحد أكثر الخطوات طموحا والتي قد تبلغها هذه الدول.

وبإلقاء التركيز على تجربة مجلس التعاون الخليجي، التي بلغت مسيرته أربعين سنة، يدرك المتتبع أنها أكثر المبادرات تقدما على صعيد التكامل الإقليمي بين الدول العربية، كما أنها تنطوي على دروس كثيرة يمكن الاستفادة منها. وما تم إنجازه يوحي بأن المسألة أكثر جدية وقابلية للتنفيذ.

وتحاول هذه الورقة تحليل هذه التجربة في ظل ما تم تخطيطه من دول المجلس على صعيد الاتحاد النقدي وما تم إنجازه فعلاً، والأعمال التي تنتظر الإنجاز في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. وتبدأ الورقة باستعراض تاريخي لحالة الاتحاد النقدي بين الدول العربية. وفي الأخير استخلاص الدروس التي ينبغي لدول المجلس تعلمها من تجربتها من أجل التقدم، وكذا أهمية هذه التجربة لبقية الدول العربية.

 

الاتحاد النقدي الخليجي: بين جهود التكامل المتأخرة والمبادرات الأكثر تقدمًا

 

أسست دول الخليج العربية "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" في 25 مايو 1981م، في أبو ظبي ويضم: الإمارات، البحرين، السعودية، عمان، قطر، والكويت. وإن الظروف الإقليمية والأمنية كانت من بين الأسباب الرئيسية التي عجلت بإنشاء هذا التكتل الإقليمي.

 

  1. جهود دول مجلس التعاون لتحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي

 

سرعان ما بدأت ملامح الأهداف الاقتصادية للمجلس ترتسم مع إقرار "الاتفاقية الاقتصادية الموحدة" في نوفمبر 1981م، والهدف النهائي لها هو إقامة وحدة اقتصادية كاملة بين دول المجلس من خلال:

  • تحقيق المواطنة الاقتصادية لمواطني دول المجلس.
  • تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، وفق خطوات متدرجة، بدءاً بإقامة منطقة التجارة الحرة، ثم الاتحاد الجمركي، ثم استكمال السوق الخليجية المشتركة، وانتهاءً بالاتحاد النقدي والاقتصادي. وإقامة المؤسسات المشتركة اللازمة لذلك.
  • توحيد السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية والمالية والتجارية.
  • ربط البنى الأساسية بدول المجلس، لاسيما في مجالات المواصلات والكهرباء والغاز، وتشجيع إقامة المشاريع المشتركة.

و بدأ تجسيد هذه الاتفاقية من خلال اتخاذ الترتيبات القانونية والعملية اللازمة لإنشاء "منطقة التجارة الحرة لدول المجلس" والتي دخلت حيز التنفيذ في مارس 1983م، وتميزت منطقة التجارة الحرة بإعفاء منتجات دول المجلس الصناعية والزراعية والثروات الطبيعية من الرسوم الجمركية شريطة اصطحابها لشهادة منشأ من الجهة المختصة في الدول المصدرة والخاصة بالمنتجات التي تمثل القيمة المضافة الناشئة عنها ما نسبته 40% من القيمة النهائية للمنتج بالإضافة إلى أن تمثل ملكية مواطني دول المجلس 51% من رأس مال المنشأة المنتجة لتلك السلع. وفي عام 1988م، وافقت دول المجلس في خطوة صوب تشكيل اتحاد جمركي على مجموعة موحدة من الرسوم الجمركية تتراوح بين 4% و20% كرسوم جمركية موحدة اتجاه العالم الخارجي. غير أنه طبقت استثناءات تتعلق ببعض الدول الأعضاء، وبقيت اختلافات هامة بينها واستمر عدم الامتثال في بعض المجالات، ولاسيما بشأن بعض الأصناف الكمالية.

وبعد عقدين من المحاولات، خطت دول المجلس سنة 1999م، خطوة مهمة صوب تعزيز تكاملها من خلال تجديد إقرار الهدف صوب تحقيق اتحاد جمركي بين دوله الست، ومن ثم إطلاق سوقها المشتركة والعمل على إنشاء اتحاد نقدي بينها.

وكانت بلدان المجلس قررت إنشاء اتحاد جمركي وفقًا لجدول زمني أقره المجلس الأعلى للمجلس خلال القمة العشرين بالرياض في نوفمبر 1999م، اعتبارًا من أول مارس 2005م، مع مجموعتين من التعريفات الجمركية الخارجية، الأولى تتضمن تطبيق رسم موحد مقداره (5%) على السلع الزراعية والصناعية، ورسم 7.5% على السيارات والسلع الكمالية، وإعفاء كامل للسلع الغذائية الأساسية من أي رسم جمركي. وخطت دول المجلس خطوات أكثر تسارعًا، بإقرارها الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي خلال الدورة الثانية والعشرين لقادة دول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في مسقط في ديسمبر عام 2001م، و التي دعت إلى تقديم موعد تنفيذ التعريفة الجمركية الموحدة إلى مطلع يناير2003 م، حيث توجت بإقرار المجلس الأعلى في دورته الثالثة والعشرين التي عقدت بدولة قطر يومي 21 و 22 ديسمبر2002م، الإجراءات والخطوات التي اتفقت عليها لجنة التعاون المالي والاقتصادي (وزراء المالية والاقتصاد في دول المجلس) لقيام الاتحاد الجمركي لدول المجلس. كما حددت وثيقة "إجراءات وخطوات تطبيق الاتحاد الجمركي" التي أقرها المجلس الأعلى الأحكام الخاصة بالفترة الانتقالية، والتي حددت في البداية بين (2003-2007)، حيث أعطيت الدول الأعضاء فرصة للتأقلم مع بعض جوانب الاتحاد الجمركي.

وشُرع فعلاً على صعيد الخطوات التنفيذية للاتفاقية الاقتصادية الموحدة لدول المجلس، مطلع عام 2002 م، في تطبيق قانون موحد للجمارك في جميع دول المجلس. كما تم خفض معدلات التعريفات الجمركية لإزالة الفوارق بين دول المجلس. كما تم إقرار بعض الآليات المؤقتة في إطار الاتحاد الجمركي كآلية استيفاء الإيرادات الجمركية وتوزيع أنصبة الدول الأعضاء من الحصيلة الجمركية حسب المقصد النهائي للسلعة وذلك للسنوات الثلاث الأولى لقيام الاتحاد الجمركي، على أن يتم التوصل إلى آلية بديلة يتم الاتفاق عليها لاحقًا. وتم تكليف لجنة التعاون المالي والاقتصادي بمراجعة سنوية لتطوير آليات الاتحاد الجمركي بما يسهل انسيابية السلع بين دوله من خلال سرعة الانتهاء من دراسة المواضيع غير المستكملة، ووضع جدول زمني للانتهاء من جميع المعوقات والصعوبات التي تعترض سيره.

غير أن استمرار العمل ببعض الآليات المؤقتة بعد مضي ما يقارب عشرة أعوام على إقامة الاتحاد الجمركي يعد تمديدًا للفترة الانتقالية التي كان مقررًا أن تنتهي بنهاية 2007م، وعلى الرغم من أن الفترة الانتقالية مازالت مستمرة إلى غاية الآن في انتظار الاتفاق على مجمل القضايا العالقة سارعت دول المجلس إلى إعلان إطلاق السوق الخليجية المشتركة نهاية 2007 م، مثلما كان مقررًا حسب الاتفاقية الموحدة لسنة 2001 م، وهذا ما يطرح علامات استفهام حول قدرة هذه الدول على التعامل مع المشاكل التي تفرزها كل مرحلة من مراحل التكامل الإقليمي في ظل عدم التوصل والانتهاء من حل مشاكل المراحل التي سبقتها.

2.الخطوات والإجراءات المتخذة لإقامة اتحاد نقدي بين دول مجلس التعاون

 

بدأت فكرة إصدار العملة الخليجية الموحدة مع نشأة المجلس، فقد أشار النظام الأساسي إلى ذلك، ونصت الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول المجلس سنة 1981م، في مادتها (22) على أن إصدار عملة موحدة هدف منشود ونصت على أن " تقوم الدول الأعضاء بتنسيق سياستها المالية والنقدية والمصرفية وزيادة التعاون بين مؤسسات النقد والبنوك المركزية بما في ذلك العمل على توحيد العملة لتكون متممة للتكامل الاقتصادي المنشود فيما بينها ".

ومنذ ذلك الوقت بدأ السعي نحو تحقيق التكامل النقدي، فقد أنشئت في إطار المجلس عام 1983م، لجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول المجلس بهدف تنفيذ ما نصت عليه هذه المـادة وتنسيق السياسات النقدية والمصرفية، وتفرع عن لجنة المحافظين لجان متخصصة لدراسة الجوانب الفنية للتعاون والتكامل في مجالات الإشراف والرقابة والتدريب المصرفي ونظم المدفوعات. وخلال الفترة ما بين 1985ـ1987م، أجرت لجنة المحافظين مشاورات مكثفة بين الدول الأعضاء للتوصل، كخطوة أولى نحو العملة الخليجية الموحدة، إلى مثبت مشترك لعملات دول المجلس، وطرحت حقوق السحب الخاصة SDR كمثبت مشترك غير أنها لم تحصل على الإجماع. ونظرًا للاستقرار النسبي في أسعار الصرف التقاطعية لعملات دول مجلس التعاون خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ولكون إقامة الاتحاد النقدي وإصدار عملة موحدة تعتبر مرحلة تكاملية متقدمة يسبقها في الغالب مراحل تكاملية أخرى، هي منطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة، فقد كان الرأي السائد في أوائل التسعينات أن الوقت لم يحن بعد لبحث تفاصيل إقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة ولذلك ارتأى وزراء المالية والمحافظين بدول المجلس تأجيل بحثه إلى نهاية التسعينات. وبنهاية عقد التسعينات، ونظرًا لتحقيق تقدم فيما يتعلق بالاتحاد الجمركي الخليجي ولنجاح الاتحاد الأوروبي في موضوع اليورو، وانطلاقًا من توجه دول المجلس لتعزيز العمل الاقتصادي المشترك وتبني آليات وبرامج زمنية لتحقيقه أعيد بحث موضوع العملة الموحدة، وقرر المجلس الأعلى في قمة البحرين في ديسمبر 2000م، تبني الدولار الأمريكي مثبتًا مشتركًا لعملات دول المجلس ووجه وزراء المالية والمحافظين بإعداد برنامج زمني لإقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحدة.

 ثم جاءت الاتفاقية الاقتصادية الخليجية 2001م، لتبرز أهمية إتمام برامج التكامل الاقتصادي لدول مجلس التعاون، حيث نصت المادة "4” من الفصل الثالث من الاتفاقية الاقتصادية بأن “تقوم الدول الأعضاء وفق جدول زمني محدد بتحقيق متطلبات هذا الاتحاد بما في ذلك إحراز مستوى عال من التقارب بين الأعضاء في كافة السياسات الاقتصادية، لاسيما السياسات المالية والنقدية، والتشريعات المصرفية، ووضع معايير لتقريب معدلات الأداء الاقتصادي ذات الأهمية لتحقيق الاستقرار المالي والنقدي، مثل معدلات العجز والمديونية والأسعار. “ و في الدورة الثانية والعشرين للمجلس الأعلى) مسقط ، ديسمبر 2000 م) ، أقر المجلس الأعلى لمجلس التعاون البرنامج الزمني لإقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة والقاضي بتطبيق الدولار مثبتاَ مشتركاَ لعملات دول المجلس في المرحلة الحالية قبل نهاية عام 2002م، وهو ما تم تطبيقه بالفعل من قبل جميع دول المجلس في الموعد المحدد.

 كما يقضي البرنامج بأن تتفق الدول الأعضاء على معايير تقارب الأداء الاقتصادي ذات العلاقة بالاستقرار المالي والنقدي اللازمة لنجاح الاتحاد النقدي قبل نهاية 2005م، وذلك تمهيدًا لإطلاق العملة في موعد لا يتجاوز الأول من يناير 2010م.

في الدورة السادسة والعشرين للمجلس الأعلى )مسقط ديسمبر 2005( اعتمد المجلس الأعلى معايير التقارب ومكوناتها. كما اتفقت لجنة التعاون المالي والاقتصادي ولجنة المحافظين في اجتماعها المشترك الخامس (أكتوبر 2005) على مهام السلطة النقدية المشتركة في ظل قيام الاتحاد النقدي وأن تكون هذه السلطة مستقلة في قراراتها، وأن تبدأ على شكل مجلس نقدي يتحول إلى بنك مركزي خليجي. وقد تضمنت هذه المعايير جانبين هما:

  1. معايير التقارب النقدي، وتتمثل في معدلات التضخم ومعدلات الفائدة ومدى كفاية احتياطات السلطة النقدية من النقد الأجنبي.
  2. معايير التقارب المالي وتتمثل في نسبة العجز السنوي في المالية الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وقد ناقشت لجنة المحافظين في اجتماعها في أبريل 2006م، طريقة حساب وقياس هذه المعايير وتحديد نسب العجـز والمديونية القصوى المسموح بها. كما ناقشت البدائل المقترحة للسلطة النقدية المشتركة التي ستتولى مهام إصدار العملة الخليجية الموحدة وإدارة السياسة النقدية الموحدة. غير أن ذلك تأخر بعض الشيء وإلى غاية سنة 2007م، حيث وفي تطور مفاجئ، وخلال الدورة السابعة والعشرين للمجلس الأعلى) الرياض ديسمبر 2006(أبدت سلطنة عمان موقفها تجاه البرنامج الزمني للاتحاد النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحدة والمتضمن عدم تمكن السلطنة من الانضمام وأنها لا تمانع في الوقت ذاته من استمرار بقية الدول الأعضاء في المشروع.  وفي هذا السياق، أكد المجلس الأعلى على الاستمرار في استكمال خطوات إقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة وفق البرنامج الزمني المقرر، وتوجيه اللجان المعنية بتكثيف الجهود للاتفاق على الأنظمة والوثائق اللازمة لذلك.

وفي مايو 2007م، ولاستكمال ما ورد في الفقرة الثانية من البرنامج الزمني لإقامة الاتحاد النقدي اعتمدت لجنة التعاون المالي والاقتصادي ولجنة المحافظين في اجتماعها الثالث والسبعين النسب الخاصة بمعايير التقارب والمراد تحقيقها وكيفية حسابها والوصول إليها وذلك بتفويض من المجلس الأعلى في دورته السابعة والعشرين في ديسمبر 2006م (الجدول رقم1).

كما قامت دولة الكويت خلال نفس الاجتماع بتغيير ارتباط عملتها بالدولار الأمريكي ولأسباب شرحتها في خطاب موجه للأمانة العامة، عدلت عن هذا الربط واستبدلته بالارتباط بسلة من العملات.

في دورته التاسعة والعشرين الكويت، ديسمبر 2008 م، اعتمد المجلس الأعلى في اتفاقية الاتحاد النقدي التي بموجبها ينشأ الاتحاد النقدي بين الدول الأعضاء، وحددت الاتفاقية السمات والملامح الأساسية له وما يتطلبه من تنسيق في السياسات الاقتصادية وبناء نظم المدفوعات وتبني تشريعات مصرفية مشتركة، وإنشاء مجلس نقدي يهيئ لإنشاء بنك مركزي، لإصدار عملة موحدة تحل محل عملات الدول الأعضاء. كما أقرت نفس الدورة النظام الأساسي للمجلس النقدي الذي يؤدي دور بنك مركزي خليجي في مرحلة انتقالية محددة، على أن يتحول بعدها إلى بنك مركزي إقليمي يشرف على الاتحاد النقدي. وتضمن القرار أيضًا أن تقوم الدول الأعضاء بالمصادقة على الاتفاقية في أسرع وقت ممكن تمهيداَ لإقامة المجلس النقدي وتمكينه من القيام بمهامه في موعد أقصاه نهاية2009 م، كما فوض المجلس الأعلى المجلس الوزاري بالتوقيع على الاتفاقية بعد اختيار المقر الدائم للمجلس النقدي.

 

 

جدول رقم 1: معايير التقارب المالي والنقدي في إطار الاتحاد النقدي لدول مجلس التعاون الخليجي العربية

الجانب المالي والنقدي

المعايير

معيار التضخم

يجب أن لا يزيد معدل التضخم في أي من الدول الأعضاء عن المتوسط) بحجم الناتج المحلي الإجمالي( لمعدلات التضخم في دول المجلس زائداَ نقطتين مئويتين.

سعر الفائدة

يجب أن لا يزيد سعر الفائدة في أي من الدول الأعضاء عن متوسط أدنى ثلاثة أسعار للفائدة قصيرة الأجل )لمدة ثلاثة أشهر( في دول المجلس زائداَ نقطتين مئويتين.

كفاية احتياطيات السلطة النقدية من النقد الأجنبي لتغطية الواردات السلعية

يجب أن تكون احتياطيات السلطة النقدية في كل دولة كافية لتغطية تكلفة وارداتها السلعية لمدة لا تقل عن أربعة أشهر.

نسبة العجز السنوي في المالية الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي

يجب أن لا تزيد نسبة العجز السنوي عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي (طالما كان متوسط سعر نفط سلة الأوبك في حدود السعر المقبول(.

نسبة الدين العام إلى الناتج

المحلي الإجمالي

يجب ألا تتجاوز نسبة الدين العام للحكومة العامة 60% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، ولا تتجاوز نسبة الدين العام للحكومة المركزية 70 %من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.

المصدر: الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي.

 

وتم فعلاً خلال شهر مايو 2009م، اختيار الرياض مقرًا للمجلس النقدي (ومن ثم البنك المركزي الخليجي) إلا أنه قررت الإمارات العربية المتحدة الانسحاب من مشروع الاتحاد النقدي كونها كانت تطمح أن تكون مقرًا للبنك المركزي الخليجي.

وعليه لم يتبق في مشروع الوحدة النقدية سوى أربع دول (البحرين-السعودية-الكويت وقطر)، حيث قامت هذه الأخيرة بالتوقيع على اتفاقية الاتحاد النقدي خلال شهر يونيو 2009م، وبعد استكمال المصادقة عليها، دخلت الاتفاقية حيز النفاذ بتاريخ 27 فبراير 2010م، ومثلما نصت عليه الاتفاقية أنشأ المجلس النقدي الخليجي بتاريخ 27 مارس 2010م، وبدأ ممارسة مهامه وفق ما ينص عليه نظامه الداخلي بتاريخ 30 مارس 2010م. ولقد عقد مجلس إدارة المجلس النقدي، منذ إنشائه وحتى نهاية 2012م، عشرون اجتماعًا. وخلال هذه المرحلة أنشأ المجلس النقدي لجنة تحضيرية عُليا مؤقتة على مستوى نواب المحافظين في الدول الأعضاء وذلك لتسريع العمل لحين تولي الجهاز التنفيذي، وتركزت مناقشات المجلس منذ بدء اجتماعاته على متطلبات المرحلة القادمة المتمثلة في ترسيخ البناء المؤسسي، حيث تم إقرار النظام الداخلي لمجلس الإدارة، ولائحة الموارد البشرية للمجلس النقدي. و يلاحظ جليًا التأخر في إصدار العملة المشتركة مقارنة بما كان مقررًا سنة 2010 م، ولم ينتقل المجلس النقدي بعد إلى ممارسة مهامه المنصوص عليها في نظامه الداخلي و الخاصة بالعملة المشتركة (تنسيق السياسات النقدية وسياسات أسعار الصرف للعملات الوطنية، وتحديد الإطار القانوني والتنظيمي للبنك المركزي الخليجي المزمع إنشاؤه، وتطوير الأنظمة الإحصائية والتأكد من جاهزية نظم المدفوعات للتعامل مع العملة الموحدة و الإعداد لإصدار أوراق، النقد و المسكوكات المعدنية للعملة الموحدة، البرنامج الزمني لإصدار العملة الموحدة وطرحها للتداول). وهو يجعل الأمل في رؤية عملة خليجية موحد بعيد المنال على المدى القريب.

ثالثًا: الآفاق المستقبلية للاتحاد النقدي الخليجي

تعتبر اقتصاديات مجلس التعاون الخليجي العربية الست من أكثر الاقتصاديات تجانسًا، بالإضافة إلى عوامل أخرى اجتماعية وسياسية وثقافية وجغرافية. الشيء الذي يجعل الكثير من المتابعين لشؤون المنطقة يؤهلونها لأن تتحول إلى منطقة تكامل بصورة أكثر سهولة.

إلا أن ما تم إنجازه إلى غاية الآن على صعيد التكامل بين هذه الدول يتطلب إلقاء الضوء على الآفاق المستقبلية لهذه الدول والدروس التي يجب عليها أخذها بعين الاعتبار في تسريع مسيرة التكامل الإقليمي بينها وكذا حصد نتائج إيجابية منه، خاصة في حالة تحقيق الاتحاد النقدي وإصدار العملة المشتركة.

إن الاستنتاج بأن الاتحاد النقدي الخليجي بإمكانه تعزيز التجارة لا يعني أنه حل سحري يصلح لما تواجهه دول المجلس من تحديات في مجال التجارة والتنمية على المستوى الإقليمي. وتحديداً، فإنه لا يمثل شرطاً كافياً لتعزيز التكامل الإقليمي. وفي هذا الصدد، إذا أرادت الدول الخليجية استخدام الاتحاد النقدي على نحو فعال لتعزيز التكامل، سيتعين عليها اعتماد سياسات اقتصادية تكميلية من شأنها أن تخلق ظروفاً مواتية لحفز التنمية الإقليمية. ويُرجح أن تشهد دول المجلس تحقق أثر الاتحاد النقدي المتوقع في تعزيز التكامل إذا بُذلت جهود إضافية لتطوير القدرات الإنتاجية للبلدان. فالاتحاد النقدي يمكن أن يخفض تكاليف التجارة بين الأعضاء، لكن إذا كان أعضاؤه يفتقرون إلى القدرة على إنتاج أنواع السلع التي يريدها المستهلك، فمن غير المرجح توليد ما يكفي من فرص التبادل التجاري فيما بينهم. إذ إن توفير بنية تحتية تتسم بالكفاءة وسهولة الوصول إليها وتحسين سبل الحصول على خدمات بتكلفة معقولة تمثل بعض تدابير السياسة العامة التي يمكن أن تسهم في تطوير القدرات الإنتاجية في دول مجلس التعاون الخليجي.

كما سيؤدي استقرار الاتحاد النقدي واستمراره دوراً في تحديد تأثير هذا الاتحاد على التجارة. فالاتحاد النقدي الأكثر استقراراً والأطول عهداً يقلص على الأرجح من درجة عدم التيقُّن ويحفز الاستثمار والتجارة الإقليميين. ويمكن أن يخلق أيضاً مزيداً من الفرص لتقاسم المخاطر وتوزيع رؤوس الأموال توزيعاً أفضل، وأن يعزز النمو الاقتصادي في البلدان الأعضاء. لكن من الأهمية بمكان أن تكون هناك آلية لضمان بلوغ أعضاء الاتحاد النقدي استقرار الاقتصاد الكلي لكي يستقر الاتحاد ويعمِّر. ويمكن أن يؤدِّي التباين بين متغيرات الاقتصاد الكلي إلى أزمات مالية في الاتحاد، ويهدد بقاءه، ويجعل من الصعب تعزيز التجارة الإقليمية. وتستدعي الحاجة في هذا السياق تنسيق السياسات الاقتصادية لزيادة احتمالات التعاون في حالة الاقتصاد الكلي عبر البلدان في الاتحاد، وهذا أحد الدروس الكبيرة التي ينبغي للدول الخليجية تعلمها من أزمة الاتحاد النقدي الأوروبي.

حيث أن الحجم الكبير للاتحاد النقدي الأوروبي والتحديات التي واجهها منذ "الأزمة العالمية" عام 2009م، أمران ينطويان على دروس هامة بالنسبة للاتحاد النقدي المقترح بين الدول الخليجية. فخلافاً لهذه الدول، كانت أوروبا تتمتع فعلياً بدرجة عالية نسبياً من التكامل التجاري قبل قيام الاتحاد النقدي الأوروبي. وتملك أيضاً بنية تحتية تتسم بكفاءة عالية ويمكن التعويل عليها ويسهل الوصول إليها. ولذلك، فإنه من غير المستغرب أن يكون تأثير الاتحاد النقدي الأوروبي على التجارة كبيراً جداً. ومن الدروس الهامة التي يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي استخلاصها من هذه التجربة أن البيئة التجارية والمؤسسية ينبغي أن تكون مواتية لتعزيز التكامل الإقليمي من أجل ضمان جني الفوائد التي يمكن أن يعود بها التكامل النقدي على المنطقة بالكامل.

والدرس الآخر الذي يمكن لدول الخليج العربية أن تستخلصه من الاتحاد النقدي الأوروبي هو أهمية ثبات سياسات الاقتصاد الكلي. فوجود اختلافات واسعة في درجة الانضباط المالي بين البلدان الأعضاء يمكن أن تترتب عليه تحديات تهدد بقاء الاتحاد واستقراره. ولمعالجة هذه المسألة، فرضت دول المجلس معايير التقارب على صعيد الاقتصاد الكلي، فاتبعت النهج الذي اعتمده أعضاء الاتحاد النقدي الأوروبي بحذافيره. وهناك مخاوف من أن يؤدي اعتماد النوع الصارم من معايير التقارب التي اعتمدها الاتحاد النقدي الأوروبي إلى تضييق الحيز السياساتي المتاح للبلدان الخليجية لمواجهة تحديات التنمية الحالية والمستجدة.

وتؤكد تجربة الاتحاد النقدي الأوروبي أيضاً أنه لا بد أن يكون لدى البلدان الموشكة على المشاركة في اتحاد نقدي آلية موثوقة وعملية لإجراء التحويلات المالية لكي يتسنى لها التصدي للصدمات غير المتماثلة والتكيف معها. وفي غياب هذه الآلية، يكون الاتحاد النقدي عرضة لضغوط هائلة عندما تلمُّ الصدمات غير المتماثلة بأعضائه. ويمكن لتنقل اليد العاملة أيضاً الاضطلاع بدور حاسم في مساعدة البلدان على التكيف مع الصدمات غير المتماثلة، لكن هذا الإجراء يمثل تحدياً ويصعب تنفيذه ويتطلب من القادة الخليجيين إرادة سياسية صلبة.

مقالات لنفس الكاتب